السبت، 1 ديسمبر 2012

أدب الخــلاف‏..‏ فريضــــة غــائبة تحقيق ـ خالد أحمد المطعني‏:‏





يفهم البعض من الناس خطأ معني الحرية‏,‏ خاصة في التحدث مع الآخرين‏,‏ حتي تراه يرفع صوته تارة‏,‏ وتارة أخري تراه يتجاهل قواعد وآداب الحوار المتعارف عليها‏,‏ والتي تهدف الي الوصول لنتيجة وحل يرضي جميع الاطراف‏.‏
وفي ظل الخلافات السياسية الدائرة حاليا, ومع تعدد أشكال الحوار ونوعية المتحاورين والأهداف والوسائل تتباين النتائج, إلا ان القاسم المشترك واحد, يتجلي في حالة الانفلات التي يعيشها الشارع الآن وما يصاحبها من تردي سلوك بعض الأفراد الذي لا ينتهي عند حد المشاجرات في الشارع وعلي شاشات الفضائيات والمجالس الخاصة في محيط العمل والأسرة, والتي تصل في بعض الأحيان إلي الاشتباك بالأيدي بل تعدي إلي أكثر من ذلك وهو قتل النفس, وفي كل الأحوال ينتهي الحوار إلي معركة الخسارة فيها اكبر من المكاسب, والتي يري علماء الدين أن غياب فقه الاستماع والحوار وقواعد المجادلة التي نزلت باسمها سورة في القرآن الكريم هي خارطة طريق إلي حوار هادئ, حتي لا يكون الصوت العالي هو سيد الموقف.
حقوق الآخر
يؤكد الدكتور طه ابو كريشة عضو مجمع البحوث الاسلاميةانه يجب علي كل من المتحدث والمستمع الالتزام بحقوق الآخر وضوابط آداب التحدث والاستماع, وكان النبي, عليه الصلاة والسلام, مثلا اعلي في ذلك, فكان اذا تحدث اليه احد يظل مستمعا له الي ان ينتهي من حديثه وكان يقبل عليه بكل جوارحه وينظر اليه النظرة التي تجعله يدرك انه منصت اليه جيدا وغير مشغول عنه بأي امر آخر,واذا اردنا مثال ذلك نجده في اول سورة المجادلة قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الي الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير وكذلك في شاهد آخر وهو الشاب الذي جاء يستأذن النبي صلي الله عليه وسلم ـ في ان يرخص له في الزنا فلم ينهره وانما انصت اليه واخذ يحاوره: اترضاه لأمك قال لا فقال اترضاه لاختك؟ قال لا فقال اترضاه لزوجك؟ قال لا قال اترضاه لابنتك؟ قال لا قال كذلك الناس وانتهت المحاورة الي ان خرج الشاب من عند رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وليس هناك شيء في قلبه ابغض اليه من الزنا.
داء العصر
ويشير الدكتور علوي امين خليل استاذ الفقه المقارن بكلية الشريعةوالقانون بجامعة الازهر الي ان ما أكثر ما يدور بين الناس في هذه الأيام من كلام ويملأ مجالسهم من حديث, فإذا ذهبت تحصي ما قالوا وجدت كلا منهم في طريق,وكلا منهم لا يريد سماع الآخر وكلا منهم متعصب لرأي لا يريد إلا رأيه ولا يريد أن يسمع الآخر, والعجيب أن أكثر هذا الكلام لغو ضائع, أو قول ضار وما جعل الله الالسنة في الأفواه وما خلقها لهذا وما بهذا كان الإسلام.
واوضح أن فقه الحوار يقتضي التعددية في الفكر لأن ذلك يعمق الفهم للمسائل, لأن المسالة حينئذ تري من زوايا ووجوه متعددة في حين أن الجمود علي فكرة واحدة او وجه واحد يقتل بقية الآراء والأفكار.
واشار إلي انه إذا كان هذا هو الداء الذي يتفشي في زمانناالذي يترتب عليه من يخون الآخر بل ويسبه أو يكفره إذا اقتضي الأمر ذلك لتأكيد قوله.
ولقد عني الإسلام عناية كبيرة بموضوع الكلام وأسلوب أدائه, لأن الكلام الصادر عن إنسان ما يشير إلي حقيقة عقله وطبيعة خلقه, ولأن طرائق الحديث في جماعة ما تحكم علي مستواها العام ومدي تغلل الفضيلة في بيئتها, ولذلك ينبغي ان يسأل الإنسان نفسه قبل أن يحدث الآخرين, هل هناك ما يستدعي الكلام ؟ فان وجد داعيا إليه تكلم, وإلا فالصمت أولي به, بل ان الإعراض عن الكلام حيث لا ضرورة له عبادة جزيلة الاجر.
واكد أن الذي يحدث من عدم سماع الآخر أو الإنصات إليه نوع من الثرثرة, التي يذهب معها الرشد وأكثر الذين يقصدون المجالس وينحدر منهم الكلام متتابعا, يجزم مستمعهم بأنهم لا يستمدون حديثهم من وعي يقظ او فكر عميق, موضحاأن البعد عن اللغو الآن في مجتمعنا أصبح فريضة والاستماع إلي الآخر أصبح واجبا لو أردنا ان يكون لنا شأن بين الأمم.
السفسطة مرفوضة
ويوضح الشيخ محمود عاشور وكيل الازهر الاسبق ان الاسلام علمنا ان الاختلاف في الرأي لايفسد للود قضية,كماعلمنا اننا نختلف ونحن اخوة احبة ونجعل المصلحة العامة في المقدمة وليس السفسطة والجدال العقيم, وقد كلف المولي عز وجل ـ رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بالتزام الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة, كما أخبر بذلك القرآن الكريم.
واشار الي ان من آداب الحوار الكلام بالحجة والعقل والاقناع والموعظة الحسنة المؤثرة في النفوس والضمائر والوجدانات فتحيل الخصم الي صديق حتي نسموونرتفع ونصل الي اقناع واقتناع وتظل العلاقات دائما قوية والحب يسود ويسيطر, مؤكدا ان الجعجعة و الصوت العالي لا تصل بنا الي نتيجة او قرار.
وقال اننا نريد حوارا هادئا عاقلا نستطيع من خلاله ان نحقق آمال امتنا فينا ونبني مجتمعاتنا علي الشوري والحوار الهادئ الذي يبني ويرفع حياة طيبة سليمة قوامها الرأي والرأي الآخر والشوري والاقتناع.
وحول كيفية عودة فقه الاستماع الي حواراتنا, طالب الشيخ محمود عاشور بأنه يجب علي الإعلام ومصادر التوجيه جميعا والجامعات والمدارس أن تتبني تدريب وتعليم آداب الحوارحتي يتعلم الناشئة ثم الشباب ثم جماهيرالناس تلك الآداب,وحبذا لو وظفنا المساجد في سبيل ذلك حتي نوجه الناس ولانسمع عن معركة هنا ومجزرة هناك ومذبحة بعيدة اساسها وسببها التلاسن والبعد عن آداب الحواروتنشأ بيننا الخلافات والخصومات التي تضيع وقت حكمائنا وعلمائنا في عدم تحقيق الاصلاح ورأب الصدع والتواصل.
دور الأسرة
ويوضح الدكتور الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف الأسبق, عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر, أن منهجية تطبيق فقه الاستماع وأدب الحوار في العلاقات الاجتماعية تبدأ من محيط الاسرة التي هي عماد المجتمع فإذا صلحت صلح المجتمع كله وإذا فسدت فسد المجتمع كله, فيبدأ الرجل بمعاملة زوجته بإعطائها حقوقها وهي واجباته نحو اهل بيته من تحمل المسئولية بكل معانيها من مأكل و ملبس و امن و امان فإذا قام الرجل بتلك الواجبات يكون له أخذ كل حقوقه من زوجته التي هي أيضا لابد ان تؤدي واجباتها نحو زوجها من تحمل المسئولية بكل معانيها وأيضا نحو اولاده فان هي فعلت ذلك تأخذ حقها كاملا من زوجها, وذلك كله من منطلق قول الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, الإمام راع ومسئول عن رعيته, والرجل راع في اهله و مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها, والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته. متفق عليه.
ثم يأتي التعامل مع الابناء بعد ذلك بتطبيق قول الرسول الكريم ـ صلي الله عليه وسلم ـ ليس منا من لم يرحم صغيرنا, بحيث لا يقتصر ذلك علي طريقة التعامل بين أطراف الاسرة بل لا بد ان يسري ذلك المنطق في الاستماع لوجهة نظر كل فرد من الاسرة مع الأخذ بها إذا كانت صائبة و احترامها إذا كانت غير موفقة مع امكانية بيان الخطأ فيها دون تجريح أو توبيخ و إعطاء التوجيه و النصيحة بنوع من اللطف و المرونة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق