الخميس، 11 أبريل 2013

سلفية أم عبادة أسلاف؟ / حربي محسن عبدالله / .من يجرئ على ذكر ماأورده بن كثير في "البداية والنهاية" عن غزوة بني المصطلق ومافعله خالد بن الوليد بالأسرى. ومن يجرأ أن يقول إن الصورة التي ينقلها الموروث الشيعي عن معركة كربلاء وماتلى مقتل الحسين من أعاجيب تشبه تماماً ماجرى لكريشنا في اسطورة المهابهارتا التي هي ملحمة الهند الكبرى والتي جرتْ أحداثها قبل ميلاد المسيح
















 
"السلف الصالح" عبارة يصفعك بها المدافعون عن الماضي بغثه وسمينه. دون أن يرف لهم جفن عندما تسألهم رأيهم بالصراع الدامي من أجل الخلافة الذي شهده التاريخ الاسلامي بين اثنين من السلف الصالح مشمولين بحديث العشرة المبشرة بالجنة أي الصراع الذي دشنته معركة صفين وأكملته فصول دموية من بداية العهد الأموي حتى يومنا هذا. فعند هؤلاء قبول غير مشروط للرواية الفنطازية التالية: "خرجت سرية من سرايا سيدنا علي في معركة صفين على سرية من سرايا سيدنا معاوية واقتتلا ساعة فسقط من الجانبين ثلة من الشهداء. أسكنهم الله فسيح جناته!!!!!؟
هذه العقلية التي تقبل رواية مثل هذه هي نفسها التي تمجّد الظلم على يد الخليفة على اعتبار أنه ولي الأمر وتكفّر مناوئيه من جهة ومن جهة أخرى ترفض أي نقد يمسّ مثل هذا التخريف الذي يملأ اطنان من المجلدات كتبها (علماء) الدين. ثم انتقل مع ثورة الاتصالات وزمن المعلوماتية إلى القنوات الفضائية وصفحات الانترنت. قنوات ومواقع تبث الطائفية وترعى التعصب بل وتعطي الدروس في صناعة المفخخات والعبوات الناسفة على وقع أنغام اناشيد تمجّد "السلف الصالح" لكلا فريقي المدّ الشيعي والوهابية السنية بأحزابها السياسية التي سطت على مشهد الربيع العربي وصحّرته. وكأن مطالب التغيير جاءت من أجل العودة إلى أسلاف الماضي وليس السير نحو أجيال المستقبل. كلا الفريقين سالفي الذكر يمتلك أرشيف مفصّل عن السجالات والأشعار والمعارك الحقيقية والمتخيلة التي كدستها الفترة المظلمة لتبيعها في زمن الثورات وتحقق ماعجز أو عفّ عن فعله "اعداء الأمة". من تحطيم لأوابد تاريخية ومزارات صوفية علمت أتباعها التسامح وقبول الآخر المختلف, إلى تحطيم تماثيل لشخصيات وضعت بصمتها الخاصة في سجل التاريخ الانساني سواءا كانت في أفغانستان أو مسلمية حلب أومعرة النعمان, أو بالمذابح وتقطيع الرؤوس وحرق المخالفين وشاربي الخمر بل وحتى الحلاقين كما جرى في أحد فصول المهزلة الدامية في العراق أيام المد القاعدي والصدري على حد سواء. ثم تحول تقديس"السلف الصالح" إلى نوع من عبادة الأسلاف. قد لايصدق منْ يقرأ بطولاته إنه أمام دين تقول أحدى آياته المقدسة وبكلمات عربية فصحى لا غبار على معانيها ولا تعقيد في تفسيرها: (إن الله غنيٌّ عن العالمين). و(إن اكرمكم عند الله اتقاكم) و(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وتقول في مقام آخر لايختلف في معناه عن مقصد هذه الآية..(قل كلاً نمدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محضورا) السؤال المطروح هنا هو لماذا يتمسك الاسلام السياسي (الطائفي بالضرورة) بالأسلاف إلى حد العبادة؟. أقول طائفي بالضرورة لأن الاحزاب والحركات السلفية والاخوانية لا يمكن أن تكون إلا سنية كما لا يمكن لنظريتها من جناح الأمة الاسلامية الثاني من حزب الله والتياري الصدري ومختلف التنظيمات المشابهة ألا أن تكون شيعية. فلدى كل فريق أبطاله المقدسين حد العبادة, فمن يجرأ على تسمية الأشياء بمسمياتها ويقول أن التابعين والصالحين والأئمة هم من البشر الخطائين وليسوا أرباباً. وبالتالي هم غير منزهين عن ارتكاب الأخطاء بل وحتى المشين من الأفعال. ولكي نقف على أسباب هذه الظاهرة نعود إلى ماضي العرب قبل الاسلام لكي نتعرف على جذور هذه النزعة وأسباب البحث عن البطل الفرد المنقذ أو المهدي المخلّص الذي يملأ الأرض عدلاً بعد ما مُلئتْ جوراً.  يقول سيد محمود القمني في بحث له: " (أما أشد العبادات انتشارا واقربها الى الظرف المكاني والمجتمعي، فهي عبادة الاسلاف الراحلين ، ويبدو لنا أن تلك العبادة كانت غاية التطور في العبادة في العصر قبل الجاهلي الاخير، حيث كان ظرف القبيلة لا يسمح بأي تفكك نظرا لانتقالها الدائم وحركتها الواسعة وراء الكلأ، وهو التنقل الذي كان يلزمه لزوجة جامعة لأفرادها، ثم تمثله في سلف القبيلة وسيدها الراحل الغابر، فأصبح هو الرب المعبود وهو الكافل لها الحماية والتماسك بوصفها وحدة عسكرية مقاتلة متحركة دوما، فاستبدلت بمفهوم الوطن مفهوم الحمى، والذي يشرف عليه سيدهم وأبوهم القديم وربهم المعبود، حيث تماهى جميع أفراد القبيلة فيه ، ومن هنا كان الرب هو سيد القبيلة الراحل القديم ، الذي تمثلوه بطلا مقاتلا أو حكيما لا يضارع ، ومن ثم تعددت الأرباب بتعدد القبائل ، ونزعت القبائل مع ذلك نحو التوحيد، وهى المعادلة التي تبدو غير مفهومة للوهلة الأولى ، لكن بساطة الامر تكمن في ان البدوى في قبليته كان لا يعبد في العادة ويبجل سوى ربه الذي هو رمز عزته ورابط قبيلته، ولا يعترف بأرباب القبائل الأخرى، وهو الامر الذي نشهد له نموذجا واضحا في المدون الاسرائيلي المقدس ، حيث عاش بنو اسرائيل ظروف قبلية شبيهة، فيقول سفر الخروج : "من مثلك بين الآلهة يارب "، أي ان القبلي كان يعرف أربابا أخرى لقبائل اخرى، لكن ربه هو الأعظم من بينها. لأن البدوي في قبليته يأنف أن يحكمه أحد من خارج نسبه، لأن نسبه هو ربه، هو سلفه، هو ذاته، هو كرامته وعزته، لذلك كانت عبادة الاسلاف أحد أهم العوامل في تفرق العرب القبلي ، وعدم توحدهم في وحدة مركزية تجمعهم .
ولم يأت الاعتراف بآلهه أخرى لقبائل أخرى الا فيما بعد، بعد دخول المصالح التجارية للمنطقة، واستعمال النقد، وظهور مصالح لافراد في قبيلة ترتبط بمصالح لافراد في قبيلة اخرى، مما ادى لاعتراف متبادل بالأرباب ، وهو الامر الذي بدأ يظهر خاصة في المدن الكبرى بالجزيرة على خط التجارة ، في العصر الجاهلي الأخير، كما حدث في مكة والطائف ويثرب وغيرها).
هذا الأرث تحول مع مرور الزمن وانتشار الدين الاسلامي إلى تقديس للشخصيات التي عاصرت النبي وأهل بيته. لكن المفارقة تكمن في التراث المكتوب الذي حوّل الحق باطلاً والباطل حقاً حسب الموقع من الخلافة فللمتمسحين بثياب الخليفة شخصايتهم المقدسة ولمعارضيهم شخصيات أخرى مقدسة لا يجوز أن يمسّها حتى المطهرون. فمن يجرئ على ذكر ماأورده بن كثير في "البداية والنهاية" عن غزوة بني المصطلق ومافعله خالد بن الوليد  بالأسرى. ومن يجرأ أن يقول إن الصورة التي ينقلها الموروث الشيعي عن معركة كربلاء وماتلى مقتل الحسين من أعاجيب تشبه تماماً ماجرى لكريشنا في اسطورة المهابهارتا التي هي ملحمة الهند الكبرى والتي جرتْ أحداثها قبل ميلاد المسيح. أليست الخشية من تجذر عبادة الأسلاف في مسمى "السلف الصالح" بل حتى أنها تتحول إلى حالة أخطر مما كانت لدى العرب قبل الاسلام فالعرب في تلك الفترة من التاريخ كانوا يقرون بالتعددية في الآلهة ولا يفرضون معبودهم على غيرهم ولم يقطعوا رؤوس من لايؤمن بإلههم بل كانوا يأكلون آلهة صنعوها من التمر فهل تحولت السلفية نحو عبادة الأسلاف؟ سؤال نرى الإجابة عليه في فصول دامية تحدث هنا وهناك في أماكن ترفع شعار الدفاع عن "السلف الصالح".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق