السبت، 13 أكتوبر 2012

خيبة امل سعودية من المجلس الوطني.. ولم ينفع السخاء في تغيير الوضع فالداعمون كثر والفصائل اكثر

عالقون سوريون على الحدود ينتظرون مكانا في المخيمات التركية بعد تخلي انقرة عن سياسة الباب المفتوح
اربعة الاف من الهاربين من جحيم الحرب وقصف النظام المتواصل على احيائهم وقراهم في شمال سورية، عالقون بين الحدود في مخيم يفتقر الى ادنى الاحتياجات الاساسية، فالمقيمون في مخيم باب السلام لا يمكنهم العودة الى بيوتهم ولا يستطيعون العبور الى تركيا كي ينضموا لمئات الالوف من اخوانهم هناك لان الحكومة التركية وبشكل هادئ اخذت تضع قيودا على تدفق اللاجئين الى اراضيها.
فقد تخلت تركيا عن سياسة 'الباب المفتوح' التي تسمح لاي سوري هارب من الحرب ومن قمع نظام بشار الاسد بالدخول الى اراضيها، وتقوم سياستها الآن على السماح لاكبر عدد من اللاجئين يمكن للمخيمات التي اقامتها في منطقة هاتاي استيعابهم.
وقامت في الفترة الاخيرة ومن اجل تخفيف الاحتقان الطائفي بالطلب من اللاجئين المقيمين في انطاكية اما السفر الى مدن اخرى ممن يقيمون في البلاد بطريقة شرعية ومن لا يحمل منهم اقامات الذهاب الى المخيمات المخصصة للسوريين. وعليه فمن يريد اللجوء من سورية عليه الانتظار عند المعابر الحدودية حتى تتوفر اماكن في المخيمات، مما يعني انتظارا طويلا على المعابر الفاصلة بين البلدين.
وعليه فمن وجد نفسه في باب السلام يقف بين نظام جائر وبلد متعاطف، لكنه يحاول التعامل مع الازمة في ظل التوتر الحدودي وحرب الطائرات بين دمشق وانقرة. وما يخشاه اللاجئون في المخيم ومعظمهم من الاطفال والنساء والرجال الكبار في العمر هو حلول الشتاء القارس في هذه المناطق، حيث لا تتوفر لهم الاحتياجات الضرورية من وقود او خيام قوية تناسب الاوضاع الجوية، او الادوية والمواد الغذائية الضرورية للاطفال. وفي الاسبوع الماضي غمرت مياه الخريف الخيام وادت الى امراض بين الاطفال. وينام الجميع على بلاط بارد ويتغطون بأغطية خفيفة.

الله وحده يعلم

وفي تقرير لصحيفة 'ديلي تلغراف' نقل مراسلها عن محمد حافظ الذي قال انه ينتظر وابناءه الخمسة عند هذه النقطة منذ شهر واسبوع ولا يعلم احد الا الله الى متى سيظلون في هذا المكان. ومع ان عناصر الجيش الحر يسيطرون على المعبر وبلدة اعزاز القريبة منه التي يسيطرون عليها منذ شهر تموز (يوليو) الا انهم تحت رحمة القصف الجوي، حيث وقعت قذيفة قريبا من المخيم. ويعرف اهل المخيم ومعظمهم هاربون من الحرب في حلب ان حياتهم تظل عرضة للخطر، حيث يقول حافظ انهم لو القوا قنبلة على المخيم لقتلوا مئة من سكانه على الفور. وتظل اعين اهل المخيم موجهة نحو السماء تحسبا لطائرة عسكرية تحلق فوقهم، ومن اجل البحث عن حماية حالة قصفت هذه الطائرات المكان.
وفي الوقت الحالي تتميز حياة السكان بالتقشف حيث لا يتوفر الطعام الا الضروري منه، كما ان منعهم من دخول تركيا لا يعني عدم نقل الحالات الخطيرة من المرضى عبر الحدود الى المستشفيات هناك. ومشكلة المخيم انه واقع داخل الاراضي السورية التي تتعامل معها المنظمات الدولية كمنطقة غير آمنة ومن غير الممكن ارسال طواقمها لهذه المناطق، وعليه فالمخيم لا يتلقى عونا دوليا.
ويقول سكان المخيم انه ان لم تسمح لهم السلطات التركية بالعبور الى اراضيها فالاوضاع ستزداد سوءا مع اقتراب الشتاء. وتعاني تركيا التي استقبلت حتى الآن 93 الف لاجئ من مشكلة لها علاقة بقدرتها على استيعاب القادمين الجدد، حيث فشلت محاولاتها لتوسيع الاحد عشر مخيما مواكبة تدفق اللاجئين.
وتتوقع الامم المتحدة ان يتجاوز عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار الـ710 الف لاجئ معظمهم في تركيا والاردن، مما يعني ان سكان مخيم باب السلام سينتظرون طويلا حتى يسمح لهم بمغادرته. وتقول عيوش النجار التي وصلت المخيم مع اولادها العشرة قبل اسبوعين ان لا احد يعلم ماذا سيحدث للاطفال وربما تعرضوا للموت بسبب برد الشتاء. ومصدر خوف اللاجئين هو ان النظام ليس بعيدا بطائراته عن المدن والبلدات القديمة فلا يزال يقوم بطلعاته الجوية مستخدما مطارا عسكريا بناه البريطانيون اثناء وجودهم القصير في سورية عام 1941. وقريبا من المخيم تقع بلدة اعزاز المدمرة بشكل كبير والتي لا تزال تحت رحمة القصف الجوي اليومي. وما يخشاه اللاجئون اكثر هو ان يعلقوا في حرب طويلة بين الجيش الحر والجيش السوري.
الطائرة وما عليها

وبالاضافة لمشكلة اللاجئين دخلت الحكومة التركية في مواجهة مع روسيا على خلفية اجبار الطائرة السورية التي كانت تطير فوق البحر الاسود وفي الاجواء التركية في طريقها لدمشق على الهبوط، حيث قال رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان ان الطائرة كانت تحمل شحنات من الاجهزة العسكرية. ولا تزال طبيعة الصناديق التي صودرت من الطائرة ومحتوياتها محلا للجدل، فبعض الدبلوماسيين والتقارير الصحافية المقربة من الحكومة التركية قالت انها 'اسلحة'، فيما قالت اخرى انها اجهزة اتصالات لاغراض عسكرية.
وفي قراءة للحادث تقول صحيفة 'واشنطن بوست' ان اعتراض الطائرة جاء بعد اسبوع من التوتر وتعكس حالة الاحباط التي تعيشها الحكومة التركية من الازمة التي تتكشف على حدودها، حيث مضى عليها اكثر من 19 شهرا ولم تحسم بعد، اضافة للاعداد الكبيرة من اللاجئين التي تتحمل وحدها مسؤولية العناية بهم. ويتعرض اردوغان لانتقادات شديدة بسبب سياسة استعداء الجيران، كما تتهمه المعارضة، ولموقفه المتشدد من النظام وسماحه للمعارضة كي تعقد اجتماعاتها في بلاده. وترى المعارضة ان سياسة اردوغان لم تقم على استراتيجية واضحة تظهر المنافع التي ستجنيها تركيا من انهيار نظام الاسد ورحيله، فقد كتب معلق في صحيفة 'زمان' الواسعة الانتشار ان سياسة تركيا تجاه سورية تتحول الى مهزلة كاملة، خاصة ان التوقعات التركية بحل سريع للازمة لم تحدث، مما وضع اردوغان وحكومته في ورطة، فالجيش الحر الذي سمحت له تركيا بالعمل من داخل اراضيها ونقل الاسلحة للداخل لم يؤد حتى الان الا لتقدم بطيء يحققه المقاتلون ضد النظام. وتواجه تركيا وضعا حرجا من ناحية تردد حلفائها الغربيين من التدخل في سورية.

الحريق يمتد

فيما صمد النظام السوري نتيجة للدعم الذي يلقاه من ايران وروسيا والصين وحزب الله اللبناني والعراق بشكل اقل. ويرى الجميع ان حادثة الطائرة تظهر الى ان الحريق السوري بدأ ينتشر خارج الحدود واصاب العلاقات الروسية ـ التركية.
ولكن الحادث كما يرى معلقون اتراك هو محاولة من الحكومة التركية استعراض عضلاتها وشجب الموقف الروسي الداعم لسورية، حيث نقلت صحيفة 'زمان' عن محلل قوله 'هذه رسالة لسورية وللطرف الثالث - روسيا وايران'.
ولكن روسيا لا تنكر دعمها العسكري للنظام، حيث تقول ان ما ترسله هو دفعات من صفقات وقعت بين البلدين قبل الازمة وانها لا تخرق القوانين الدولية. ويقول المعلقون الروس الذين نقلت عنهم 'الغارديان' ان القيادة الروسية لا يمكن ان تقوم بنقل سري للاسلحة لان هذا يسيء لسمعة روسيا ولفلاديمير بوتين الرئيس الروسي.
ونقلت روسيا على الاقل ثلاث شحنات من الاسلحة الثقيلة بالبحر لقاعدتها العسكرية في طرطوس، فيما نقلت شحنات اخرى بالجو. وتشير الى ان اجتماعا دوريا لمبعوثي روسيا حول العالم، عقد في موسكو الشهر الماضي، حيث قال سفير حضر الاجتماع ان وجود المبعوث الروسي من الفترة السوفييتية يفجيني بريماكوف يعني ان لا تغير قريب في الموقف الروسي من سورية او توقف نقل الاسلحة اليها. كما قامت روسيا بعملية اصلاح للمروحيات السورية لكنها لم تكن قادرة على تسليمها لسورية بعد تدخل من دول اوروبية. ويلقى النظام دعما من ايران، حيث يعتقد انها ارسلت طائرات محملة بالاسلحة عبر الاجواء العراقية، فيما تقوم الاخيرة بتأمين النفط لدمشق.

الداعمون كثر

وفي الطرف الاخر يتلقى المقاتلون دعما من مصادر مختلفة، حيث تعتبر السعودية من المصادر الرئيسية التي دعمت العناصر المعتدلة في الانتفاضة لكنها امتنعت عن دعم المعارضة بالاسلحة الثقيلة نظرا للضغوط الامريكية، ولخيبة املها من المجلس الوطني السوري الذي لم يفعل الا القليل على الرغم من السخاء السعودي معه.
ومع ذلك تلقت الجماعات المعتدلة شحنتي اسلحة في شهري ايار (مايو) وحزيران (يونيو) واخرى في الشهر الماضي. وتفضل المخابرات التركية التعامل مع هذه العناصر. ومقابل ضعف التسليح لدى العناصر المعتدلة فالجماعات الاسلامية هي المستفيد الاكبر من السخاء القطري، ولهذا فهي اكثر تنظيما وعتادا، ولكن هذه الجماعات على خلاف مع الفصائل التي تقدم نفسها على انها علمانية او قومية. وتعتبر كتيبة الفاروق التي ظهرت في حمص من احسن الكتائب المسلحة عتادا والاكثر تنظيما.
وفيما تلقى لواء التوحيد دعما من السعودية الا انه توجه الآن لقطر. كما وتدعم جماعة الاخوان المسلمين السورية مجموعات اسلامية في سورية. اما الجهاديون الاجانب فهم باستثناء العراقيين يدخلون بخبرتهم فقط وبدون اسلحة او ذخيرة. وفي العادة ما يضمون الى الفصائل المتشددة التي تقاتل في حلب، خاصة جبهة النصرة.
وهناك المجلس العسكري الذي يضم ضباطا انشقوا عن الجيش النظامي، ومع انهم لم يتلقوا الا القليل من داعمين خارجيين لكنهم كانوا نقطة الاتصال المهمة مع المخابرات الغربية بما فيها جهاز 'سي اي ايه' والمخابرات التركية التي لم تدفع لهم اموالا ولكنها زودتهم باجهزة اتصالات وتجسس.
ويحاول المجلس العسكري انشاء قيادة موحدة بتسلل قيادي ويعمل من داخل الجيش الحر، لكنه لم ينجح حتى الآن بسبب الطبيعة المتشرذمة للفصائل. ونقل المجلس مقر قيادته من تركيا الى داخل الاراضي السورية، ومع انهم لا يعانون من نقص في التمويل الا انهم غاضبون لقلة التأثير وعدم احترامهم من بقية الفصائل والقرى التي يقومون بزيارتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق