الاثنين، 10 ديسمبر 2012

توقيف المسار الانتخابي في الجزائر

عشرون سنة انقضت منذ توقيف المسار الانتخابي في الجزائر لأول انتخابات كان يُفترض أن تكون ثمرة الإصلاحات السياسية والديمقراطية التي جاء بها "الربيع الجزائري" الذي وقّعه الجزائريون في انتفاضة الخامس أكتوبر سنة 1988. عشرون سنة ارتوت فيها الجزائر من الدّم والدموع والمآسي ولكنها لم تكن كافية كي تؤسسّ لمنظومة سياسية حقيقية ولقيم ديمقراطية فعلية تثمّن حجم التضحيات التي قدّمها الجزائريون.

تتوجه التحاليل والتصريحات السياسية حول الانتخابات المحلية الأخيرة في الجزائر، وكما عهدها الجزائريون كل مرة، إلى اتهام النظام دون غيره بتلغيم المسار الذي يُفترض أن تسلكه الديمقراطية، وتعميق اليأس الجماهيري من حدوث تغيير جذري يعيد صياغة قواعد اللعبة الديمقراطية وإعادة تشكيل المفاهيم والممارسات السياسية وفق أبجدية جديدة تعي روح العصر وتحوّلاته وتطلّعات الشعب الجزائري.

عشرون سنة تحت "عنوان الديمقراطية" ولم تستطع الأحزاب على اختلاف أطيافها وانتماءاتها أن تتجذّر شعبيا وتضرب عميقا في تربة الواقع وتتجاوز منطق أنها ضحية النظام وتطوّر أدواتها النضالية بما يحقّق لها المصداقية.

الحقيقة التي يعرفها الجزائريون أن أحزاب المعارضة والسلطة على السواء لا تفتح "دكاكينها" إلاّ في المواعيد الانتخابية وللضرورة التي يستدعيها الصّراع في حضورها على الخارطة السياسية، فهي غائبة عن تفاصيل الحياة اليومية للوطن والمواطن، باستثناء ما تُصدره من بيانات تفاعلا مع قضية معينة أو إحداث ضجيج إعلامي للحفاظ على سلامة حبال صوتها السياسي.

إن المواطن الجزائري قد فقد الثقة في نظامه تماما كما فقد الثقة في الطبقة السياسية برمّتها وبالديمقراطية ذاتها التي لم تعد تعني أكثر من أكذوبة بلا لون ولا طعم. وإن تكن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة قد حقّقت "فوز" أحزاب السلطة في رسالة واضحة للدوائر الخارجية بأن الشعب الجزائري متوافق مع نظامه ومتّفق مع خياره الوطني، فإن النتائج ذاتها كشفت أن "الأحرار" الذين لا ينضوون تحت أي لواء سياسي قد حقّقوا المرتبة الثالثة، ما يعني تسفيها مُعلنا للمعارضة السياسية ومسارها النضالي كلّه وتأكيدا لإفلاسها وافتقادها للمصداقية الشعبية.

إن الانتخابات المحلية الأخيرة أكّدت مرة أخرى أن "أزمة الديمقراطية" في الجزائر أعقد من حصرها في نظام يدفع القاطرة إلى الأمام ولا يريد أن "يتبدّد أو يتجدّد"، بل لمّا يزل مُصرّا على رفع شعار "تسليم المشعل إلى الشباب" رغم أن الشباب الذين عناهم عندما أعلن الشعار قد هرموا. والأزمة أعقد من حصرها في طبقة سياسية يتكشّف إفلاسها في كل مناسبة وفشلها خلال عشرين سنة على إرساء قواعد نضال صحيح وترسيخ قيم ديمقراطية حقيقية.

وأيضا، الأزمة أعقد من حصرها في نُخب ثقافية وعلمية وإعلامية غائبة تماما عن مشهد الأحداث وكأنها غير معنية بالتوعية وممارسة النقد السياسي وغيرها من الأمور التي تضمن خلق طقوس التفاعل الديمقراطي، هي نُخب متواطئة بصمتها أو انهزامية بذاتها.

والحال أن "أزمة" الديمقراطية الجزائرية هي مسؤولية الكلّ وليست مسؤولية طرف وما هذه الانتخابات إلاّ مناسبة أخرى لتأجيل الديمقراطية الحقيقية واغتيال الحلم الجزائري الأصيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق