السبت، 1 ديسمبر 2012

جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم من الحكمة الشيخ ياسين الأسطل

اصطفى الله محمداً- صلى الله عليه وسلم- على العالمين، وأيده بجملة من الآيات الدالة على أنه الصادق الأمين، فقام يدعو إلى عبادة الله وحده دون سواه، فهو سبحانه ربُّ كل شيءٍ ومولاه، فأسلمت له البلاغةُ قيادَها، وذللت له- صلى الله عليه وسلم- الحكمةُ أفراسَها وجيادَها، فآتاه الله عز وجل جليل المعاني في أوجز كلام، وفصلَ الخطاب في تمامٍ وإحكام، فانطلق يبلغُ كما أمره الله مسبحاً اسم ربه الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، فأذعنت العرب بعد جحودها، وآمنت به ونصرته بعد كنودها، فآبت الناسُ من حولهم بعد شرودها، وأقبلوا وقد كانوا مُدبرين، فقاموا بدعوة التوحيد مبشرين ومنذرين، وانساحوا في أنحاء الأرض طولاً وعرضا، يعلمون أحكام الشريعة نفلاً وفرضا، فانتشر الإسلام في كل مكان، ودخلت فيه الرجالُ والنساءُ والولدانُ، فما من غنيٍّ ولا فقير، ولا صغيرٍ ولا كبير، إلا وقد ذاق حلاوة الإيمان، فاطمأن قلبه ببرد الإيقان، وانجلى الشرك والشك بلا قواعد ولا أركان، والحمد لله على سابغ فضله، ونسأله تمام نعمته، فإنا لربنا حامدون ذاكرون، ولرسولنا متبعون شاكرون، ولآله وأصحابه بعده مرتضون، ولأمته وللناس راحمون، فالراحمون يرحمهم الرحمن.

إخوة الإسلام والإيمان: آتى الله نبيه صلى الله عليه وسلم الحكمة مع الكتاب، ففي سورة البقرة قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ "151" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ "152"}.

قال الإمام أبو الحسن علي بن محمد الماوردي في كتابه النكت والعيون: "قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ} يعني من العرب {رَسُولاً مِّنكُمْ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ءَآيَاتِنَا} يعني القرآن. {وَيُزَكِّيكُمْ} فيه تأويلان:أحدهما: يعني يطهركم من الشرك. والثاني: أن يأمركم بما تصيرون به عند الله أزكياء {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكَتَابَ} فيه تأويلان: أحدهما: القرآن. والثاني: الإخبار بما في الكتب السالفة من أخبار القرون الخالية.

{وَالحِكْمَةَ} فيها تأويلان:أحدهما: السنّة. والثاني: مواعظ القرآن.{وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} يعني من أحكام الدين وأمور الدنيا. {فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ} فيه تأويلان: أحدهما: اذكروني بالشكر أذكركم بالنعمة. والثاني: اذكروني بالقبول أذكركم بالجزاء" اهـ.

وفي سورة الإسراء قال الله تعالى: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا "39"}.

قال الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: ".. {ذَلِكَ} الذي بيناه ووضحناه من هذه الأحكام الجليلة، {مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} فإن الحكمة الأمر بمحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق والنهي عن أراذل الأخلاق وأسوأ الأعمال.وهذه الأعمال المذكورة في هذه الآيات من الحكمة العالية التي أوحاها رب العالمين لسيد المرسلين في أشرف الكتب ليأمر بها أفضل الأمم فهي من الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا.ثم ختمها بالنهي عن عبادة غير الله كما افتتحها بذلك فقال: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ} أي: خالدا مخلدا فإنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. {مَلُومًا مَدْحُورًا} أي: قد لحقتك اللائمة واللعنة والذم من الله وملائكته والناس أجمعين" اهـ.

عباد الله، يا أهل التوحيد:ومن الحكمة "جوامعُ الكلم" التي أوتيها صلى الله عليه وسلم وهي المعاني الجزيلة في الألفاظ القليلة، وفي الحديث روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد واللفظ للبخاري قال:حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي".

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: "وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الْأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ" اهـ.

* ففي توحيد الله والإيمان به تعالى قوله فيما رواه البخاري وغيره:عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ".

وروى البخاري أيضاً عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ".

* وفي الطهارة والعبادات والأخلاق، ما روى مسلم والدارمي وأحمد واللفظ لمسلم عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا" اهـ.

وروى أحمد عن سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ مَنَعَكَ وَتَصْفَحَ عَمَّنْ شَتَمَكَ" اهـ.

عباد الله أيها المؤمنون:
* من حفظ الله لدينه وعباده ما روى ابن ماجة والإمام أحمد واللفظ لابن ماجة قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ زُرْعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيَّ وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ" اهـ.

فلنكن يا عباد الله من هذا الغرس الذين يستعملهم الله في طاعته برحمة عباده وتطهير بلاده، فطوبى لمن كان الخير على يديه، والويل لمن كان الشر على يديه، ولنتب التوبة النصوح، ولنجتنب السبيل الذي سالكه مفضوح، يا أهل فلسطين: قد كنا مضرب مثل الخير والقدوة في الأعمال الصالحات وشتى أنواع المجاهدات، وأضحينا مضرب مثلٍ للشر في الاختلافات والمخالفات، فلنتق الله ولنراجع أنفسنا في لم شملنا، واجتماع كلمتنا ورص صفوفنا، والتحابب والتعاون على الخير والأخلاق الفضيلة، والبعد عن الشر والأخلاق الرذيلة، فأهل الإسلام هم أهل الاتباع للسنة والجماعة، وحسن السمع لولي الأمر والطاعة و ما أحرانا ونحن على الله قادمون، وبين يديه بما عملنا مجزيون، فمن أحسن فله حسنُ الثواب إحساناً ورضوانا، ومن أساء فله بالإساءة ما يكفيه ذلاً وخسرانا، ما أحرانا أن نلزم طريق الأولين، الناجين من أوضار المعاصي والذنوب، وأن نجتهد ونجهد أنفسنا في النصح والتذكير لجميع الناس من عامة المسلمين وخاصتهم، ليَصْبِرُوا أنفسهم على سبيل المؤمنين، الذين هم السواد الأعظم، أهل السنة والجماعة منذ عهد الآل والأصحاب ومَنْ بعدَهم، ومِن بعدِهم إلى يومنا هذا، الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، فلا تعد أعينهم تريد الحياة الدينا وزينتها، اتباعاً للأهواء، وتنكباً للسبيل الغراء..

فيا إخواننا: دونكم السنةَ والسبيلَ والكتاب، وإياكم والبدعةَ والتفرقَ في الدين كالأحزاب، الله الله في دينكم ودنياكم، وإياكم وأصحاب المثالب والعيوب، الذين يبهتون الأولين السابقين، ممن يلعنون ويسبون المسلمين من السلف من الصحب الصالحين، والخلف المهتدين،.. فإن هذا لا إصلاح فيه لدنيانا، بل هو فساد أولانا وأخرانا، ومالها من دون الله من واقية.

يا إخواننا المختلفين: البقية الباقية.. البقية الباقية، أتموا صلحكم وأوفوا بعهد الله عند بيته الحرام، وأعطونا ما حملناكم من الأمانات العظيمة، في الدين والدنيا، في مسجدنا وقدسنا والمسلمين وسائر الرعية، لا تتبادلوا السيئ من القول والكلام عبر وسائل الإعلام، فدين الله أعظم، وفلسطين أكبر، والمسؤولية عظيمة، ونحن جميعاً أهلها، أنتم لستم وكلاء الله علينا لا ديناً ولا وطنا، وإنما أنتم وكلاء الأمة، فإن لم تفعلوا فإن حسبنا وحسبكم الله وحده لا شريك له فانتظروا وارتقبوا إنا منتظرون ومرتقبون..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق