الاثنين، 29 أكتوبر 2012

د. مضاوي الرشيد الكاتبة والناشطة السعودية المقيمة في لندن

د. مضاوي الرشيد الكاتبة والناشطة السعودية المقيمة في لندن، تعمل أستاذة محاضرة في التاريخ وعلم الاجتماع في كنغز كوليج «إحدى أهم مجموعات كليات جامعة لندن». والى جانب نشاطها الأكاديمي والسياسي والبحثي تتحدث د. الرشيد من خلال مجموعة قيمة من الكتب والدراسات والمقالات، بكثير من العلمية والتحليل الواقعي عن تطورات الحياة وتراكم الأخطاء في شبه الجزيرة العربية.

لها مؤلفات قيمة وهي على التوالي:

السياسة في واحة عربية (1991)، الجالية الآشورية العراقية في لندن (1998)، تاريخ السعودية بين القديم والحديث (2002) ومقولات مضادة: السياسة، التاريخ والمجتمع في السعودية واليمن (2004). وهي تعكف حاليا على وضع اللمسات النهائية على أحدث مؤلفاتها: -العولمة والخليج العربي.

تتبنى د. الرشيد مبدأ البحث الاستقصائي الدقيق في تلمس المعرفة عند الحديث عن الظواهر والتحولات الاجتماعية او استقراء مستقبل التطورات. وفضلا عن مكانتها الفكرية والأكاديمية فهي ناشطة متميزة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والانتصار لقضايا المرأة وقد سبب موقفها المتقدم إنسانيا إزاء عدد من التحديات التي تواجه المنطقة بسبب الانغلاق على الذات وضيق أفق المتحدثين باسم الدولة والمؤسسة الدينية، متاعب لم تثنها عن المضي في الدعوة للإصلاح عبر التغيير.
• بعد عام من النقاش والحوار بين المثقفين السعوديين في الداخل والخارج، ما هي النتائج المتوقعة؟
- عام 2003 عام البيانات والعرائض الموقعة من الشعب والموجهة لرموز الحكم. وقد اثبتت هذه العرائض وجود حراك شعبي يمثل تململ النخب الشعبية في المجتمع السعودي من اسلوب التهميش السياسي الذي تمارسه العائلة الحاكمة ومن استمرار استفرادها بالسلطة. وقد تبلورت حول هذه العرائض تيارات مختلفة منها الليبرالي والاسلامي الوسطي المعتدل وكلاهما لا يرفض الدولة الحالية ويعتقد بقدرتها على اصلاح نفسها قبل فوات الاوان.
• فهل هي شرائح تتحرك من داخل رحم الحكم وبالترتيب معه؟
- بالامكان اعتبار هذه التيارات على انها تيارات معارضة لكنها في الوقت نفسه تحاور السلطة وتحاول الدخول في شراكة معها من مبدأ توسيع المشاركة الشعبية.
• أيا كان توصيف وضع هذه الأطراف، هل أثمرت التحركات عن شيء حقيقي ملموس؟
- النتائج التي أسفرت عنها هذه التحركات تتمثل في جملة معطيات.اولا: قد تم سجن دعاة الاصلاح. وعلى الرغم من الافراج عن بعضهم إلا ان الدولة أبقت عبد الله الحامد ومتروك الفالح وعلي الدميني خلف القضبان. وقد انضم الى هذه النخب السجينة الشيخ سعيد بن زعير المعروف بتوجهه الاسلامي. هذا بالاضافة الى سجناء الامس من العلماء الذين اعلنوا توبتهم على شاشات التلفزيون لكنهم ما زالوا يقبعون خلف القضبان!.
ثانيا: يسعى الحكم من سجن بعض رموز الاصلاح الى تطبيق سياسة معروفة هدفها إبعاد أي شخصية قد تتمكن في المستقبل من لعب دور قيادي ينافسها على السلطة. وليس المهم هذا التيار او ذاك او هذه الشخصية او تلك وانما العمل على ان لا تفرز الساحة السعودية أي قطب يستقطب الشعب ويفرض نفسه كبديل لما هو قائم اليوم.ثالثا: من اخطر النتائج التي اسفر عنها تجاهل الحكم لشرعية مطالب الاصلاح وأحقية الشعب السعودي بها هو انتشار ظاهرة العنف السياسي الذي لا يمكن القول انه جديد. ولكن تبلوره بالشكل الذي يبدو عليه الآن انما يعكس فقدان الأمل بالتغيير وعدم تقبل مبدأ ترميم البيت والذي تطرحه الدولة نفسها ويتبناه بعض دعاة الاصلاح. واعتقد ان العنف الحالي يعكس ظاهرة القناعة بأن الترميم ليس الخيار المتوقع وانه لن يحل المشكلة.
• من هو هذا التيار إذن وماذا يريد؟
- تيار العنف هو التيار الذي يؤمن بأن الحل الوحيد هو هدم البيت واعادة صياغته. لذلك فان مواقف الحكم من الاصلاحيين وسجنه لهم انما تصب في خانة التيار الجهادي وتزيد من مصداقيته.
 مباشرة
• هناك من يتهم الحكم بالمماطلة والتمويه أمام مطالب المثقفين والمفكرين، ماذا ترين أنتِ؟
- اعتقد انه يجب على كل النخب الموجودة على الساحة من الليبراليين والاسلاميين الوسطيين وغيرهم ان يقتدوا بالحركة الاسلامية للاصلاح الموجودة في لندن وان يتبنوا اسلوبها الرافض لمخاطبة السلطة الصماء التي لا تريد ان تسمع وان تنتقل الى المرحلة الثانية وهي مرحلة مخاطبة الشعب مباشرة حتى يصبح مشروع الاصلاح مشروعا شعبيا وليس نخبويا. عندها لن يستطيع الحكم ان يضع الشعب كله على لائحة الارهاب ولن يستطيع ان يزج بكل الشعب في سجن الحائر او غيره من السجون.
• ماذا تعنين بالضبط؟
- أعني تحويل مشروع الاصلاح الى مشروع شعبي يستقطب الحضري والبدوي والقبلي وغير القبلي المتعلم ومن كان علمه محدوداً. النخب تلعب دورا مهماً ولكن لا تستطيع الحراك دون تعبئة شعبية وقاعدة عريضة تحميها من الاعتقال.
• لكن، من أين يمكن أن يبدأ مشروع الإصلاح؟
- مشروع الاصلاح لا يبدأ من فوق. لأن الحريات الموهوبة من أعلى الهرم تتلاشى بنفس السرعة التي تعطى بها وتسلب من الشعب عندما تتغير الظروف. الاصلاح يبدأ من ذوي القدرة القيادية كالناشطين السياسيين والمثقفين واصحاب الفكر الذين يستطيعون ان يترجموا فكرهم وان يوصلوه الى شرائح عريضة من الشعب.
• بصراحة هل الإصلاح ممكن دون تغيير كامل، والى أي مدى؟
- لا. لا يمكن الاصلاح دون تغيير جذري لهذه الدولة التي لم تعد تتلاءم مع العصر ومع تطلعات الشعب. فالدولة ليست حقيقة دينية مقدسة كما انها من صنع الرجال فهي ايضا يمكن ان تنهار تحت اقدام رجال من نوع آخر. لذلك عندي قناعة بأن هذه الدولة او بالاصح الدويلات الخمس التي تحكم السعودية اليوم واقصد محور فهد عن طريق اولاده وعبد الله ونايف وسلطان وسلمان، قد اهترأت لدرجة انه يصعب اصلاحها فهذا الطاقم الحاكم يحكم اليوم معتمدا على آلية عسكرية وليس على سلطة تجتمع حولها جميع فئات الشعب.
 استفراد
• ما هي المشكلة الحقيقية في المملكة؟
- المشكلة الحقيقية تتمثل في عدة اعتبارات أولها استفراد الاسرة الحاكمة بالسلطة لوحدها واحتكارها للقرار السياسي والمناصب المهمة. وثانيا في تبذيرها للمال العام والتسبب بخلق بيئة البطالة والفقر وضائقة اقتصادية في بلد هو أغنى بلدان العالم العربي. ثالثا: منافسة الاسرة الحاكمة للشعب اقتصاديا واداريا. رابعا: تحول الدولة من وسيط بين ابناء الشعب الى خصم ضد الشعب ومصالحه. خامسا: تبني سياسات خارجية مناقضة لتطلعات الشعب ورؤيته مثلا العلاقة الحميمة مع الولايات المتحدة وتجاهل موقفها المؤيد لاسرائيل، الاستمرار في دعم الاقتصاد الاميركي عن طريق اتباع سياسات نفطية ولعب دور المنقذ لسياسات اميركا من نيكاراغوا في الثمانينيات الى باكستان وافغانستان والعراق مؤخرا.
• هل هناك وجود لسلطة حقيقية للشعب بأي قدر أو نسبة؟
- سلطة الشعب تكمن بعدده وقدرته على التضامن في وجه عدوان الدولة مثل الاعتقالات وغيرها من اساليب القهر. سلطة الشعب تكمن بقدرته على المواجهة الحقيقية والصمود في وجه التسلط. وبامكان الشعوب المقهورة مثل الشعب السعودي ان يصمد بالفكر وبالقلم كما ان بامكانه ان يصمد بالعمل على الساحة الشعبية على الرغم من ضيق وتقلص حيز العمل الفكري الحقيقي في الداخل. إذ ان عصر المعلومات وتشعب وسائل الاتصال جعل بالامكان ايصال الفكر والمعلومة والرأي والموقف الى كل فئات وشرائح الشعب الذي لم يعد معزولا عن التيارات وعن التطورات في العالم.
• ماذا يستطيع دعاة الإصلاح أن يفعلوا طالما أن مصيرهم السجن؟
- الحكم يمارس لعبة خاسرة لان الدولة لن تستطيع ان تمارس حصارا فكريا رغم انها تستطيع ان تمارس حصارا جسديا يتمثل بلجوئها الى السجن كلما شعرت بعدم الاستقرار والخطر.
 تضامن
• الأمير نايف وزير الداخلية رفض الملكية الدستورية وأشار إلى إمكانية تزوير أي انتخابات يمكن ان تفرض على المملكة، ما تعليقك على ذلك؟
- وزير الداخلية يعتبر دولة ضمن خارطة تضم اربع دويلات أخرى تشكل الوضع الحالي للمملكة، وقد اراد بتصريحه هذا أن يؤكد تضامن هذه الدويلات الخمس واتحادها في مواجهة طلبات الاصلاح . فالدويلات الخمس هذه تتعاون على الاثم والعدوان وليس على البر والتقوى. فهي تتحد لقهر أي مشروع يقلص سلطتها ويفتح الباب للمشاركة الشعبية ولو كانت ضيقة الحيز كمشروع الملكية الدستورية. الرفض أوضح دون أي شك عدم رغبة الحكم في أي اصلاح حقيقي ورفضها ايضا لانتخابات مجلس الشورى على الرغم من الاعلان عن ان الانتخابات المحلية ستجري في شهر تشرين الاول (اكتوبر) المقبل. وفي هذا الموقف دليل قاطع على ان الحكم في السعودية لا يتقبل مفهوم الاصلاح. وهو عندما يضطر الى التعامل معه مكرها فانه يلجأ الى اسلوب المكر والمماطلة والمراوغة بهدف كسب الوقت. وقد سمحت الدولة بالمطالبة بهذا النوع من الاصلاح والتقت رموزه اول الامر من اجل ان تظهر بمظهر المصلح لكنها اي الدولة استغلت هذا التيار لضرب التيارات الاخرى وخاصة الاسلامية الرافضة لمبدأ الملكية الدستورية. لكن المهمة انتهت الان وبقي بعض دعاة الاصلاح في السجن.
• هل هنالك من الحكام الكبار من يؤيد الإصلاح؟ ما هي مواقف هؤلاء؟
- تتفق الدويلات الخمس الحاكمة على مبدأ التمسك بالسلطة المطلقة ريثما تحل أزمة الخلافة بينها وعندها ستتضح الصورة. ولكن طالما ان الحكم قد دخل عصر الدويلات والتي تطمح الى الاستيلاء على والتفرد بالحكم فلن نرى أي تغيير في المنهج القائم على الإثم والعدوان. ولكن طالما ان الحكم وقد دخل عصر الدويلات والتي تطمح كل واحدة منها في الاستيلاء على السلطة كاملة والتفرد بالحكم فلن نرى أي تغير في المنهج القائم في مجال التعاون على الاثم والعدوان.
 الدويلات الخمس
• نسأل على الدوام وفي ظل المتغيرات في موازين القوى، عمن يحكم المملكة الآن؟
- الدويلات الخمس التي تحكم المملكة نتجت عن طبيعة العائلة الحاكمة وطريقة انتقال السلطة من ملك الى آخر والتي تعتمد على مبدأ الانتقال الافقي من الاخ الى أخيه، وبما ان كل الاخوة في عمر متقارب وكل يطمح لأن يصبح ملكا قبل أن يأتي أجله، نجد ان الصراع يحتدم داخل الاسرة ولكن هذه الاسرة تراعي التوازن الداخلي حتى لا يفقد أحد الفرصة لأن يأتي على رأس القائمة.
• ما هو دور أمير الرياض في الحكم وهل هو من جماعة الخير والإصلاح أم من معارضيه؟
- هو ايضا يمثل دولة من الدويلات الخمس التي تتنازع على الحكم ونحن هنا لسنا بصدد جماعة خير او جماعة شر وانما نحن بصدد محور سياسي له طموحاته الشخصية وكذلك طموحات مجموعة من الابناء والمرافقين والموالين. ومن خلال قراءة لمواقف أمير الرياض لا نجد له موقفاً معلناً ولكنه كغيره من الرموز الكبيرة يطمح إلى الاستيلاء على السلطة والتفرد بها واقصاء المحاور الاخرى. والامير سلمان له امبراطوريته الاعلامية وابواقه التي تنفخ باسمه وتسعى الى تحبيب الناس به. لكنه كغيره هو طامع في الحكم لذلك يجب فهم كل تصرفاته من هذا المبدأ، ذلك انه وإن احتضن التيار الليبرالي المثقف فانه انما يفعل ذلك لغاية في نفس يعقوب وليس حبا بهذا التيار. وهذا يعكس عملية التوازن والرغبة في استقطاب فئات الشعب لصالح السلطة.
 احتكار الدين
• هل انتهى دور المؤسسة الدينية في الحكم؟
- المؤسسة الدينية فقدت هيمنتها بشكل رسمي بموت الشيخ عبد العزيز بن باز عام 9991 رغم ان سلطتها كانت قد تآكلت منذ حرب الخليج الثانية والتي فضحت بشكل علني موقف هذه المؤسسة كمؤسسة تابعة للحكم معدومة الاستقلالية. واليوم المؤسسة الدينية الرسمية هي مجرد آلية مرتبطة بالسلطة لا تحتكر العلم الديني ولا الافتاء ولا تتمتع بالاحترام. واليوم ونحن في عصر العولمة لا اعتقد ان بمقدور اي مؤسسة دينية ان تعتبر نفسها المؤسسة الوحيدة ذات المصداقية الخاصة.
• ما علاقة العولمة بالإسلام؟ هل هناك إسقاطات فكرية ترتبط بحروب الحضارات، أقصد هل هناك وجه للضرر من العولمة على الإسلام؟
- على العكس، عصر العولمة اعاد الدين الاسلامي الى حقيقته. هذا الدين الذي احتوى التعددية في الافتاء والرأي والشرح والطرح بغياب مؤسسة الرهبنة والتي بدأت تتمركز في السعودية مع قيام الدولة الحديثة. ففي الاسلام لا يوجد مؤسسة دينية ولا مفتي عام وانما توجد تعددية قضت عليها الدولة الحديثة لاستيعابها. وانا اعتقد ان العولمة وتزايد مجالات المعلوماتية وانتشار الثقافة والتعليم قد ادت الى الرجوع الى هذه الحقيقة التاريخية المرتبطة بتطور الاسلام الحضاري والذي قضت عليه الدولة الحديثة.
• هل في المملكة جوع وبطالة وبأي نسب مقارنة بحجم عائدات النفط؟
- المشكلة في السعودية تتمثل في الفجوة الكبيرة الحاصلة بين الاسرة الحاكمة والعوائل والفئات المرتبطة بها وبين بقية الشعب. فمنذ الثمانينيات اتسعت هذه الفجوة وكذلك كبرت تطلعات الشعب بعد ان استطاع ان يشطح بشكل كبير وواسع في مجال العلم واكتساب المهارات. نعم هناك جوع وفقر ولكننا هنا لسنا بصدد مقارنة ذلك بدول افريقية او بدول آسيوية فقيرة. يجب ان نعلم ان الفقر هو مشكلة نسبية يختلف الباحثون في تحديدها ولكن الكل يتفق على ان هناك حداً أدنى يجب ان يتوفر للفرد ومدخولاً يمكنه من العيش المستقر. هذا الحد وصل مرحلة غير مقبولة من فئات الشعب السعودي.
 سوء توزيع
• كيف يمكن تصور وجود فقر وبطالة في دولة مداخيلها تكفي الأمة بأكملها؟
- الفقر والبطالة في السعودية ينتجان عن سوء توزيع الثروة وليس نقصها أو عدم وجودها. هناك استئثار غير محدود للاسرة الحاكمة بالدخل الوطني وفي احتكار الثروة الاقتصادية. هذا هو السبب الاول للفقر. كما ان انعدام التخطيط وغياب التنسيق بين من هو مسؤول عن التربية والتأهيل ومن هو مسؤول عن الاقتصاد والعمل يساهم في تفشي البطالة الحالية.
• للمرأة في السعودية مكانة غير موجودة، لماذا الإصرار على حرمان المرأة من حقوقها بل ومصادرة وجودها، هل يمكن القبول بتستر الحكم بالدين؟
- وضع المرأة موضوع حساس جدا في بلد مثل السعودية. الدولة تستعمل المرأة كسلاح لكسب الشرعية. فهي تقلص المجالات المفتوحة أمام المرأة لتظهر نفسها بمظهر التقوى والعفة علّها تكسب رضا فئات معينة من الشعب. ولكن عندما تريد ان تكسب رضا الولايات المتحدة فانها تبرز حرصها على موضوع المرأة وتعليمها وعملها حتى تظهر بمظهر التطور والتقدم. ولكنها في نهاية المطاف تستغل المرأة وتحاول دوما ان تضعها تحت الوصاية. المرأة ومشكلتها في السعودية سلاح تستعمله الدولة ضد خصومها من كافة التيارات.
• لكن هل هذه هي حقيقة تعامل الإسلام مع المرأة وهل هذه هي أوضاع المرأة في الإسلام؟
- الاسلام أعطى للمرأة حقوقا معروفة. ولكن هذه الحقوق تتقلص بتقلص الحيز السياسي والاجتماعي. فمن الطبيعي ان تُقهر المرأة وان تُستغل في عصر يتميز بالاستبداد لانها جزء من المجتمع. وكذلك بنظري ان الاسلام في بلد كالسعودية لم يستطع ان يقضي على معطيات اجتماعية وتركيبات قبلية هي وليدة ظروف المجتمع وبيئته الخاصة. والفقه المعتمد في السعودية هو نتاج بشري معتمد على اجتهادات من قبل رجال هم أيضا نتاج لهذه البيئة الاجتماعية ويعيشون تحت الضغوط نفسها التي تعيشها المرأة.انا اعتقد ان البيئة السياسية إن تغيرت فهذا سيساهم في تطوير للبيئة الاجتماعية وعندها سنلاحظ تغيرا في المنطلقات المعتمدة لتحديد موقع المرأة في المجتمع.
 الحكم
•الأوضاع في المملكة لا تسر أحداً، من المسؤول عن مثل هذا الأمر، هل هي المتغيرات التي في العالم، أم ثقافة الشعب السعودي ومطالبه أم أنها السلطة التي افتقدت الكثير من مهاراتها السابقة التي كانت تحكم بها وتجاهلت التطور الحاصل في العالم وأدارت ظهرها لمطالب الإصلاح أو استخفت بها؟
- من الطبيعي ان يتحمل الحكم المسؤولية الاولى عن تردي الاوضاع في البلاد. ثانيا: هناك حلقة شعبية مستفيدة من الحكم ومنتفعة منه ومساندة بالتالي للدولة وبحكم ارتباطها الحميم ماليا واقتصاديا واجتماعيا مع الدولة فانها غير قادرة على اتخاذ موقف محايد منها. والمسؤولية الاخيرة تقع على عاتق الشعب الذي يقبل بهذا التردي فإن سكت ولو على مضض أصبح آلة تكرس هذا الوضع المتردي وتطيل عمره.
• أشرت في أحد مقالاتك الصحفية الى نفسية الغطرسة والكبرياء والاستهتار بابناء البلد ونخبتهم، هل هو عامل مستجد؟ وهل تقصدين طريقة تعامل الحكم في الرياض معك شخصيا؟
- لا اقصد تعاملهم معي كفرد. وانما تعاملهم مع الشعب ككل وتفشي عقلية تملك الاسرة الحاكمة للبلاد ومواردها وكل ما فيها. وكذلك الاستعلاء على الشعب الذي يوصف بأنه أمي أو جاهل أو قاصر. فهذه المقولات هي من نسيج خيال السلطة ولا تعكس الواقع والحقيقة القائمة على الارض.
• تحدثتِ أيضا عن خطاب السيد للعبد المأجور، هل يشمل طريقة تعامل الحكم مع الكل؟
- نعم هذه الطريقة متطورة وتشمل الجميع. وهي الاسلوب المتبع مع المثقف وغير المثقف والغني والفقير والكبير والصغير.
 العائلة المالكة
• الانفجار الديموغرافي للعائلة المالكة هل يسبب مشكلة للدولة أم للشعب؟
- الانفجار الديموغرافي للعائلة المالكة هو المشكلة الاولى. وهي ليست مشكلة عدد وانما هي مشكلة احتكار السلطة من قبل فئة كبيرة من العائلة وتوزيعهم على جميع المناصب الحيوية والمهمة واستبعاد الشعب من القرار السياسي. أما تعداد السكان وكثرتهم فهو ليس مشكلة في بلد بحجم السعودية وثرواتها. المشكلة تكمن في استئثار هذا الحكم الذي تطور من دور العائلة الى دور القبيلة.
• الحديث عن تسلط أفراد العائلة المالكة على كل شيء، هل له حدود أو خطوط حمر وخضر؟
- لا أعتقد ذلك. العائلة تحت ضغط كبير من افرادها الذين يطمحون إلى تولي مناصب عليا. وبعضهم اتجه الى التجارة الحرة والتي تباركها الدولة لانها تضع الافراد من العائلة في مراكز قوة اقتصادية بينما يتجه بعض الامراء الآخرين الى احتكار السياسة والقطاع العسكري وكذلك قطاع الفكر والثقافة والاعلام . وذلك حتى تكتمل الهيمنة المطلقة وتتوغل العائلة الحاكمة بكل القطاعات الحيوية.
• لم يتوقف العالم عن التطور ولا عن توليد ثقافات جديدة تؤمن بحقوق الإنسان وسيادة القانون، هل بدا في أي وقت أن الحكم السعودي يعي مثل هذه التحولات؟
- الحكم السعودي ليس غبيا فهو يعي هذه التطورات ولكنه يرفض التعامل معها بعقلانية ومرونة. لأنه لا يريد ان يفتح الباب على مصراعيه. ولكن التغيير قادم وسياسة اغلاق باب الاجتهاد في هذه الامور اثبتت انها تسببت على العكس من ذلك في فتح باب الجهاد على مصراعيه والاحداث الدامية الاخيرة والمطاردات الأمنية في شوارع الرياض دليل قاطع على ان خيار الموت انتصر على خيار الحياة عند فئة معينة من الشعب. وهذا من المؤسف والمؤلم لبلد له قدسية خاصة عند جميع المسلمين فيجب ان تكون هناك حكومة صالحة تحفظ هذا الارث والذي هو ليس ملكا لها.
 حوار عقيم
• هل للتحالف والحوار الوطني قيمة حقيقية مجدية في دولة مثل المملكة؟
- أي حوار تحت وصاية هذا الأمير او ذاك هو حوار عقيم. الشعب لا يتوقف عن الحوار فيما بينه عن طريق الفكر والثقافة والادبيات والاعلام وعبر الانترنت وعلى المستوى الشخصي ايضا. هم ليسوا بحاجة الى مبنى او الى قاعة للحوار تحت الوصاية. وهم ليسوا بحاجة الى هيئة للحوار الوطني. الشعب يحتاج الى حريات أساسية منها حرية التعبير وحق عقد الاجتماعات. وهي امور لم تتحقق ولم ينلها الشعب طالما ان الوصاية قائمة. فأي حوار حر عندما تختار الدولة من يحاور وعندما يقوم الحكم بتحديد الموضوعات المطروحة على بساط البحث او عندما تقوم بالايعاز لبعض الشخصيات بطرح أمور معينة!
• تحميل الحكم كامل مسؤولية المأزق الحالي هل يعفي النخب المثقفة والمفكرة من مسؤولية التهاون؟
- الحكم هو الطرف الاول المسؤول عن هذا المأزق والنخب اليوم مقيدة لكنها اثبتت جرأة فائقة وقدرة على المواجهة وعلى تحمل العواقب مثل السجن والفصل من العمل والمنع من السفر وغير ذلك من الاساليب المتبعة. وهي مستعدة لتحمل المسؤولية وتقديم المزيد من التضحيات الشخصية في سبيل الخروج من الازمة. هذا هو الانجاز الحقيقي للشعب السعودي وليس الذي تدعيه الدولة وتقيسه بعدد المطارات والمستشفيات والمدارس والطرق المعبدة. الانجاز الحقيقي هو كسر حاجز الصمت والبدء بمشروع التغيير الشامل من قبل مجموعات معروفة في الداخل والخارج.
• الشكاوى من قضية التفرقة والتمييز، هل هي مسألة ملموسة وظاهرة على السطح حقيقة؟
- فشلت الدولة في توحيد الجزيرة العربية والمقصود هنا هو فشلها في خلق هوية وطنية شاملة. والملاحظ ان الدولة ساهمت في التفرقة بين المناطق والقبائل نتيجة سياسة فرق تسد. لقد طبق الحكم السعودي مبدأ الاستقطاب وعمل على تقسيم المناطق وحتى العوائل والقبائل عن طريق الهبات المتفاوتة وعبر مشاريع التنمية المبتورة والتي انتفع منها الكثير وفي الوقت نفسه حرم منها الكثير. هذه التفرقة الاقتصادية نتج عنها شعور بالغبن تسبب بانعدام الولاء للوطن لأن الدولة أصرت على ان يكون الولاء الاول للاسرة الحاكمة وليس للوطن.
 مأزق
• هناك محاولات لإعادة صياغة شرعية الحكم، هل يمكن أن يكتب لمثل هذه المحاولات النجاح؟
- الحكم في المملكة بني على شرعية دينية مستمدة من الدعوة الوهابية واحياء الدعوة الاسلامية والدفاع عن الدين. اليوم أشد المعارضة للحكم السعودي تأتي من أطياف هذه الدعوة ومن علمائها ومن الناشطين السياسيين من التيار الاسلامي. الدولة استعملت الدين لبناء شرعيتها بينما كلنا نعلم ان الدين سلاح ذو حدين. اليوم تكثر الانتقادات التي تعتبر الدولة خارجة عن مبادئ الاسلام وغير مطبقة لتعاليم الاسلام. وهكذا فان الحقيقة التي لا بد من المجاهرة بها هي ان الدولة في مأزق.
• أشرتِ الى الخطط والاستراتيجيات التي يمارسها الحكم في حربه على الإصلاح، فهل الإصلاح بضاعة مستوردة منافية للدين؟
• الحرب على الاصلاح قائمة والدولة جادة في تطبيق هذه السياسة. ويجب التأكيد على ان المشروع الاصلاحي في السعودية هو مشروع محلي وطني وديني ولا علاقة له بدعوات الولايات المتحدة وغيرها. ولن تستطيع الدولة ربطه أبدا بموضوع الاصلاح من الخارج لان رموز التيار الاصلاحي وخطابهم وسيرهم الذاتية تثبت عدم مصداقية هذه الاساطير.
 مأجورة
• يمتلك أمير الرياض إمبراطورية إعلامية في الداخل والخارج، هل سعى إلى إظهار أي قدر من التعاطف أو الفهم مع دعواتك ودعوات بقية المطالبين بالإصلاح؟
- أنا شخصيا لا أوجه دعواتي لرموز السلطة. كتاباتي ومحاضراتي وتفسيراتي لا تروق لأمير الرياض او غيره من الامراء. وقد حاولت بعض أجهزة الدولة ان توصل تهديداتها باتخاذ -اجراءات تأديبية• ضدي إذا قمت بنشر كتابي الاخير عن تاريخ السعودية وعنوانه - تاريخ السعودية بين القديم والحديث• والذي وصفه أمير الرياض سلمان على انه -دلو ماء ودلو طين• والحمد لله الكتاب نشر ولقي رواجا كبيرا واستقبالا جيدا من قبل ذوي العلم والثقافة. الامبراطورية الاعلامية للدولة قادرة على تشويه مشاريع الاصلاح حتى تتمكن من دفنها ولكنها اليوم تفتقد المصداقية وهي أشبه ما تكون بالصحافة المأجورة المروّجة لخطط الدولة.
• هل الرياض مملكة أم عاصمة؟ وهل الأمير سلمان قوي الى الحد الأعلى من هذا المفهوم؟
- الرياض بحكم مساحتها وتعداد سكانها ومركزية السلطة القائمة هي الحيز المهم في المعادلة القائمة منذ البداية. وهي ككل المدن الكبيرة تتصارع فيها الافكار وطريقة العيش والثقافات والتي ربما لم تنصهر في اطار واحد. والتغيير سيأتي من هذه المدينة وغيرها من المدن الكبرى والتي لا تزال بعض احيائها منغمسة في تركيبة المجتمع الريفي بسبب حداثة قدوم أهلها من الريف الى المدينة. والحكم في السعودية هو حكم مركزي يتمركز في المدن ويغيب نوعا ما في المناطق النائية وخاصة الحدودية والتي تعتبرها الدولة حيزا خطرا لاتصال ابنائها بالدول المجاورة كالمناطق الجنوبية وعلاقتها باليمن والمناطق الشمالية وعلاقتها ببلاد الشام وبلاد الرافدين تاريخيا. والحكم في المملكة لا يستريح لولاء هذه المناطق وان اهتم بها فان ذلك يتم من منطلق أمني بحت وليس من منطلق الرغبة في تحسين اوضاع ابنائها. وما كتب الدكتور متروك الفالح عن منطقته الشمالية دليل واضح على ما اقول وكتاباتي عن منطقة حائل تثبت ذلك أيضاً.
التقسيم
• ماذا تتوقعين أن يحصل؟ هل التقسيم وارد أم أن التغيير يمكن ان يغني عن ذلك؟
- مع الاسف مشاريع التقسيم مطروحة من الداخل والخارج وليس لدينا اثبات حقيقي لمثل هذه المشاريع. لنبدأ من الداخل: هناك أصوات قليلة جدا وتكاد ان تكون هامشية تطالب بتفكيك المملكة وانفصال بعض المناطق كالحجاز والمنطقة الشرقية. باعتقادي ان هذه الاصوات هامشية ولن تلقى أي نوع من التعاطف من قبل ابناء هذه المناطق. ثانيا: مشاريع الخارج فيكثر الحديث عن مشاريع اميركية للسيطرة على المنطقة الشرقية ونفطها. لا أظن ان الولايات المتحدة تستطيع ان تفتح هذا الباب خاصة بعدما حصل في العراق والمقاومة الجريئة فيه. فهي اليوم ضعيفة معنويا ومجروحة بعد أزمة العراق حيث تلقنها المقاومة درسا داميا كل يوم. بالاضافة الى ان الولايات المتحدة ليست بحاجة لمثل هذا المشروع الجريء والمكلف. إذ ان الدولة السعودية ورغم اسطورة الجفاء بينها وبين الادارة الاميركية إلا انها لا تزال تدور في فلك المصالح الاميركية على الصعيد السياسي والاقتصادي. والولايات المتحدة لا تزال تضع ثقلها خلف الدولة السعودية ورموزها ولن تفض يدها عنها إلا في مرحلة قادمة ومتأخرة عندما يتضح لها أي واشنطن صورة التغيرات التي ستحصل في السعودية. لكن خطر التقسيم يصبح خطرا فعليا اذا حصلت حالة اتصال بين التيار الانفصالي الضيق على الصعيد المحلي وقوة خارجية.
 الجهادي
• فماذا تعني التفجيرات الأخيرة التي شهدتها بعض المواقع السعودية الحساسة؟
- تفجيرات مبنى الأمن العام في الرياض التي وقعت يوم الحادي والعشرين من نيسان (ابريل)، تعكس ردة فعل على حملة الاعتقالات العشوائية وسجن مئات من المواطنين والتنكيل بدعاة الاصلاح من كافة التيارات التي تمت تحت مظلة -الحرب على الارهاب•. مع الاسف ان رجال الأمن والشرطة الذين هم بدورهم يُقمعون ويُعاملون معاملة العبد المأجور من قبل السلطة يقومون بحملة القمع هذه بالنيابة عن السلطة. لذلك هم اليوم يُستهدفون من قبل من يؤمن ان العنف هو الوسيلة الأخيرة للتغيير. وكما اشرت سابقا، الدولة اغلقت باب الاجتهاد في موضوع الاصلاح وفتحت بعض الفئات المتطرفة باب الجهاد على مصراعيه. انتقلت استراتيجية المعركة اليوم من -قتال الاميركان• الى قتال من -استعان بالاميركان• و-حمى الاميركان• حسب أدبيات التيار الجهادي. فتعرضه لجهاز الأمن ولو كان شرطة مرور هو تعرض رمزي يعكس هذا التغيير والذي يجعل شبح مواجهة دامية شاملة يقترب. وانا اعتقد ان على جميع القوى المعارضة في الداخل والخارج أن تشجب هذا العمل لأن عواقبه ستكون سيئة جدا. وهذا لا يعني بالطبع ان على المعارضة السعودية ان تلتف حول القيادة الحالية لأن القيادة هذه هي جزء لا يتجزأ من الازمة وسبب في قيامها وتطورها لهذا الحد. السلطة الحالية تمارس ارهابا من نوع آخر عندما تقمع نوعا معينا من الثقافة والتي أصفها بانها ثقافة سجينة وهي ثقافة عبد الله الحامد ومتروك الفالح وعلي الدميني وغيرهم ممن يقبع وراء القضبان وهي ايضا ثقافة من ينتقد العدوان الاميركي ويندد باحتلال العراق وفلسطين ويرفض الخنوع والانجرار وراء هذه السياسات كثقافة سعيد بن زعير آخر الاشخاص الذين انضموا الى لائحة المعتقلين.
• ماذا تعنين بالثقافة السجينة وهل هناك ثقافة طليقة بالمقابل؟
- الثقافة المسجونة في السعودية اليوم متعددة ومتنوعة كتعدد التيارات السياسية. الدولة لا تفرق بين تيار وآخر. أما الثقافة الطليقة فهي ثقافة الخنوع والتبرير والمماطلة التي تروجها الدولة بفروعها الخمسة إما بطريقة العنف المباشر كالسجن وغيره من الاساليب أو بطريقة غير مباشرة عندما تلجأ الى المؤسسة الدينية الرسمية أو وسائل الاعلام الحديثة التي يمتلكها الامراء كالصحف والفضائيات.
 التقسيم
• فيما يتعلق بمخاوف التقسيم هل تعنين أن المواطن السعودي ضد دعوات التقسيم التي يقال أنها قديمة وأن تسريب إشارات عنها الآن يوحي بأن مستحقاتها اقتربت؟
- الاجابة الصحيحة على هذا السؤال تتطلب القيام باستفتاء لكن وطالما ان ذلك يعتبر من الامور المستحيلة فان الطريقة الممكنة للاجابة تتمثل بقراءة أدبيات بعض هذه التيارات التي هي صغيرة جدا وليست لها مصداقية. صحيح ان هناك هويات مناطقية في المملكة وهويات طائفية ربما مثل الشيعة، وهويات اقليمية مثل الحجاز وهويات قبليه مترسخة. ولكن وحتى اليوم لا استطيع ان اجزم وان اقول ان لكل هذه الهويات قدرة على ان تنفصل وان تبني كيانات مستقلة. هناك بالمقابل هويات اجتماعية وجميع ابناء الشعب ينتمون او يشعرون بهوية مختلفة وربما تكون متناقضة مع مبدأ الوحدة الوطنية. ولكن هذا لا يمنع انه على مستوى المثقفين وعلى مستوى النخب يوجد هناك نوع من الشعور بالانتماء الى الجزيرة العربية. ولا استطيع ان اقول ان الكيان الحجازي يمكن ان يكون له كيان واقعي اذا انفصل. وكذلك كيان المنطقة الوسطى. وكذلك الامر بالنسبة إلى المنطقة الشرقية. يعني انا اعتقد ان هناك وحدة وأرى ان هذه الوحدة يجب ان تُشجع من جميع اطياف الشعب ومن جميع الفئات وأي دعوة انفصالية يجب ان تكون مرفوضة وان تقاوم.
 إسقاط النظام
• هل يمكن أن يقوم الجيش أو الحرس الوطني بإسقاط النظام؟
- في الوضع الحالي يوجد لدينا ثلاث مليشيات. يعني ان هذا البلد وضعه العسكري متميز. لدينا الجيش تحت أمرة سلطان بن عبد العزيز. والحرس الوطني تحت امرة ولي العهد عبد الله. وعندنا وزارة الداخلية بجهاز الامن والمفروض ان يكون موجها لحفظ أمن المواطنين ولديها جهازها الاستخباراتي الكبير، فهذه الاجهزة الثلاثة هي خلقت ووجدت بهذا الشكل لحفظ التوازن بين افراد العائلة الحاكمة او الدويلات الخمس القائمة. الخطر الحقيقي اليوم نعرف ان هذه الاجهزة الامنية هي تحت امرة الامراء المسؤولين عن ادارة شؤونها ولكن الخطر الحقيقي هو اذا مثلا خرج الصراع الداخلي بين العائلة الحاكمة الى صراع مفتوح فما هو يا ترى موقف هذه المليشيات المسلحة وهل تخوض حربا اذا حصل نزاع واضح وصريح بين احد هذه الشخصيات الحاكمة او التي تتسابق على الحكم في حال غياب الملك نهائيا فهل ستصف مع الاسرة المالكة ام تصف مع الشعب وتؤمن مصلحة الشعب وليس مصلحة الافراد؟ هذا السؤال لا يمكنني ان اجيب عليه بطريقة واضحة لانعدام الشفافية في هذه الدولة ولانعدام اي نوع من البحث الميداني الذي نستطيع بموجبه ان نحدد ما هي طموحات هذه الآلية العسكرية.
 غياب الرؤية
• باعتقادك لماذا تأخر نقل السلطة من الملك بسبب المرض الذي أعجزه إلى ولي العهد؟ هل هناك احتمال لإعادة ترتيب أولويات الحكم؟
- لا اعتقد ان الامراء الخمسة الذين يحكمون المملكة اليوم لديهم رؤية. الرؤية غير موجودة وإلا لكانت ظهرت واصبحت جزءاً من الحملة الاعلامية لتحسين صورة الدولة. الدولة منذ مرض الملك فهد في منتصف التسعينيات ليس عندها رؤية وهي تحاول جهدها الحفاظ على التوازن بين الافراد الخمسة. هذا همها. التوازن. فمتى ما اختل هذا التوازن عندها ستحصل تطورات خطيرة، فهمها اليوم ولو ظاهريا اعطاء الانطباع بان هناك وحدة. ولكن خلال حرب العراق وخلال حرب اميركا على افغانستان وخلال مناسبات خارجية كثيرة نرى ان هذا التوازن قد يتحول في بعض الاحيان الى تناقض فمثلا يصرح امير بانه مع الاصلاح وبعد شهر او شهرين او اقل يأتينا أمير من ضمن قائمة الخمسة ويصرح بان جميع طلبات الاصلاح مرفوضة وخاصة موضوع الملكية الدستورية مثلا. هذا التناقض يفقد السلطة اي مصداقية. ونحن هنا لسنا بصدد تعددية على مستوى السلطة او احزاب لديها برامج وحتى على مستوى الدول الديمقراطية بات هناك الان حزب واحد يحكم رغم ان التعددية موجودة كما هو الحال في البرلمانات او على المستوى الشعبي. لذلك فأن تكون المملكة محكومة بهذه الدويلات الخمس التي ليس لديها رؤية هذا من اسوأ ما يمكن ان يحصل في البلد.
• هناك من يسأل عن جدوى الحوار مع السلطة في ظل غياب الرؤية وفي ظل انقسام الحكم الى مجموعات دويلات، فمن هو صاحب القرار الذي يمكن التفاهم معه؟
- يجب ان تنتقل المعارضة الى مخاطبة الشعب. وان تقطع الامل من خطابها لهذه الرموز. لان الاصلاح لن يأتي من فوق وانا قلت ان أي اصلاح يأتي من فوق يسلب. فأنت تستطيع ان تؤسس برلمانا وان تنظم انتخابات ولكن بالامكان تعليق البرلمان والغاء نتائج الانتخابات. ومثل هذه الامور سهلة. لكن اذا كان الاصلاح مشروعاً شعبياً يأتي من الشعب فلا احد يستطيع ان يسلبه الحريات التي يكتسبها.
 لا جدوى
• هل لدى الشعب السعودي القدرة على فرض الإصلاح على الدولة أم أن ما تطرحينه دعوة للتغيير شعبيا؟
- بل هي دعوة للنخب المثقفة والمسؤولة على ان تبدأ بتغيير استراتيجيتها وان تخاطب الشعب وان تجد مخرجا للازمة فمنذ التسعينيات وجميع النخب تصدر البيانات وترسل الخطابات والمطالب الى رموز الحكم وتجمع التواقيع على هذه العرائض لكن النتيجة لم يحصل شيء على الاطلاق. ما هي الانجازات؟ ألم تفقد الامل بان هذه الوسيلة ليست الوسيلة الفعالة؟ بالطبع يجب ان نكون واقعيين. هذه النخب تعيش تحت رحمة نظام قمعي ولكن عندما تكون هناك ارادة توجد هناك وسيلة للتغيير.
• ما الذي ينفع مع النظام السعودي إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه، هل التطوير وحده كاف وأي نوع من الإصلاح يفي بالغرض وهل لدى النظام بوضعه الحالي قابلية للاستجابة لمتطلبات التغيير والتطور، وهل يغني التطوير عن التغيير؟
- أي تطوير؟ السعودية ماديا ليست بحاجة الى تطوير عمراني لأنك في بعض المدن السعودية تجد نفسك في دالاس. التطوير المادي موجود لكن الدولة بشكلها الحالي لا يرجى منها اي امكانية للتغيير او التوافق مع التغيير المطلوب حتى بحدوده الدنيا. الشكل الحالي القائم الان لا يسمح لا بالتغيير ولا بالاصلاح ولا بالتطوير المقبول شعبيا. وعلى سبيل المثال، جمعية حقوق الانسان. الدولة لا تستوعب ان المجتمع المدني هو مبني على مشروع شعبي وهو مبني على اساس ان نخبا معينة او افرادا معينين يقومون بهذا العمل بينما هي ما زالت تفكر بأن المجتمع المدني يعني ان تقوم الدولة بتأسيس هيئة وان تعين رئيسها وان تعين الاشخاص المسؤولين او القائمين عليها. يعني مفهوم المجتمع المدني ليس واضحا بالنسبة إلى رموز الحكم وان وضح فانهم يتجاهلونه. المثال الاخر موضوع الانتخابات، بعد احداث ايلول (سبتمبر) في اميركا ومشروع الشرق الاوسط الكبير.
 تحريك الشعب
• فما المطلوب إذن من دعاة الإصلاح؟
- طالما ان الدولة ليست لديها رؤية واضحة ولا خطة فإنها تتبع مبدأ الفعل وردة الفعل. واليوم الشعب هو الذي يفعل وهو الذي يخطط وهو الذي يبادر ويرسل البيانات والخطابات والعرائض ويقوم بجمع التوقيعات ولكن لا توجد ردة فعل لدى الدولة. وعندما يفعل الشعب فانها تقوم بردة الفعل لا اكثر. فتدعو مثلا نخبة من دعاة الاصلاح الذين يلتقون بولي العهد او نايف ومن ثم تطوى هذه الصفحة والى البيان القادم، فعلى المعارضة اليوم ان تعيد النظر باستراتيجيتها وان تتوجه الى الشعب مباشرة وان تتوقف عن ارسال البيانات وجمع التوقيعات لأن هذا الاسلوب لن يجدي ولم ينفع منذ اوائل التسعينيات. يجب عليهم ان يخاطبوا الشعب مباشرة وان يكثروا من التعبئة الشعبية ومن الاتصال بالشعب لان الشعب بقوته وبكثرته العددية والتفافه حول هذه المشاريع سيجعل من الصعب على الحكم ان يقمع هذا المشروع الاصلاحي. ولكن عندما يكون لديك نخبة مثقفة من مائة شخص فما اسهل ان تعتقلهم وان تزج بهم في السجون. لكن هل تعتقل مظاهرة بخمسة الاف شخص؟ هل ستضع كل الشعب السعودي على لائحة الارهاب؟ عندما يكون المشروع شعبيا فلن يكون بمقدور اي حكومة او اي حكم قمعي ان يقف في وجه الشعب والتاريخ معروف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق