الجمعة، 16 نوفمبر 2012

السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث. محمد الغزالي.نظرية"الغرف المغلقة" تصلح لتفسير كل شيء.

بسبب هذا الكتاب تعرض شيخنا الجليل محمد الغزالي لتهمة شنيعة وهي التشكيك في السنة النبوية!!. لم يشفع له تاريخه الناصع ودفاعه الحار عن دين الله.. هكذا يحدث دائما للمجددين.. نظرية"الغرف المغلقة" تصلح لتفسير كل شيء.. الثقافات المغلقة على نفسها والتي لا تمتلك شجاعة النقد والتجديد تتحول إلى كيانات لا نهائية تدور في حلقات مفرغة تؤمن أنها امتلكت الصواب وكل من يخالفها كافر ضال.. وفيالوقت نفسه تدور ثقافات أخرى في غرف أخرى في حلقات مفرغة مماثلة ويستمر الحال على ما هو عليه حتى تمتلك إحدى تلك الثقافات شجاعة النقد والتجديد.
الشيخ الغزالي امتلك شجاعة نقد بعض أحاديث البخاري ومسلم.. لا يمكن اتهامه طبعا بعدم التخصص أو الجهل الشرعي.. لكن تهمة الضلال ومعاداة السنة جاهزة.. وقدحصدها على كل حال من أصحاب الغرف المغلقة.
أهمية كتابه لا ترجع في اعتقادي لمادته العلمية القيمة فحسب، بل لأنه دعوة ملحَّـة لثقافة التسامح بين المتدينين.. وهي ثقافة نفتقدهاللأسف.. لقدمرر لنا هذا الكتاب رسالة مهمة جدا، وهي أن بعض ما نتصوره غير قابل للمناقشة هو قابل للمناقشة و(نص).. خلاففكري وليس عقائديا كما يريدون أن يصورونه.
إن الحقائق الرئيسية في المنهج الإسلامي لم تعد تحتل المساحة المناسبة لها عند مسلمي اليوم.. في الماضي كان البدوي يخاطب الفرس أيام الفتح الأول قائلا: جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد، واليوم صار اهتمام المتدينين بمسائل فرعية من قبيل نقض الوضوء للمس المرأة أكثر مما يشغله إجراء انتخابات مزورة!.
السند والمتن
إن الحكم الديني لا يؤخذ من حديث واحد مفصول عن غيره.. وإنما يضم الحديث إلى الحديث، ثم تقارن أحاديث المجموعة بما دل عليه القرآن الكريم، فإن القرآن هو الذي تعمل الأحاديث في نطاقه لا تعدوه "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله".. وعلماءالسنة وضعوا خمسة شروط لقبول الأحاديث النبوية، ثلاثة في السند (راو واع * تقي ذو ضمير * اطراد هاتين الصفتين في سلسلة الرواة) واثنين في المتن (عدم الشذوذ بمعنى ألا يخالف ما هو أوثق، والثاني هو غياب العلة القادحة).. هذه الشروط كافية جدا لدقة النقل وقبول الآثار والمهم هو إحسان التطبيق.
والسنة ليست كلها سواء فمنها متواتر له حكم القرآن الكريم، وفيها الصحيح المشهور الذي يفسر كتاب الله.. ولكن الحديث قد يصح سندا ويضعف متنا مثلما رفضت السيدة عائشة حديث عذاب الميت ببكاء أهله (وهو المثبت في الصحاح) لتعارضه مع قول الله تعالى (ولا تزر وازرةوزر أخرى)، ورفض أبو حنيفة حديث "لا يقتل مسلم في كافر" برغم صحة سنده لتعارضه مع النص القرآني "النفس بالنفس" فقدم ظاهر القرآن على حديث الآحاد.. خصوصاأن هذه الأحاديث كلها لا علاقة لها بكفر أو إيمان ولا ترتبط بعقيدة ولا تتصل بعمل.
أمثلة من كتب الصحاح
يقول الشيخ إن هناك أحاديث صحيحة السند غير أن متونها تجعله يقف أمامها واجما للبحث عن مخرج؛ فحديث مسلم "كل ذي ناب من السباع فأكله حرام" يتعارض مع القرآن الكريم "قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به"، ورواية نافع في الحرب بغير إنذار لأنها تتناقض مع قوله تعالى "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين"، وأحاديث الجبر تخالف الكتاب والسنة، بل هي تطويح للوحي كله فنحن بجهدنا ننجو أو نهلك مثل حديث مسلم: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل النار فيدخلها".
حديث فقأ موسى لعين ملك الموت برغم صحة سنده يثير الريبة؛ إذ يفيد أن موسى عليه السلام يكره الموت ولا يحب لقاء الله، وهذا بالطبع مرفوض، ثم هل الملائكة تعرض لهم العاهات كما تعرض للبشر؟ وبرغم ذلك اعتبر شارح هذا الحديث منكريه من الملاحدة!!.. يقولالشيخ إن وصم منكر الحديث بالإلحاد استطالة في أعراض المسلمين؛ ففي متنه علة قادحة تنزل به عن مرتبة الصحة حتى لو كان في الكتب الصحاح.
وبين ر****ي مسلم والبخاري في كتابة الرزق والأجل على الجنين تفاوت واضح.. يقول الشيخ إن أي مسلم يذهب إلى الله تعالى بإيمان واضح وعمل صالح لن يضيره الجهل بأحد الحديثين أو كليهما معا، ويستغرب الشيخ ما رواه ثابت عن أنس أن رجلا اتهم بأم ولد رسول الله فأمر علي بضرب عنقه، وهو الأمر الذي كاد يحدث لولا أن وجده علي مجبوبا أي مقطوع الذكر!!... يقول الشيخ أنه يستحيل أن يحكم على رجل بالقتل في تهمة لم يحقق فيها أويسمع له فيها دفاعا.. والظاهرأنه نجا من القتل بسبب عاهته ويتساءل: هل لو كان سليما أبيح دمه؟!! هذا أمر تأباه أصول الإسلام وفروعه كلها.
كما يستغرب الشيخ الحديث الذي يحبذ صلاة المرأة في غرفتها لتعارضه مع الواقع العملي لشهود النساء صلاة الجماعة معه طيلة عشر سنين.. ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، ولاستبقاء الخلافة الراشدة صفوف النساء في المساجد بعد وفاة الرسول الكريم.. ابنحزم أراح نفسه وأراح غيره *حسب تعبير شيخنا* حينما كذب أحاديث منع النساء من الصلاة في المساجد وعدها من الباطل.. يقول شيخنا إن الحديث يعتبر شاذا إذا خالف راويه الثقةُ الأوثقَ منه.
وأحيانا يكون الحديث صحيحا سندا ومتنا ولكنه قيل في ظروف تاريخية فحديث "خاب قوم ولوا أمرهم امرأة" كان حينما كانت فارس تتهاوى وتتقلص فإن الوثنية السياسية جعلت الملك ميراثا لفتاة لا تدري شيئا، فكان هذا الحديث وصفا للأوضاع كلها دون أن يعني هذا انتقاصا من قدرة المرأة على الحكم السليم فالقرآن قص علينا قصة ملكة سبأ التي قادت قومها إلى الإيمان والفلاح بحكمتها وذكائها ويستحيل أن يرسل حكما في حديث يناقض ما نزل عليه من وحي، يؤكد الشيخ أن هذا ليس حكما عاما، فإنجلترا بلغت عصرها الذهبي أيام الملكة فيكتوريا.. وأنديراغاندي حققت لقومها ما يصبون حينما شطرت الكيان الإسلامي لشطرين.. الكفاءة هي المهمة في رئاسة الدولة.
خير محتمل
انتهى كلام الشيخ ويبقى تعقيب صغير:
بالطبع ليس من الضرورة أن يكون الشيخ مصيبا في رأيه.. إنه مجرد رأي يؤخذ بعين الاعتبار وجزاه الله خيرا على اجتهاده، مصيبا كان أم مخطئا.. في اعتقادي أن ميزة الشيخ الغزالي الكبرى هي صدقه وشجاعته، لقد امتلك شجاعة النقد فيما يعتبره البعض خطا أحمر لا يجوز مجرد الاقتراب منه.
ورب ضارة نافعة، ولعل هذه الفتوى الجائرة تنطوي على خير كثير وتدفعنا لكسر "التابو" وامتلاك شجاعة النقد والتجديد. النقد طبعا للعلماء فقط *من وزن الشيخ الغزالي- وليس لكل من هب ودب يقبل حديثا راق له ويرفض آخر.. إن ديننا متين كما أخبر المصطفى.. وغايات الدين الكبرى لا خلاف عليها، وبالتأكيد لن يضيره قبول أو رفض مثل هذه الأحاديث التي يعتبر وضعها في واجهة المتجر -وطرحها وكأنها الإسلام- عدم أمانة علمية.
في النهاية هذا رأيي لا أزعم أني أمتلك الصواب.. إن كان صوابا فالحمد لله وإن كان خطأ أضعه تحت قدميوأذعن لله.. فالأمربسيط جدا ولا يستحق معارك على الإطلاق، إن كان قالها * صلى الله عليه وسلم * فقد صدق.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق