الأحد، 9 ديسمبر 2012

حجم الفساد في الجزائر لا يصدم عاقلازكرياء حبيبي

  قد لا يمثل صدور تقرير منظمة شفافية دولية غير الحكومية حول الرشوة في العالم، الذي وضع الجزائر في المرتبة 105 من مجموع 175 دولة، من حيث مؤشر الفساد واستشراء الرشوة، صدمة لبارونات الفساد في الجزائر، بل أقول إن المرتبة هذه بعيدة نوعا ما عن حقيقة وضع الفساد في الجزائر، وأقول إن بارونات الفساد لن يُصابوا بالصدمة، لأن التقرير لم يأت بأي جديد عنهم، فهؤلاء، وبعد نهب المال العام، وتحويل البلد إلى ملكية إقطاعية لهم، انتقلوا وفي وضح النهار، إلى عملية الإستيلاء على إرادة الشعب وحريته في التعبير، وإبداء الرأي، فكان أن شنوا هجوما كاسحا على المجالس الشعبية المنتخبة، وعلى رأسها البرلمان، إلى درجة أن أحد بارونات المخدرات ضمن مقعده تحت قبة البرلمان، إلى جانب 14 عاملة نظافة في الإنتخابات التشريعية الماضية.
ولبسط هيمنتها على كامل مرافق الدولة ودواليب السلطة، انطلقت جماعات المافيا المالية والسياسية في تمييع الساحة الإعلامية، بهدف الهيمنة عليها، وتوجيهها لخدمة أهدافها المافيوية، فرأينا كيف أن العديد من بارونات المال الوسخ، تنافسوا في إصدار الصحف، وهم اليوم يستعدون لإطلاق قنوات تلفزيونية وإذاعية، لكتم صوت الشعب الجزائري، حتى لا يُزعجهم في عمليات النهب المُنظم للمال العام، فهل هناك صحيفة جزائرية واحدة تطرّقت لفضائح عبد المومن خليفة رئيس مجمع خليفة، عندما كان يصول ويجول ويتحكم في خيوط إدارة وتوجيه مؤسسات الدولة الجزائرية، بعدما تمكن من إنشاء شركة طيران الخليفة وبنك الخليفة وغيرهما، لتسهيل عمليات نهب الأموال وتبييضها، ليس فقط في الجزائر، وإنما حتى في بعض البلدان الإفريقية والآسيوية والأوروبية
 فالصحافة الجزائرية، كانت متواطئة معه، وتقتات من الفتات الذي يرمي به لرؤسائها، ولم تشنّ الحملة عليه إلا بعد أن تأكدت من سقوطه، وبرأيي أن إسقاط عبد المومن خليفة، كان أمرا ضروريا ومُلحّا، لأنه لم يعرف كيف يتستر على فضائحه وفضائح مُشغّليه، وأصبح يُمثل مصدر إزعاج قد يُؤلّب الرأي العام الجزائري على البِطانة التي تحميه، شأنه شأن وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل، الذي كاد أن يرهن مستقبل الجزائر والأجيال القادمة، بقانون المحروقات الذي أعده، والذي يضمن هيمنة كبيرة على ثروات الجزائر من الطاقة، من قبل الشركات المتعددة الجنسيات وعلى رأسها الشركات الأمريكية، لولا تدخل جهات مخلصة في السلطة، قطعت الطريق في وجهه، وأوقفت مسلسل المُؤامرة على الجزائر،.
لكن ورغم محاولات المُخلصين في الجزائر لوقف نزيف المال العام، إلا أن مافيا المال والسياسة، أوجدت الوسائل البديلة، واتجهت هذه المرة لممارسة النهب والسرقة، تحت غطاء القانون، عبر حصولها على قروض بدون ضمانات كافية، وتضخيم فاتورات الإستيراد، حتى تضاعفت فاتورة استيراد الدواء خلال عشر سنوات أكثر من خمس مرّات، ووصلت إلى حوالي ملياري دولار سنويا، في وقت تشكو فيه كلّ المستشفيات والمؤسسات الصحية من ندرة الأدوية، وحتى اللقاحات الضرورية للرضع والأطفال، وأدوية معالجة السرطان وغيره، فأين ذهبت كلّ هذه الأموال إذا كنّا كجزائريين، نصرف الساعات والأيام بحثا عن لقاح أو دواء، بما في ذلك الأدوية المُصنعة عندنا، والتي باتت تُهرّب لدول الجوار، ويُضطر المواطنون إلى شرائها من عند الجيران !
برأيي أن تعداد فضائح الفساد سيطول ولن نتمكن من إيفائه حقّه،  لكن وبما أن أكثر من 90 بالمائة من مداخيل الجزائر، يُوفرها قطاع المحروقات، يكفي أن أتساءل وببراءة، هل يعرف أي مواطن جزائري حصيلة نشاطات ومبادلات ومشتريات شركة سوناطراك؟ وهل ناقش في يوم ما نُوابنا في البرلمان ميزانية هذه الشركة التي تُشكّل "دولة داخل الدولة"؟ برأيي، أن الحديث عن الفساد سيظل مجرّد حديث لا غير، ولن يغير سوى في ترتيب الجزائر في قائمة الدول الأكثر فسادا، بالنزول والصعود لدرجة أو أكثر بقليل.محاربة الفساد برأيي يجب أن تنطلق من إعادة إصلاح صرح الدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها العدالة والصحافة، بتمكينهما من الإستقلالية التي تضمن لهما أداء دورهما بعيدا عن الضغوط والإبتزاز والسمسرة، بالشكل الذي يحولهما إلى سيف لقطع رؤوس الفساد وفضحها أمام الرأي العام الوطني والدولي، كما أن محاربة الفساد تتطلب إبعاد المفسدين الذين ارتدوا عباءة مُمثّلي الشعب في المجالس المُنتخبة، سواء في البرلمان أو البلديات، فعندما يجتمع ثالوث العدالة المستقلة والنزيهة، والصحافة النظيفة والجريئة، ومنتخبو الشعب الحقيقيين، لن يجد المُفسدون من حلّ سوى الفرار، أو التواجد وراء قضبان السجن، وهذا برأيي ما سيضمن للجزائر، السير في الطريق الصحيح الذي لن يتمكن فيه أي رئيس للمجلس الشعبي الوطني، أن يتحصل على قرض بقيمة ثلاثة آلاف مليار سنتيم، أو أي مقاول أو رجل أعمال مُقرّب من جهة نافذة بالسلطة من تحويل البنوك العمومية إلى خزانة خاصة له

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق