الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

قصيدة " من مفكرة عاشق دمشقي " للرائع نزار قباني منعت لسنين طويلة من النشر+قصائد متنوعة

 *** من مفكرة عاشق دمشقي ***
فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـا *** فيا دمشـقُ... لماذا نبـدأ العتبـا؟
حبيبتي أنـتِ... فاستلقي كأغنيـةٍ *** على ذراعي، ولا تستوضحي السببا
أنتِ النساءُ جميعاً.. ما من امـرأةٍ *** أحببتُ بعدك..ِ إلا خلتُها كـذبا
يا شامُ، إنَّ جراحي لا ضفافَ لها *** فمسّحي عن جبيني الحزنَ والتعبا
وأرجعيني إلى أسـوارِ مدرسـتي *** وأرجعي الحبرَ والطبشورَ والكتبا
تلكَ الزواريبُ كم كنزاً طمرتُ بها *** وكم تركتُ عليها ذكرياتِ صـبا
وكم رسمتُ على جدرانِها صـوراً *** وكم كسرتُ على أدراجـها لُعبا
أتيتُ من رحمِ الأحزانِ... يا وطني *** أقبّلُ الأرضَ والأبـوابَ والشُّـهبا
حبّي هـنا.. وحبيباتي ولـدنَ هـنا *** فمـن يعيـدُ ليَ العمرَ الذي ذهبا؟
أنا قبيلـةُ عشّـاقٍ بكامـلـها *** ومن دموعي سقيتُ البحرَ والسّحُبا
فكـلُّ صفصافـةٍ حّولتُها امـرأةً *** و كـلُّ مئذنـةٍ رصّـعتُها ذهـبا
هـذي البساتـينُ كانت بينَ أمتعتي *** لما ارتحلـتُ عـن الفيحـاءِ مغتربا
فلا قميصَ من القمصـانِ ألبسـهُ *** إلا وجـدتُ على خيطانـهِ عنبا
كـم مبحـرٍ.. وهمومُ البرِّ تسكنهُ *** وهاربٍ من قضاءِ الحبِّ ما هـربا
يا شـامُ، أيـنَ هما عـينا معاويةٍ *** وأيـنَ من زحموا بالمنكـبِ الشُّهبا
فلا خيـولُ بني حمـدانَ راقصـةٌ *** زُهــواً... ولا المتنبّي مالئٌ حَـلبا
وقبـرُ خالدَ في حـمصٍ نلامسـهُ *** فـيرجفُ القبـرُ من زوّارهِ غـضبا
يا رُبَّ حـيٍّ.. رخامُ القبرِ مسكنـهُ *** ورُبَّ ميّتٍ.. على أقدامـهِ انتصـبا
يا ابنَ الوليـدِ.. ألا سيـفٌ تؤجّرهُ؟ *** فكلُّ أسيافنا قد أصبحـت خشـبا
دمشـقُ، يا كنزَ أحلامي ومروحتي *** أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا؟
أدمـت سياطُ حزيرانَ ظهورهم *** فأدمنوها.. وباسوا كفَّ من ضربا
وطالعوا كتبَ التاريخِ.. واقتنعوا *** متى البنادقُ كانت تسكنُ الكتبا؟
سقـوا فلسطـينَ أحلاماً ملوّنةً *** وأطعموها سخيفَ القولِ والخطبا
وخلّفوا القدسَ فوقَ الوحلِ عاريةً *** تبيحُ عـزّةَ نهديها لمـن رغِبـا..
هل من فلسطينَ مكتوبٌ يطمئنني *** عمّن كتبتُ لهُ.. وهوَ ما كتبا؟
وعن بساتينَ ليمونٍ، وعن حلمٍ *** يزدادُ عنّي ابتعاداً.. كلّما اقتربا
أيا فلسطينُ.. من يهديكِ زنبقةً؟ *** ومن يعيدُ لكِ البيتَ الذي خربا؟
شردتِ فوقَ رصيفِ الدمعِ باحثةً *** عن الحنانِ، ولكن ما وجدتِ أبا..
تلفّـتي... تجـدينا في مَـباذلنا.. *** من يعبدُ الجنسَ، أو من يعبدُ الذهبا
فواحـدٌ أعمـتِ النُعمى بصيرتَهُ *** فللخنى والغـواني كـلُّ ما وهبا
وواحدٌ ببحـارِ النفـطِ مغتسـلٌ *** قد ضاقَ بالخيشِ ثوباً فارتدى القصبا
وواحـدٌ نرجسـيٌّ في سـريرتهِ *** وواحـدٌ من دمِ الأحرارِ قد شربا
إن كانَ من ذبحوا التاريخَ هم نسبي *** على العصـورِ.. فإنّي أرفضُ النسبا
يا شامُ، يا شامُ، ما في جعبتي طربٌ *** أستغفرُ الشـعرَ أن يستجديَ الطربا
ماذا سأقرأُ مـن شعري ومن أدبي؟ *** حوافرُ الخيلِ داسـت عندنا الأدبا
وحاصرتنا.. وآذتنـا.. فلا قلـمٌ *** قالَ الحقيقةَ إلا اغتيـلَ أو صُـلبا
يا من يعاتبُ مذبوحـاً على دمـهِ *** ونزفِ شريانهِ، ما أسهـلَ العـتبا
من جرّبَ الكيَّ لا ينسـى مواجعهُ *** ومن رأى السمَّ لا يشقى كمن شربا
حبلُ الفجيعةِ ملتفٌّ عـلى عنقي *** من ذا يعاتبُ مشنوقاً إذا اضطربا؟
الشعرُ ليـسَ حمامـاتٍ نـطيّرها *** نحوَ السماءِ، ولا ناياً.. وريحَ صَبا
لكنّهُ غضـبٌ طـالت أظـافـرهُ *** ما أجبنَ الشعرَ إن لم يركبِ الغضبا


نزار قباني
بيروت



عنـــــترة


هذي البلاد شقّة مفروشة
يملكها شخص يسمّى عنترة
يسكر طول اللّيل عند بابها
و يجمع الايجار من سكّانها
و يطلب الزّواج من نسوانها
و يطلق النّار على الأشجار
و الأطفال و الظّفائر المعطّرة


هذي البلاد كلّها مزرعة شخصيّة لعنترة
سماؤها هواؤها نساؤها
حقولها المخضوضرة
كل الشّبابيك عليها صورة لعنترة
كل الميادين هنا تحمل اسم عنترة


عنترة يقيم في ثيابها
في ربطة الخبز
و في زجاجة الكولا
و في أحلامنا المحتضرة
في عربات الخس و البطّيخ
في الباصات
في محطّة القطار
في جمارك المطار
في طوابع البريد
في ملاعب الفوتبول
في مطاعم البيتزا
و في كل فئات العملة المزوّرة


مدينة مهجورة مهجّرة
لم يبقى فيها فأرة أو نملة
أو جدول أو شجرة
لا شيء فيها يدهش السيّاح
إلاّ الصورة الرسمية المقرّرة للجنرال عنترة
في غرفة الجلوس في ميلاده السعيد
في قصوره الشّامخة الباذخة المسوّرة


ما من جديد في حياة هذة المدينة المستعمرة
فحزننا مكرّر و موتنا مكرّر
و نكهة القهوة في شفافنا مكرّرة
فمنذ أن ولدنا و نحن محبوسون
في زجاجة الثقافة المدوّرة
و اللغة المدوّرة
و مذ دخلنا المدرسة
و نحن لا ندرس إلاّ سيرة ذاتيّة واحدة
تخبرنا عن عضلات عنترة
و مكرمات عنترة و معجزات عنترة
و لا نرى في كل دور السينما
إلا شريطاً عربيّاً مضجراً يلعب فيه عنترة


لا شيء في إذاعة الصّباح نهتمّ به
فالخبر الأول فيها خبر عن عنترة
و الخبر الثالث و الخامس و التاسع و العاشر
فيها خبر عن عنترة

لا شيء في البرنامج الثاني
سوى عزف على القانون من مؤلفات عنترة
و لوحة زيتيّة من خربشات عنترة
و باقة من أردء الشعر بصوت عنترة


هذي بلاد يمنح الكتّاب فيها صوتهم
لسيد المثقفين عنترة
يجمّلون قبحه
يؤرّخون عصرة
ينشرون فكره
و يقرعون الطبل في حروبه المضفّرة


لا نجم فوق شاشة التلفاز إلاّ عنترة
بقدّه الميّاس أو ضحكته المعبّرة
يوماً بزيّ الدّوق و الأمير
يوماً بزيّ الكادح الفقير
يوماً على دبّابة روسيّة
يوماً على مجنزرة
يوماً على أضلاعنا المكسّرة


**** نزرا قبّـــاني ****




قرات هذه القصيدة من زمن طويل احببت ان تشاركوني بها لاني من محبين المرحوم الشاعرالكبير نزار :
هوامش على دفتر النكسه

أنعى لكم , يا أصدقائي , اللغة القديمه
و الكتب القديمه
أنعى لكم
كلاما المثقوب كالأحذية القديمه
و مفردات العهر , و الهجاء , و الشتيمه
أنعى لكم ..
أنعى لكم ..
نهاية الفكر الذي قاد إلي الهز يمه ..
مالحة في فمنا القصائد
مالحة ضفائر النساء
و الليل , والأستار , و المقاعد
مالحة أمامنا الأشياء .
يا وطنى الحزين
حولتنى بلحظه
من شاعر يكتب شعر الحب و الحنين
لشاعر يكتب بالسكين …
لأن ما نحسه
أكبر من أوراقنا
لابد أن نخجل من أشعارنا …
أذا خسرنا الحرب .. لا غرابه
لأننا ندخلها
بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابه
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه
لأننا ندخلها ..
بمنطق الطبلة و الربابه ..
السر في مأساتنا
صراخنا أضخم من أصواتنا ..
و سيفنا أطول من قاماتنا ..
خلاصة القضيه
توجز في عباره
لقد لبسنا قشر الحضاره
و الروح جاهليه ..
بالناي و المزمار
لا يحدث انتصار …
كلفنا أرتجالنا
خمسين ألف خيمة جديده
لا تلعنوا السماء
أذا تخلت عنكم .. لا تلعنوا الظروف
فالله يؤتي النصر لمن يشاء
و ليس حداد لديكم يصنع السيوف ..!!
يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباح
يوجعني ..
أن أسمع النباح ..
ما دخل اليهود من حدودنا ..
و انما ..
تسربوا كالنمل .. من عيوبنا ..
خمسة الآلف سنة
و نحن في السرداب
ذقوننا طويله
نقودنا مجهوله
عيوننا موانئ الذباب
يا أصدقائي
جربوا أن تكسروا الأبواب ..
أن تغسلوا أفكاركم , و تغسلوا الأثواب ..

يا أصدقائي …
جربوا أن تقرأو كتاب
أن تكتبوا كتاب
أن تزرعوا الحروف , و الرمان , و الأعناب
أن تبحروا الي بلاد الثلج و الضباب
فالناس يجهلونكم ..
في خارج السرداب ..
الناس يحسبونكم
نوعا من الذئاب ..
جلودنا ميتة الأحساس
أرواحنا تشكو من الافلاس
أيامنا …تدور بين الزار , و الشطرنج , و النعاس
هل ( نحن خير أمة قد أخرجت للناس ) ؟
كان بوسع نفطنا الدافق في الصحارى
أن يستحيل خنجرا من لهب و نار
لكنه ..
و أخجلة الأشراف من قريش
و خجلة الأحرار من أوس و من نزار
يراق تحت أرجل الحواري ..
نركض في الشوارع
نحمل تحت ابطنا الحبالا
نمارس السحل … بلا تبصر
نحطم الزجاج و الأقفالا
نشتم كالضفاضع
نمدح كالضفادع
نجعل من أقزامنا أبطالا ..
نجعل من أشرافنا أنذالا ..
نرتجل البطولة أرتجالا …
نقعد في الجوامع
تنابلا .. كسالى
نشطر الأبيات .. أو نؤلف الأمثالا
و نشحذ النصر على عدونا
من عنده تعالى …
لو احد يمنحنى الأمان
لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان
قلت له : يا سيدي السلطان
كلا بك المفترسات مزقت ردائي ..
و مخبروك دائما ورائي
عيونهم ورائي ..
أنوفهم ورائي ..
أقدامهم ورائي
كالقدر المحتوم , كالقضاء ..
يستجوبون زوجتى ..
و يكتبون عندهم أسماء أصدقائي …
يا حضرة السلطان
لأننى أقتربت من أسوارك الصماء
لأننى
حاولت أن أكشف عن حزني و عن بلائي
ضربت بالحذاء
أرغمنى جندك أن آكل من حذائي
يا سيدي ..
يا سيدي السلطان
لقد خسرت الحرب مرتين
لأن نصف شعبنا
ليس له لسان ..
ما قيمة الشعب الذي
ليس له لسان؟
لأن نصف شعبنا
محاصر كالنمل و الجزذان
في داخل الجدران
لو أحد يمنحنا الأمان
من عسكر السلطان
قلت له :
لقد خسرت الحرب مرتين
لأنك أنفصلت عن قضية الأنسان …
لو أننا لم ندفن الوحدة في التراب
لو لم نمزق جسمها الطري بالحراب
لو بقيت في داخل العيون و الأهداب
لما أستباحت لحم الكلاب …
نريد جيلا غاضبا
نريد جيلا يفلح الآفاق
و ينكش التاريخ من جذوره
و ينكش الفكر من الأعماق
نريد جيلا قادما مختلف الملامح
لا يغفر الأخطاء .. لا يسامح
لا ينحني .. لايعرف النفاق
نريد جيلا .. رائدا .. عملاق
يا أيها الأطفال
من المحيط للخليج , أنتم سنايل الآمال
و انتم الجيل الذي سيكسر الأغلال
و يقتل الأفيون في رؤوسنا ..
و يقتل الخيال …
يا أيها الأطفال , أنتم , بعد , طيبون
و طاهرون , كالندى و الثلج , طاهرون
لا تقرأوا عن جيلنا المهزوم يا أطفال
فنحن خائبون ..
و نحن , مثل قشرة البطيخ , تافهون
و نحن , منخورون .. منخورون كالنعال
لاتقرأوا أخبارنا
لا تقتفوا أثارنا
لا تقبلوا أفكارنا
فنحن جيل القئ , و الزهري , و السعال
و نحن جيل الدجل , و الرقص على الحبال
يا أيها الأطفال
يا مطر الربيع , يا سنابل الآمال
أنتم بذور الخصب في حياتنا العقيمه
و انتم الجيل الذي سيهزم الهزيمه

نزار قبانى





السيرة الذاتية لسيّاف عربي


أيها الناس لقد أصبحت سلطاناً عليكم
فاكسروا أصنامكم بعد ضلال و اعبدوني
إنني لا أتجلّى دائماً
فاجلسوا فوق رصيف الصبر حتى تبصروني
اتركوا أطفالكم من غير خبز
و اتركوا نسوانكم من غير بعل و اتبعوني
احمدوا الله على نعمته
فلقد أرسلني كي أكتب التاريخ
و التاريخ لا يكتب دوني
إنني يوسف في الحسن
و لم يخلق الخالق شعراً ذهبياً مثل شعري
و جبينا نبوياً كجبيني
و عيوني غابة من شجر الزيتون و اللوز
فصلّوا كي يحفظ الله عيوني


أيها الناس أنا مجنون ليلى
فابعثوا زوجاتكم يحملن مني
وابعثوا أزواجكم كي يشكروني
شرف أن تأكلوا حنطة جسمي
شرف أن تقطفوا لوزي و تيني
شرف أن تشبهوني
فأنا حادثة ما حدثت منذ آلاف القرون


أيها الناس أنا الأول و الأعدل و الأجمل من بين جميع الحاكمين
و أنا بدر الدجى و بياض الياسمين
كلما فكرت أن أعتزل السلطة ينهاني ضميري
من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين
من سيشفي بعدي الأعرج الأبرص و الأعمى و من يحيي عظام الميتين
من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر
من ترى يرسل للناس المطر
من يجلدهم تسعين جلدة
من ترى يصلبهم فوق الشجر
من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر و يموتوا كالبقر
كلما فكرت أن أتركهم فاضت دموعي كغمامة
و توكلت على الله و قررت بأن أركب الشعب من الآن الى يوم القيامة


أيها الناس أنا أملككم مثلما أملك خيلي و عبيدي
فانا أمشي عليكم مثلما أمشي على سجاد قصري
فاسجدولي في قيامي و اسجدولي في قعودي
أولم أعثر عليكم ذات يوم بين أوراق جدودي
حاذروا أن تقرؤوا أي كتاب فأنا أقرأ عنكم
حاذروا أت تكتبوا أي خطاب فأنا أكتب عنكم
حاذروا أن تسمعوا فيروز بالسر فاني بنواياكم عليم
ارفعوا فوق الميادين تصاويري و غطوني بغيم الكلمات
و اخطبولي أصغر الزوجات سنا فأنا لست أشيخ
جسدي ليس يشيخ و سجوني لا تشيخ
و جهاز القمع في مملكتي ليس يشيخ


أيها الناس أنا الحجاج ان أنزع قناعي تعرفوني
و أنا جنكيز خان جئتكم بحرابي و كلابي و سجوني
لا تضيقوا أيها الناس ببطشي فأنا أقتل كي لا تقتلوني
و أنا أشنق كي لا تشنقوني و أنا أدفنكم في ذلك القبر الجماعي لكي لا تدفننوني


اشتروا لي كل ما لا يشترى في الأرض أو في السماء
اشتروا لي غابة من عسل النحل و رطلاً من نساء
فأنا بالعملة الصعبة أشري ما أريد
أشتري ديوان بشار بن برد و شفاه المتنبي و أناشيد لبيب
فالملايين التي في بيت مال المسلمين هي ميراث قديم لأبي
فخذوا من ذهبي و اكتبوا في أمهات الكتب
ان عصري عصر هارون الرشيد


يا جماهير بلادي يا جماهير الشعوب العربية
انني روح نقية جاء كي يغسلكم من غبار الجاهليّة
سجلوا صوتي على أشرطة
ان صوتي أخضر الايقاع كالنافورة الأندلسية
صوروني باسماً مثل الجوكوندا
ووديعاً مثل وجه المجدليّة
صوروني و أنا أقطع كالتفاح أعناق الرعية
صوروني و أنا أفترس الشعر بأسناني و أمتص دماء الأبجدية
صوروني بوقاري و جلالي و عصاي العسكرية
صوروني عندما أصطاد وعلاً أو غزالاً
صوروني عندما فوق أكتافي لداري الأبدية
يا جماهير الشعوب العربية


أيها الناس أنا المسؤول عن أحلامكم إذ تحلمون
و أنا المسؤول عن كل رغيف تأكلون
و عن الشعر الذي من خلف ظهري تقرأون
فجهاز الأمن في قصري يوافيني بأخبار العصافير و أخبار السنابل
و يوافيني بما يحدث في بطن الحوامل
أيها الناس أنا سجانكم و أنا مسجونكم فلتعذروني
انني المنفي في داخل قصري
لا أرى شمسا و لا نجماً و لا زهرة دفلة
منذ أن جئت الى السلطة طفلا و رجال السرك يلتفون حولي
واحد ينفخ نايا واحد يضرب طبلا واحد يمسح جوخاً واحد يمسح نعلا
منذ أن جئت الى السلطة طفلا لم يقل لي مستشار القصر كلا
لم يقل لي وزرائي أبدا في الوجه كلا
لم تقل احدى نسائي في سرير الحب كلا
انهم قد علموني أن أرى نفسي إلاهاً
و أرى الشعب من الشرفة رملا
فاعذروني ان تحولت لهولاكو جديد
أنا لم أقتل لوجه القتل يوم
إنما أقتلكم كي أتسلى



*** نزار قبـــاني ***





  الملاك الثائر

الشاعر مظفر نواب


قصيدة القدس عروس عروبتكم

في هذي الساعة في وطني ،
تجتمع الأشعار كعشب النهر
وترضع في غفوات البر"
صغار النوقً
يا وطني المعروض كنجمة صبح في السوق
في العلب الليلية يبكون عليك
ويستكمل بعض الثوار رجولتهم
ويهزون على الطبلة والبوقْ
أولئك أعداؤك يا وطني!
من باع فلسطين سوى أعدائك أولئك يا وطني ؟
من باع فلسطين وأثرى ، بالله ،
سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام
ومائدة الدول الكبرى؟
فاذا أجن الليل ،
تطق الأكواب ، بأن القدس عروس عروبتنا
أهلاً أهلاً ..
من باع فلسطين سوى الثوار الكذبهْ ؟
أقسمت باعناق أباريق الخمر
وما في الكأس من السُمِّ
وهذا الثوريّ المتخم بالصدف البحريّ
بيروت
تكرّش حتى عاد بلا رقبه
أقسمت بتاريخ الجوع
ويوم السَغَبة .
لن يبقى عربي واحد ،
ان بقيت حالتنا هذي الحالة
بين حكومات الكسبه
القدس عروس عروبتكم ؟!!
فلماذا ادخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركن ، وتنافختم شرفاً
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض ؟؟!!
فما أشرفكم !
لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى ،
أمَّا أنتم
لا تهتز لكم قصبه !
في كل عواصم هذا الوطن العربيّ قتلتم فرحي
في كل زقاق أجد الأزلام أمامي
أصبحت احاذر حتى الهاتف ، حتى الحيطان ..
وحتى الأطفالْ
أقيء لهذا الأسلوب الفج
وفي بلد عربيِّ كان مجرد مكتوب من أمي
يتأخر في أورقة الدولة
شهرين قمريين
تعالوا نتحاكم قدام الصحراء العربية
كي تحكم فينا
أعترف الآن أمام الصحراء ،
بأني مبتذل وبذيء وحزين كهزيمتكمْ
يا شرفاء مهزومين !
ويا حكاماً مهزومين !
ويا جمهوراً مهزوماً ! ما أوسخنا !!
ما أوسخنا ! ما أوسخنا !
ونكابر !!! ما أوسخنا !
لا أستثني أحداً
هل تعترفون ؟
أنا قلت بذيء ،
رغم بنفسجة الحزن
وايماض صلاة الماء على سكري ،
وجنوني للضحك بأخلاق الشارع والثكنات
.
يا جمهوراً في الليل يداوم في قبو مؤسسة الحزن !
سنصبح نحن يهود التاريخ
ونعوي في الصحراء
بلا مأوى !

أصرخ فيكمْ …

أصرخ أين شهامتكمْ ؟!!
إن كنتم عرباً … بشراً … حيوانات
فالذئبة حتى الذئبة ، تحرس نطفتها
والكلبة تحرس نطفتها
والنملة تعتز بثقب الأرض
وأمَّا أنتم ،
فالقدس عروس عروبتكم ؟!!!
أهلاً!
القدس عروس عروبتكم ؟
فلماذا أدخلتم كل السيَلانات إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركمْ !
وتنافختم شرفاً !!
وتنافختمْ شرفاً !!
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض !
فأيّ قرون أنتم ؟!!!
أولاد قُراد الخيل ! كفاكم صخباً
خلُّوها دامية في الشمس بلا قابلة
ستشهد ظفائرها ، وتقيء الحمل عليكمْ
ستقيء الحمل على عزتكم
ستقيء الحمل على أصوات إذاعتكمْ
ستقيء الحمل عليكم بيتاً بيتاً ، وستغرز أصبعها في
أعينكمْ
: أنتم مغتصبيَ ،
حملتم أسلحة تطلق للخلف
وثرثرتم
ورقصتم كالدببه !
كوني عاقر أيَ أرض فلسطين !
فهذا الحمل مخيف
كوني عاقر يا أم الشهداء من الآن ،
فهذا الحمل من الأعداء
دميم ومخيف.
لن تتلقح تلك الأرض بغير اللغة العربية ،
يا أمراء الغزو
فموتوا
سيكون خراباً
سيكون خراباً … سيكون خراباً ..
سيكون خراباً
هذي الآمة لا بد لها ،
أن تأخذ درساً في التخريب


 أنا مع الإرهاب.. ( نزار قباني )
____________________________________
أنا مع الإرهاب
نحن متهمون بالإرهاب
إن نحن دافعـنا عن الوردة والمرأة
والقصيدة العصماء
وزُرقة السماء
عن وطن لم يبق في أرجائه
ماء ولا هواء
لم تبق فيه خيمة أو ناقة
أو قهوة سوداء !!
مُتهمون نحن بالإرهاب
إن نحن دافعنا بكل جرأة
عن شعر بلقيس
وعن شفاه ميسون
وعند هند وعن دعد
وعن لُبنى وعن رباب
عن مطر الكُحلِ الذي
ينزل كالوحي من الأهداب !!
لن تجدوا في حوزتي
قصيدةً سرية
أو لغة سرية
أو كتباً سرية أسجنها أسجلها في داخل الأبوابْ
وليس عندي أبداً قصيدة واحدة
تسير في الشارع وهي ترتدي الحجاب
متهمون نحن بالإرهاب
إذا كتبنا عن بقايا وطن
مُخلَع مُفكك مهترئ
أشلاؤه تناثرت أشلاء
عن وطن يبحث عن عنوانه
وأمةٍ ليس لها أسماء !!
عن وطن لم يبق من أشعاره العظيمة الأولى
أنا مع الإرهاب
نحن متهمون بالإرهاب
إن نحن دافعـنا عن الوردة والمرأة
والقصيدة العصماء
وزُرقة السماء
عن وطن لم يبق في أرجائه
ماء ولا هواء
لم تبق فيه خيمة أو ناقة
أو قهوة سوداء !!
مُتهمون نحن بالإرهاب
إن نحن دافعنا بكل جرأة
عن شعر بلقيس
وعن شفاه ميسون
وعند هند وعن دعد
وعن لُبنى وعن رباب
عن مطر الكُحلِ الذي
ينزل كالوحي من الأهداب !!
لن تجدوا في حوزتي
قصيدةً سرية
أو لغة سرية
أو كتباً سرية أسجنها أسجلها في داخل الأبوابْ
وليس عندي أبداً قصيدة واحدة
تسير في الشارع وهي ترتدي الحجاب
متهمون نحن بالإرهاب
إذا كتبنا عن بقايا وطن
مُخلَع مُفكك مهترئ
أشلاؤه تناثرت أشلاء
عن وطن يبحث عن عنوانه
وأمةٍ ليس لها أسماء !!
عن وطن لم يبق من أشعاره العظيمة الأولى
سوى قصائد الخنساء !!
عن وطن لم يبق في آفاقه
حريةُ حمراء أو زرقاء أو صفراء
عن وطن يمنعنا أن نشتري الجريدة
أو نسمع الأنبياء
عن وطن كل العصافير يه
ممنوعة دوما من الغناء
عن وطن
كتابه تعودوا أن يكتبوا
من شدة الرعب
على الهواء !!
عن وطن
يمشي إلى مفاوضات السلم
دونما كرامة ودونما حذاء !!
رجاله بالوا على أنفسهم خوفا ً
ولم يبق سوى النساء !!
لقد تعودنا على هواننا
ماذا من الإنسان يبقى
حين يعتاد على الهوان ؟؟
أبحث عن دفاتر التاريخ
عن أسامة بن مُـنقذ
وعقبة بن نافع
عن عمر عن حمزة
عن خالد يزحف نحو الشام
أبحث عن معتصم باللهِ
حتى ينقذ النساء من وحشية السبي
ومن ألسنة النيران !!
أبحث عن رجال آخر الزمان
فلا أرى في الليل إلا قططاً مذعورة
تخشى على أرواحها
من سلطة الفئران !!
هل العمى القومي قد أصابنا ؟
أم نحن نشكو من عمى الألوان ؟؟
متهمون نحن بالإرهاب
إذا رفضنا موتنا
بجرافات إسرائيل
تنكش في ترابنا
تنكش في تاريخنا
تنكش في إنجيلنا
تنكش في قرآننا
تنكش في في تراب أنبيائنا
إن كان هذا ذنبنا
ما أجمل الإرهاب
متهمون نحن بالإرهاب
إذا رفضنا محونا
على ييد المغول واليهود والبرابرة
إذا رمينا حجرا
على زجاج مجلس الأمن الذي
استولى عليه قيصر القياصرة !!
متهمون نحن بالإرهاب
إذا رفضنا أن نفاوض الذئب
وأن نمد كفنا لعاهرة !!
أميركا
ضد ثقافات البشر
وهي بلا ثقافة
ضد حضارات الحضر
أميركا
بناية عملاقة
ليس لها حيطان !!
متهمون نحن بالإرهاب
وإذا رمينا وردة
للقدس
للخليل
أو لغزة
والناصرة
إذا حملنا الخبز والماء
إلى طروادة المحاصرة
متهمون نحن بالإرهاب
إذا صوتنا
ضد الشعوبيين من قادتنا
وكل من قد غيروا سروجهم
وانتقلوا من وحدويين
إلى سماسرة !!
إذا اقترفنا مهنة الثقافة
إذا تمردنا على أوامر الخليفة
العظيم
والخلافة
إذا قرأنا كتبا في الفقه
والسياسة
إذا ذكرنا ربنا تعالى
إذا تلونا ( سورة الفتح )
وأصغينا إلى خطبة يوم الجمعة
فنحن ضالعون في الإرهاب !!
متهمون نحن بالإرهاب
إن نحن دافعنا عن الأرض
وعن كرامة التراب
إذا تمردنا على اغتصاب الشعب
واغتصابنا
إذا حمينا آخر النخيل في آخر في
صحرائنا
وآخر النجوم في سمائنا
وآخر الحروف في أسمائنا
وآخر الحليب في أثداء أمهاتنا
إن كان هذا ذنبنا
ما أروع الإرهاب !!
أنا مع الإرهاب
إن كان يستطيع أن ينقذني
من المهاجرين من روسيا
ورومانيا ، وهنغاريا ، وبولونيا
وحُطوا في
فلسطين على أكتافنا
ليسرقوا
مآذن القدس
وباب المسجد
الأقصى
ويسرقوا النقوش والقباب
أنا مع الإرهاب
إن كان يستطيع أن
يحرر المسيح
ومريم العذراء
والمدينة المقدسة
من سفراء الموت والخراب !!
بالأمس
كان الشارع القومي في بلادنا
يصهل كالحصان
وكانت الساحات أنهارا تفيض
عنفوان
وبعد أوسلو
لم يعد في فمنا أسنان
فهل تحولنا إلى شعب
من العميان والخرسان ؟؟
متهمون نحن بالإرهاب
إن نحن دافعنا بكل قوة
عن إرثنا الشعري
عن حائطنا القومي
عن حضارة الوردة
عن ثقافة النايات في جبالنا
وعن مرايا الأعين السوداء
أنا مع الإرهاب
إن كان يستطيع أن يحرر الشعب
من الطغاة والطغيان
وينقذ الإنسان من وحشية الإنسان
ويرجع الليمون ، والزيتون ،
والحسون ،
للجنوب من لبنان
ويرجع البسمة للجولان
أنا مع الإرهاب
بكل ما أملك من شعر ومن نثر
ومن أنياب
ما دام هذا العالم الجديد
بين يدي قصاب !!
أنا مع الإرهاب
ما دام هذا العالم الجديد
قد صنفنا
من فئة الذباب !!
أنا مع الإرهاب
إن كان مجلس الشيوخ في
أمريكا
هو الذي في يده الحساب
وهو الذي يقرر الثواب والعقاب !!
أنا مع الإرهاب
ما دام هذا العالم الجديد
يكره في أعماقه
رائحة الأعراب !!
أنا مع الإرهاب
ما دام هذا العالم الجديد
يريد أن يذبح أطفالي
ويرميهم إلى الكلاب !!
من أجل هذا كله
أرفع صوتي عاليا
أنا مع الإرهاب
أنا مع الإرهاب
أنا مع الإرهاب








خبز وحشيش وقمر
-1-
عندما يولد في الشرق القمر
فالسطوح البيض تغفو
تحت أكداس الزهر
يترك الناس الحوانيت ويمضون زمر
لملاقاة القمر
يحملون الخبز الحاكي إلى رأس الجبل
ومعدات الخدر
ويبيعون ويشرون خيال
وصور
ويموتون إذا عاش القمر
-2-
ما الذي يفعله قرص ضياء
ببلاد الأنبياء
وبلاد البسطاء
بلادي
ماضغي التبغ وتجار الخدر
ما الذي يفعله فينا القمر؟
فنضيع الكبرياء
ونعيش لنستجدي السماء
ما الذي عند السماء
لكسالى ضعفاء
يستحيلون إلى موتى
إذا عاش القمر
ويهزون قبور الأولياء
علها ترزقهم رزاً وأطفالاً
قبور الأولياء
ويمدون السجاجيد الأنيقات الطرز
يتسلون بأفيون
نسميه قدر
وقضار
في بلادي
في بلاد البسطاء
-3-
أي ضعف وانحلال
يتولانا إذا الضوء تدفق
فالسجاجيد وآلاف السلال
وقداح الشاي والأطفال تحتل التلال
في بلادي
حيث يبكي الساذجون
ويعيشون على الضوء الذي لا يبصرون
في بلادي
حيث يحيا الناس من دون عيون
حيث يبكي الساذجون
ويصلون ويزنون ويحبون اتكال
منذ أن كانوا يعيشون اتكال
وينادون الهلال:
ياهلال
أيها النبع الذي يمطر ماس
وحشيشاً ونعاس
أيها الرب الرخامي المعلق
أيها الشيء الذي ليس يُصدق
دمت للشرق لنا
عنقود ماس
للملايين التي قد عُطلت فيها الحواس
-4-
في ليالي الشرق لما
يبلغ البدر تمامه
يتعرى الشرق من كل كرامه
ونضال
فالملايين التي تركض من غير نعال
والتي تؤمن في أربع زوجات
وفي يوم القيامة
الملايين التي لا تلتقي بالخبز إلا في الخيال
والتي تسكن في الليل بيوتاً من سُعال
أبداً ماعرفت شكل الدواء
نتردى
جُثثاً تحت الضياء
في بلادي حيث يبكي الساذجون
ويموتون بكاء
كلما طالعهم وجه الهلال
ويزيدون بكاء
حركهم عود ذليل وليالي
ذلك الموت الذي ندعوه في الشرق
ليالي وغناء
في بلادي
في بلاد البسطاء
حيث نجتر التواشيح الطويلة
ذلك السل الذي يفتك بالشرق
التواشيح الطويلة
شرقُنا المجتر تاريخاً وأحلاماً كسوله
وخرافات خوالي
شرقُنا الباحث عن كل بطوله
في أبي زيد الهلالي
نزار قباني


  قصيدة للشاعر الكبير أحمد مطر بعنوان مفقودات:
زارَ الرّئيسُ المؤتَمَـنْ
بعضَ ولاياتِ الوَطـنْ
وحينَ زارَ حَيَّنا
قالَ لنا :
هاتوا شكاواكـم بصِـدقٍ في العَلَـنْ
ولا تَخافـوا أَحَـداً..
فقَـدْ مضى ذاكَ الزّمَـنْ .
فقالَ صاحِـبي ( حَسَـنْ ) :
يا سيّـدي
أينَ الرّغيفُ والَلّبَـنْ ؟
وأينَ تأمينُ السّكَـنْ ؟
وأيـنَ توفيرُ المِهَـنْ ؟
وأينَ مَـنْ
يُوفّـرُ الدّواءَ للفقيرِ دونمـا ثَمَـنْ ؟
يا سـيّدي
لـمْ نَـرَ مِن ذلكَ شيئاً أبداً .
قالَ الرئيسُ في حَـزَنْ :
أحْـرَقَ ربّـي جَسَـدي
أَكُـلُّ هذا حاصِـلٌ في بَلَـدي ؟!
شُكراً على صِـدْقِكَ في تنبيهِنا يا وَلَـدي
سـوفَ ترى الخيرَ غَـداً .
**
وَبَعـْـدَ عـامٍ زارَنـا
ومَـرّةً ثانيَـةً قالَ لنا :
هاتـوا شكاواكُـمْ بِصـدْقٍ في العَلَـنْ
ولا تَخافـوا أحَـداً
فقـد مَضى ذاكَ الزّمَـنْ .
لم يَشتكِ النّاسُ !
فقُمتُ مُعْلِنـاً :
أينَ الرّغيفُ واللّبَـنْ ؟
وأينَ تأمينُ السّكَـنْ ؟
وأينَ توفيـرُ المِهَـنْ ؟
وأينَ مَـنْ
يوفِّـر الدّواءَ للفقيرِ دونمَا ثمَنْ ؟
مَعْـذِرَةً يا سيّـدي
.. وَأيـنَ صاحـبي ( حَسَـنْ ) ؟!




الملاك الثائر

في هذا الزمن اللامعقول
أصبحنا نجلس _حتى نكتب_
بين شفاه الغول
و نغني بين عبوس العبد الأسود
والسيف المسلول
لانعرف في أي اللحظات
ستفصل عنا رقبتنا
وبأي لسان سوف نقول
____________________
في هذا الزمن المرعب ..صار الواحد منا
يخشى من أدوات الأمر
ويخشى من لاءات النهي
ويخشى الفاعل والمفعول
في هذا الزمن الأسود
أصبح قول الشعر مغامرة نحو المجهول
لا يعرف فيها
اسم القاتل من اسم المقتول
________________
في الزمن اليابس
حيث تموت عصافير وحقول
وتموت من الإحباط خيول
في زمن النصر الكاذب
حيث الإعلام زمامير وطبول
في زمن الحمل الكاذب
والإعلام الكاذب
والتمثيل على الشعب المقهور
في زمن الكذب على ذقن الجمهور
في زمن
يرفض فيه الشاعر مسح الجوخ
وسكب العطر على جسد المسؤول
لا يبقى أي خيار عند الشاعر
إلا القبر أو السيلول
__________________
في هذا الزمن اللامعقول
لابد لنا
لابد لنا
لا بد لنا من قتل الغول



فقاقيع من الصابون والوحل
فمازالت بداخلنا
"رواسب من " أبي جهل
ومازلنا
نعيش بمنطق المفتاح والقفل
نلف نساءنا بالقطن
ندفنهن في الرمل
ونملكهن كالسجاد
كالأبقار في الحقل
ونهذا من قوارير
بلا دين ولا عقل
ونرجع أخر الليل
نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل
نمارسه خلال دقائق خمسه
بلا شوق ... ولا ذوق
ولا ميل
نمارسه .. كالات
تؤدي الفعل للفعل
ونرقد بعدها موتى
ونتركهن وسط النار
وسط الطين والوحل
قتيلات بلا قتل
بنصف الدرب نتركهن
يا لفظاظة الخيل
قضينا العمر في المخدع
وجيش حريمنا معنا
وصك زواجنا معنا
وقلنا : الله قد شرع
ليالينا موزعه
على زوجاتنا الأربعه
هنا شفه
هنا ساق
هنا ظفر
هنا إصبع
كأن الدين حانوت
فتحناه لكي نشبع
تمتعنا " بما أيماننا ملكت "
وعشنا من غرائزنا بمستنقع
وزورنا كلام الله
بالشكل الذي ينفع
ولم نخجل بما نصنع
عبثنا في قداسته
نسينا نبل غايته
ولم نذكر
سوى المضجع
ولم نأخذ سوى
زوجاتنا الأربع ثقافتنا
نزار قباني
..........
..........
.............
.................................................. .................................................. ...

 القصيدة تطرح أسئلتها (نزار قباني)
--------------------------------------------------------------------------------

القصيدة تطرح اسئلتها
يسرني جدا..
بان ترعبكم قصائدي
وعندكم, من يقطع الاعناق..
يسعدني جدا .. بان ترتعشوا
من قطرة الحبر..
ومن خشخشة الاوراق..
يا دولة.. تخيفها اغنية
وكلمة من شاعر خلاق..
يا سلطة..
تخشى على سلطتها
من عبق الورد.. ومن رائحة الدراق
يا دولة..
تطلب من قواتها المسلحة
ان تلقي القبض على الاشواق...
يطربني..
ان تقفلوا ابوابكم
وتطلقوا كلابكم
خوفا على نسائكم
من ملك العشاق..
يسعدني
ان تجعلوا من كتبي مذبحة
وتنحروا قصائدي
كأنها النياق..
فسوف يغدو جسدي
تكية.. يزورها العشاق
يقرؤني رقيبكم..
وهو يسن شفرة الحلاقة..
كأنما رقيبكم
-في اصله- حلاق..
ليس هناك سلطة
يمكنها ان تمنع الخيول من صهيلها
وتمنع العصفور ان يكتشف الافاق
فالكلمات وحدها..
ستربح السباق..
ستقتلون كاتبا..
لكنكم لن تقتلوا الكتابة..
وتذبحون, ربما, مغنيا
لكنكم لن تذبحوا الربابة..
تسع وتسعون امرأة..
تقبع في حريمكم
فالنهد قرب النهد..
والساق قرب الساق..
وكل شيئ جاهز
وثيقة النكاح.. او وثيقة الطلاق..
والخمر في كؤوسكم
والنار في الاحداق
وتمنعون دائما قصائدي
حرصا على مكارم الاخلاق!!
انتظروا زيارتي..
فسوف اتيكم بدون موعد
كأنني المهدي..
او كأنني البراق..
انتظروا زيارتي
فلست محتاجا الى معرف
فالناس في بيوتهم يعلقون صورتي..
لا صورة السلطان..
والناس, لو مررت في احلامهم
ظنوا باني قمر الزمان..
حين يمر موكب الخليفة
في زحمة الاسواق
يبشر الاطفال امهاتهم
لقد رأينا..
(طائر اللقلاق)..
انتظروني.. ايها الصيارفة
يا من بنيتم من فلوس النفط..
اهراما من النفاق..
يا من جعلتم شعرنا .. ونثرنا..
دكانة ارتزاق..
انتظروا زيارتي..
فالشعر يأتي دائما
من عرق الشعب, ومن ارغفة الخبز,
ومن اقبية القمع..
ومن زلازل الاعماق..
مهما رفعتم عاليا اسواركم
لن تمنعوا الشمس من الاشراق..







لعل هذه أقوى ما كتبه نزار



مضحكة مبكية معركة العروبة
فلا النصال انكسرت على النصال
ولا الرجال نازلوا الرجال
ولا رأينا مرة آشور بانيبال
فكل ما تبقى لمتحف التاريخ
أهرام من النعال!!


من الذي ينقذنا من حالة الفصام؟
من الذي يقنعنا بأننا لم نهزم؟
ونحن كل ليلة
نرى على الشاشات جيشا جائعا وعاريا...
يشحذ من خنادق العداء
(ساندويشة)
وينحني.. كي يلثم الأقدام!!


لا حربنا حرب ولا سلامنا سلام
جميع ما يمر في حياتنا
ليس سوى أفلام
زواجنا مرتجل
وحبنا مرتجل
كما يكون الحب في بداية الأفلام
وموتنا مقرر
كما يكون الموت في نهاية الأفلام!!


لم ننتصر يوما على ذبابة
لكنها تجارة الأوهام
فخالد وطارق وحمزة
وعقبة بن نافع
والزبير والقعقاع والصمصام
مكدسون كلهم.. في علب الأفلام


هزيمة.. وراءها هزيمة
كيف لنا أن نربح الحرب
إذا كان الذين مثلوا
صوروا.. وأخرجوا
تعلموا القتال فى وزارة الاعلام!!


في كل عشرين سنة
يأتي إلينا حاكم بأمره
ليحبس السماء في قارورة
ويأخذ الشمس إلى منصة الإعدام!


في كل عشرين سنة
يأتي إلينا نرجسي عاشق لذاته
ليدعي بأنه المهدي.. والمنقذ
والنقي.. والتقي.. والقوي
والواحد.. والخالد
ليرهن البلاد والعباد والتراث
والثروات والأنهار
والأشجار والثمار
والذكور والإناث
*والأمواج والبحر
على طاولة القمار..
فى كل عشرين سنة
يأتى إلينا رجل معقد
يحمل فى جيوبه أصابع الألغام


ليس جديدا خوفنا
فالخوف كان دائما صديقنا
من يوم كنا نطفة
فى داخل الأرحام


هل النظام في الأساس قاتل؟
أم نحن مسؤولون
عن صناعة النظام ؟


إن رضي الكاتب أن يكون مرة.. دجاجة
تعاشر الديوك أو تبيض أو تنام
فاقرأ على الكتابة السلام!!


للأدباء عندنا نقابة رسمية
تشبه فى شكلها
نقابة الأغنام!!


ثَمَّ ملوك أكلوا نساءهم
في سالف الأيام
لكنما الملوك في بلادنا
تعودوا أن يأكلوا الأقلام


مات ابن خلدون الذي نعرفه
وأصبح التاريخ في أعماقنا
إشارة استفهام!!


هم يقطعون النخل في بلادنا
ليزرعوا مكانه
للسيد الرئيس غابات من الأصنام!!


لم يطلب الخالق من عباده
أن ينحتوا له
مليون تمثال من الرخام!!


تقاطعت في لحمنا خناجر العروبة
واشتبك الإسلام بالإسلام


بعد أسابيع من الإبحار في مراكب الكلام
لم يبق في قاموسنا الحربي
إلا الجلد والعظام


طائرة الفانتوم
تنقض على رؤوسنا
مقتلنا يكمن في لساننا
فكم دفعنا غاليا ضربة الكلام


قد دخل القائد بعد نصره
لغرفة الحمام
ونحن قد دخلنا لملجأ الأيتام!!


نموت مجانا كما الذباب في إفريقيا
نموت كالذباب
ويدخل الموت علينا ضاحكا
ويقفل الأبواب
نموت بالجملة في فراشنا
ويرفض المسؤول عن ثلاجة الموتى
بأن يفصل الأسباب
نموت .. في حرب الشائعات
وفى حرب الإذاعات
وفى حرب التشابيه
وفى حرب الكنايات
وفى خديعة السراب
نموت.. مقهورين.. منبوذين
ملعونين.. منسيين كالكلاب
والقائد السادي في مخبئه
يفلسف الخراب!!


في كل عشرين سنة
يجيئنا مهيار
يحمل فى يمينه الشمس
وفى شماله النهار
ويرسم الجنات في خيالنا
وينزل الأمطار
وفجأة.. يحتل جيش الروم كبرياءنا
وتسقط الأسوار!!


فى كل عشرين سنة
يأتي امرؤ القيس على حصانه
يبحث عن ملك من الغبار


أصواتنا مكتومة.. شفاهنا مكتومة
شعوبنا ليست سوى أسفار
إن الجنون وحده
يصنع في بلاطنا القرار


نكذب في قراءة التاريخ
نكذب في قراءة الأخبار
ونقلب الهزيمة الكبرى
إلى انتصار!!


يا وطني الغارق في دمائه
يا أيها المطعون في إبائه
مدينة مدينة
نافذة نافذة
غمامة غمامة
حمامة حمامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق