الجمعة، 16 نوفمبر 2012

ديكتاتورية السودان +صور القدافي د. عبدالوهاب الأفندي






(1) توفر لدينا ما يكفي من الأسباب لإساءة الظن بحكام السودان الحاليين. يكفي أن هذه المرة الثالثة والعشرين التي نكتب فيها التقييم السنوي لأداء النظام، ويكون كل تقييم سلبياً أكثر مما سبقه. ولكن سوء الظن لم يبلغ بنا حد تصديق أن النظام أخذ يروج للقبلية علناً وبدون أي مواربة. وعندما تواترت المزاعم بأن الجهات الحكومية أخذت تطالب المواطنين بتحديد 'قبيلة' كل منهم في الاستمارات الرسمية، نسبنا هذا إلى غلو بعض المعارضين، وربما إلى إجراءات وتحيزات بعض مراكز القوى والجيوب المعزولة في بعض الأجهزة. ذلك أنه لم يخطرعلى بالي، حتى في أسوأ الكوابيس، أن تلجأ حكومة تتدثر بالشرعية الإسلامية (حتى وإن كان ذلك كذباً ونفاقاً) إلى الترويج للقبلية في وثائقها الرسمية.
مثل هذا المنحى يعتبر من المحظورات، ليس فقط لأنه يناقض نهج الإسلام وهديه المعروف الذي لخصه الحديث المشهور 'دعوها (أي عصبية القبيلة) فإنها منتنة'، أو حديث 'كلكم لآدم، وآدم من تراب'. ولكن هناك سببا آخر يتعلق بالتاريخ الوطني السوداني، يجعل هذا المنحى من المحظورات الوطنية. ذلك أن الاستعمار البريطاني قد سعى في أول عهده إلى فرض التقسيمات القبلية على المواطنين، فكان هذا حافزا لأول تمرد وطني على السلطات الاستعمارية. فقد سعت تلك السلطات إلى استحداث خانة لـ'الجنسية' في كل الاستمارات الرسمية، وكان المطلوب من كل من يتعامل مع السلطة أن يحدد فيها إلى أي قبيلة ينتمي. وقد كان هذا شرطاً لكل من يريد الاستمتاع بخدمات مثل التعليم أو الحصول على وظيفة. ومع ظهور بوادر الحركة الوطنية، بدأت النخبة المثقفة تتمرد (بصورة فردية في البداية) على هذا التقسيم، وتصر على كتابة 'سوداني' في خانة الجنسية. وكانت السلطات ترد بحرمان من يقوم بمثل هذا الاحتجاج من التعليم أو الوظيفة، وكان هؤلاء يقبلون بهذه التضحيات باعتبارها ثمناً يستحق الدفع من أجل الوطن وتحرره المطلوب.
وقد خلدت أدبيات الحركة الوطنية هذه الوقفات النبيلة في الشعر والنثر والغناء، وفي تسطير تاريخ الحركة الوطنية ومجاهداتها، حتى أصبح هذا الموقف جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية. ولو جاءت بعد ذلك حكومة 'وطنية' تحاول فرض ما رفضه الشعب من السلطة الاستعمارية، مهما كانت الحجج والذرائع، فإنها تكون بمثابة أن تقوم حكومة جنوب افريقيا بفرض حمل 'وثيقة المرور' التي كانت السلطات العنصرية تفرض حملها على كل المواطنين السود في أيام الفصل العنصري. ومثل هذ الحكومة تعلن براءتها من الوطنية والوطن مثلما فرضت براءتها من الإسلام.
وللأسف، وبالرغم من أنني فزعت بآمالي إلى الكذب حين ما ووجهت بمثل هذه الدعاوى، إلا أنه تأكد لدي بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام السوداني قد أحيا هذه الممارسة الاستعمارية البغيضة حتى أصبحت سياسة رسمية في كل دوائر الحكومة. بل وهناك إصرار عجيب على فرضها، إلى درجة اختراع 'قبيلة' أو انتساب قبلي لكثير من سكان الحضر الذين فقدوا كل صلة بمثل هذه الانتماءات ولم يعودوا يذكرون أو يعرفون نسبة إلى قبيلة!
وبحسب نظري فإن مثل هذه الردة الاستعمارية هي من الكبائر المتجاوزة لكل الحدود، بما في ذلك حدود الله، وهي كبيرة تتضاءل أمامها كل الكبائر. ولا شك أن استحلال استعادة سياسة خبيثة منكرة، استنها الاستعمار وأنكرها كل وطني مخلص، وأدانها نبي الإسلام عليه صلوات الله وسلامه ودمغها بأنها 'منتنة'، يعبر عن إشكال أخلاقي عميق. ولو كان في البلاد قضاء عادل، لوجب أن يعرض كل من شارك في هذا الجرم على القضاء ليلقى جزاءه العادل، ويعلن عدم صلاحيته لتولي أي منصب عام.

(2)
في سياق متصل، تابعت باهتمام الحملات الرسمية خلال الأسابيع الماضية ضد بعض الصحف والصحافيين والناشطين الحقوقيين. وتمثلت هذه الحملة في مصادرة أو إغلاق الصحف، واعتقال ومحاكمة الصحافيين. ويكفي أن نذكر هنا قضية الصحافي فيصل محمد صالح الذي تم استدعاؤه للتحقيق بصورة متكررة، وذلك بعد تعليقات اعتبرت سلبية على خطاب لرئيس الجمهورية السوداني صرح بها على أحد البرنامج الأخبارية على قناة الجزيرة في أبريل الماضي. وقد كانت هذه الاستدعاءات في الواقع اعتقالاً غير قانوني لأن الصحافي كان يستدعى إلى مقر جهاز الأمن والمخابرات حيث يفرض عليه الجلوس في غرفة الاستقبال حتى المساء، ثم يطلب منه الانصراف والعودة في اليوم التالي ليتكرر نفس السيناريو. وعندما احتج عند أحد الضباط، أخبر بأن هذا الإجراء سيستمر لعشرة أيام فقط.
وبعد أن صبر صاحبنا على هذه المضايقة للأيام المعدودات، طلب منه الحضور مرة أخرى، فرفض. عندها تم اعتقاله وحبسه في ظروف لا إنسانية لعشرة أيام أخرى، ثم تقديمه للمحاكمة. وقد اشتمل هذا الإجراء على مخالفات قانونية ودستورية مركبة، لأنه ليس من صلاحيات جهاز الأمن ضبط مخالفي القانون وتقديمهم للمحاكمة، بل هذا من اختصاص النيابة والشرطة. ولكن الجهاز يحتال على هذا الإجراء بفتح بلاغ جنائي ضد بعض من يعتقلهم أو يعترض على نشاطهم. وبالفعل تم فتح بلاغ في حق صالح ثم تقديمه للمحاكمة بتهمة خيانة الوطن!
وهنا تثور أسئلة غاية في الأهمية. ذلك أن الرجل اعتقل في السابع من مايو وقدم للمحاكمة في الحادي والثلاثين من الشهر نفسه. وكل من تعامل مع الشرطة السودانية في مسألة فتح بلاغ، ومع المحاكم السودانية في قضايا مدنية أو جنائية، يعرف تماماً أنه يكون من المحظوظين لو استغرق تحري الشرطة في القضية خمسة أو ستة أشهر، ولو أنها وصلت إلى القضاء خلال عام، وأفتى فيها خلال عامين. ولكن البلاغ المعني هنا تم التحري فيه (أتمنى الاطلاع على وثيقة البلاغ لهدف واحد، معرفة ما وضعه صاحب البلاغ في خانة 'القبيلة'، وهو تصنيف إجباري في استمارة البلاغ، لأنه يهمنا جداً معرفة القبيلة التي ينتمي إليها جهاز الأمن والمخابرات) ورفعه إلى القضاء وصدر الحكم فيه خلال أقل من اسبوعين. صحيح أن الحكم صدر بالبراءة، لأنه لم يكن من السهل إصدار أي حكم آخر، ولكن كثيراً من الإجراءات تم تجاوزها ومخالفتها حتى تصل إلى هذه النتجة. نفس الفترة شهدت اعتقالات وملاحقات في حق ناشطين، من بينهم المدونة نجلاء سيد أحمد، التي تعرضت للضرب في أبريل الماضي، ثم إلى حملات دهم وتفتيش، ثم اعتقال. كما شهدت مصادرة أو إغلاق ومحاكمة عدد من الصحف. ولا يزال فيصل محمد صالح نفسه يواجه المحاكمة بتهمة تتعلق بتناول قضية فتاة ادعت في العام الماضي تعرضها للاغتصاب من قبل مجموعة قالت أنها تنتمي إلى جهاز الأمن. إضافة إلى ذلك، فإن وزارة العدل أغضبت كل الصحافيين، بمن فيهم مناصري الحكومة المتحمسين، حين قررت إنشاء نيابة خاصة للصحافة في عاصمة ولاية الجزيرة التي تقع على بعد 150 كيلومتراً جنوب العاصمة الخرطوم. فقد توحد الصحافيون حول رفض هذا الإجراء الذي رأوا فيه محاولة لعرقلة عمل الصحافة. ذلك أن رؤساء التحرير يتم استدعاؤهم بصورة شبه يومية أمام النيابة للتحقيق في شكاوى لا تنتهي ضد ما ينشرون (وهي في معظمها شكاوى من جهات حكومية).
لسنا هنا بصدد انتقاد مخالفة هذه الممارسات لأساسيات حقوق الإنسان وللدستور السوداني، فهذه مسألة لا تحتاج إلى تنويه. ولكن القضية تتعلق بعدم نجاعة هذه الإجراءات حتى من وجهة نظر الحكومة وأجهزتها الأمنية. فمن جهة نجد أن هذه الإجراءات لم تفلح في إرهاب أو إسكات المعارضة، بل بالعكس، قوت من عزم المعارضين، وزادت من التضامن الداخلي والخارجي مع المستهدفين. فقد أصبح استهداف صحافي أو ناشط معين من قبل الأجهزة الأمنية أقرب طريق إلى تحقيق الشهرة العالمية. من جهة أخرى، فإن الاستهداف لم يحجب الآراء والمعلومات التي أرادت الحكومة إخفاءها. شخصياً لم أسمع تعليقات فيصل التي جلبت عليه غضب جهاز الأمن، ولم أسمع حتى باسم المدونة نجلاء سيد أحمد قبل استهدافها من أجهزة الأمن. ولكنني بعد التطورات الأخيرة، اجتهدت في الاستقصاء عن هذه المعلومات. وهذا بحد ذاته يستوجب على هؤلاء الناشطين نشر إعلانات شكر وعرفان مدفوعة الأجر لجهاز الأمن لما أسداه لهم من خدمات جلى، كما يستوجب على النظام استحداث جهاز آخر حتى يعتقل ويلاحق قادة الجهاز الحالي بتهمة الإساءة إلى النظام وتشويه سمعته والتعجيل بإسقاطه.

(3)
إذا أردنا تلخيص المسألة فهي أننا أمام 'دكتاتورية الخيبة' والقتل والاغتصاب في سوريا. فكل دكتاتورية هي فاشلة بالتعريف، لأن كل نظام دكتاتوري لا بد أن ينتهي إلى السقوط والفشل بسبب تراكم أخطائه.واستعماله المفرط للجيش والبوليس والعملاء لقهر المواطنين الراقظين له ..عند زيارتي للجزائر العاصمة نهاية جوان 2012 ..تفاجات بامراة سورية اللهجة ..تقدمت الى لطلب صدقة ..والله انفطر قلبي حزنا على حرائر سوريا ...انهن هربن من الجحيم..ويتسولن في بلاد الغربة ..وقد ينحرفن..الى اشياء اخري ..عيب يابشار الاسد..انسحب ..الشعب لن يحبك ..الى الابد  انها الثورة ..وسوف تنتصر رغم اعتراض روسيا التي قتلت اطفال ورجال ونساء سوريا الابرياء ..بدون ذنب ..لودامت لك يابشار ماوصلت اليك....فعلا الثورة انتصرت على الديكتاتورية العسكرية المصرية ..كما قال عبد الباري عطوان..وستنتصر قي سوريا كدلك ... ولكن النظام السوداني فاشل حتى في طموحاته الدكتاتورية، لأنه لم ينجح في أن يتحول إلى كيان إرهابي ناجع على طريقة الأنظمة القمعية الفاعلة مثل نظام القذافي في ليبيا أو أنظمة العراق وسورية وتونس ومصر وغيرها. فهو دكتاتورية 'نصف كم'، أو كاريكاتور لنظام قمعي، يبعث على الضحك والشفقة أكثر مما يبعث على الفزع والرعب. ذلك أن طبيعة المجتمع السوداني لا تسمح بقيام أنظمة إرهابية ناجعة، وبالتالي فإن محاولة لإقامة حكم من هذا النوع تصبح كلفتها أكثر من عائدها. فالنظام السوداني يتمتع بسمعة أنه من أشرس الأنظمة القمعية في العالم، ولكنه لا يجني أي فائدة عملية من ذلك، حيث لم ينجح في إرهاب أو إسكات المعارضة.
هناك نكتة مشهورة كانت تحكى عن الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري رحمه الله، حيث يقال إنه ذهب متنكراً إلى سوق الخضار عند الفجر، مستفسراً عن الأسعار، فوجدها أعلى بكثير من السعر الذي حددته الحكومة. غضب الرئيس أشد الغضب، واندفع عائداً إلى قصره حيث ارتدى بزته العسكرية وعاد إلى نفس المكان على رأس موكب رئاسي مهيب، حتى وقف عند نفس البائع وهو ينتفض غضباً وطرح عليه السؤال مجدداً عن سعر البضاعة. فما كان من البائع إلا أن دفع بيده غاضباً في وجه الرئيس دون ان يلتفت إليه قائلاً: ألم أخبرك بالسعر منذ قليل؟
وهذه هي تحديداً مشكلة النظام الحالي، فهو نظام إرهابي لا يرهب أحداً، ونظام يروج للقبلية دون أن يجد قبيلة تتبناه. ونحن نقول لهم: 'دعوها فإنها (دكتاتورية) منتنة'. أو بالأحرى نقول للشعب: دعوهم، فإنهم لا يصلحون ولا يصلحون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق