السبت، 13 أكتوبر 2012

عندما استيقظت الخلايا النائمة ضد الاستجابة لمطلب الثورة بعزل النائب العام

لم تؤسس الثورة في مصر إعلامها بعد، ومنذ اليوم الأول لها استخدم الإعلام وسيلة في تشويهها، لكن بعض من شاركوا فيها اكتفوا بمنحهم برنامج في هذه القناة، أو الاحتفاء بهم كضيوف في تلك، فحدث عندهم حالة من الإشباع والامتلاء، لم تجعلهم يفكرون في ضرورة أن يكون للثورة إعلامها الخاص والمتنوع بحسب التنوع الفكري للثوار، فقد كانت كل القوي الحية في 'ميدان التحرير' لا يضلها من ضل.
الإخوان، وهم الفصيل القادر مالياً، لا يؤمن بأهمية الإعلام، وعندما استخدم التلفزيون الرسمي أداة لتشويهم انحيازاً للعسكر كان قرارهم ان يكون وزير الإعلام منهم، بدلاَ من يكون هذا المنصب من نصيب شخص بعينه من القوى الوطنية التي تحالفت مع القوم في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية، فأجلسوا رجلهم على برميل من البارود يوشك أن ينفجر فيه، ولم أكن بالمناسبة ممن تحالفوا معهم.
'السمع والطاعة' قد يصنع تنظيماً حديدياً، لكن لا يمكنه أن يؤسس لإعلام ناجح، ولهذا فشل إعلام الجماعة المطلوب منه ان يلتزم بقوالب سابقة التصنيع، والذي يتعرض لشح مطاع في الإنفاق، والإعلام كما تعلمون، ولا يعلم الإخوان، صناعة ثقيلة. وفي مواجهة هذا الفشل فقد وجد وجهاء الجماعة ضالتهم في محطات الغير التي تجري خلفهم، على قاعدة: غسيل المواقف، بحثاً عن المصداقية وحتى تمحو أثار ما نشر عنها من أنها محطات الفلول.
فكثير من الفضائيات الخاصة التي تأسست بعد الثورة هي مملوكة للفلول، والأموال التي تنفق عليها مجهولة المصدر، وأحد الذين هبطوا على الحياة الإعلامية بدون سابق إنذار او معرفة اشتري بعض القنوات التي بها 'نفس وطني'.. مجرد ' نفس' وأغلقها، وهي طريقة في الاستثمار غير مسبوقة.
والعسكر الذين حكموا البلاد بعد الثورة ومثلوا الامتداد الطبيعي لحكم المخلوع وأهل بيته، منحوا هؤلاء التراخيص القانونية، أوقفوا الترخيص لقنوات جديدة، على نحو مثير للريبة، وحتى يقطع الطريق على الثورة من ان تكون لها فضائياتها، ولا يغرنك فضائيات انطلق إرسالها وهي تحمل أسماء ثورية، فهذا لإدخال الغش والتدليس على المشاهد، لأنها مملوكة للفلول، وفضائية بعينها صنعها فريق من المعارضين (جناح صفوت الشريف) ثم منحوها لفل وحصلوا على عمولات السمسرة، ويبدو أنهم امتهنوا هذه المهنة، واقصد بها مهنة السمسار.
لا أحدثكم بطبيعة الحال عن فضائيات ما قبل الثورة، فمن المعلوم منها بالضرورة ان تراخيصها ممنوحة لرجال النظام، ونظام مبارك كان مكتملاً، فله معارضته، لسد الفراغ وزينة، وفي الوقت الذي تحول وزير الداخلية إلى ثور هائج لمجرد ان صاحب جريدة قرر الاتفاق معي على ان أتولي رئاسة تحريرها، كان هناك معارضون يحصلون على رخص بصحف من بابها قبل ان ينتهوا من احتساء قهوتهم في مكتب الرائد متقاعد صفوت الشريف.
هذه الفضائيات تعمل في الأوقات العادية لإثبات موضوعيتها، ويخفون في أنفسهم ما الله مبديه، فبمجرد أن تلوح في الأفق معركة كبرى بين الثورة وخصومها، حتى ينفروا خفافاً وينفروا جميعاً، ويغدوا خماصاً وبطاناً، انحيازاً للنظام القديم، انظر إلى أداءهم عندما لاحت لهم بشائر النصر ممثلة في تصورهم بقرب عودة دولتهم على أيدي المرشح الرئاسي الفريق احمد شفيق، الذي قال ان مبارك قدوته وانه سيعيد جهاز مباحث امن الدولة إلى سالف عصره؟

ليلة إقالة النائب العام

وقد قضينا أول أمس ليلة ليلاء، سقطت فيها ورقة التوت، التي تستر العورات، ولم تكن هذه هي المرة الأولى، وكانت المناسبة بمناسبة تعيين النائب العام سفيراً لمصر في الفاتيكان.
النائب العام هو احد مخلفات عهد حسني مبارك، فلم يصل إلى منصبه بالأقدمية أو بالانتخاب، وإنما جاء بقرار من مبارك، وفي مرحلة كان يستخدم فيها القضاء أداة في الانتقام من الخصوم السياسيين، وهو مسؤول عن التستر على كثير من جرائم نهب المال العام التي ارتكبها المقربون من النظام الساقط، ولهذا رفعت صورته بجانب صورة مبارك، في أيام الثورة، وظلت ترفع في كل تجليات الثورة وموجاتها المتتالية، وكان مطلب الثوار هو عزله، لكن المشكلة أن القانون يحميه من العزل، وكان يحتاج إلى قرار يستند إلى الشرعية الثورية، لكن العسكر الذين كلفهم مبارك بالحكم من بعده استفادوا من الشرعية الثورية في أن يخلفوه على غير سند من القانون، وفي مواجهة مطلب عزل النائب العام كان القول ان الشرعية القانونية التي يلتزمون بها تمنع عزل النائب العام.
وطالب الثوار من الدكتور محمد مرسي ان يعزله، وكان واضحاً انه اتفق على سيناريو بمقتضاه لا يخالف القانون، وفي الوقت ذاته يستجيب لمطلب الثوار، ويتمثل في تعيين النائب العام سفيراً بالفاتيكان، ومن الواضح ان الرجل وافق على مضض، وفي المساء اذا بالخلايا النائمة تتحرك، وتنفخ في النائب العام فيعلن انه مستمر في موقعه وانه لم يستقيل، ويرفض مجلس القضاء الاعلى القرار، على أنغام حملة التسخين الإعلامي، التي يقوم بها إعلام الفلول.
مجلس القضاء الاعلى لم ينتفض عندما بانت العورات، في قضية تسفير المتهمين الأمريكيين فيما عرف بقضية التمويل الأجنبي، عندما رست الطائرة الأمريكية في مطار القاهرة الدولي قبل صدور حكم إلغاء قرار منعهم من السفر الذي اتخذته المحكمة، وبتدخل سافر من المجلس العسكري الحاكم في الأمر، ليكون إلغاؤه فضيحة للقضاء المصري يتغنى بها الركبان، فقد عزلوا القاضي المتشدد وجاءوا بقاضي 'ملاكي' ليصدر الحكم، الذي أعلنته هيلاري كلينتون قبل ان يصدر.
لكن مجلس القضاء انتفض هنا، وفي أجواء تسخين إعلام الفلول بعد ان استيقظت الخلايا النائمة وتنادت انها فرصة للانقضاض على الرئيس المنتخب، وقال المجلس ان انتفاضته مردها انه ينتصر لاستقلال القضاء المصري فأضحكنا، وهو مجلس لم يجتمع عندما تم سحل احد القضاة على ايدي زبانية حبيب العادلي، ولم يغضب عندما قام ضابط بمباحث امن الدولة بإشهار سلاحه في وجه أحد رؤساء النيابة.
وهذا ليس موضوعنا، فقد خرجت 'البنت وأمها' كناية عن الاحتشاد، في فضائيات الفلول في وجه الرئيس والمعلن أنها تدافع عن دولة القانون، والمؤسف ان ممن ينتمون للقوى الوطنية ومن كانوا ينددون بمرسي لأنه يبقي على النائب العام، قد خرجوا في المعركة ضد الرئيس، لنقف على حلف بين الفلول وهؤلاء، وهو نفس ما فعلوه عندما فاجأنا الرئيس بقراره التاريخي بإنهاء حكم العسكر بعد 60 عاما من الحكم العضوض.. مع ان إسقاط حكم العسكر كان مطلباً من مطالب الثورة، ومن قبل الثورة خرجت في مظاهرات تهتف: يسقط.. يسقط حكم العسكر، وفي جري في عهدي عبد الناصر والسادات عزل النائب العام، ولم يحتج مجلس القضاء الاعلى.
في مصر الآن المواقف السياسية تتخذ وفق قواعد الكيد السياسي، ليجري اول تحالف من نوعه بين الخلايا النائمة لإعلام الفلول وبين من كانوا معنا في الثورة.
ان الثورة بحاجة إلى تأسيس إعلامها.

عماد أديب.. مدرس الفصل الواحد!

من أراد أن يحصل على دورة في 'التحليل الاستراتيجي'، ليصبح محللاً، يستحق ان تمنحه الفضائيات لقب 'المحلل'، فليشاهد عماد أديب على فضائية 'سي بي سي'.
رزق الله عماد أديب بسطة في الجسم، تبدد الهيبة الافتراضية لعمرو حمزاوي ومعتز بالله عبد الفتاح، وقديماً نصح الناصح ابنه بألا يقف بجانب طويل قامة ان كان هو قصيراً ولا بجانب سمين ان كان هو نحيفاً، وذلك في زمن كانت فيه السمنة دليل العظمة والكبرياء، ولهذا قيل ان الله يبغض الحبر السمين.
ضيفا عماد أديب فتحت لهم الدنيا ذراعيها فركضا فيها ركض الوحوش في البرية، فهما يخرجان من الأستوديو ضيوفاً ويدخلانه مقدمي برامج، وعلى ذات القناة، وهذا ليس هو الموضوع.
موضوعنا ان عماد أديب يبدو، وهو في الهيئة هذه، في الوضع مدرساً في درس خصوصي، أو كمعلم في مدرسة الفصل الواحد عندما لا يكون مطلوباً من المدرس ان يقف في مواجهة السبورة، فيجلس بين التلاميذ لقلة عددهم، ويبالغ معتز عبد الفتاح في إثبات جدارته كتلميذ شاطر يحفظ المنهج عن ظهر قلب، فبمجرد أن يطرح عليه 'الأستاذ' سؤالاً، فانه يسعى لأن يسكب أمامه ما حفظه في وقت قياسي، وبعد أن يفرغ كل ما في جعبته، ينظر في عين معلمه لعله يظفر بنظرة استحسان.. أحسنت يا مولانا!.
عمرو حمزاوي فقد نصف لياقته في هذا البرنامج، الذي يبدو فيه عماد أديب ساحراً يدير دفة الحوار في الطريق الذي يريد، ودون ان يفرض شيئا على ضيفيه وإنما هو يجعلهم في حرص لأن يقولا ما يريد، وعلى قاعدة: قالا ولم أقل، وفي البداية كان صاحبنا يطرح على أي منهما سؤاله ثم يقاطعه إذا انحرف، ويتكلم هو أكثر من ضيفه، لكنه الآن يصمت كثيراً، ويبدو انه في حكم الأب الذي ربي أبناءه ثم ترك لهم الحبل على الغارب.
كثيرون يسألون عن معني لقب 'محلل' الذي تمنحه الفضائيات للبعض، واستغلت كلية السياسة والاقتصاد هذا اللهفة للحصول على اللقب باعتبار 'التحليل مهنة تضمن لممتهنها النجومية، فجعلت منها سبوبة، وعقدت دورات بأجر تمكن من يدخلها من ان يحصل على اللقب، وثيق الصلة بلقب ' مطلقة'.
هذا البرنامج يصنع من متابعه محللاً دون ان يدفع مليماً، والدرس الأول هو ان تحاول ان توحي بأنك تقول كلاماً مهماً حتي وان لم يكن في الواقع كذلك، وفي أيام الانتخابات الرئاسية كانت المؤشرات تصل عماد بأن محمد مرسي تفوق في لجنة مدرسة السنية مثلا فيحلل معتز الأمر بأن محيط هذه المدرسة ' معروف' عنه انه ينتمي إلى جماعة الإخوان. فتأتي المؤشرات بأن لجنة مدرسة أم الأبطال بالهرم تفوق فيها احمد شفيق، فيأخذ عمرو حمزاوي شهيقاً ويطرحه زفيرا وكأنه كان يتوقع النتيجة، فمحيط هذه المدرسة ' كما هو معروف عنه' ينتمي إلى الفلول، وانه يعلم ذلك بحكم اطلاعه على الإحصاءات الدولية التي أجراها مجلس الأمن.
وقبل أيام استمتعت إلى معتز عبد الفتاح في ' حصة تسميع المنهج'، وسمعته يقول ان وزير الداخلية ' شاطر' ثم يتساءل: لماذا هو ' شاطر'؟.. وانتظرت لعلي أجد على النار هدي، فتحدث كثيراً ولم يقل شيئاً.
ثلاثتكم الشطار وربنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق