أن
أعرابياً مات عن زوجته وكان سيئ الخلق قاسياً عليها، مفرطاً في تجاهله
لمشاعرها، وفي تهاونه بمصالحها، لا يعتني إلا بنفسه، ولا يهمه إلا مصلحته،
حتى إذا احتاج إليها، انتزع منها ما يحتاج إليه بالقسوة والعنف، والتهديد
والوعيد، مات هذا الأعرابي عن زوجته فعلمتْ أختها بوفاته قبل علمها هي بها،
فجاءت تبشّرها والفرح بادٍ على ملامحها وقالت: أبشري يا أختاه، فقد ذهب
عنك الغمّ والهمّ، وزالت عنك الكربة، وكتب لك الله الفرج بعد الشدة. ففرحت
الأعرابية الزوجة، بما سمعت من أختها وقالت: أسرعي إليّ بحديث بشارتك، ولا
تمهليني لعلَّها تخفّف عني بعض ما أجد من نكد الحياة مع زوجي المتسلط
القاسي، قالت لها أختها مبادرةً: إنّ البشارة به تتعلق يا أختاه فاستبشري
بحياة منطلقة من قيده القاسي، وسجنه المظلم، لقد مات زوجك، وأراحك الله
منه. وفوجئت الأخت حاملة البشارة بأن وجه أختها يكتئب، وجبينها ينقبض
دليلاً على الضيق والألم، وليس على الحزن لفقد الزوج، فبادرت أختها بالسؤال
قائلة: عجباً لك يا أختاه، لقد كنت تتمنين دائماً أن يريحك الله من زوجك
بمنيةٍ عاجلة، أو غياب لا رجعة له، ولقد بشّرتك بأحسنهما أثراً، ألا وهو
الموت، فلم تفرحي، ولم تعديني بالبشارة فهل حزنتِ لموته؟ قالت: لا والله ما
حزنت لموته ولكني حزنت لحالي بعده، قالت لها أختها: ماذا تقصدين؟ قالت:
أما تعلمين أن من عادة القبيلة أن زوجة الرجل منها إذا مات تكون لأكبر
إخوته من بعده، وإذا لم يكن له إخوة فلأكبر أبناء عمومته، وأنت تعلمين أن
أكبر أبناء العمومة الذي سأكون له - لا محالة - أشرس خلقاً من زوجي، وإن
بدا للناس هادئاً، وأنه كزوجي الهالك لا يرى إلا ما ترى أعراف القبيلة
وعاداتها السيئة؟ أتدرين ما مثلي ومثل زوجي وابن عمه في هذه الحالة يا
أختاه؟ إنه مثل الحكمة العربية الخالدة التي تقول :
إنْ فرَّ عَيْرٌ فعيرٌ في الرّباط ،
فبماذا أفرح ؟!
إنْ فرَّ عَيْرٌ فعيرٌ في الرّباط ،
فبماذا أفرح ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق