الجمعة، 7 ديسمبر 2012

البوسنة قلعة الإسلام المنسية تسترجع "التدين" و"الحجاب"..

كانت البوسنة في ضيافتنا عندما قمنا بزيارة هذه الأرض الطيبة.. فبينما كانت أقدام لاعبي منتخبي الفريقين الوطني والبوسني ترفس الكرة في ملعب الخامس جويلية، كانت الشروق تتجول في إحدى مقاطعات جمهورية يوغسلافيا في الماضي غير البعيد..
اشتقت اسمها من اسم أحد الأنهار الذي تصب مياهه في الدانوب، وتفردت بمناظر مغرية، إنها جمهورية البوسنة والهرسك، ذلك البلد الذي توسط ما كان يعرف بيوغسلافيا، وميزه موقعه بقلب القارة الأوروبية، ليضفي عليه لمسة من الجمال الطبيعي الخلاب، ويبلغ تعداد البشناق، وهم سكان البوسنة والهرسك، 6 ملايين نسمة، يشكل منهم المسلمون حوالي النصف والصرب نسبة 30 بالمئة. أما الكروات فنسبة 17 بالمئة.
.
البوسنة والهرسك.. الإسلام في قلب أوربا
يرجع الكثير دخول الاسلام إلى البوسنة إلى الفتوحات التي قادها العثمانيون، بينما يذكر المؤرخون أن الإسلام وصل إلى المنطقة في عهد الأمويين وفي العصر العباسي الأول، فليس غريبا أن يكون أغلب البوسنيين من اعتنق الإسلام قبل وصول الأتراك العثمانيين إلى المنطقة، ونشر الإسلام بين أهلها.
وترسم المنارات المترامية في أطرافها صورة مصغرة عما تركه الاتراك من آثار فيها، إضافة إلى ما يميز نمط الهندسة المعمارية للجوامع صغيرة المساحات، والتي تخلو في أغلب الأحيان من المصلين إلا القليل، فالإسلام في هذه المنطقة فِطري أكثر مما هو معتقد، خاصة بعد أن حاول العدو الصربي محو كل صورة تؤشرة إلى "إسلامية" البوسنة.
.
إقبال ملحوظ على ارتداء الحجاب
شهدت البوسنة في السنوات الأخيرة إقبالا ملحوظا من الفتيات على ارتداء الحجاب، الذي تزداد وتيرته بين طالبات المدارس الثانوية والجامعات وموظفات الدوائر الحكومية والبنوك والشركات الخاصة، رغم المعارضة الشديدة التي يواجهنها من آبائهن في بعض الحالات.
وفي جولتنا في شوارع البوسنة، لفت انتباهنا عدد لا بأس به من الفتيات اللائي يرتدين الحجاب، والذي كان سببه الاستقرار الأمني، واحترام الأديان الذي تقره البوسنة.
فعلى خلاف الدول الأوروبية المجاورة، يجيز الدستور البوسني لبس الحجاب، ويعتبره خيارا شخصيا، وهو ما ساعد على تنامي الظاهرة، وبدأت محلات بيع ملابس المحجبات تغزو السوق بشكل لافت، فلا غرابة اذا شاهدت محلات تبيع اللباس الشرعي في البوسنة، بل هناك إقبال متزايد في السنوات الاخيرة عليه، حسب أحد البوسنيينن الذين دفعنا الفضول لسؤاله، حول ثمن اللباس الشرعي أيضا، لنعرف إن كان سبب انتشار مثل هذه المحلات راجعا إلى كونها تجارة رابحة أم إلى تزايد نسبة الطلب على الحجاب.
.
جامعة سراييفو.. بناء من عبق التاريخ القديم وعلوم متطورة
تعد كلية الدراسات الإسلامية في سراييفو واحدة من أهم مراكز التأهيل والبحث والتدريس في مجال العلوم الإسلامية في أوروبا، وكذلك تمتاز بقدرتها على التوفيق بين الدراسات الشرعية والعلوم الحديثة. ولا تعتبر كلية الدراسات الإسلامية في سراييفو فقط أقدم كليات علم اللاهوت في أوروبا، بل أيضا أهم مركز للتعليم العالي والتأهيل والبحث والتدريس. وحتى إذا كانت لم تؤسس على نمطها الحالي قبل عام 1977 من قِبل جماعة المسلمين في البوسنة والهرسك، فإن تاريخها يعود إلى الماضي البعيد، حتى النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي، ويصل إلى فجر الخلافة العثمانية في البوسنة.
.
في الذكرى السابعة عشرة لمجازر سبرنيتشا
قبل سنة خلت، قام البوسنيون بتخليد الذكرى السادسة عشر لجرائم الإبادة التي تعرض لها سكان سبرنيتشا. حيث تم دفن أزيد من 600 ضحية مع 4500 دفنوا بالفعل في النصب التذكاري، وقد تم اغتيال أكثر من 8 آلاف شخص 1995 من قبل السلطات الصربية، جاعلين من المذبحة إبادة جماعية، أصبحت من أبشع الجرائم التي ارتكبت منذ الحرب العالمية الثانية.
كانت صور المجازر تمر كشريط فيديو، نستذكر فيها تلك الذكريات الاليمة أثناء لقائنا بعائلات ضحايا الإبادة الجماعية، وفي إطار نفس النشاط، تم تقديم الكتاب في مدينة سيرنيشا، واستفسر العديد منهم حول صمت المجتمع الدولي في قضاياهم، وعدم إعطائها نفس الاهتمام، مع ما عرفته العديد من الجرائم الأخرى في مناطق متعددة من العالم، كما وتسآئل العديد منهم بتسمية أحداث سيربرنيتشا "بالمجزرة" وهي في الحقيقة في "إبادة" وانتقاص لمآسيهم.
.
مفت جديد للبوسنة
وأثناء الزيارة لجمهورية البوسنة والهرسك، دُعي الدكتور فوزي لحفل تنصيب المفتي الجديد للمشيخة الإسلامية بالبوسنة، والذي يتم تجديد المنصب بالانتخاب كل سبع سنوات، ولعهدتين فقط، علماً أنه لأول مرة منذ انتهاء الاحداث في البوسنة ومنذ 1994 يتم تجديد المنصب.
وجرى حفل التنصيب في جامع "غازي خسرف بك" في "سراييفو"؛ حيث حضره العديد من المسؤولين الكبار في الدولة والدبلوماسيين والضيوف الكرام من العالم الإسلامي، يتقدمهم المفكر الجزائري فوزي أوصديق.
ومن الصدف أن المفتي الجديد للبوسنة كان مفتيا في معقل الشيوعيين بمدينة توزلا، كما أنه واصل دراساته العليا في الأزهر الشريف، فكان أجمل ختام لرحلة ممتعة انتهت بلقاء أبرز الشخصيات، على أمل لقاء متجدد قريبا.

منقول بتصرف  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق