الاثنين، 29 أبريل 2013

ثلاثة حوافز للحرب وثلاثة لردعها د. عصام نعمان


انتزع خبر إسقاط الطائرة بلا طيار قبالة حيفا صدارة وسائل الإعلام في جميع ارجاء المنطقة. غير ان ثلاثة امور ظلّت غامضة: هوية الطائرة، مهمتها، وما اذا كانت تشكّل بحد ذاتها سبباً مسوِّغاً للحرب.
بعض المصادر العسكرية والإعلامية الإسرائيلية قال، إن حزب الله هو من اطلق الطائرة. بعضها الآخر قال إنه قام بالعملية لحساب ايران. حزب الله نفى اي علاقة له بالطائرة. ‘اسرائيل’ لم تنشر، خلافاً لما فعلت مع طائرة ‘ايوب’ الاستطلاعية في 6/10/2012، اي صورة لعملية إصابتها وإسقاطها. حطام الطائرة في قاع البحر لم يشِ بإشارات لافتة. مسألة الهوية، اذاً، ظلت غامضة.
في مهمة الطائرة، تعددت الاجتهادات، نائب وزير الحرب الإسرائيلي داني دانون قال: ‘إنهم (الإيرانيون) يفحصون جهوزية ‘اسرائيل’ من خلال هذا الخرق’. موقع ‘اسرائيل ديفنس′ قال إن حزب الله اراد مرة اخرى استفزاز ‘اسرائيل’ عبر إرسال طائرة ايرانية الصنع ومحاولة اعادتها الى لبنان، بعد ان تقوم بالمسح والتصوير’. القناة العاشرة التلفزيونية لم تستبعد ان تكون مهمة الطائرة تصوير المنصات الإسرائيلية للتنقيب عن الغاز والنفط تمهيداً لضربها، النتيجة؟ إن اياً من المهام المشار اليها قد تكون الهدف المتوخى للطائرة.
هل يشكّل حدث الطائرة سبباً مسوِّغاً للحرب؟ في المسألة قولان. الاول، انه لا يشكّل بحد ذاته خطراً جسيماً ليجري استدراك ما قد يتبعه من عمليات اشد خطورة.
الثاني، انه مؤشر الى وجود نيات لدى ايران للرد على ‘اسرائيل’ فور قيامها بتنفيذ ضربة عسكرية لسورية او لحزب الله ما يستوجب، ربما، استباقها بضربة مؤذية.
من مجمل الاجتهادات والاحتمالات السابقة الذكر، يمكن الاستنتاج بوجود حوافز للحرب بين ‘اسرائيل’ (والولايات المتحدة) من جهة وايران وسورية وحزب الله من جهة اخرى. كما يمكن رصد روادع تحول دون انزلاق اطراف الصراع الى حرب اقليمية شاملة.
حوافز الحرب لدى اطراف الصراع ثلاثة: اولها، ادعاء الجنرال عاموس يادلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (امان) في ‘اسرائيل’، ان الفترة التي يحتاجها الإيرانيون لإنتاج قنبلة نووية، في حال اتخاذهم قراراً حاسماً بإنتاجها بعد الانتخابات العامة التي ستجري في يونيو/حزيران المقبل، هي شهران فقط. في المقابل، اشار يادلين الى ان ‘اسرائيل’ تمتلك القدرة على شن هجوم عسكري على ايران بمفردها. اضافة الى يادلين، كان رئيس قسم الأبحاث في شعبة ‘امان’ العميد ايتاي برون قد اكد ‘ان نظام الرئيس بشار الاسد استخدم ضد المعارضة المسلحة سلاحاً كيميائياً يُرجّح ان يكون غاز السارين’. كما ان البيت الابيض اعلن، غداة تصريح برون، ان الاستخبارات الامريكية توصلت الى تقويم بدرجات مختلفة من الثقة، ان النظام السوري استخدم الاسلحة الكيميائية على نطاق محدود، وتحديداً غاز السارين’.
ثانيها، قيام صحيفة ‘هآرتس′ (24/4/2013) بالكشف عما سمته ‘هدية قيّمة’ قدمتها لـ’اسرائيل’ لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي، وذلك عبر القرار الرقم 65 الذي اتخذته اللجنة وجاء فيه: ‘اذا اضطرت اسرائيل الى القيام بعملية عسكرية للدفاع الشرعي عن نفسها ضد البرنامج النووي الإيراني، فإن على الولايات المتحدة الوقوف الى جانبها، ومنحها الدعم الديبلوماسي والعسكري والاقتصادي في اثناء دفاعها عن اراضيها ومواطنيها ووجودها’. صحيح ان مجلس الشيوخ لم يقرّ بعد هذا القرار، الذي يحتاج الى موافقة مجلس النواب كي يصبح قانوناً، إلاّ ان ‘هآرتس′ لاحظت أنه ‘على الرغم من ذلك فإن مغزاه واضح، وهو ان هجوماً اسرائيلياً على ايران يعتبر كأنه هجوم امريكي، وسيوضع جيش الولايات المتحدة وخزينتها في خدمة القرار الإسرائيلي. وبحسب القرار المذكور فإن ‘اسرائيل’ غير ملزمة بتنسيق هجومها مع الولايات المتحدة، ولا الحصول منها على ضوء اخضر. وفي حال وافق الكونغرس على هذا القرار، فمعنى ذلك انه لا يحق للرئيس الامريكي منع الهجوم الإسرائيلي او الامتناع عن التدخل في هذه الحرب’.
ثالثها، ان الوضع العربي عموماً والوضع في كلٍ من سورية ولبنان وفلسطين والعراق ومصر والاردن خصوصاً متردٍّ وبائس ومشلول على نحوٍ مغرٍ جداً لـ’اسرائيل’ لشن حرب خاطفة ومدمرة من دون ان تلقى رداً موجعاً.
حوافز الحرب هذه، على جديتها وواقعيتها، تقابلها روادع مؤثرة تحدّ من قابليتها للتنفيذ. ابرز هذه الروادع ثلاثة:
اولها، ان ‘اسرائيل’ ليست في وضعٍ سياسي واقتصادي وعسكري يمكّنها من شن حربٍ من دون عواقب وخسائر هائلة. فبحسب المحلل السياسي البارز في ‘هآرتس′ (24/4/2013) تسفي برئيل، ‘إن الهجوم على ايران ليس مثل عملية ‘الرصاص المسبوك’ او عملية ‘عمود السحاب’، ولا حتى مثل حرب لبنان التي قامت الولايات المتحدة خلالها بتقديم دعمها الديبلوماسي لـ’اسرائيل’ من دون التدخل عسكرياً، ذلك انه من المحتمل ان يتطور الهجوم الإسرائيلي على ايران الى حرب اقليمية، او الى حرب بين الدول العظمى. صحيح ان الولايات المتحدة تشدد على ان الاحتمالات جميعاً مطروحة على الطاولة ، لكنها لا تعني بذلك ان تقرر ‘اسرائيل’ بدلاً منها متى يجري استخدام الخيار العسكري’. في ضوء جسامة الخسائر والاضرار التي يُمكن ان تلحق بها من جهة ومحدودية هامش الحركة والمناورة لديها ازاء الولايات المتحدة من جهة اخرى، فإن ‘اسرائيل’ تميـل الى الاستعاضة عن الحرب الخشنة بالحرب الناعمة، اي اعتماد الحروب الاهلية والمذهبية لإضعاف اعدائها، والعمليات الإرهابية والعسكرية الخاطفة، والاضطرابات الامنية، والعقوبات الاقتصادية، والحملات الإعلامية الخ.
ثانيها، ان ‘اسرائيل’ تعوّل كثيراً على نجاحها في التنقيب عن الغاز والنفط في البحر المتوسط على طول ساحل فلسطين المحتلة والمنطقة البحرية المواجهة له بمسافة تتعدى الـ180 كيلومتراً. وهي اذْ باشرت في استثمار الغاز المستخرج من حقل ‘تمار’ وتتطلع الى استثمار الغاز من حقل ‘لفيتان’ الاكثر انتاجاً، يهمها ألاّ تنخرط في صدامات عسكرية عنيفة ضد لبنان والمقاومة المتمكّنة فيه، ما يؤدي الى قيام حزب الله بتدمير منشآتها الغازية وبالتالي حرمانها عائدات تقدّر بمليارات الدولارات.
ثالثها، ان ايران لن تقف مكتوفة اليدين، على ما يبدو، اذا ما قررت ‘اسرائيل’ شن الحرب على سورية او على لبنان وحزب الله (وربما على ايران نفسها). ذلك ان رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي اكد خلال زيارته دمشق مؤخراً، كما بعد عودته الى طهران، ان ‘اي ضربة عسكرية اسرائيلية لسورية ستشعل حرباً شاملة في المنطقة ولن تكون سورية وحدها في صد العدوان’. الى ذلك، فإن ‘اسرائيل’ تضع في الحسبان ان شن الحرب على ايران هو قرار خطير لن تقتصر تداعياته على دول المنطقة، بل تتعداها الى اوروبا وافريقيا وحتى الى آسيا. ذلك كله ينعكس بالضرورة على الولايات المتحدة وروسيا والصين ويدفعها، مسبقاً واستباقاً، الى التحوّط والتحسب وبالتالي احتواء مسببات الحرب وحوافزها قبل وقوعها. لهذه الاسباب تبدو كفة الروادع راجحة على كفة الحوافز… حتى إشعار آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق