الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

عقيدةُ العنف والإرهاب في الفكر الصهيوني المعاصر قراءةٌ لشخصياتِ الواقع الإسرائيلي عبرَ مئة عام..حمد محمود أبو زيد

*   *   *   *
تضم دولةُ الكيان الصهيوني مجموعةً من القتلة والسفاحين ومجرمي الحرب الذين لا هدف لهم جميعا إلا إبادة الشعب الفلسطيني، واغتصاب الحقوق العربية، وتدنيس المقدسات، والحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية.
ومن المهم لكي نفهم الواقع الصهيوني المعاصر، وكيف يفكر هؤلاء اليهود؛ أن نتعرف الشخصيات اليهودية التي خططت لتأسيس الكيان الصهيوني، منذ أكثر من قرن، وقيامه على أرض فلسطين العربية الإسلامية، وكيف كانوا يفكرون، ومواقفهم من العرب والمسلمين، ومن أكملوا دورهم وأعلنوا قيام الدولة الصهيونية في 15 من مايو 1948م، ومن قادوا هذه الدولة التي قامت على أشلاء الشعب الفلسطيني، واغتصبت أرضه ودياره، واتخذت العنف والإرهاب والمذابح الجماعية سياسة ثابتة لها على مدى 59 عاما، وما زال من خلفهم يواصل هذه السياسة بشراسة لا حدود لها لاغتصاب المزيد من الأرض الفلسطينية في غزة ورفح، وتشريد المزيد من الفلسطينيين العزل.
ولا غرابة من دولة نشأت من سفاح، واغتصبت الحقوق العربية والإسلامية في فلسطين ودنست المقدسات، وارتكبت عشرات المذابح في حق الفلسطينيين العزل، أن تلد مجموعة من القتلة والسفاحين ومصاصي الدماء، سواء كانوا قادةً أو مستوطنين أو يهودَ متطرفين، وليس هذا بجديد على اليهود، فهم قتلة الأنبياء، وناقضو العهود والمواثيق، وأبناء القردة والخنازير، الذين غضب الله عليهم ولعنهم؛ لكفرهم وعنادهم وعصيانهم وسوء طباعهم، وحياة اليهود منذ نشأتهم الأولى وإلى الآن تقوم على المؤامرات والفتن والدسائس وإشعال الحروب والمنازعات والفساد في الأرض، وصدق الله سبحانه إذ يقول: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين} [المائدة: 64]، ولقد فضحهم القرآن الكريم في عشرات الآيات، وبين أنهم أشد الناس عداوة للمسلمين {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} [المائدة: 82]
ولقد ضم تاريخُهم المعاصر ودولتهم اللقيطة التي ترعاها أمريكا مجموعةً كبيرة من السفاحين والقتلة الذين أدوا دورا خطيرا في الصراع العربي الصهيوني، وارتكبوا الكثير من الجرائم والمذابح في حق الشعب الفلسطيني المسلم صاحب الحقوق الشرعية في الأرض والمقدسات.

• هرتزل الشيطان الأكبر:
ويأتي هرتزل على رأس السفاحين الصهاينة، بل هو شيطانهم الأكبر، الذي خطط لقيام دولة السفاحين، ودعا لمؤتمرات عالمية لهذا الشأن.
ولد ثيودور هرتزل (1860م-1904م) بمدينة بودابست لأب يعمل في التجارة، والتحق بمدرسة يهودية دون أن يستكمل التعلم فيها حتى إنه لم يعرف العبرية، لكنه التحق بمدرسة ثانوية فنية، ثم بالكلية الإنجيلية منهياً دراسته عام 1878م، وأكمل دراسته الجامعية في جامعة فينا؛ حيث حصل على درجة الدكتوراه في القانون الروماني، وعمل في المحاماة، ولم يستطع التخلص من رواسبه القانونية عندما ألّف مسرحيات وروايات لم تصب حظها من النجاح.
وعمل هرتزل في صحيفة (نويه فرايه بريسي) بين عامي 1891م-1895م، وفي العام التالي أصدر كتيباً بعنوان "دولة اليهود.. محاولة لحل عصري للمسألة اليهودية"، طُبع ونُشر بخمس لغات، وتضمن القواعد التي تقوم عليها الصهيونية في صورتها الجديدة، والتي تهدف إلى جمع اليهود في دولة خالصة لهم.
استهل هرتزل نشاطه بالدعوة إلى عقد مؤتمر يضم ممثلين لليهودية الأوروبية بمدينة بازل السويسرية، وفي عام 1897م انتُخب رئيساً للمؤتمر، ثم رئيساً للمنظمة الصهيونية. وهذا المؤتمر هو الذي أصدر "برنامج بازل" الشهير الذي تضمن محاولة الحصول على موافقة دولية على مشروعية الهجرة اليهودية الجماعية لفلسطين لبناء دولة يهودية خالصة. وتوالى عقد هذا المؤتمر في كل عام برئاسة هرتزل، مما يدل على دوره الكبير في نشاط الحركة الصهيونية.
ويرتبط اسم هرتزل بمحاولة مخاطبة السلطات العثمانية، والبابوية، والسلطات الاستعمارية لتذليل كل العقبات أمام تنفيذ المؤامرات الصهيونية، وهو صاحب فكرة تحويل الأنظار عن فلسطين وسيناء إلى مستعمرة أوغندا البريطانية، ورُفضت هذه الفكرة من قبل المؤتمرين بشدة.
تُوفي هرتزل ببلدة أولاخ في الثاني من يونيو 1904م، ثم نُقلت رفاته إلى فلسطين المحتلة.
ومن أفكار هرتزل الأساسية إيمانه بأن اليهود - وخصوصاً في أوروبا - شعب عضوي منبوذ بدافع العداء الناجم عن المنافسة التجارية واستقلال اليهود ماليّاً وقوتهم الاقتصادية الرهيبة، وهذا هو جوهر هوية اليهود كشعب، ومع ذلك فإن هرتزل أصر على ربط المشروع الصهيوني بأوربا الاستعمارية، فهو يرى أن الانقلاب الصناعي وحركة المواصلات العالمية هما ضمان حل المشكلة السكانية عموماً والمشكلة اليهودية خصوصاً. أما إقامة وطن يهودي فلن يعود على أوروبا بفضائل اقتصادية فحسب، بل سيحقق لها قوة إمبريالية مهمة في المنطقة العربية.

• جابوتنسكي صهيونيّ منذ صباه:
وبعد هرتزل يأتي جابوتنسكي (1873م-1917م) الذي ولد في روسيا لعائلة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وبرغم ضآلة معرفته باليهودية فإنه أظهر نزوعاً صهيونيّاً منذ صباه، فقد درس القانون في سويسرا وإيطاليا وفيها استوعب الرؤية الإمبريالية للأمور، ومن ذلك أنه تأثر بواقعية ثوماس هوبز معلناً أن العالم ساحة لصراع الجميع ضد الجميع، كما تأثر بفكر داروين ونيتشه والفاشية، وبأفكار أنطونيو لابريولا عن الإرادة وقدرة الإنسان على تغيير المستقبل بالإرادة.
بدأ جابوتنسكي نشاطه الصهيوني الفعلي عام 1903م بحضور المؤتمر الصهيوني السادس، فاطلع على كتابات الصهاينة الأوائل لا سيما هرتزل وبفسكر وليلينبوم، وحاول تنظيم بعض خلايا الدفاع اليهودية في روسيا، وعرف عنه معارضته لمشروع وطن قومي في شرقي أفريقيا لإدراكه العميق لوثاقة الصلة بين الموقع الاستراتيجي لفلسطين ومصالح أوروبا.
وأصبح جابوتنسكي في أوائل العشرينيات من القرن المنصرم مسؤولاً عن أجهزة الدعاية والصحافة الصهيونية في الدولة التركية بعد سقوط الخلافة، ثم التحق بعصابات الهاجاناه الصهيونية لقمع المظاهرات العربية في القدس، مؤمناً بسياسة فرض الواقع بالقوة العسكرية.
وفي عام 1923م - إثر خلافه مع المنظمة الصهيونية العالمية ذات الصبغة العمالية - انشق عن المنظمة الصهيونية، وأسس المنظمة الصهيونية الجديدة، داعياً إلى التعامل مع القضية الصهيونية بالمزيد من الحسم والتطرف وإقامة الدولة الصهيونية بالقوة.

• بن جوريون وسياسة طرد العرب:
أما دافيد بن جوريون (1886م-1973م) فهو الشخصية المحورية الذي قامت إسرائيل على يديه، وقاد عدة حروب ضد العرب، وقد بدأ نشاطه الصهيوني وهو فتى، إذ هاجر إلى فلسطين سنة 1906م، وبدأ التأكيد على الاهتمام بالمستوطنين الصهاينة، وإحياء اللغة العبرية. وإبّان الحرب العالمية الأولى (1914م-1918م) ذهب إلى الولايات المتحدة، وأسس جماعة "الرواد"، وشارك في تكوين الفيلق اليهودي في الجيش البريطاني. ثم عاد بن جوريون إلى فلسطين سنة 1918م، وشارك في تأسيس اتحاد النقابات العمالية "الهستدروت" على أساس ألا يقتصر هذا التنظيم على العمل النقابي العمالي، بل ليكون وسيلة صهيونية استيطانية أيضاً، وتولى رئاسة الهستدروت من عام 1921م-1932م، كما شارك في سنة 1930م في تأسيس حزب الماباي وفرض نفسه زعيماً سياسيّاً على الحركة الصهيونية في الثلاثينيات.
وأسس بن جوريون فرق الحراسة التي تحولت فيما بعد إلى الهاجاناه. ونجح من خلال عضويته في اللجنة التنفيذية الصهيونية واللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية في وضع برنامج بلتمور، الذي تبنته المنظمة الصهيونية العالمية، والذي أعلن انتقال الرعاية الإمبريالية للصهيونية بإنشاء دولة إسرائيل، وكان ذلك انتصاراً مركزيّاً لمدرسة بن جوريون في صراعه مع قيادة المنظمة الصهيونية لجَعْل تجميع اليهود في فلسطين مهمة رئيسية للمنظمة الصهيونية، كما كان من مطالب بن جوريون المستمرة جَعْل الهجرة إلى إسرائيل الدليل الحاسم على صهيونية أي زعيم أو فرد من أبناء الشعب اليهودي.

• إعلان الدولة الصهيونية:
وقام بن جوريون في 15/5/1948م بإعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين. وترأس الحكومة المؤقتة للدولة الجديدة التي تكونت من أعضاء اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، في حين ترأس الدولة حاييم وايزمن رئيس المنظمة الصهيونية، وبقي في رئاسة الحكومة حتى استقال سنة 1955م.
وفي سنة 1965م استقال من حزب "الماباي" وأسس حزب "رافي" مع بعض أعوانه أمثال موشيه دايان وشيمون بيريز.
وقد آمن بن جوريون بالفكر التوسعي، وترك حدود إسرائيل مفتوحة، كما طالب بجعل القدس عاصمة الدولة الصهيونية، وأدى دوراً رئيسيّاً في بلورة الفكر الصهيوني في فلسطين، وكان من مؤيدي مقاطعة العرب وطردهم من أراضيهم.
وبعد إقامة الدولة أقدم على حل كل المنظمات العسكرية الصهيونية وحولها إلى "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وأولاه اهتمامه، وشغل منصب وزير الدفاع في معظم الوزارات التي كان يرأسها.
واعتمد في سياسته على التحالف مع القوى الإمبريالية بعد أن أكد دور إسرائيل كحامية للمصالح الإمبريالية في المنطقة العربية، فتحالف مع بريطانيا وفرنسا، واشترك في شن العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م، وشهد هزيمة إسرائيل السياسية والعسكرية في حرب أكتوبر 1973م.

• إسحق شامير الصهيوني المتطرف:
ويأتي إسحق شامير، وهو من مواليد بولندا، درس القانون في جامعة وارسو، وعمل قبل هجرته إلى فلسطين محاميا تحت التمرين، وعند وصوله الى فلسطين عام 1935م انضم إلى عصابة "أرجون"، ثم رأس عصابة "شتيرن" التي دبرت اغتيال الوسيط الدولي الكونت "فولك برنادوت"، فضلا عن أعمالها الإرهابية ضد العرب في فلسطين.
وبعد إعلان دولة إسرائيل عمل شامير عميلا سريا للمخابرات الصهيونية "الموساد" حتى عام 1970م، وكان نشاطه طوال تلك الفترة يتركز في أوربا الغربية، وبعد عودته إلى إسرائيل انضم إلى حزب "حيروت"، ثم صعد بسرعة إلى الصفوف الأولى، حيث انتخب رئيسا للكنيست عام 1976م، وشغل منصب وزير الخارجية بعد بضعة أشهر من استقالة موشيه دايان عام 1980م، ثم تولى رئاسة الحكومة بعد حكومة مناحم بيجن في الثمانينات.
وكان شامير من أشد الإسرائيليين تطرفا في معتقداتهم الصهيونية، ويعرف عنه أنه صاحب "اللاءات الثلاث" التي صرح بها عقب توليه وزارة الخارجية، وهي لا لعودة إسرائيل إلى حدود 1967م، ولا لقيام دولة فلسطينية، ولا لتقسيم القدس.
وكان يدعم بشدة التوسع في سياسة الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة، وكان يعد الضفة الغربية وغزة جزءا من أراضي إسرائيل، وعارض بشدة إزالة المستوطنات من سيناء. وهو صاحب اقتراح إصدار القانون الذي يحظر الاتصال بأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية، والذي صدر في بداية عام 1983م.
وقد امتنع عن التصويت على معاهدة "كامب ديفيد"، وقت الاقتراع عليها في الكنيست   –   وكان رئيسا له   –   حيث كان يرى أنها لا تحقق أهداف السياسة الإسرائيلية بالقدر المطلوب، وأن بيجن قدم تنازلات. كما كان يرى أن أعظم إنجازات حكومة سلفه   –   مناحم بيجن   –   هي: المستوطنات ونسف المفاعل النووي العراقي والحرب ضد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وكان يرى أيضا ضرورة أن يكون لإسرائيل وجود عسكري في جنوب لبنان.
وكان شامير سفاحا عتيدا؛ فعصابة شتيرن التي كان يرأسها وعصابة أرجون التي شارك فيها ارتكبتا مذبحة "دير ياسين" المشهورة عام 1948م، كما نفذتا عشرات المذابح الأخرى ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وفي عام 1982م وجهت لجنة التحقيق في مذابح مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت   –   التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف ما بين شاب وشيخ وامرأة وطفل - لوما شديدا إلى شامير لأنه تجاهل عندما تلقى تحذيرا من "موردخاي تزيبوري" وزير المواصلات آنذاك بأن هناك مذبحة تجرى في المخيمات، ولم يتخذ أي إجراء.

• إسحق رابين وسياسة تكسير العظام:
وبعد شامير يأتي رابين (1922م-1995م) الذي ولد في القدس، ودرس في مدرسة زراعية، ثم اندرج ابتداءً من عام 1940م في منظمة صهيونية إرهابية تدعى "البالماخ" وتحول إلى الهجوم على حكومة الانتداب، وفي حرب 1948 عمل كضابط عمليات، واشترك في الاستيلاء على القدس، وما لبث أن صار قائداً للواء عسكري ثم ضابطاً مسؤولاً عن الجبهة الجنوبية.
وخلال الأعوام العشرين التالية شغل مناصب عسكرية متصاعدة، فكان قائداً للمنطقة الشمالية (1956م-1959م) ثم رئيساً لشعبة العمليات ونائباً لرئيس الأركان ثم رئيساً لها (1964م-1968م) وقائداً للجيش خلال حرب 1967م.
وتقاعد رابين في عام 1968م، وعمل سفيراً لإسرائيل في أمريكا، وبعد عودته في 1973م نشط حزبيّاً، ودخل وزارة جولدا مائير وزيراً للعمل، وعقب سقوط الحكومة بسبب حرب 1973م، انتخب رابين من قبل حزب العمل لخلافة مائير، وفي ظل حكومته وُقّعت اتفاقية الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية والمصرية (1974م) والاتفاق المرحلي مع مصر (1975م) وأول مذكرة تفاهم بين أمريكا وإسرائيل (1975م)، إلى أن سقطت حكومته بدعوى انتهاك حرمة يوم السبت.
وبقي رابين - برغم ارتباط اسمه بفضيحة مالية بسبب زوجته - في طليعة الصف الأول من السياسيين الإسرائيليين. وفي الأعوام التي سبقت 1982م وقف رابين مع الغزو الإسرائيلي للبنان، واقترح انسحاب الجيش من لبنان مع الاحتفاظ بشريط أمني، وذلك في أثناء توليه وزارة الدفاع في حكومة الوحدة بين حزبي العمل والليكود (1984م-1990م).
وفي أثناء الانتفاضة الفلسطينية (1987م-1991م) انتهج رابين سياسة عُرفت باسم "تكسير العظام"، وهي التي ألجأته إلى تبني أساليب وحشية منظمة لقمع الفلسطينيين، وكانت مثار انتقاد واسع عربيّاً ودوليّاً.
وبعد انطلاقة عملية التسوية في مدريد، وعقب سقوط حكومة الليكود، لمع نجم رابين من جديد فتولى رئاسة حزب العمل ثم رئاسة الحكومة في عام 1993م، ووقَّعت حكومته اتفاق "أوسلو" مع منظمة التحرير الفلسطينية، واتفاقية "وادي عربة" مع الأردن 1994م، وخاضت مفاوضات مطولة مع سوريا أفضت إلى ورقة عُرفت بوديعة رابين نصت على انسحاب كامل من الجولان لقاء ترتيبات أمنية وتطبيع للعلاقات.
وانتهت حياة هذا السفاح الصهيوني باغتياله على يد يميني متطرف سنة 1995م احتجاجاً على سياسته في عملية التسوية.

• بنيامين نتنياهو الإرهابي المدمر:
أما بنيامين نتنياهو فقد وصل إلى رئاسة الوزراء في إسرائيل عام 1996م، حتى هزمه باراك وسقطت حكومته أمام حزب العمل في الانتخابات التي أجريت في مايو 1999م، وكان نتنياهو ضابطا في وحدة كوماندوز بالجيش الإسرائيلي، حيث خدم فيها خمس سنوات وخرج من الجيش برتبة نقيب قبل أن يتولى منصب مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، ونائبا للسفير الإسرائيلي في واشنطن.
وقد خاض نتيناهو الانتخابات التي فاز بها بوعد عدم احترام اتفاقات السلام الموقعة عام 1993م، وكثيرا ما تعرض بعد ذلك لانتقادات لتقويضه عملية السلام.
وواجه نتنياهو عقب سقوطه في الانتخابات السابقة اتهامات بالفساد لكنها أسقطت مؤخرا مما يمهد أمامه الطريق للعودة لرئاسة الحكومة.
ولا ينسى العرب والمسلمون هذا الصهيوني المتغطرس الذي يفكر اليوم في العودة للعمل السياسي - فهو سفاح تربى على كراهية كل ما هو عربي، ووصفته صحيفة "هاآرتس" اليهودية عقب توليه رئاسة الوزراء بأنه شخصية مدمرة خربة يمكنها تدمير المنطقة، ووصفته صحيفة معاريف أيضا على لسان "روتي بن آرتس" شقيقة زوجته بأنه شخص متكبر، متغطرس، قاس، لا يعرف ماذا يريد، يكره أولاده وأسرته، ويهدد أمن إسرائيل والمنطقة بأكملها بالوصول إلى مرحلة الجنون. وقالت شقيقة زوجته: إن نتنياهو شخصية غير سوية، وشخص شرير بطبعه، وهو غير مناسب - على حد قول والديه - سوى لتمثيل أدوار القتلة واللصوص في أفلام السينما وفي الجيش الإسرائيلي فقط، ثم تقول: لقد أعلنت أسرته عن خوفها من أن تقوم حرب جديدة بين العرب وإسرائيل بسبب ابنهم المتطرف، فرأيُ الأسرة فيه رأيٌ قاس لأنه خرج عن المألوف، وبدأ يهدد حياة الشعب كله، وترى عائلته أنه لن يبقى طويلا في الحكومة لأنها ستنهار بناء على رغبة الشعب الذي صوت لحسابه، كما ترى العائلة أنه شخص غامض غير محدد المعالم، ولا يمكن لأحد أن يخمن ما سيفعله بعد ساعة واحدة من الزمن، وترى أن الائتلاف الديني الحاكم مع نتنياهو كارثة محققة؛ لأن هذا الائتلاف سيدفعه للنهاية المحتومة لأمثاله في التاريخ، بل وأعلنت العائلة   –   كما تقول صحيفة "معاريف" أنها ترى في حكومة ابنهم حكومة للنازيين الجدد في إسرائيل.
ولقد أظهر نتنياهو غطرسته وغروره منذ توليه الحكومة، فوضع ثلاثة عراقيل في طريق عملية السلام المزعومة بين الفلسطينيين واليهود، إذ أعلن معارضته الشديدة لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وأكد أن القدس الكاملة عاصمة إسرائيل الأبدية، تقع تحت سيادتها، وغير قابلة للتقسيم، وأبدى رفضه التام للانسحاب من هضبة الجولان.
وعن رأيه في العرب فإن نتنياهو لديه القناعة الكاملة بأن الأسلوب الأمثل للتعامل معهم هو استخدام أسلوب القوة والقمع والردع.. والتي طالما رددها في أثناء دعايته الانتخابية بقوله: "أنا أعرف العرب جيدا؛ إذا رأوا أنك مستعد للتنازل والضعف يطلبون منك أكثر، وإذا رأوك قويا صلبا مصرا على رأيك يتنازلون"!!

• باراك السفاح المخادع:
وأما باراك - رئيس وزرائهم المستقيل بعد عجزه عن وقف انتفاضة الأقصى - فهو واحد من السفاحين القتلة الذين تشربوا العنف والحقد تجاه العرب منذ نعومة أظفارهم، وتاريخ ذلك الصهيوني البغيض ملطخ بدماء الآلاف من أطفال الانتفاضة الفلسطينية الذين حطم عظامهم عام 1987م، وهذا التاريخ الدموي للسفاح باراك هو الذي وقف وراء اختيار الإسرائيليين له لرئاسة الوزراء، خلفا لبنيامين نتنياهو، فهو صاحب التاريخ الأكثر سوادا في الجيش الإسرائيلي، وأكثر من حصل على أوسمة في تاريخها القصير، وعرف باراك - بحكم صهيونيته - بأن إبادة العرب هو هدف الإسرائيليين الأول، فكان شعاره الذي رفعه في أثناء الانتخابات "من قتل من العرب أكثر مني!"، حاملا برنامجا انتخابيا مكتوباً بدماء المئات من الفلسطينيين والعرب، وبخاصة دماء الأسرى المصريين ممن قتلهم باراك غدرا عام 1967م وعام 1973م.
ولقد أفصح باراك عن دمويته واستعداده للاستمرار في ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين العزل في سبيل تحقيق الأمن لإسرائيل، عندما صرح لإذاعة إسرائيل باللغة العبرية في منتصف نوفمبر 2000م - بما يكشف عن وجهه الحقيقي - أنه على استعداد لقتل 2000 فلسطيني دفعة واحدة بدلا من 200 حاليا، لو كان ذلك يضع حدا للعنف، ويوقف انتفاضة الأقصى، وطالب الإسرائيليين بالاستعداد لمعركة طويلة، وقال إن دولته لا تتبع سياسة ضبط النفس فى تعاملها مع الفلسطينيين، ولكن الرد الملائم والمطلوب، وأعلن أن إسرائيل ستخوض حربا طويلة تحدد المستقبل.
واعترف باراك بأنه أعطى أوامره للجيش لتنفيذ كل ما تراه هيئةُ الأركان مناسبا من أجل وقف الانتفاضة، مؤكدا أن أوامره للجيش كانت أكثر قساوة من الأوامر التي أصدرتها جميع الحكومات الإسرائيلية التي واجهت الانتفاضة السابقة، سواء كانت حكومات حزب العمل أو الليكود أو حكومات الوحدة الوطنية.
فقد أمر قوات الشرطة والجيش بضرب الفلسطينيين في أحداث الأقصى بالرصاص الحي في مشهد مأساوي أقرب إلى الحرب الهمجية التي تقوم بها مدججة بكل الأسلحة ضد شعب أعزل لا يملك أطفاله سوى الحجارة.
وباراك يحمل درجة البكالوريوس في الفيزياء من الجامعة العبرية، وشهادة الماجستير في النظم الهندسية الاقتصادية من جامعة "ستانفورد" في كاليفورنيا، وقد برزت مواهبه كمقاتل شرس، وتدرج في مناصبه العسكرية حتى أصبح في إبريل 1991م رئيساً لهيئة الأركان، ثم عين في يوليو 1995م وزيراً للداخلية، وفي يونيو 1996م وزيراً للخارجية، وانتخب في نفس العام رئيساً لحزب العمل خلفاً لشيمون بيريز، ثم رئيسا لوزراء إسرائيل عام 1999م

• نشأته الدموية:
وتاريخ باراك الأسود لا يرجع فقط إلى أنه يتبنى الفكر الصهيوني، ولكن تعود أسبابه إلى سيرته الذاتية وبالتحديد عائلته، فهناك حقيقة يعرفها رجالُ التاريخ، وهي أن أكثر السفاحين الذين عرفهم العالم، دائما ما توجد في سجلاتهم العائلية قصصٌ دموية، استلهموا منها فيما بعد نزعتَهم نحو القتل وسفك الدماء، وإذا ما استعرضنا عائلة إيهود باراك التى عاشت فى روسيا البيضاء لمدة طويلة قبل انتقالهم إلى فلسطين المحتلة، نجد أن جده "روبن بروج" تعرض هو وزوجته وأطفاله في روسيا لعملية سطو مسلح عام 1912م راح ضحيتها جميعُ أفراد العائلة ما عدا والد باراك "يسرائيل" الذي لم يكن قد تجاوز السادسة في ذلك الوقت، وعمه الرضيع "مائير" الذي بذلت الجدة "إيتلسع" - ذات الشخصية الفولاذية، المثابرة، القيادية - جهودا خارقة لإنقاذه بعد أن تركه اللصوص بين الحياة والموت.
ولم تستسلم إيتسلع - التي يبدو أن باراك قد ورث كثيرا من صفاتها - للأحزان، بل إنها حاولت جمع شمل ما تبقى من الأسرة، وانتقلت بهم من روسيا البيضاء - مسقط رأس العائلة - إلى أوكرانيا مع ظهور نذر الحرب العالمية الأولى، حيث استقرت هناك إلى أن قرر العم "مائير" عام 1925م السفر إلى تلك الأرض التي طالما صورتها الصهيونيةُ العالمية أنها "جنة اليهود في الأرض"، "أرض الخلاص"، وصدم مائير بالوضع في فلسطين؛ فلم تكن إلا أرضا جرداء بلا شعب، ولم يجد تلك الأوهام التي صورتها له المنظمات اليهودية، ولم يجد بديلا عن العمل في إحدى محطات الكهرباء، وبعد عامين لحق "يسرائيل" بأخيه الأصغر، واستقر فور وصوله في أحد الكيبوتسات التى مولت المنظمات الصهيونية بنائها.

• الحقد المقدس تجاه العرب:
وفي كيبوتس "مشمار هشارون" القريب من تل أبيب، تلقى يسرائيل والد باراك دروسا مكثفة من الحقد (المؤدلج) تجاه العرب، أرضعها بعد ذلك لأبنائه المنتظرين، وانضم يسرائيل إلى العمل في الكيبوتس، وبعد فترة تزوج إحدى فتيات الكيبوتس "أستر جودين"، التى كان أكثر ما يميزها سلاطة لسانها، وذلك مع مطلع عام 1940م.
وبعد عامين جاء الإرهابي إيهود باراك إلى الحياة، في نفس يوم مقتل الإرهابي الصهيوني "يائير شتيرن" زعيم حركة "ليحي" المتطرفة على يد المباحث البريطانية، واختار الأب لوليده هذا الاسم تيمناً بالبطل التوراتي العسكري "إيهود بن جبرا".
وقام باراك بأول عملية سطو في حياته قبل أن يبلغ السابعة، وكان مقصده مخازن الكيبوتس، بينما تلاعبت أصابعه بالديناميت عندما وصل إلى الثانية عشر، وظل يفجرها مساء كل يوم حتى احترقت أصابعه.
ومع بلوغه التاسعةَ عشرة، كان عليه أن يلتحق بالجيش لمدة ثلاث سنوات، وأحس باراك أنه اقترب من تحقيق الحلم، وكان إسحق رابين أحد القادة العسكريين الذين طالما تمنى باراك أن يتعرفه، وسنحت له الفرصة في عام 1962م عندما كان رابين يشغل منصب رئيس الأركان، في حين كان باراك قد اجتاز لتوه دورة مدرعات، وسلمه رابين شهادة الدورة، وتكررت اللقاءات بعد ذلك بين الاثنين كثيرا، إلى أن تولى باراك منصبا وزاريا في وزارة رابين الأخيرة، التي انتهت باغتيال رابين عام 1996م.
وفي عام 1965م قرر باراك أن ينضم للخدمة الدائمة في الجيش الإسرائيلي، وحصل في 1967م على ترقية استثنائية بعد مشاركته في عملية ميدانية لم يعلَن عنها حتى الآن، وشارك باراك في عدوان 67 على جبهات سيناء وغزة، ثم انتقل للعمل على جبهة الجولان.
وفي مارس 1968م، ذاق باراك لأول مرة في حياته العسكرية طعم الهزيمة، وذلك عندما شارك في عملية الكرامة داخل الأراضي الأردنية، ونجحت القوات الأردنية وقوات المقاومة الفلسطينية في تحميل الإسرائيليين خسائر فادحة، ولم ينس باراك طوال عمله بالجيش تلك المعركة، واستقرت في أعماقه كراهيةٌ لكل ما هو فلسطيني أو عربي، وقرر أن لا يرحم أي عربي يقع تحت يده.
وفي عام 1964م وبينما كان باراك يحمل رتبة نقيب، تعرف السفاح أرييل شارون، قائد القطاع الأوسط في ذلك الوقت، ومنذ اللقاء الأول حمل باراك في داخله احتراما وتقديرا كبيرا لذلك الرجل الذي شارك - بما سفكه من دماء العرب - في تدعيم الكيان الصهيوني، وقام تعاونٌ كبير بين السفاحَيْن؛ إذ أتاح شارون لرجال دورية هيئة الأركان العمل بحرية في غزة والضفة الغربية.
وحمل عامُ 1971م دفعةً قوية لمسيرة باراك داخل الجيش الإسرائيلي، إذ تولى في إبريل قيادة دورية هيئة الأركان، وتوالت الأحداث لتخضع الدورية لأول اختبار حقيقي تحت رئاسة باراك، من خلال عملية "مطار اللد" عام 1972م، عندما نجحت منظمة "أيلول الأسود" في اختطاف طائرة أسبانية على متنها 67 إسرائيليا، وهبط الخاطفون بالطائرة في مطار اللد الإسرائيلي، وكلفت دورية الأركان بالتعامل مع المختطفين، وبعد اشتباك سريع نجحت الدورية في تحرير الطائرة.

• اغتيال قادة منظمة التحرير:
وفي 10 من إبريل 1973م قام باراك بالعملية التى أحدثت تحولا حاسما في حياته العسكرية، عندما قاد عملية اغتيال ثلاثة من كبار قادة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان بعد أن انتزعهم من فراشهم، وقد تخفى باراك في ملابس فتاة شقراء، وتم خلال العملية اغتيال كل من "محمد يوسف النجار" قائد منظمة "أيلول الأسود"، و"كمال عدوان" رئيس شعبة العمليات الخاصة في "فتح"، و"كمال ناصر" الناطق باسم عرفات، ولم يجد باراك حرجا في اغتيال قادة سياسيين وسط أسرهم، بل تم خلال العملية قتلُ زوجة أحد القادة الثلاثة، الأمر الذي سوغه باراك بعد ذلك "بأن الظروف اقتضت ذلك"، وقد وصف باراك مشاعره إزاء ما لاحظه على الضحايا من ذهول وفزع ذاكراً أنه لم يتردد في إطلاق النار عليهم واصفاً ما تناثر من دمائهم وأجزاء أجسامهم، ورجع باراك إلى بيته منتشيا ليحكي لزوجته تفاصيل العملية.
وفي يونيو 1973م منح باراك الوسام الخامس خلال خدمته العسكرية، وودع في العام نفسه دورية الأركان، وقرر الحصول على إجازة من الجيش وتوجه إلى الولايات المتحدة لاستكمال تعليمه.
وعندما نشبت حرب أكتوبر 73، عاد باراك مسرعا إلى إسرائيل، وتم إرساله على رأس لواء مدرعات احتياط إلى شبه جزيرة سيناء، لإنقاذ القوات الإسرائيلية، التي كانت شبه منهارة، وذهل باراك من حجم التخبط في أداء الإسرائيليين، والخسائر الفادحة التى تحملها الجيش، وأرسل باراك إلى منطقة المزرعة الصينية لإنقاذ القوات المحاصرة هناك، وتحملت قواته خسائر فادحة على يد رجال المشاة المصريين، وكانت أوامره لجنوده أن يدهسوا المصريين تحت دباباتهم، وخرج لواء باراك من المعركة شبهَ مدمر، ولكن الأوامر صدرت إليه بالمشاركة في ثغرة الدفرسوار، لمساندة قوات شارون، وهناك ارتكب باراك مذبحة قام خلالها بقتل أكثر من مائتي أسير مصري بحجة أنه لا يملك قوات كافية لحراستهم.
وقد غيرت حرب أكتوبر كثيرا من قناعات باراك، خاصة فيما يتعلق بالجيش الإسرائيلي، وكذلك نظريته بإمكانية التعايش مع العرب، وبعد الحرب تم تعيين باراك قائدا للواء مدرع 104، وفي عام 1976م شارك في قيادة عملية "مطار عنتيبي"، وازدادت في ذلك الوقت قوة العلاقة بين باراك وشارون، وقاتل الأخير بشدة من أجل تولى باراك قيادة الجيش الإسرائيلي عام 82، لكنه أخفق، وتم تعيين باراك نائبا لقائد الجيش.

• تشكيل فرق "المستعربين":
وفي عام 1986م عين باراك قائدا للقطاع الأوسط، وقام في أثناء قيادته للقطاع بتشكيل فرق "المستعربين" المسئولة عن اغتيال مئات الفلسطينيين خلال الانتفاضة، وأطلق على تلك القوات في الضفة "دوفدفان" أما في غزة فسميت "شمشون"، كما أنه اعتمد خلال تعامله مع الانتفاضة على سياسة "تكسير العظام" ضد أطفال الانتفاضة.
وكان لا بد من مكافأة باراك على جهوده في قمع الانتفاضة، فعين عام 87 نائبا لرئيس الأركان، ليصل في عام 92 إلى المنصب الذي طالما حلم به "رئاسة الأركان".
وبعد توليه لقيادة الأركان عمل باراك على إجراء تعديلات على تشكيل القوات الإسرائيلية، بما يتيح لها القيام بمهام هجومية بسرعة وكفاءة أكثر مما جرى في لبنان عام 82، كما أنشأ قطاعا رابعا في الجيش الإسرائيلي، هو قطاع المؤخرة، ويضم تل أبيب وحيفا ومدن الداخل الإسرائيلي مما يعطي القطاعات الأخرى فرصة القيام بمهام قتالية، دون أن تتحمل عبء الدفاع عن العمق الإسرائيلي.
ومع خروج باراك من الجيش عام 94، نجح رابين في جذبه إلى حزب العمل، محاولا الاستفادة من سمعته لدى الإسرائيليين كقائد عسكري، بذل الكثير من أجل إسرائيل.
ويتسم باراك - كما وصفه المقربون منه - بالصرامة والشدة، والاعتداد بالنفس الذي يصل إلى درجة الغرور، والميل إلى الاستبداد على نحو عبَّر فيه قادةٌ في حزب العمل عن تبرمهم من تجاهله لهم، كما عُرف عنه أيضاً مراوغته السياسية، وقدرته على إخفاء نياته الحقيقية وأهدافه الرئيسية، ويتضح من أحاديث باراك الصحفية أن مفهومه للصراع العربي مع إسرائيل يقوم على الأساس الصهيوني العنصري، ففي حين يعترف بأنه قد حل بالفلسطينيين نوع من الظلم (نتيجة إقامة إسرائيل) إلا أن هذا الظلم أقل من العدل الذي حصل عليه اليهود، وأقل من الظلم الذي كان يلحق اليهود، لو لم يستولوا على أرض فلسطين.
واستخلص فريقٌ من المراقبين السياسيين من تاريخ باراك العسكري واعتداده بهذا التاريخ وترديده أنه الرجل الحاصل على أكبر عدد من الأوسمة ما مفاده أنه ليس الزعيم القادر على صنع التسوية مع العرب، بل همه الأول هو أمن إسرائيل والمبالغة في تحقيقه على حساب الأرض والحقوق العربية، وقد تأكَّد لديهم هذا الاعتقادُ بما بدأ به باراك حكمه بترديد لاءاته الخمس المعروفة؛ فلا عودة لحدود ما قبل الخامس من يونيو 1967م، ولا للتراجع عن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وتحت سيادتها، ولا تراجع عن ضم مستوطنات الضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيل، ولا سماح بوجود جيش أجنبي أو عربي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين.
ولقد تعرض باراك لانتقاد شديد من قبل بعض الطوائف اليهودية نتيجة سياسته الدموية، ورغبته المحمومة لقتل الفلسطينيين، فاتهمت "شولاميت ألوني" الرئيسة السابقة لحركة "ميريتس" باراك بأنه "مقاول للقتل"، وفي تصريحات أدلت بها للإذاعة الإسرائيلية قالت ألوني: إن باراك يمارس سادية غير مسبوقة في تعامله مع الفلسطينيين، وتساءلت: "كيف يتسنى لباراك أن يفرض نظام حظر التَّجْوال على أكثر من مئة وعشرين ألفاً من الفلسطينيين في الخليل لمجرد أن يسمح لبضع مئات من مستوطني الخليل اليهود أن يستعرضوا بسلاحهم". وقالت ألوني: إنه لو كان هناك أدنى درجة من العدل لكان جميع مستوطني الخليل في السجن، ووصفت ألوني مستوطني الخليل بأنهم أقرب للنازيين في تربيتهم وممارساتهم، وباراك يدافع عن "نازيين".

• السفاح شارون:
وفي نهاية المطاف يأتي أريل شارون، الذي كتب الله عليه أن ينساه العالم وهو حي، وأن يطلب الموت فلا يجده، فها هو ذا منذ أكثر من عام ينام في سرير مرضه، وقد وضعوا جسده تحت مجموعة من الأجهزة التي تخفف عنه آلام المرض.
ويتمتع هذا السفاح الصهيوني - كغيره من قادة إسرائيل - بكراهية هائلة في العالم العربي والإسلامي، فقد كتب تاريخه بدماء آلاف الفلسطينيين الذين استشهدوا في مذابح قادها بنفسه أو تسبب فيها، وتختلف نظرة الإسرائيليين لشارون، ففي حين يراه البعض الحامي الوحيد للحقوق اليهودية، يراه آخرون الزعيم العنيد الذي قوض جهود السلام، لكن نظرة العرب له واحدة وثابتة إذ يحمِّلونه مسؤولية مقتل الآلاف من الفلسطينيين في مذابح واشتباكات وقعت على مدى عدة عقود ماضية، ولا ينسون دوره في مذابح صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982م.
وهو السبب في تفشي أعمال العنف في القدس والأراضي المحتلة، التي ذهب ضحيتها آلاف الشهداء الفلسطينيين، وكان أبرزهم الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي استشهد برصاصات الجنود الصهاينة على مرأى ومسمع من العالم كله، هذا علاوة على آلاف الجرحى الذين سقطوا في هذه المصادمات، التي اندلعت عقب زيارته المستفزة تحت حراسة مئات الجنود الصهاينة للحرم القدسي الشريف.
ولد شارون في كفر ملال عام 1928م لأسرة روسية مهاجرة إلى فلسطين، وتربى في مزرعة في غرب فلسطين تحت الانتداب البريطاني، والتحق بالجيش عام 1942م عندما كان الجيش الصهيوني عبارة عن عصابات، وفي عام 1948م شارك في الحرب وجرح، ومن عام 1949م عمل لمدة عام قائدا لوحدة الجولاني، ثم ضابط مخابرات للقيادة المركزية والشمالية من 1951م إلى 1952م، وفي عام 1953م قام بتشكيل القوة 101 عمليات خاصة التي أغارت على بعض المعاقل الفلسطينية ردا على هجمات شنها الفلسطينيون، وكانت القوة 101 مصدر كره عميق من جانب الفلسطينيين، إذ يتهمونها باستهداف المدنيين الأبرياء، وفي إحدى الغارات قتلت الوحدة تسعة وستين فلسطينيا غالبيتُهم من النساء والأطفال في قرية أردنية.
وفي 1956م عين قائدا لفرقة مظلات في الحرب، وفي 1958م تولى قيادة مدرسة المشاة، كما تولي قيادة كتيبة مشاة وأخرى للمدرعات حتى عام 1964م، عندما أصبح رئيس أركان قيادة الشمال حتى 1965م، وقاد شارون وحدة مدرعة في أثناء حربي 1967م و1973م بين إسرائيل والعرب.
وعندما اعتزل الحياة العسكرية بعد حرب 1973م تفرغ للسياسة فانتخب عضوا بالكنيست عام 1974م، ثم تولى عددا من الوزارات منها وزارة الزراعة عام 1977م، والدفاع عام 1981م، والصناعة والتجارة عام 1984م، والبناء والإسكان عام 1992م.
والسفاح شارون له باع طويل في قتل الأسرى المصريين والشرب من دمائهم حتى الثمالة، ففي عام 1956م عندما صدرت أوامر الانسحاب للقوات المصرية خلال العدوان الثلاثي، لم تكن هناك خطة منظمة لانسحاب القوات، فسقط في الأسر آلاف الجنود المصريين، فأوقف شارون المئات من الأسرى، وطلب من كل أسير أن يحفر بيديه حفرة كبيرة أمامه، ثم أمر ببدء المذبحة وإطلاق النار عليهم، وهذا المشهد تكرر في أنحاء كثيرة من سيناء وبقيادة شارون.
وفي عام 1967م جاءت له الفرصة مرة أخري لاحتساء دماء المصريين، وعلى نطاق أوسع، فقد انسحبت القوات المسلحة المصرية من سيناء عشوائيا، وكان لا بد أن يسقط آلاف الأسرى في أيدي السفاحين الإسرائيليين وعلى رأسهم شارون، فكانوا يجبرون الأسرى على إغماض عيونهم، ثم تقييدهم بالحبال، وإصدار الأوامر لهم بالانبطاح على بطونهم في طابور طويل، ثم تأتي الدبابات لتسير عليهم، وبهذه الوحشية استشهد مئات الجنود المصريين.
وبعد النكسة تم تعيين شارون قائدا للقوات الإسرائيلية في الجبهة الجنوبية "مصر" وظل قائدا لها حتى عام 1972م، وفي أثناء عمله على هذه الجبهة لم يعجبه وجودُ رفح مصرية ورفح فلسطينية، وقرر تفريغ رفح المصرية، وكانت عملية التفريغ واحدة من المجازر البشعة التي قام بها هذا السفاح، فقد قاد قواته ودخل المدينة وطلب من سكانها المصريين مغادرتها ومن رفض كان مصيره القتل في مذبحة غير مسبوقة إلا على أيدي السفاحين الإسرائيليين.
ويصف "عوزي هوفمان" كاتب سيرة شارون، مذبحة رفح بقوله: "قرر شارون إخلاء منطقة رفح المصرية من سكانها المصريين، حيث شرد سبعة آلاف مصري، واستشهد عدد كبير منهم"
ثم يقول: "لقد نفذ شارون عملية الإخلاء بمنتهى الوحشية، وتفنن هو وجنوده في مصادرة أملاك البدو، وطرد أكثر من سبعة آلاف مصري من محل إقامتهم، وأجبر المصريين على الرحيل من رفح، وكل من رفض كان نصيبه الذبح كالنعاج".
أما أكثر اللحظات إثارةً للجدل في تاريخ شارون الحافل بالجرائم والمذابح بعد مذبحة الأسرى، فقد جاءت عام 1982م عندما دبر - كوزير للدفاع في ذلك الوقت - الغزو الإسرائيلي للبنان لطرد المقاتلين الفلسطينيين منه، وهذه هي العملية التي خرج على إثرها الزعيم الفلسطيني (ياسر عرفات) ورفاقه من لبنان، لكنها أيضا خلفت واحدة من أبشع المذابح في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إذ قامت الميليشيات المسيحية في لبنان - وتحت إشراف وحماية القوات الإسرائيلية - بقتل مئات اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا غرب بيروت في سبتمبر 1982م.
وأجبر شارون على التنحي عن منصبه بعد أن أثبت تحقيق إسرائيلي رسمي في المذبحة مسؤوليته غير المباشرة عنها. وبدلا من أن تنتهي حياته السياسية، عززت الحرب في لبنان صورة شارون في أعين الكثير من الإسرائيليين باعتباره القائد القوي، وظل شارون في الحكومة متقلدا العديد من المناصب، وتنقل شارون بين عدد من الوزارات قبل المذبحة وبعدها، فقد تولى منصب المستشار الأمني الخاص لرئيس الوزراء إسحق رابين، ثم وزيرا للزراعة والدفاع والتجارة والصناعة والإسكان والخارجية.
ويستمر شارون منذ تولى رئاسة وزراء الكيان الصهيوني في ممارسة العنف والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني بكل صوره وأشكاله، واجتياح الأراضي الفلسطينية واغتيال قيادات الجهاد الإسلامي بالصواريخ الموجهة والطائرات، ليسجل لنفسه أعلى الأسهم في عدد من قتلهم من أفراد الشعب الفلسطيني، وليصبح أعتى مجرم حرب عرفته البشرية في هذا العصر.. وعندما أقعده المرض خلفه في القيادة أيهود أولمرت ليبدأ هو أيضا تسجيلَ تاريخه الأسود بممارسة كل أشكال العنف والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني.

وبعد..
فماذا ينتظر العربُ والمسلمون من هؤلاء السفاحين القتلة، مجرمي الحرب الذين يحكمون الكيان الصهيوني؟ هل يرجى منهم الحفاظُ على عهود السلام ومواثيقه، وقد نقضوا عهودهم مع الله ورسله، وعاثوا في الأرض فسادا، وأهلكوا الحرث والنسل؟
إننا كعرب يجب أن نعيد حساباتنا مع هؤلاء القتلة والسفاحين الذين يتبادلون الأدوار على ساحة السياسة الإسرائيلية لينفذوا مخططاتهم في إقامة إسرائيل الكبرى، ويتمادوا في خداع العرب والمسلمين باسم السلام المزعوم، وهم أبعد ما يكونون عنه، اذ تقوم حياتهم على الحرب والمكر والخداع ونقض العهود والمواثيق.

المراجع:
1. مصر ولبنان يفتحان ملف الجرائم "الإسرائيلية" - الأهرام العربي - مصر- 4 أكتوبر 2000م.
2. جريدة الجمهورية – القاهرة - 12 أكتوبر 1995م.
3. باراك.. من قتل عربا أكثر مني - مصطفى عبد الجواد - محيط - 23 أكتوبر 2000م. 
4. باراك.. لو كان قتْل 2000 فلسطيني يوقف الانتفاضة لفعلت! - القدس – محمد الصالح – إسلام أون لاين 16-11-2000م. 
5. قرار إسرائيلي بتجويع الفلسطينيين – وكالات الأنباء وإسلام أون لاين/ 16-11-2000م.
6. مجلة الأهرام الاقتصادي   –   9 أكتوبر 2000م.
7. بنو إسرائيل فى الكتاب والسنة - د. محمد سيد طنطاوى   –   مجلة نور الإسلام. 
8. صحيفة "القبس" الكويتية - السبت 23 يونيه 2001م.
9. جريدة الأهرام   –   9 يوليو 2001م.
10. موسوعة "بيت المقدس" الإلكترونية - شركة العريس للكمبيوتر والبرمجيات – القاهرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق