السبت، 3 نوفمبر 2012

لبنان .ماذا تريد النساء من الربيع العربي؟

 


ماذا تريد النساء من الربيع العربي؟ أي «حصاد نسوي» أتى بعد الثورات العربية «الهادرة» من المحيط الى الخليج؟ ما الذي حققتْه المرأة من انجازات اثر اسقاط الانظمة؟ ولماذا لم تحظ النساء بنسبة تمثيل عادل مقارنة بمشاركتهنّ في حركات الاحتجاج؟ هل معضلة المرأة مع ذاتها أم مع البنى النيو ـ بطركية؟ ما الذي يمنع المجتمعات العربية من اعطاء الثقة للنساء لا سيما في المجال السياسي؟ كيف سيتعامل الاسلاميون الذي يعيشون نشوة الانتصار بعد وصولهم الى السلطة مع قضايا الجندر؟ هل تتخوّف النِسويات العربيات من تداعيات التحولات الجارية؟
هذا غيض من فيض الأسئلة التي تشغل اليوم بال النسوية العربية بطرفيْها العلماني والاسلامي، وسط مؤشرات مقلقة عبّر عنها تراجع التمثيل السياسي للمرأة داخل المجالس النيابية وتحديداً في الحالة المصرية، والهجوم السلفي غير المسبوق ـ في مصر وتونس ـ على حريات النساء اللواتي اخترقن المجال العام في الشارع والاعلام والثقافة والسياسة والتعليم والاقتصاد في تطورٍ بدا انه استفزّ «المنظومة الذكورية».
المرأة المصرية بعد الثورة
وفي لغة الأرقام، يشير تقرير أعدته «الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات» في مايو 2012 تحت عنوان «المرأة المصرية بعد ثورة 25 يناير ـ مزيد من التهميش والانتهاك» (أي قبل حلّ مجلس الشعب) الى تراجع التمثيل السياسي للنساء داخل مجلس الشعب مقارنة بالأعوام الماضية. واذ يشير الى الحضور الكثيف للمرأة كـ ناخبة فى المراحل الثلاث لانتخابات مجلس الشعب، يفرد حيزاً واسعاً للمرأة كمرشحة، كاشفاً انه بعد الغاء الكوتا التي تمّ العمل بها في برلمان 2010، وكذلك تعديل القانون 38 والقانون 120 المتعلقان بمجلسي الشعب والشورى واللذين تضمنا شرطاً خاصاً بضرورة وجود سيدة واحدة على الأقل في كل قائمة حزبية، جاءت مشاركة النساء كمرشحات على النحو الآتي: 351 مرشحة على المقاعد الفردية، يضاف اليهم 633 مرشحة على القوائم الحزبية باجمالي 984 مرشحة وهو ما يمثل نسبة 12.1 في المئة من اجمالي المرشحين في المراحل الثلاث. ولم تفز أي سيدة ترشحت على المقاعد الفردية، بينما فازت بعضوية المجلس 9 من السيدات على القوائم الحزبية: أربع عن حزب الحرية والعدالة، وثلاث عن حزب الوفد، وواحدة عن الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، وواحدة عن حزب الاصلاح والتنمية. وبتعيين سيدتين ضمن النواب العشرة المعينين يصبح العدد 11 سيدة من اجمالي 508 ما يمثل نسبة 2 في المئة.
ومن أجل ايضاح دلالة الأرقام والنسب يقارن التقرير نسبة تمثيل المرأة في المجلس الحالي بمثيلتيها في مجلسيّ 2010 و2005 على النحو الآتي:
• في مجلس الشعب 2010: اختُص هذا المجلس بتطبيق نظام الكوتا حيث تم تخصيص 32 دائرة تقتصر المنافسة فيها على المرأة، بحيث تضمن وجود 64 سيدة داخل المجلس، بالاضافة الى منافسة المرأة على مقاعد الدوائر العامة. وقد أسفرت هذه الانتخابات عن فوز 3 سيدات في الدوائر العامة، بالاضافة الى 64 وفقاً لنظام الكوتا، كما تم تعيين سيدة واحدة ضمن العشرة المعينين ومن ثم وصل مجموع المقاعد التي حصلت عليها المرأة الى 68 مقعداً بنسبة 13.127 في المئة.
• في مجلس الشعب 2005: وصل عدد السيدات الى تسعة منهنّ 4 فقط نجحن في الانتخابات وتم تعيين 5 آخريات ضمن العشرة المعينين بنسبة 1.9 في المئة.
وبهذا المعنى، تبدو المقارنة أكثر وضوحاً مع مجلس 2005، نظراً للخصوصية التي تمتع بها مجلس 2010، حيث يتضح ان نسبة تمثيل المرأة في المجلس الحالي لم تختلف كثيراً عنها في برلمان 2005، وان الاختلاف الأساسي كان في عدد الفائزات في القوائم وعدد المعينات، ويُعزى ذلك الى نظام القوائم الذي فرض على كل قائمة ان تضم سيدة واحدة على الأقل. وخلاصة القول ان وضع المرأة على هذا المستوى لم يتحسن بعد الثورة كما كان يأمل الكثيرون في ضوء المشاركة الفاعلة والمتميزة للمرأة في فعاليات الثورة منذ بدايتها.
أما على المستوى الاجتماعي فيشير التقرير الى المعطيات الآتية:
• خروج مسيرة نسائية في يوم 8 /3/ 2011 بمناسة اليوم العالمي للمرأة رُفعت فيها مطالب المساواة بين المرأة والرجل، ومشاركة المرأة في صوغ الدستور، وضرورة ان يحقق الدستور الجديد ـ وما قد يستتبعه من تعديلات لقوانين الأحوال الشخصية وغيرها من القوانين التي تخص المرأة ـ المساواة الكاملة على أساس المواطنة، بالاضافة الى المطالبة بوضع عقوبات رادعة للحد من أشكال العنف ضد المرأة. غير ان هذه المسيرة تعرضت لاعتداءات مختلفة سواء لفظية أو بدنية وذلك بحجّة ان الوقت غير ملائم لمثل هذه المطالب التي اعتبرها المعارضون فئوية، كما اعترض البعض على مطالب المرأة في شكل عام.
• في 9 مارس 2011 قامت قوات الجيش بفضّ اعتصام ميدان التحرير بالقوة وتم القبض على عدد من المعتصمين من بينهم 18 من الفتيات تم ترحيلهنّ الى السجن الحربي حيث تعرضن لاعتداءات مختلفة منها اجبار 7 منهن على الأقل على اجراء فحوص عذرية وفقاً لشهاداتهن التي أدلين بها لعدد من منظمات حقوق الانسان بينها منظمة العفو الدولية.
ورغم ان هذه القضية لم تُثر في حينها على نطاق واسع، الا انها أخذت حيزاً كبيراً في ما بعد. وقد نفى عدد من القيادات العسكرية وقوع مثل هذه الكشوف الاّ ان منظمة العفو الدولية أشارت في تقرير أعدته حول هذه القضية الى ان أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة (اللواء عبد الفتاح السيسي، مدير المخابرات العسكرية) أقر لمندوب المنظمة بتوقيع هذه الكشوف باعتبارها اجراءً روتينياً وذلك لحماية قوات الجيش من احتمالية الادعاء عليهم بتهمة الاغتصاب. وقد قامت احدى الفتيات (سميرة ابراهيم) برفع دعوى أمام القضاء الاداري لوقف اجراء مثل هذه الفحوص مستقبلاً، وأخرى أمام القضاء العسكري لمعاقبة المتهمين بارتكاب هذه الواقعة، وقد تم الحكم في القضية الأولى من القضاء الاداري بالزام المجلس العسكري بصفته حاكماً للبلاد بعدم توقيع كشوف عذرية على أي فتاة يتم القاء القبض عليها، لكن القضاء العسكري رفض هذا الحكم واعتبره غير قابل للتنفيذ لان لائحة السجون العسكرية لا تتضمن أساساً بنداً خاصاً بتوقيع مثل هذه الكشوف. أما في الدعوى التي أُقيمت أمام القضاء العسكري، فقضت المحكمة ببراءة المجنّد المتهَم لتضارُب أقوال الشهود. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد حيث عزمت سميرة ابراهيم صاحبة الدعوى بمعاونة عدد من النشطاء والحقوقيين على تصعيد الأمر الى المستوى الدولي وصولاً الى محكمة العدل الدولية.
• في نوفمبر 2011 وقعت أعمال عنف نتيجة فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة في ما عُرف بأحداث محمد محمود. وخلال هذه الأحداث تعرضت مجموعة من الناشطات للضرب والسحل على أيدي قوات الأمن، ومن أبرزهنّ الصحافية والناشطة منى الطحاوي التي ـ وفق روايتها ـ تعرضت للسحل والتحرش الجنسي، وهو ما أدى الى كسور فى ذراعيها، وتم احتجازها داخل وزارة الداخلية 12 ساعة دون تقديم الرعاية الطبية لها ثم سلمت الى المخابرات العسكرية، وفي النهاية تم تقديم اعتذار لها بعد معرفتهم بانها صحافية وتحمل الجنسية الأميركية.
• وفي ديسمبر 2011 وخلال «أحداث مجلس الوزراء» كانت الصورة الأبرز التي تم تداولها وتصدرت الصحف ونشرات الأخبار، هي صورة الفتاة التي تم سحلها وتعريتها من بعض الجنود، وقد أثارت جدلاً كبيراً وانكرها البعض وتعرضت صاحبتها لاتهامات متعددة. غير انها لم تكن الوحيدة التى تعرضت للايذاء فقد روت بعض الناشطات قصصاً عن سحلهن، والقبض عليهن، واحتجازهن داخل مجلس الشورى لفترة من أجل ترويعهن. وقد رأى البعض ان هذه الاعتداءات مقصودة بهدف كسر ارادة المرأة المصرية ومنعها من الخروج للشارع والمشاركة في الاحتجاجات لما كان لدورها من تأثير بارز.
الى ذلك، أشار تقرير حقوقي صادر أواخر العام 2011 عن مركز «أولاد الأرض لحقوق الانسان» في مصر الى الارتفاع الحاد في العنف ضدّ المرأة بعد الثورة، وشكّل العنف الأسري النسبة الأكبر في العنف ضدّ المرأة، وقد بلغت نسبة حوادث القتل على خلفية الشرف 59.4 في المئة من اجمالي حوادث العنف في ستة أشهر، ويأتي الاغتصاب في المرتبة الثانية بنسبة 20 في المئة بسبب الانفلات الأمني.
التونسيات والتيار السلفي
وكما في مصر كذلك في تونس حيث شاركت النساء في الثورة لكن حضورهن في الميدان لم يكن على المستوى نفسه، اذ تقلص التمثيل السياسي لهنّ في البرلمان (المجلس الوطني التأسيسي) في الانتخابات التي اجريت بعد اسقاط نظام بن علي من 27 في المئة الى 23 في المئة. ورغم ان نسبة النساء في المجلس التأسيسي وصلت الى 25 في المئة الاّ ان المرأة التونسية لم تتمثل في الحكومة الاّ بوزارتين.
أما على مستوى العنف الذي تعرضت له المرأة التونسية في شكل مباشر أو غير مباشر، فقد أشارت أستاذة التعليم العالي في كلية الآداب والفنون والانسانيات المتخصصة بدراسات الجندر آمال قرامي الى ان المرأة في تونس ما بعد الثورة تعرضت لحالات عنف ممنهج في الشارع وأماكن العمل والجامعات والمدارس، لافتة الى لجوء بعض العائلات الى تحجيب الفتيات القصّر وحتّى الراشدات رغماً عنهن وممارسة التضييق أو التحرّش بغير المحجبات، فضلاً عن دعوة بعض المسؤولين والموظفين أو الأساتذة الى الزامية الفصل بين الجنسين أو اجبار البنات المقيمات في المعاهد على ارتداء اللباس الشرعي.
واذ تشير الارقام الى تعرض النساء في تونس لأفعال عنف ارتكبتها جماعات سلفية، بما في ذلك اعتداءات على معلمات وعلى طالبات في الجامعات، يرى العديد من المراقبين ان النساء التونسيات تعترضهن مخاوف من تنامي قوة السلفيين. وقد ترافق هذا المشهد الجديد مع استقبال الداعية الاسلامي المصري وجدي غنيم في تونس حيث دعا الى ختان الاناث، وسط صمت رسمي على ما يقوم به سلفيون من ممارسات بينها ما قام به احد السلفيين أمام احدى الكليات اذ وضع علماً أسود مكان علم تونس، قبل ان تتصدى له شابة جامعية وتتعرض للضرب.
ورغم ان هذه المعطيات تقلق النساء في تونس، لكن الكثير من الناشطات التونسيات يؤكدن ان قوة التنظيمات النسائية الناشطة ستمنع التعرض لمكتسبات المرأة التونسية ولا سيما ما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية.
ليبيا واليمن والمغرب والسوريات الثائرات
بعد الحركة الاحتجاجية التي شهدها المغرب والاصلاحات السياسية التي أجراها الملك محمد السادس، تراجع التمثيل السياسي للمرأة المغربية في البرلمان والحكومة التي لا تضم سوى امرأة واحدة، مقارنة بسبع وزيرات في الحكومة السابقة.
وفي موازاة تكريس مبدأ المساواة في الدستور الجديد، الا ان النساء لم يحصلن سوى على 16 في المئة من مقاعد البرلمان المغربي. ومازالت العديد من النصوص التمييزية في قانون الأسرة (المدونة) وقوانين تمييزية أخرى سارية، في حين يظل تطبيق القانون محدوداً، وذلك على الرغم مما نص عليه الدستور الجديد من تشكيل «هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز».
ولم تكن أوضاع المرأة الليبية، التي شاركت في الثورة الى جانب الرجل، أفضل حالاً من أوضاع المرأة المصرية أو التونسية، وتحديداً لجهة ظاهرة العنف الذكوري. وخلال الثورة تعرضت بعض الليبيات للاغتصاب من الكتائب الأمنية، ولعل صورة المحامية ايمان العبيدي التي اغتصبها 15 من عصابات معمر القذافي تعبر في شكل صارخ عن مدى العنف الذي أصاب النساء في الجماهيرية الليبية. وما ان انتصرتْ الثورة حتى بادر رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل الى اعلان ان المجلس سيلغي الكثير من القوانين التي كانت سائدة في عهد الرئيس المخلوع معمر القذافي ومنها ما يتعلق بتعدد الزوجات.
أشار القانون الانتخابي الليبي الجديد الى مبدأ «التناوب بين المرشحين من الذكور والمرشحات من الاناث»، مؤكداً انه «لا تُقبل القائمة التي لا تحترم هذا المبدأ». وكان مشروع القانون الأول الذي طرح في بداية يناير 2012 حدد حصة النساء بعشرة في المئة، ما أدى الى استياء الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والتنظيمات النسائية.
وفي المشهد اليمني كان لافتاً مشاركة النساء في ثورة اسقاط النظام. ويلاحظ المتابع لتطورات الثورة اليمنية ان وجود المرأة أصبح مألوفاً في ساحات الاعتصام أو في التظاهرات والمسيرات وفي عضوية اللجان: كاللجنة التنظيمية أو لجان النظام والأمن والاعلام والصحة والخدمات وغيرها. وكان لافتاً أيضاً مشاركة المنقبات في التظاهرات، وخروجهن الى المجال العام، وهذا المؤشر يرى فيه البعض انه تحول ايجابي في أوضاع النساء اليمنيات. وتعتبر الناشطة والصحافية توكل كرمان التي أدت دوراً رائداً في الثورة من أبرز الوجوه النسائية اليمنية، وقد حازت ربيبة بلقيس كما يسميها البعض على جائزة نوبل للسلام تقديراً لنشاطها في المجال السياسي والحقوقي.
أما في سورية، ورغم ضآلة الحضور الانثوي في التظاهرات، فقد سجلت السوريات الثائرات أول تظاهرة نسائية في درعا ابان بدء الثورة على خلفية اعتقال الأطفال الذين دوّنوا على الجدران مطالبهم برحيل الرئيس بشار الأسد. وقد اضطلعت المرأة السورية بنشاط سياسي وميداني، ومن أبرز الناشطات في هذا المجال، المدونة رزاز زيتونة وسهير الأتاسي التي تعرضت للاعتقال وتم الافراج عنها لاحقاً وهي الآن موجودة خارج سورية. هذا طبعاً بالاضافة الى عشرات الناشطات اللواتي تعرضن للاعتقال والاغتصاب.
ولم تكن المرأة السورية بمنأى عن العنف والاغتصاب، وقد ذكرت تقارير قيام بعض الجنود من الجيش النظامي وأفراد من الأمن والمخابرات بعمليات اغتصاب طاولت العديد من النساء والفتيات السوريات، كما افادت معلومات نشطاء الثورة عن وقوع عشرات حالات الاغتصاب، كان أكثرها وحشية حادثة اغتصاب طفلتين في العاشرة والرابعة عشر، كما تعرضت المعتقلات والناشطات في السجون السورية الى اعتداءات جنسية.
وللاضاءة على أوضاع النساء في ظل الثورات العربية، طرحت «الراي» هذا الملف على كل من الأكاديمية والباحثة النِسوية التونسية الدكتورة رجاء بن سلامة، والكاتبة والباحثة اللبنانية الدكتورة دلال البزري، وأستاذة علم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية الدكتورة عايدة الجوهري.


أستاذة علم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية أشارت إلى وجود «عنصرية مقنعة» ضد المرأة في العالم العربي

عايدة الجوهري: التيار الإسلامي يريد السيطرة على النساء
والهجوم واضح على «السافرات» في الدول التي شهدت الثورات

رأت استاذة علم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية عايدة الجوهري أن «مشاركة النساء في الثورات العربية شكل تحدياً للرجال»، مشيرة الى أن «المرأة استطاعت تحقيق بعض المكاسب لكن التحولات على الأرض تعكس فقدان الثقة بالمرأة».
ولفتت الجوهري الى «غياب وجود ناطقة باسم النساء (في الثورات العربية)، فنلحظ ظهور الأبطال الذكور ولا نجد بطلات أو قيادات نسائية». وإذ أبدت تخوفها من خطاب الاسلاميين تجاه المرأة في مصر، أكدت أن «قوى المجتمع المدني في تونس قوية ولا أجد مبرراً في الخوف على المكاسب التي حققتها المرأة خلال المرحلة السابقة».
الى أي مدى ستكون الثورات العربية قاطرة لنهوض المرأة أم ستقف حاجزاً أمام حقوقها ولا سيما السياسية منها؟
- حتى الآن أدّت الثورات العربية الى مصادرة حقوق المرأة التي حازت عليها في المراحل السابقة، فالتيار الإسلامي الموجود في السلطة يريد السيطرة على النساء وقد لمسنا ذلك في الحالة المصرية عندما تقدم أحد النواب السلفيين قبل حلّ مجلس الشعب بمشروع قانون يعيد العمل بختان الإناث. ثمة مكاسب طفيفة استطاعت النساء تحقيقها لكن وصول الاسلاميين الى الحكم لا يدفعني الى زيادة جرعة التفاؤل وخصوصاً أن مجتمعاتنا تنزع باتجاه التدين غير المنطقي، والتيارات الاسلامية تجد حضورها داخل هذه البيئات، وهذا يعني ارتفاع معدلات الرقابة على أجساد النساء وتحركاتهن ويعني أيضاً مصادرة حق الإبداع والحريات الفردية.
المجتمعات العربية ذكورية ولا تستطيع التحرر من هذه الظاهرة التاريخية إلاّ إذا حدث تحول جذري في الثقافة. وهنا أريد إعطاء مثال على ذلك، خلال ثورة مصر تعرّضت النساء المشاركات في الميدان الى عنف مزدوج، من قبل الثوار ومن قبل المجلس العسكري. ومجرد إخضاع النساء لفحوص العذرية خلال مرحلة الاعتقال في سجون المجلس العسكري فهذا يعني أن المجتمع لا ينظر الى الأنثى إلاّ من خلال غشاء بكارتها وهو يريد القول إن شرفها ملك له. وفي رأيي أن مشاركة النساء في الثورات العربية شكل تحدياً للرجال فهم لم يعتادوا على هذا المشهد بالرغم من ان العنصر النسائي كان له حضور في الحركات المطلبية التي عرفها العالم العربي في السابق.
وقعت بعض التطورات الايجابية على مستوى العملية الديموقراطية لكن أوضاع المرأة لم تشهد تطوراً بسبب إقصاء النساء عن مراكز القرار. ما أهمية التحول الديموقراطي بالنسبة لتمثيل النساء على المستوى السياسي؟
- وصول المرأة الى المجالس النيابية مسألة مهمة. وكما لاحظنا، لم تحظ النساء بنسبة تمثيل جيدة مقارنة بمشاركتها في الميدان، لأن المجتمعات العربية ما زالت لا تثق بالنساء، عدا عن أن الأحزاب الإسلامية لا تعطي أهمية لأدوار النساء رغم تمثيلهن داخل هذه الأحزاب. التحولات على الأرض تعكس فقدان الثقة بالمرأة، فالمجتمع لا يعطي النساء الثقة الكاملة. وأعتقد أن مشاركة المرأة في النشاط الثقافي والاجتماعي والمدني يحقق لها مكاسب أكثر في المرحلة الراهنة خصوصاً أن العديد من المجالس النيابية لا يعتمد على نظام الكوتا. ثمة عنصرية مقنّعة تُمارَس ضد النساء، ونزول المرأة اليمنية على سبيل المثال ومشاركتها في الثورة يؤشر الى تحدي الاناث للبنى الذكورية حتى من خلال النقاب والحجاب. واللافت في الثورات العربية عدم وجود ناطقة باسم النساء، فنلحظ ظهور الأبطال الذكور ولا نجد بطلات أو قيادات نسائية، باستثناء توكل كرمان في اليمن التي حصلت على جائزة نوبل للسلام، أو بعض الاستثناءات في تونس.
هل تتخوفين من حكومات الاسلاميين على حقوق المرأة لا سيما في مصر وتونس؟
- في تونس، قوى المجتمع المدني قوية وفاعلة، ولا أجد مبرراً في الخوف على المكاسب التي حققتها المرأة خلال المرحلة السابقة، عدا أن حزب النهضة أعلن أنه لن يجعل الشريعة الاسلامية أساس الدستور. أما بالنسبة الى مصر فلا أخفي هواجسي وأنا أتابع في شكل دقيق خطاب الاسلاميين لا سيما السلفيين منهم تجاه المرأة. وقبل حل مجلس الشعب تقدموا بمشروع قانون لاعادة الختان وهذا الموضوع خطير جداً لأنه قد يمتد لاحقاً الى حضانة الأم لأطفالها، كما أن هناك هجوماً على النساء السافرات وهذه الظاهرة بدت للعيان في الدول كافة التي وقعت فيها الثورات. في تقديري المطلوب الآن تأويل الآيات القرآنية المرتبطة بالنساء بما يتلاءم مع متطلبات الواقع والحداثة. النص القرآني نص مفتوح على الاجتهاد لكن أصحاب النفوذ من الذكور ورجال الدين عطلوا مقاصد النص. الآن ثمة عالمات في العالمين العربي والإسلامي يقمن بهذه المهمة، إذ يعتبرن أن القرآن ساوى بين النساء والرجال لكن القراءات الذكورية ألغت هذه المساواة.
