الاثنين، 29 أبريل 2013

امرأة خارج الزمن’ لسلوى البنا: نقد الثورة!


بيروت ـ
نعمان عبد الله الشطايبي: عوالم متداخلة بكثافة تشغل رواية سلوى البنا ‘امرأة خارج الزمن’. خيوط تمتد في مسالك متشعبة تأخذ القارئ إلى ضرورة التمسك بها جميعها. قراءة بتحفز خوفاً من إضاعة مسلك يمسك دون شك بتفصيل مؤثر ضمن السياق. هي رواية تشكل حيوات عدة متداخلة ومتشابكة فيها بشر يعشقون، يتمردون، يعبرون، ينفعلون، يخطئون ويتآمرون وحتى يقتلون. ذلك جميعه نلتقطه ضمن سرد غني بالتفاصيل، متداخل في المراحل، ويمتد جذوراً بين الماضي والحاضر،التقاطه ليس باليسر المتوقع في تصفح سريع للرواية. هي رواية تطلب تبصراً وروية للإحاطة بكل تشعباتها.
‘امرأة خارج الزمن’ عنوان يعود بحسب تقديري لبطلة الرواية الصبية التي تدعى مها. حيث يؤكد مجرى الأحداث كم هي ‘امرأة خارج الزمن’. إنها المرأة التي تعيش ‘خليطاً من المشاعر’.. وتريد الهروب من مطاردة زميلها نبيل لها.. فمها تتأمل استاذها توفيق ‘بلهفة..ترصد ملامحه الجادة متمنية أن تنجح ولو لمرة في اختراق تلك التعابير والتشويش عليها’.
الخيبات سريعة في ‘امرأة خارج الزمن’ توفيق الرمز والحلم يقضي اغتيالاً وهو ‘في طريقه للمشاركة في مهرجان لمناسبة الذكرى الأربعين لاغتصاب فلسطين’. رحل توفيق ولم يتمكن نبيل من اختراق عوالم مها ‘ان صمتها يعرّيني ويضعني وجهاً لوجه أمام حقيقتي ‘كخيال مآتة’ ‘لا يَهشّ ولا ينشّ’. هو ‘خزي وجبن ونذالة’، هي مشاعر تختصر بها مها شخصية نبيل. وهو واحد من أبرز شخصيات الرواية والموصوف بانتهازيته.
يتداخل الشأنان السياسي والاجتماعي في رواية سلوى البنا، وفلسطين هي المحور والبوصلة. هو هاجس الرحيل بعد الاغتصاب. يصّر ـ سليم والد مها ـ على مصطلح الاغتصاب. لكنه يعجز من استيعاب الاغتصاب المتكرر. بين سليم والد مها وموسى والد نبيل تقدم سلوى البنا نموذجاً من الجيل الثاني الذي غادر فلسطين. ومن هذا الجيل كانت خلاصة اختصرتها الكاتبة ‘بأن لا يتمترس خلف شعارات غير قابلة للتطبيق في هذا الزمن الرديء’. هو غوص مباشر وغير مباشر في الهوة التي وقعت بين القيادة وناسها نتيجة سياسات منهزمة سماها البعض ‘تكتيكاً سياسياً’. وفي كل ذلك يشكل سليم الشخصية التي تعبر من خلالها الكاتبة ‘عن الضمير الحي’ فيما يخص القضية.
في لحظات تعيش مع رواية البنا وكأنك بصدد استعراض لمرحلة سياسية وعسكرية مذرية، لها اهلها الذين يحملون اسماء وعناوين واضحة. ناس يقتلون الناس معنوياً ومادياً. وناس يطرحون اسئلة لا بد منها: ‘متى نخر السوس جسم الثورة؟ وكيف اصبحت ثورات وحركات.. وفلسطين الواحدة فلسطينيات!’ اسئلة تحملها مها بذاتها، وأخرى من عنديات استاذها الراحل توفيق. فبين الجملة والجملة نقرأ موقفاً واضحاً ساطعاً للكاتبة. كأن تقول: ‘متى كان أمن الثورة كابوساً مرعباً؟’ وكذلك قولها بلسان احد ابطال روايتها ‘ إن لم يعمل هو وغيره من الشباب لحماية الثورة فمن يحميها إذن؟’. وبعد كل موقف تنغمس البنا من جديد في سردياتها وتفاصيل روايتها ورائحة زهر ليمون يافا. وتحابب اهلها قبل الاقتلاع. لقد كان للأرمن من أهل فلسطين تحليلهم الواضح والجلي لواقعة اغتصابها وتداعياته: ‘العرب كلو عكروت من المي للمي’. و’غارو يقصد الأنظمة طبعاً’. هي رواية مسكونة بهموم الثورة والوطن السليب. حتى العشق فيها مأسور بالموقف من حال الثورة وناسها، وممسكي زمامها.
بطلة رواية سلوى البنا تأخذ على عاتقها تقويم الاعوجاج وقول الحقيقة الجارحة للقائمين على شؤون وشجون الثورة. دخلت ‘عشّ الدبابير’ بقدميها. لم تعط اذناً صاغية للنصائح التي انهالت عليها. وكأنها لم تسمع من قال ‘اتركي تصحيح الكون لرب الكون’، و’احن رأسك لتمر العاصفة بسلام’. هي ‘مها’ التي لا تحمل خوفاً في صدرها. لا تهاب رجالاً ولا سلاحاً ولا مناصب ولا قيادات مهما علا شأنها. ذهبت إلى قائد ‘عش الدبابير’ لتشكو له ‘زعرانه’. هو ‘عماد’ ترسمه الكاتبة بصورة كاريكاتورية جلية. هو الذي يحاول أن يصنع من نفسه شيئاً انسانياً، فيما تراه مها انتهازياً، استفزازياً ومقيتاً. من خلال عماد تقدم الكاتبة صورة عن مآل الثورة. صورة لم تحمل لمحة واحدة ايجابية.
في المسار العاطفي للرواية أكثر من عاشق يتدافع نحو مها. رحل توفيق الذي كان مثلها الأعلى في شكل الرجل المرغوب من قبلها. بعده شغلها رامي. أما نبيل فلم يكن له أي حيز يذكر في حياتها. رغم كونه في نهاية المطاف أدرك صحة مواقفها، وتأكد من الذين ‘يقتلون القتيل ويمشون بجنازته’. هذا الـ’نبيل’ الذي يبتسم لهجرة مها السرية مع رامي يقول بينه وبين نفسه ‘لأول مرة تأخذ الهزيمة وجه الانتصار. لأول مرة يشعر معها بهذا الزهو والكبرياء’.
رغم الحجم الصغير نسبياً لرواية سلوى البنا فأبطالها كثر، وأحداثها حاشدة جداً. وهؤلاء الأبطال يخوضون الكثير من المواجهات. وكل من تلك المواجهات تصلح لتكون خيطاً يبنى عليه منهج رواية قائم بذاته. فتلك المواجهة بين مها والمفكر والكاتب اليساري فيها من الاحتشاد الدرامي ما يشكل رواية مستقلة.
إنها مها التي تمتلك الشجاعة وشعطة جنون قررت العودة إلى يافا. دفعت بنفسها إلى الحاجز.. فهل ستصل إلى الوطن؟ سؤال يبقى جوابه مبهماً وسيبقى إلى أجل طويل. فرواية سلوى البنا فيها الكثير من التحليل المنطقي والكثير من علامات الاستفهام؟

هناك تعليق واحد:

  1. مرحبا! شكراً جزيلا على الموضوع و الطرح الجميل. هل من طريقة للتواصل فالكاتبة سلوى تريد شكر الأستاذ نعمان؟

    ردحذف