الرباط ـ ‘
نعمان عبد الله الشطايبي’: ستبقى حقوق الانسان عنوانا لنزاع الصحراء الغربية، في المدى المنظور، ما دام حل النزاع لا يظهر بالافق، وقرار مجلس الامن الدولي 2099 الصادر يوم الخميس الماضي بعد، ان سبقت صدوره معركة شديدة خاضها المغرب ضد مشروع امريكي يفرض عليه مراقبة دولية لحقوق الانسان بالصحراء المتنازع عليها مع جبهة البوليزاريو.
ورغم نجاح المغرب في استبعاد تكليف قوات الامم المتحدة المنتشرة بالصحراء (المينورسو) بمراقبة حقوق الانسان والتقرير بها لمجلس الامن، واحتفال المغاربة بابراز هذا الانتصار فان جبهة البوليزاريو اطلقت اشارات لناشطيها في المدن الصحراوية للخروج الى الشوارع للتعبير عن فرحهم بتضمين القرار تأكيدات على حقوق الانسان واحترامها وتأكيدات على ان اي حل يجب ان يذهب باتجاه تقرير مصير الصحراويين. مدركة ان المغرب سيكون محرجا في التعاطي مع هذه التظاهرات، لان المناظير الحقوقية الدولية موجهة نحو هذه المدن.
واتهم المغرب جبهة البوليزاريو بتحريك ‘آلية الدعاية والتحريض الانفصالي بمدينة العيون، من خلال تعبئة مجموعة من المحسوبين على أطروحة الانفصال، حيث تجمع العشرات من النساء والأطفال في شارع اسمارة رافعين ألوان علم ‘الجمهورية الصحراوية ‘، معرقلين حركة المرور ورافعين شعارات معادية، كان الغرض منها استفزاز المواطنين، والدفع برجال الامن إلى الاحتكاك بهم وافتعال سيناريو ‘الضحية’، وترديد شعارات ‘الصحراء حرة حرة والمغرب برا برا’، و’Viva polisario’، في حين كانت عدسات الهواتف المنقولة وكاميرات الجيب المتطورة، مثبتة في اتجاه رافعي الشعارات، في انتظار تدخل عناصر القوة العمومية. وموازاة مع ذلك، انتصبت ‘مراقبتان ‘ من ‘أمنيستي أنترناسيونال’ بهوامش التجمهر، تترصدان ردود فعل قوات الامن.
وقال موقع هبة برس ان ‘بيلدوزر’ التحريض كان يتزعمه محمد علوات، ومريم ابراهيمي، ومحمد الحنين، وبابا العربي، ولمات زغمان، وداكنة المساوي، في حين التحقت بقافلة المتجمهرين، الناشطة أميناتو حيدر، التي لم تفارق مواطنتين فرنسيتين، وتقوم بتوجيه نظر ‘المراقبتين الحقوقيتين’ صوب المواجهات والرشق بالحجارة التي أسفرت عن إصابة 11 عشرة منهم وإلحاق خسائر مادية بأربعة سيارات للأمن، قبل أن يتفرق المتجمهرون في شكل مجموعات صغيرة، رافعين شعارات معادية، بعدما أجهضت عناصر الأمن محاولاتهم في عرقلة السير من جديد بوضع متاريس عليها.
وقال بيان للسلطات المحلية بمدينة العيون ان المدينة شهدت السبت تحركات اخرى لـ’بوليزاريو الداخل’، وخلفت المواجهات مع قوات الامن إصابة عشرة افراد من القوات العمومية، ستة افراد من قوات حفظ الامن وأربعة عناصر من القوات المساعدة، الذين نقلوا الى المستشفى العسكري الثالث، كما وضع الضحايا شكاية لدى وكيل الملك ضد ما تعرضوا له من اعتداءات.
وقال البيان إن المواجهات بدأت بعد تدخل القوات العمومية لفض ‘تجمع غير مرخص لبعض الأشخاص في الشارع العام وبعد الإنذار القانوني بالإخلاء تم التدخل لتفريق محتلي الشارع العام والذين كانوا يعرقلون حرية السير والجولان داخل مدينة العيون’ بتحريض من ‘الجهات التي تعمل تحت غطاء حقوقي’ والدفع ‘بالنساء والأطفال لجر رجال الأمن للمواجهة’.
واضاف ان قوات الامن تعرضت لهجوم بالحجارة ‘من طرف بعض محتلي الشارع العام الدين كانوا يدفعون بالنساء والأطفال القاصرين للواجهة وللتظاهر بالإغماء بالشارع قصد تصويرهم لأغراض دعائية’.
وتحدث المتظاهرون عن إصابة عدد منهم كما اتهموا سيارة الإسعاف بعدم تقديم مساعدات لهم، وان بعضهم نقل في سيارة رئيسة الكوديسا اميناتو حيدر، ونقلت وكالة فرانس برس عن فريق من منظمة العفو الدولية موجود في العيون انه احصى اصابة نحو ثلاثين متظاهرا، بينهم 12 تمكن من معاينتهم في شكل مباشر. وقالت سيرين راشد المسؤولة في المنظمة ان التظاهرة التي نظمت في احدى الطرق الرئيسية في المدينة كانت تجري ‘بهدوء’ لكن الشرطة ‘استخدمت القوة في شكل مفرط’.
وتتوقع اوساط سياسية وحقوقية ان تتهاطل على الصحراء الغربية خلال الاسابيع القادمة بعثات ووفود حقوقية دولية مستظلة بالقرار 2099 والى جانب وفد من منظمة العفو الدولية، يزور مدينة العيون حاليا وفد نسائي اوروبي يمثل حزب اليسار الأوروبي يضم برلمانيات أوروبيات من اسبانيا وفرنسا والدانمارك واليونان ويرافقهما في تحركهما بمدينة العيون رئيس جمعية ضحايا انتهاكات حقوق الانسان بالصحراء ابراهيم دحان. كما ترتقب زيارة مماثلة لوفد فرنسي يمثل البرلمان الفرنسي وبعض البلديات الفرنسية لمدينة العيون لنفس الغاية.
وقال موقع ‘ألف بوست’، فإن الوفد الأوروبي يتكون من ممثلاث عن أحزاب يسارية في البرلمان الأوروبي تنتمي الى دول متعددة وهي الحزب الشيوعي الفرنسي الذي تحول مؤخرا الى ركيزة أساسية لدعم جبهة البوليزاريو في فرنسا، وعن اليسار الموحد الإسباني وتحالف يضم الخضر والشيوعيين الدنمركيين ثم ممثلة عن الحزب اليوناني سيريزا الذي برز بشكل لافت في الساحة الأوروبية خلال الانتخابات اليونانية الأخيرة وطرح مواجهة المؤسسات المالية.
وكان المغرب قد رفض دخول وفد من برلمانيين أوروبيين، في اذار/ مارس الماضي، بدعوى أنهم متعاطفون مع البوليزاريو.
واضاف الف بوست ان السلطات المغربية لم تخبر وسائل الاعلام بوصول هذا الوفد، وهذا يعني أنه من الموالين للبوليساريو، بينما تعلن المواقع الرقمية المقربة من الجبهة عن وصول الوفد الجمعة لإجراء مباحثات مع المجتمع المدني.
وقال يمكن اعتبار هذه الزيارة ضمن الآليات المستقلة لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء من طرف جمعيات المنتظم الدولي. وصادفت هذه الزيارة التظاهرة التي جرت في العيون الجمعة وانتهت بجرحى في صفوف الصحراويين وقوات الأمن على حد سواء. وكانت مظاهرات شهدتها مدينتا العيون و بوجدور يومي الخميس والجمعة بعد صدور القرار 2099 حيث رفعت أعلام جبهة البوليزاريو وشعارات تطالب بتقرير المصير
سياسيا أكد مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة أن القرار 2099 يعد انتصارا لحكمة مجلس الأمن في تدبيره لقضية الصحراء.
وأوضح الخلفي أن هذا القرار انتصار للقانون على اعتبار أن هذا النزاع لابد أن يدبر في إطار الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أنه لا يمكن فرض أي قرار من قبل مجلس الأمن.
وأبرز الوزير، أن قرار مجلس الأمن تضمن تنويها بوجود مؤسسات لحقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية منبثقة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان كما نوه بانفتاح المغرب على الآليات الأممية لحقوق الإنسان فضلا عن إشادته بالجهود المغربية لإيجاد حل سياسي للنزاع و أكد على ضرورة إحصاء ساكنة مخيمات تندوف والتوجه نحو دورة خامسة من المفاوضات من أجل حل سياسي لنزاع الصحراء المغربية.
وشدد الخلفي، على أن السعي إلى إيجاد حل لقضية الصحراء المغربية لابد أن يتم في إطار توافقي لأن ‘القبول بتوسيع صلاحيات المينورسو كان سيحدث قطيعة مع منهج التوافق المطلوب’ لحل هذه القضية مؤكدا أنه لا يمكن الحديث عن حل استنادا إلى ‘منطق يقوم على فرض خيارات معينة تسير في اتجاه خطوات أحادية فوقية تختلف عما جاء في تقرير الأمم المتحدة لسنة 2001 و2003 الذي يعترف بأن المغرب هو السلطة الإدارية الفعلية على المنطقة.
وقال الخلفي، ‘إن رفض المغرب لمقترح توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء كان بسبب تعارضه مع الإطار القانوني الذي أحدثت على أساسه بعثة المينورسو وأن العديد من بعثات السلام التابعة للأمم المتحدة في العالم لا توجد ضمن اختصاصاتها مراقبة حقوق الانسان’.
ورحبت فرنسا بالقرار الجديد حول تمديد مهمة بعثة ‘المينورسو’ ووصفته بـ’الباعث على الارتياح’ خاصة في ما يتعلق بمجال حقوق الإنسان الذي سجل فيه المغرب ‘تطورا’.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية فيليب لاليو انه بخصوص حقوق الانسان في المغرب ‘نسجل التطورات التي حققها المغرب ونشجع السلطات المغربية على مواصلة السير على هذا النهج’ كما أكد ذلك الرئيس فرانسوا هولاند خلال زيارته الأخيرة إلى المغرب.
وذكر لاليو بالموقف ‘الثابت’ لفرنسا من قضية الصحراء، والذي ‘لم يتغير’ منذ بداية المناقشات بشأن مشروع القرار الذي دعا في نسخته النهائية الأطراف إلى مواصلة الجهود في مجال تعزيز وحماية حقوق الانسان.
وأبرز لاليو، أنه علاوة على دعم مهمة كريستوفر روس المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة فإن الموقف الفرنسي حول الصحراء ‘معروف جيدا في عمقه ‘ .. فهو يدعم المخطط الذي اقترحه المغرب لمنح الحكم الذاتي وحرص فرنسا على التطبيق الصارم لقرارات مجلس الأمن بما فيها القرار الأخير’. وأضاف ‘أولا نحن نعتقد أن الوضع الراهن ليس في مصلحة أحد. ثانيا أكدنا منذ مدة طويلة دعمنا للبحث عن حل عادل ودائم ومتوافق بشأنه. وقلنا دائما إننا ندعم خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب عام 2007 كأساس جاد وذات مصداقية لحل متفاوض بشأنه وفقا لقرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة’.
ويعكف المغرب والولايات المتحدة على ترميم الشروخ التي اصابت العلاقات بينهما في مواجهات الاعداد للقرار 2099 وبعد تراجع المغرب الأسبوع الماضي عن قراره الأحادي بتعليق المناورات المشتركة بين جيشي البلدين، والتي كانت مقررة نهاية هذا الشهر، ليعلن عن استئنافها جزئيا.
وعلى المستوى الدبلوماسي قال يوسف العمراني، الوزير المغربي في الخارجية إن المغرب والولايات المتحدة تحذوهما ‘إرادة مشتركة قوية’ لإعطاء دفعة جديدة لعلاقاتهما الثنائية المتعددة الأبعاد في إطار الحوار الاستراتيجي الذي يربط البلدين. وأكد العمراني عقب مباحثات أجراها مع نائبة وزير الخارجية الامريكي في الشؤون السياسية ويندي شيرمان أن ‘الرباط وواشنطن انخرطتا في حوار استراتيجي ينم عن جودة العلاقات القائمة بين البلدين ويشكل لبنة هامة في صرح هذه الشراكة المتميزة’.