ثمة ظاهرة حدثت في مصر حين قامت المدوّنة علياء المهدي التي شاركت في الثورة بتصوير نفسها عارية ونشرت صورتها على «الفايسبوك» وقالت إن رسالتها ضد مجتمع العنف والتمييز الجنسي. كيف تفسّرين هذه الظاهرة؟
- على المستوى الشخصي وعلى الرغم من الجدال الذي أثارته علياء المهدي، أحترم حقها في التصرف بجسدها، وأعتقد أنها أرادت توجيه رسالة مزدوجة: الأولى للمجتمع الذكوري الذي يحاصر حياة النساء وحقهن في التصرف؛ والثانية الى الاسلاميين فأرادت أن تقول لهم ليس لكم الحق في مصادرة حقوقنا. تصرف علياء المهدي يعبّر عن اعتراض أنثوي صارخ وينمّ عن رمزية ذات أبعاد مختلفة. صحيح أن فعل التعرية لا يتقبله المجتمع حتى في الغرب، لكنه يستخدم لغة الرموز من أجل التعبير عن القهر. وبالاضافة الى ما فعلته علياء ثمة نموذج آخر وأقصد الفتاة المحجبة التي عرّاها العسكر، والهدف من هذا التصرف هدر كرامة المرأة والقول إن شرف المرأة ملك للرجل ولا أحد سواه، وأنه قادر على السيطرة على هذا الجسد بتدنيسه أو تقديسه.
حصلت الصحافية والناشطة اليمنية توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام تقديراً لنشاطها في الثورة اليمنية ومجال حقوق الانسان. الى أي مدى تعكس هذه الجائزة وجهة نظر الغرب تجاه دور المرأة في الثورات العربية؟
- الغرب يلعب لعبة مزدوجة، فهو من جهة يطالب بإقرار المساواة بين الرجل والمرأة، ومن جهة أخرى يدعم الاسلاميين، وهؤلاء يعملون دائماً على الحد من حريات النساء وحقوقهن لا سيما في المجال السياسي. طبعاً شكلت توكل كرمان علامة مميزة في الثورات العربية ولها تاريخ في النضال السلمي ضد الحكم السابق.
خلال الثورات العربية لاحظنا حضوراً كثيفاً للمحجبات والمنقبات. كيف تفسّرين هذه المسألة؟
- عودة الحجاب ليس ظاهرة جديدة وقد ارتفع عدد المحجبات خلال العقود الثلاثة الأخيرة نتيجة تمدد الحركات الاسلامية في العالم العربي. لا أريد الخوض في التفاصيل الفقهية في شأن الحجاب، لكنني أرى أن الحجاب يكرس السلطة الذكورية وسلطة الطاعة. الحجاب يحمل رمزية كبيرة فهو يعطي أولاً الانطباع بالهوية الدينية. أما على مستوى مشاركة المحجبات في الثورات، فهذا المؤشر جيد لأن المرأة المحجبة أرادت القول إنها قادرة على تحدي المجتمع بحجابها، لكن النساء رغم ارتدائهن للحجاب يتعرضن للعنف الذكوري وهذه المسألة ظهرت في شكل واضح خلال الثورات.


الباحثة والكاتبة اللبنانية اعتبرت أن مشاركة المرأة المحجبة في الثورات العربية شكلت تحدياً للسلطة الذكورية

دلال البزري: اختفاء النساء من المجال العام المطلب الأساسي للإسلاميين والسلفيين 
شددت الباحثة والكاتبة اللبنانية دلال البزري على ان الاسلاميين «لا يريدون ان يفهموا كيف ان النساء أصبحن شريكاً في الشارع والعمل والثقافة والسياسة»، مؤكدة ان «النساء اليوم يتعرضن لما تعرضت له المرأة الجزائرية خلال مرحلة التحرير أو ما اسميه السندروم الجزائري».
ولفتت البزري الى ان مشاركة المرأة المحجبة في الثورات العربية «عبارة عن تحدٍ للسلطة الذكورية»، معتبرة ان «المطلب الأساسي للاسلاميين والسلفيين هو اختفاء النساء من المجال العام».
تراجعت نسبة التمثيل السياسي للنساء عمّا كان عليه في السابق لا سيما في مصر. كيف تقرأين هذا المؤشر؟
- في الدول حيث وصل الاسلاميون الى السلطة، كانت نتائج التمثيل السياسي للنساء سلبية، باستثناء تونس التي أجبرت القوى الاسلامية على احترام نوع من انواع المساواة في التمثيل نتيجة تراث البورقيبي وقوة التنظيمات النسائية. أما في الدول العربية الأخرى وتحديداً في مصر، فان المطلب الأساسي للاسلاميين والسلفيين هو اختفاء النساء من المجال العام. وهؤلاء لا يريدون ان يفهموا كيف ان النساء أصبحن شريكاً في الشارع والعمل والثقافة والسياسة، ولكن هذا الحضور النسائي في المجال العام تضاءل عما كان عليه في السابق تحديداً في فترة الستينات، اذ كان هناك تشجيع من قبل الدولة بعد مرحلة الاستقلالات من أجل تحفيز النساء ومنحهن كامل الحقوق، وهذه الموجة تراجعت لأسباب مختلفة، حتى ان التيارات الحداثية ما عادت تهتم بموضوع المرأة فهي غير مبالية ولا تكترث لهذه الفجوة. والنساء اليوم يتعرضن الى ما تعرضت له المرأة الجزائرية خلال مرحلة التحرير أو ما اسميه «السندروم الجزائري».
ففي نهاية الخمسينات وبداية الستينات خاض الشعب الجزائري حرباً ثورية شاركت فيها المرأة الجزائرية الى جانب الرجل على أمل ان تحقق النساء المساواة والعدالة. لكن ما ان انتصرت الثورة حتى أُعيدت النساء الى البيوت، وكن ضحايا كل أشكال العنف والتمييز. وبعد الثورة انشغلت القوى السياسية في الصراع على السلطة بسبب الفراغ الحاصل، ولم يصل الى الحكم سوى الرجال لانهم أكثر تمرساً في العمل السياسي. وما كانت النتيجة؟ اقصاء النساء عن المجال العام وتراجع الحقوق النسائية التي اكتسبتها المرأة الجزائرية خلال مرحلة الاستعمار.
في الثورات العربية شاركت النساء في الثورة الاّ ان هذه المشاركة لم تكن قيادية، وكنا نلاحظ ان النساء المشاركات هنّ دائماً في الخطوط الخلفية رغم ان نسبة التمثيل كانت مرتفعة. الشخصيات الوحيدة التي كانت في الصدارة هم نجوم الاعلام لا سيما في مصر وسورية. المرأة الوحيدة التي برزت في ليبيا على سبيل المثال، وهذه مفارقة كبيرة، ايمان العبيدي التي اغتصبها رجال معمر القذافي، ومنذ خروجها من الفندق وحديثها عما جرى معها، أصبحت المرأة المغتصبة أيقونة. لكن الأهم من ذلك انه بعد سقوط القذافي أقر المجلس الانتقالي الليبي بتعدد الزوجات. اليوم ثمة دعوة ليست جديدة عند الحركات الاسلامية لاعادة النساء الى البيت، وهذه الدعوة ليست مبطنة بل صريحة. وهنا أريد الحديث عن مسألة مهمة ترتبط بقراءة الاسلاميين المتشددين لحقوق المرأة في الاسلام، فهؤلاء صادروا النص القرآني وقاموا بتفسير الآيات المتعلقة بالنساء من منطلقات ذكورية، على الرغم من مناداة القرآن بالمساواة بين الرجل والمرأة في أكثر من موقع. النص يعكس صورة قارئه، فاذا كان الشخص الذي يقوم بتفسير منطوق الآيات القرآنية محملاً بالموروث الذكوري، فالتفسير اذاً سيكون ذكورياً، وقد برزتْ منذ عشر سنوات مطالبات نسوية لاعادة تفسير الآيات المرتبطة بالنساء من منظور نِسوي. وبصرف النظر عن بعض الثغر في هذه القراءات النسوية الانتقائية في الغالب، لكن هذه التجربة مهمة، فالمطلوب ليس اللغة الخشبية التي تتحدث عن حقوق المرأة في المطلق وانما فتح باب الاجتهاد واجراء قراءة جديدة، وهذه المهمة تقوم بها نساء حداثيات وآخريات ينتمين الى النِسوية الاسلامية.
في رأيك هل تطبيق الكوتا يمكن ان يؤدي الى تجاوز عقدة التمثيل العادل للنساء في المجالس النيابية؟
- في الواقع كنت أتحفظ عن مسألة الكوتا، لكن اذا كانت هذه الوسيلة قادرة على تحقيق تمثيل عادل للنساء فلا بأس بها. المشكلة في «الكوتا» انها لن تؤدي الى تمثيل حقيقي ومتنوع، فالاحزاب الاسلامية وحتى العلمانية ستحصد النتائج لانها سترشح النساء المنتميات الى صفوفها وبالتالي لن يتم تمثيل النساء المستقلات أو اللواتي كان لهن دور رائد في المجتمع المدني.
يتحدث حزب الحرية والعدالة في مصر عن المجتمع المدني والمساواة لكنه لم يقر بعد بحق المرأة في رئاسة الدولة. ما رأيك في ذلك؟
- صلب خطاب الاخوان المسلمين يطالب بعودة المرأة الى البيت، وكل الديباجات التي نسمعها عبارة عن شعارات فقط، هم يقولون انهم مع المساواة ولا يسمحوا للمرأة بتولي سدة رئاسة الدولة ومن ثم يسمحون للسلفيين بانتهاك حرية الابداع وحرية التعبير وملاحقة النساء السافرات. لكن الخطوة تكمن في انهم يعتبرون انفسهم الناطقين باسم الاسلام وبانهم المسلمون الحقيقيون.
لماذا ترافقت الحركات الاحتجاجية مع زيادة العنف ضد النساء خصوصاً ان بعض التقارير يشير الى تعرض النساء للاغتصاب؟
- أحد تجليات العنف في هذه الثورات تعرض النساء للتحرش والاغتصاب. والسؤال لماذا؟ لان المرأة في المجتمعات العربية هي الكائن الأضعف ولذلك تطبَّق عليها كل أساليب العنف الرمزي والمباشر. ومن هذه الزاوية يمكن قراءة العنف الموجه ضد النساء انطلاقاً من الصراع الذكوري على السلطة الذي يؤدي الى ارتفاع نسبة الهرمون الذكوري دون ان ننسى خاصية العنف الموجودة في الأساس داخل مجتمعاتنا، وهذا العنف يطبَّق في الغالب على الفقراء والنساء والأقليات.
هل وصول الاسلاميين الى السلطة سيحجّم حقوق المرأة لا سيما في المجال السياسي؟
- لا أتخوف فقط من وصول الاسلاميين الى السلطة فالعسكر يمارسون العنف نفسه على النساء، والمرأة التي شاركت في الثورة في مصر تعرضت الى فحوص العذرية وتعرضت لسوء المعاملة داخل المخافر حين كان يجرى التحقيق معها.
لماذا يستفز خروج النساء الى المجال العام المنظومة الذكورية؟
- لان الذكور تربوا على الامتيازات وعلى الخروج الى المجال العام وبالتالي فان حضور النساء ودخولهن في منافسة مع الرجال يؤديان الى زعزعة المنظومة الذكورية وينتجان العنف تجاه المرأة.
ما أهمية مشاركة المرأة المحجبة في الثورات العربية؟
- مشاركة المرأة المحجبة عبارة عن تحدٍ للسلطة الذكورية، وحتى وجود المنقبات في التظاهرات مؤشر جيد بالنسبة لي، وهذه الظاهرة لاحظناها في اليمن في شكل واسع. ولكن كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة؟ المرأة في رأيي أكثر عرضة لحمل كل الموروثات والمعتقدات الدينية والاجتماعية وهي تعبّر عنها من خلال ملبسها وجسدها.
ما الرمزية الاجتماعية والثقافية للسلطة الذكورية في هذه الثورات خصوصاً اذا قاربنا هذه المسألة من زاوية اخضاع مَن شاركن في الثورة المصرية لفحوص العذرية؟
- الهدف هو السيطرة على النساء. في مجتمعاتنا ممنوع على المرأة ان تكون لها حياة جنسية خارج اطار الزواج على عكس الرجل. النساء في العالم العربي يخضعن لشروط وممنوعات ترتبط ببنى ثقافية وبطركية. الجنس عبارة عن صراع على الامتياز، وهذا الصراع تدفع ثمنه المرأة. في مصر على سبيل المثال قامت حركة الاخوان المسلمين بحملة في الأرياف من أجل ختان الاناث، علماً ان القانون المصري يمنع ذلك، كما ان أحد النواب السلفيين تقدم بمشروع قرار قبل حل مجلس الشعب يطالب باعادة تطبيق الختان، وقد يصل بهم الامر مستقبلاً الى المطالبة بمسائل أخطر من ذلك.
ما الاخطر على النساء في هذه الثورات؟
- الاخطر بالتأكيد هو العودة الجغرافية الى المجال الخاص أي البيت مجال الحريم، وهنا أريد التوقف عند ظاهرة اليمنيات المنقبات اللواتي شاركن في الثورة، فبالنسبة لي لا يهمني النقاب بقدر أهمية خروجهن الى المجال العام.


الأكاديمية والباحثة التونسية ترى تناقضا صارخا بين النشاط المدهش للنساء وتمثيلهنّ
رجاء بن سلامة: لن يوجد (ما دمنا أحياء)
أيّ قانون يفرض الحجاب

أكدت الأكاديمية والباحثة النَسوية التونسية رجاء بن سلامة أن النساء التونسيات «انتصرن في مجال الدفاع عن حقوق الانسان بعدما سحب حزب النهضة، ونتيجة الضغط المدني، مطلب اعتبار الشريعة مصدراً من مصادر التّشريع».
وأبدت بن سلامة تخوفها من «وصول الاسلاميين الى الحكم»، مشيرة الى «تناقض صارخ بين حضور النّساء (التونسيات) في المجتمع المدني ونشاطهنّ المدهش وتمثيلهنّ في المناصب العليا».
وشددت على ان «النخبة التونسيّة لا تقبل بالدولة الدينيّة، والمجتمع المدني نشيط ويقظ»، مؤكدة أن «لا يوجد ولن يوجد ـ ما دمنا أحياء ـ أيّ قانون يفرض الحجاب».
ما ايجابيات وسلبيات الثورة التونسية على أوضاع المرأة في العالم العربي؟
- في تونس انفتح مسار ثوري حقيقي ومعقّد بطبيعة الحال. ما حققه هذا المسار حتى الآن هو الحريات السياسة والمدنية أساساً، ومنها حرية التعبير وحرية التنظم، والاحتجاج السلمي. ومن هذا المنطلق، النساء التونسيات استفدن كغيرهن من المواطنين: تحررتْ الألسن، وتبلورت مطالب الديموقراطية وأصبحت متعلقة بسائر المجالات من قانون وقضاء وإعلام، وتمّ تقديم مشروع لـ «دسترة حقوق النّساء»، وقد نجحنا في ذلك بما أنّ التّوطئة التي تمّ صوغها تتضمّن مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، وننتظر المزيد والأفضل في بقيّة فصول الدّستور الذي هو قيد التّحرير.
لكن كل مسار ثوري يتضمن عناصر مضادّة لفكر الثورة، وهي تتمثّل أساساً في المطلب الهوويّ الإيديولوجيّ. انتصرنا، كنساء وكمدافعين عن حقوق الإنسان في معركة أولى، فقد سحب حزب النّهضة، نتيجة الضّغط المدنيّ مطلب اعتبار الشريعة مصدراً من مصادر التّشريع، ولكنّ مخاطر النّكوص موجودة. فالثّقافة التي تنشرها الحركات السّلفيّة ثقافة تريد إعادة أنماط علائقيّة تقليديّة، وتريد غرس الشعور بالإثم. لكنّ الحصن الحائل دون الرّجوع إلى الوراء هو خروج النّساء إلى العمل بنسب عالية، ووجود عشرات الجمعيّات النّسائيّة العاملة في مجالات الدّفاع عن الحقوق والتّمكين. لا أخاف كثيراً على مجتمعٍ أكثر من ربع الأطبّاء فيه من النّساء، وأكثر من ربع القضاة فيه من النّساء. الدّعوات النّكوصيّة تجدّف ضدّ تيّار التّاريخ على المدى البعيد، لكنّها تحدث بلبلة على المدى القصير، بلبلة تتعلّق باللّباس وببعض مظاهر الحياة، ولذلك وجب التّصدّي لها، رغم أنّها محاولات غير بنيويّة ومنتهية الصلاحية.
ما حجم حضور النساء في الثورة التونسية؟
- المرأة كانت إلى جانب الرّجل في التظاهرات وفي كلّ الاحتجاجات، بل كانت خطيبة كما تدلّ على ذلك فيديوهات سيخلّدها التّاريخ، وكانت زعيمة محمولة على الأعناق. وقد سبق أن قلت إنّ مبدأ التّناصف الذي تمّ إقراره في انتخابات المجلس التأسيسيّ في مستوى الترشّح كان مجسّداً في الشّارع أولاً. وإلى اليوم، في كلّ المسيرات التي تقع بالعاصمة والمدن الكبرى من أجل تأكيد الحقوق والحرّيات، نجد الكثير من النّساء، بل نشعر أحياناً بأنهنّ أكثر من الرّجال، لكن ليست لديّ إحصاءات ومعطيات تدعم هذا الانطباع.
هل تتخوفين من وصول الاسلاميين الى الحكم في تونس تحديداً على المكتسبات التي حققتها المرأة في المرحلة السابقة (قانون الأحوال الشخصية)؟
- أتخوّف من وصول الإسلاميّين إلى الحكم رغم كلّ التّطمينات التي قدّموها، ما داموا لم يقطعوا الصّلة بعد بمشروع الدولة الدينية. وينصّ البرنامج الانتخابي لحزب النّهضة على الدولة المدنيّة وعلى احترام مكاسب المرأة، وقد تنازلوا كما قلتُ عن مطلب الشريعة، لكننا نشعر أحياناً بأن هذا الاعتراف بحقوق النّساء وبالمساواة تكتيكي وليس استراتيجياً، ويجب أن ننظر في مستويات أخرى غير المستوى السياسي: فكيف سيتعامل الإسلاميّون مع منظمة التنظيم العائلي بفروعها المختلفة، وهي منظّمة تأسست منذ العهد البورقيبي لتُسدي خدمات مجانية لكل النساء في مجال الصحة الإنجابية؟ هل سيتراجعون عن الحق في التحكم في النسل مثلاً؟
على كلّ حال، لا بدّ من يقظة يوميّة، ونحن بصدد إرساء شبكات للعمل المدني بإمكانها أن تتصدّى لكل محاولات النّكوص.
هل تعاني النساء من تهميش على المستوى السياسي بعد الثورة في تونس؟
- نسبة النساء في المجلس التأسيسي تقارب 25 في المئة، وهي نسبة جيّدة. لكنّ النساء غير ممثّلات في الحكومة إلاّ بوزارتين، غير سياديتين كالعادة. وهناك تناقض صارخ بين حضور النساء في المجتمع المدني ونشاطهنّ المدهش وتمثيلهنّ في المناصب العليا وفي الحكومة. المشهد بقي ذكوريّاً بعد الثّورة، ولذلك فإنّ المعركة مستمرّة.
ما مدى صحة المعلومات في شأن ارتفاع معدلات الاغتصاب وإجبار التونسيات على إرتداء الحجاب؟
- لا يوجد ولن يوجد ـ ما دمنا أحياء ـ أيّ قانون يفرض الحجاب. ربما هناك حالات فرديّة يتمّ فيها الضغط على النساء من الأسرة أو الزّوج لارتداء الحجاب. ولا توجد إحصاءات تفيد بازدياد حالات الاغتصاب. وربما تبالغ وسائل الإعلام في تصوير الحالة الأمنية في البلاد. أنا مثلاً لم أغيّر عاداتي في الملبس وفي كلّ شأن من شؤون حياتي اليوميّة. الشّواطئ والمنتزهات ممتلئة كالعادة بالنّساء والرّجال، وقد ربحنا المعركة حتى الآن ضدّ السّلفيين الذين حاولوا الاعتداء على الفنّانين أو على المطاعم والحانات. أدعو إلى ترك الخوف، لأنّه منبت الطّغيان، وكان أهمّ شعار رُفع قبل الثّورة العام 2004 إن لم تخنِ الذّاكرة، وبعد الثّورة: «لا خوف بعد اليوم». ومن أهمّ قواعد تحقيق المسار الثّوريّ تجسيد هذا المبدأ. لن نخاف، ولن نغيّر عاداتنا، ولن نقبل ثقافة الخوف التي تريد بعض الفئات فرضها علينا.
كيف تقرأين برنامج حركة النهضة في الجانب المتعلق بمدنية الدولة وحقوق النساء؟
- النّهضة كما أسلفتُ تعلن أنها حزب مدني يريد دولة مدنيّة، وهناك فعلاً قياديّون من هذه الحركة يسلّمون في مستوى الخطاب على الأقلّ بكلّ المبادئ الديموقراطيّة. لكن هل هناك مراجعات فكريّة عميقة أدّت إلى القطع نهائيّاً مع الإيديولوجيا الإخوانيّة؟ أشكّ في ذلك، لا سيّما أنّ حزب النّهضة يضمّ أقطاباً متشدّدين قريبين من السلفيّين. المهمّ ان هناك حراكاً وتفاعلاً داخل حركة النّهضة نفسها، ونحن ننتظر ما سيسفر عنه مؤتمرها قريباً، وهناك حراك وتفاعل بين حركة النّهضة والمجتمع المدني وسائر نخب البلاد. النخبة التونسيّة لا تقبل بالدولة الدينيّة، والمجتمع المدني نشيط ويقظ، والاتحاد العام التونسي للشّغل، وهي منظمة نقابيّة عريقة تضم 800 ألف منخرط تقف سدّاً منيعاً ضدّ كلّ تجاوزات خطيرة تصدر من هذه الحركة. وسنرى ما يسفر عنه هذا الحراك.
ما موقف حركة النهضة من وصول المرأة الى سدة رئاسة الجمهورية؟
- نائبة رئيس المجلس التأسيسي، وهي نهضويّة، قالت إنها مستعدّة للترشّح للرئاسة، وهذا يعني أن كلّ الأطراف متّفقة على عدم تقييد الرئاسة بالذكورة. في تونس، رغم كل شيء تجاوزنا الكثير من العوائق الحائلة دون المساواة. وغالبية المنتميات إلى حركة النهضة يدافعن عن حقوق النّساء، ولا يردن تعدّد الزوجات مثلاً.
كيف تقاربين هذا «الهجوم» السلفي على المرأة في تونس وكل ما له علاقة بمظاهر الحداثة؟
- الظّاهرة السّلفيّة هي علامة تأزّم في العلاقة بالحداثة. السلفيّون أنفسهم حديثون رغماً عن أنوفهم، لكنّهم لا يقبلون الحداثة. أعتبر التعبير العنفي عرضاً من أعراض كره المجتمع يتّخذ شكلاً جماعيّاً. إنّهم يكرهون عادات المجتمع، ويكرهون الأفراح والزّينة ومباهج الحياة. وفي المقابل، يبادلهم التونسيّون، غالبية التّونسيّين الكره. اختاروا هذه الهامشيّة، فلهم ذلك، لكنّ الخطّ الأحمر هو ممارسة العنف ومحاولتهم فرض نمط عيشهم الكئيب والجنائزي على المجتمع وعلى الأطفال خصوصاً.







عايدة الجوهري
دلال البزري
رجاء بن سلامة جميع الاراء تعبر عن راى  اصحابها
المرأة المصرية ... علامة خارقة في الثورة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق