الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

المغرب.:قضية الصحراء المغربية.. الاستمرارية والبحث عن الحل.نعمان عبد الله شطب

قضية الصحراء الآن بين يدي الأمين العام للأمم المتحدة وعلى مكتبه الخاص دون مبعوث له للمنطقة. وهذا يعتبر منعرجا آخر في هذه المسألة التي عمرت 37 سنة، وما اعتراض المغرب على المنهجية المنحرفة التي نهجها المبعوث الأممي كريستوفر روس إلا تعبيرا صادقا على محاولات أطراف معينة عدم إنصاف المغرب في مباشرة حقوقه السياسية والقانونية على أرضه.

وعندما تنعدم تلك الشخصية المحترفة والمجمع عليها لخلافة روس فالإشراف الشخصي لبان كي مون أصبح مطلبا ملحا في اتجاه تصحيح المسار التفاوضي على ضوء المستجدات الأمنية والسياسية في المنطقة. وإدارة هذا الملف وتداول الأيادي والمنهجيات عليه حال دون الوصول إلى نقطة تقارب أو انعطافة نحو الحل الذي يرضي التاريخ والجغرافيا، وهذا التداول الطويل لقضية الصحراء المغربية على مستوى المحافل الدولية وأروقة الأمم المتحدة والدول المتدخلة فيه جعله يكسب مناعة ضد الحل الأمثل.

فالخط الإستراتيجي الذي رسمه التاريخ السياسي والديني على مستوى توطيد علاقات المغرب مع المماليك الإفريقية في الجنوب جعل من الصحراء المغربية جسر تواصل تجاري وثقافي بين المغرب وإمبراطورية مالي، هذا التواصل لا يمكن دحره بمجرد افتعال مشكل وخلق كيان من أجل تطويق الدور التاريخي للمغرب في المنطقة والإقليم.

وما المساندة المغربية للجزائر في مراحل متأزمة من تاريخها مع الاستعمار إلا تأكيد على جدية المغرب على الوقوف مع الحق، رغم أن هذه المواقف المتعددة والنابعة من حسن نية كانت لها عواقب وخيمة على المستقبل السياسي الاقتصادي والاجتماعي للمغرب.

فقول الهواري بومدين بأنه سوف يضع للمغرب حجرة في حذائه، كناية عن إشغال المملكة بموضوع يكون سببا في تعطيل السير تجاه تعميق مبادئ الديمقراطية والتنمية، وهذا ما سار عليه ورثته في الحكم والفاتورة تدفعها شعوب المنطقة.

ودائما ما كانت هناك صعوبة في التخلص من الآراء المضللة والهدامة التي تأتي على الأخضر واليابس والتي تعاكس المجرى الطبيعي للتاريخ، والنتيجة إبقاء الصراع مفتوحا ليزيده تعقيدا عدم الاستقرار وانتشار الجريمة والتشدد في مخيمات تندوف؛ ويكفي التذكير بأن أنصار الدين والحركة من أجل الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا تنحدر غالبية عناصرهما من مخيمات البوليساريو- حسب مقال نشر في موقع وزارة الدفاع الإيطالية- مما يدعو إلى القلق الكبير لدول المنطقة والدول الغربية.

ومن هنا لا بد من التفكير بإيجابية وفعالية في الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب تعبيرا منه على التعاطي الإيجابي مع ملف وجودي ويتعلق بسيادته، وذلك لتفعيل أي اتفاق مرحلي قادم ينهي الصراع بشكل توافقي.

وعطفا على ما سبق لا يمكن اتهام المغرب بالتعنت تجاه الحل السلمي للقضية، وذلك لأنه وعبر استقراء المسار السياسي والتاريخ العسكري له لم يكن أبدا مهددا للسلم والأمن في المنطقة أو العالم.

أما فيما يخص الوحدة المغاربية، فالمغرب كان سباقا إلى الدعوة إلى بناء اتحاد دول المغرب العربي وتفعيل هياكله بما يخدم البنية المجتمعية في اتجاه التكامل الاقتصادي والسياسي بناء على مقدمات تأكيدية في هذا الباب، من تاريخ ولغة ومذهب موحد وعرق وثقافة، وهي من مقومات الوحدة.

فتحقيق الأمن والسلام والتنمية لا يتم عبر الضرب على أوتار لم تعد حساسة، فحكام الجزائر هم الحاضن الرئيسي لجبهة البوليساريو، ولا بد أن يعوا أن الأسلوب يعبر عن المضمون، ويجب عليهم إدراك طبيعة التحول الذي يشهده العالم والمنطقة. ومن ثم لا يمكن التعامل مع سياسات القرن الحادي والعشرين بعقلية القرن العشرين، وهذا يجعلنا نؤكد على حكام الجزائر بتبني وعي جديد منبثق من الرؤية الأخلاقية للديمقراطية والشعور بالغير، وذلك برؤية العالم وما يدور فيه من حيث ما يراه الآخرون، وهذا ما يؤدي إلى التحلي بروح المسؤولية في التعامل مع ملف الصحراء والحدود.

وعندما نقرأ نتائج الانتخابات الأخيرة في الجزائر نرى أن تعاون حركة مجتمع السلم الجزائرية مع الحكومة مدة 17 عاماً قد أضرهم كثيراً، وانتصار جبهة التحرير الوطني هو استمرارية حكم العسكر وعدم تغيير في السياسة الخارجية للجزائر في المنظور القريب.

وبالتالي فإن استمرار الصراع حول الصحراء المغربية سوف يزيد من تهديد الأمن المغاربي، وإعطاء فرصة ذهبية لنشاطات تنظيم القاعدة وفرعها "القاعدة في بلاد المغرب العربي"؛ وما يحدث الآن في مالي ما هو إلا مؤشر يخدم هذا الطرح. فلقد أصبحت المناطق المتاخمة للصحراء الغربية غير المراقبة مراكز رئيسية لتهريب المخدرات والأسلحة والأشخاص، وعدم الاستقرار وانتشار الجريمة والتشدد في مخيمات تندوف.

ومن هنا وجب التذكير بأن المغرب والجزائر يمكنهما تجنيب المنطقة الانزلاق إلى الفوضى وذلك باستدعاء التاريخ الإيجابي بين الطرفين وإفراز كيمياء الثقة بينهما، ونرى أن المقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي للصحراء الغربية هو أول الخطوات نحو إيجاد حل للمشكلة.

ولقد سار المغرب في اتجاه ترسيخ الممارسة الديمقراطية والعمل على توسيع بنية التضامن كوسيلة لتسخير وإدارة وابتكار آليات لمساءلة الواقع المغربي، ومحاولة تطوير بنيته المجتمعية، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا. وفي نفس الإطار لا بد من الدعوة بالاستمرار في الاستعانة بهذا العدد الكبير والمتنوع من الفاعلين الدوليين المهتمين بقضيتنا المغربية لتنشيط شبكة من التفاعلات السريعة بين فاعلين رسميين على المستوى السياسي والدبلوماسي، وغير رسميين على المستويات الاقتصادية والثقافية،‮ وذلك من أجل التمكن من تحقيق الأهداف المرجوة وتثمين الاجتهادات التي تعنى باستشراف السيناريوهات المستقبلية المحتملة ‮من أجل أمن ورفاهية المغرب والمنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق