الاثنين، 29 أبريل 2013

الجزائر: الدولة المريضة بالفساد!

جاء في خطاب للرّئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بتاريخ 29 ماي 1999 ما يلي: ‘إنّ الدّولة مريضة معتلة، إنّها مريضة في إدارتها، مريضة بممارسة المحاباة، مريضة بالمحسوبية والتعسّف بالنّفوذ والسّلطة، وعدم جدوى الطّعون والتظلّمات، مريضة بالامتيازات التي لا رقيب عليها ولا حسيب، مريضة بتبذير الموارد ونهبها بلا ناه ولا رادع، كلّها أعراض أضعفت الرّوح المدنية لدى الأفراد والجماعات، وأبعدت القدرات، وهجّرت الكفاءات، ونفّرت أصحاب الضمائر الحيّة والاستقامة، وحالت بينهم وبين الإسهام في تدبير الشؤون العامة، وشوّهت مفهوم الدّولة وغاية الخدمة العمومية ما بعده تشويه..’. ما الذّي تغيّر بعد أربعة عشر سنة من حكم الرّئيس بوتفليقة؟، هل تصدّعت آليات الحكم الرّشيد أكثر من ذي قبل؟ وهل ما تزال النزاعات داخل الطبقة الحاكمة وجوقة المصالح والنظام ككل تُضعف مؤسسات الدولة وتتجه بها إلى الاضمحلال والنهاية؟ هل خرج الفساد عن نطاق السيطرة ولم يعد من الممكن وقف إهدار الموارد العامة؟ هل أدّى هذا الوضع إلى حالة اللا استقرار وشيوع ثقافة الإفلات من العقاب؟
الجواب بكلّ تأكيد، نعم.. للأسف، لا يزال الحال على ما كان عليه قبل أربعة عشر سنة، بل صار أكثر تعفّنا وتمييعا بحيث أصبح من الصّعوبة بمكان اتّخاذ إجراءات صارمة من طرف صنّاع القرار حيال هذه المعضلة التي تهدّد بزوال الدّولة؛ إنّ إعادة الأمور إلى نصابها، والعمل على مكافحة الفساد بكلّ أنواعه يتطلّب مزيدا من الشفافية وتوسيع نطاق المساءلة بدءا بالمسئولين المطالبين بالحذر من الوقوع في دائرة استغلال السّلطة والنّفوذ، ووصولا إلى المواطنين البسطاء المطالبين هم أيضا بعدم الوقوع في المحظور، والمشاركة من جهتهم في مكافحة الفساد والتبليغ عن كلّ الحوادث التي يتمّ رصدها.
إنّ رصد وضخ مبالغ مالية كبيرة لإحقاق التنمية في الجزائر في وقت شهدت فيه الحكومات المتلاحقة عجزا ذريعا في تطبيق الآليات القانونية لمكافحة الفساد جعل الجزائر تواصل سقوطها نحو المجهول، خاصة وأنّ الأموال بقيت عرضة للنهب والاختلاس في غياب المساءلة للهيئات العامة وتعزيز النزاهة، وتشديد الرقابة على الإنفاق العمومي، وكذا تفعيل برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة ممّا يقلّص من فجوة التسيّب وحالة اللاشفافية. إنّه من غير المعقول بلوغ درجة الإنفاق العمومي مبالغ فلكية منذ سنة 1999 وإلى غاية 2009 دون تحقيق إقلاع تنموي حقيقي، ويكفي أن نذكّر بأنّ الجزائر ضخّت أكثر من 500 مليار دولار في الفترة الممتدة ما بين سنة 2009 ونهاية سنة 2013 قيمة برنامج التنمية الخماسي في الجزائر (في وقت تشير فيه مؤشرات مدركات الفساد لسنة 2012 إلى احتلال الجزائر المرتبة 105 من بين 176 دولة) لنعلم حجم الكارثة وقصّة الغرق.
لا يمكننا الاستمرار في الهرب نحو الأمام وإخفاقات الإستراتيجية السياسية الاقتصادية والاجتماعية تحيط بنا من كلّ جانب؛ إنّ تقوقع الجزائر في ذيل الترتيب في كلّ التقارير التي تعدّها المنظمات التابعة للأمم المتحدّة أو المنظمات غير الحكومية (آخرها تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول تكنولوجيا الّإعلام والاتصال أين احتلت الجزائر المرتبة 131 من بين 144 دولة) يدعونا إلى الاعتراف بالفشل وتحكيم العقل قبل الرّيع لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ووضع حدّ لدوّامة الاختلال التي وجدنا فيها أنفسنا بعد دوّامة الاحتلال. إننّا لن نتقدّم دون إشراك كلّ القوى الحيّة في بناء الدّولة العصرنيّة، علينا أن نتخلّص من عقيدة الغموض والذّاتية، ونتجه نحو المستقبل، تغذّي الرّغبة والأمل حلمنا في غد واعد ومشرق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق