الخميس، 4 أكتوبر 2012

زعموني رجعيًّا متطرفًا!


(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


إلى الآن لا أَدرِي ما ذنبي؟ ولا أَعرِف ما هي خَطِيئتِي؟ ولا أَقدِر أن أحدِّد حَيثيَّات التُّهَم التي تُكَال لي؟
كنت شابًّا عاديًّا كغيري من الشبابِ، أحيا حياةً أراها الآن - إذا وزِنت بميزانِ الآخرةِ - حياةَ لهوٍ وعبثٍ وغفلةٍ، ويرى العلمانيون واللِّيبراليون أنها الحياةُ المثلى، بل ويَنقُصها إرواءُ كثيرٍ من الغرائزِ، وإشباعُ كثيرٍ من الشهوات.

ربما كان الجِدُّ الوحيد في حياتي هو تفوُّقي في دراستي، ووَلَعِي بالقراءة والمعرفة، لكن حياتي - كحياةِ كثيرٍ من الناسِ - كان يَغلِب عليها القلقُ والهمومُ والخوفُ من المستقبلِ.

كنتُ كثيرًا ما أضحكُ، غيرَ أني قليلاً ما أَسعَد؛ أَعْنِي: السعاة الحقيقية، التي هي الاتِّزان النفسي، والتي تكون بها طُمأنِينة القلبِ، وانشراح الصدر، حتى وإن عرضت الهمومُ والمنغِّصات الحياتية، واستحكمت المشكلاتُ المعيشية.

وأراد الله - تعالى - لي أن أَسعَد، أن أخرُجَ من تحت رُكَامٍ عَظيمٍ من القلقِ والاكتئابِ والتعاسة، إلى شمس الطُّمَأنِينة والرضا والسعادة الحقيقية؛ فعرَّفني- سبحانه - عليه، ودلَّني على طريقِه، وأَوقَفنِي ببابِه، وعلَّمني مناجاتَه والضَّرَاعةَ إليه، وأَلهَمني المحافظةَ على قراءة كتابِه، وملازمةَ ذكرِه، والابتعادَ عما نهى عنه وحرَّمه.

ما دخلتُ صومعةً، وما اعتزلتُ في ديرٍ، أنا في الحياةِ وفي مجتمعي كما كنت من قبل، كلُّ ما في الأمرِ أنه قد تبدَّلت اهتماماتي وهواياتي ونشاطاتي؛ فزادتْ عِنايَتِي بمطالعةِ الكتب الشرعية المتخصِّصة أكثرَ مما كانت عليه، كما أنه لم يَعُدْ مصدرَ سعادتي وفرحي - مثلاً - فوزُ فريقي الذي أشجِّعه، ولاريبَ أنه لم يعد يحزنني خسارتُه لمباراةٍ ما، كما هو الشأن في السابق، استغنيتُ أيضًا عن مشاهدةِ المسرحيات والأفلام الكوميدية؛ لأني لم أَعُدْ بحاجةٍ إلى الإفراط في القهقهة لأخفِّف عن نفسي ما يَعتَوِرني من نَوْبَات اكتئابٍ وتشاؤمٍ، ومنغِّصات أخرى معروفة؛ فأنا قد أصبحتُ متفائلاً متزنًا سعيدًا! نعم،عندما كان يَأتِينِي ما يُكَدِّرني كنتُ أَفزَعُ إلى الصلاة، أو الدعاء، أو قراءة القرآن.

إلى الآن أيُّها القارئ هل تَلمَس فيما ذكرتُ لك شيئًا غير منطقي، أو فعلاً مَشِينًا يكدِّر صفْوَ الأمن الاجتماعي، أو خطرًا يهدِّد التقدُّم التقني لبلادي، أو يؤذِن بانتكاسةٍ ورِدَّةٍ حضاريَّة في وطني "مصر"، أو في عالِمنا العربي كله؟

ما دخلتُ تنظيمًا عسكريًّا، ولا انتميتُ إلى جماعةٍ مسلَّحة، ولا إلى خليَّة إرهابية!

لكن من الصدق أن أخبرك أني قد أَعفيتُ لِحيتِي بعد أن كنتُ معتادًا على حلقِها كجمهور الناس؛ لما رأيتُ أن دينِي يَندُبُ إلى ذلك.

أظنُّنِي قد ذكرتُ لك - أيها القارئ - زُبْدَة القصة، ففي أيٍّ مما سبق ترى الجريمة، وترصدُ الذنب؟

أجل، لقد أصبحتُ أنا وأمثالي من الشبابِ أشخاصًا منبوذِين في وسائل الإعلام، أصبحْنا أداةً للتسليةِ والسخريةِ من رسَّامي "الكاريكاتير" في معظمِ الصحف أو فيها جميعًا! أَصبَحنا فاكهةً شهيَّة تَتَناوَلها جميعُ برامجِ "التوك شو"، وتَنهَشُ لحومَها التحليلاتُ الإخبارية المُغرِضَة:
الإرهابيون، الوهَّابيون، المتطرِّفون، المتشدِّدون، الرَّجعِيون، المتزَمِّتون، الإقصائِيُّون... إلخ.

على عاتِقها أخذتِ النخبةُ العلمانية والليبرالية محاربتَنا حربًا لا هَوَادَةَ فيها، ولا ضميرَ، ولا أخلاقَ، ولا شرفَ، ولا حتى إنسانية.

اتهاماتٌ بلا دليلٍ، تَصَيُّدٌ للأخطاءِ الفردية من بعض الذين يشاركونني في الانتماء إلى نفسِ الفكرِ، افتراء للكذبِ المحضِ حين يتعذَّر وجود وقائعَ يمكن تضخيمُها والزيادة عليها.

أفتِّش في نفسي وفيمن أعرِفهم عن وجهِ التُّهمَة بالإرهابِ، مع أني - مثلاً -لا أُحسِن ذبحَ الدَّجَاجَة، وأَعلى سلاح أَقتَنِيه في بيتي هو سكينُ المطبخ!

لكن للحقيقة أحمل معي دائمًا عودَ سواكٍ في جيبي،أفهو مصدر إرهابي لمجتمعي؟
يَأمَن كلُّ أحدٍ من جيراني ومعارفي غَائِلتي وغَدْرِي، مسلمًا كان أو غيرَ مسلمٍ، لم أتعرَّض لأذى أحدٍ أو ظلمِه، مهما كان دينه، أو لونه، أو عرقه.

لا أدري ما هو الأساسُ الذي بَنَت عليه النخبةُ العلمانيةُ - المُسَيطِرة على وسائلِ الإعلام، وتوجيه الرأي العامِّ - كلَّ هذه التُّهَم الخطيرةِ في حقي؟

بل ما هو المقياس الذي وضعته تلك النخبةُ؛ ليكون هو الفاصلَ بين الرجعيةِ والتقدميةِ، بين التنوير والظلامية، بين التخلُّف والتحضُّر، بين التسامح والتعصُّب، بين الاعتدال والتطرف، بين الوطنية والخيانة؟

هل هو جوهرُ الإنسانِ أم مظهره؟
هل هو طريقة تفكيرِه، أم طريقةُ هندامه؟
هل هو سلوكياتُه مع الآخرين، أم المنصِب الذي يَشغَلُه؟ هل هو درجةُ ثقافتِه ومعرفته واطلاعه، أم شهاداته ودرجاته العلمية التي حصل عليها؟

إن كان التحضُّر والتمدُّن عندكم بالشهادات والدرجاتِ العلمية والمنصب، فأنا تخرَّجت في الجامعة، وحَصَلتُ على الماجستير، وأعمل طبيبًا، وأُجِيد التعامُل مع الأجهزة الإلكترونية الحديثة، وأتكلم الإنجليزية بطلاقة، ولي إلمامٌ بالفرنسية!

وإن كانت قضيةُ رجعيَّتِي وتخلُّفي راجعةً إلى هندامي ومظهري، فوالله إني لأَلْبَس - مثلكم - ملابسَ نظيفة، وأستعمِل معجونَ الأسنانِ، وزيتَ الشعر، ونوعًا جيدًا من الطِّيب (البرفان في لغتِكم)، وأَلْبَس "البنطالَ والقميص"،و"البدلة" التي تَلْبَسون.

غير أني - أحيانًا - ما أَلْبَس الجلباب، وأضع طاقيةً على رأسي، فهل هذه رجعية؟ وهل صرتُ بذلك متعصبًا متزمتًا... إلخ؟

إيهٍ! لقد وجدتُها! لعلَّ المشكلةَ الكبرى في تلك الشعيراتِ التي في وجهي، والتي صيَّرتني عندكم رجعيًّا متخلفًا، لكني أراكم تبجِّلون وتوقِّرون القساوسة الذين لحاهم أطولُ بكثيرٍ من لحيتي، بل هم لا يَلْبَسون قميصًا ولا بنطالاً، بل لهم زِيُّهم الأسودُ الخاصُّ بهم؛ ومع ذلك ما سمعتُ أحدًا منكم يَرمِيهم بالرجعية والتخلُّف والتزمُّت، ويتقزَّز من منظرِهم، أو يَزعُم أنه يُذكِّره بعصرِ العصور الوسطى، وما رأيتُ رسَّامي "الكاريكاتير" يهزؤون بهيئتِهم على صفحات الجرائد أو المواقع الإلكترونية.

وعلى كلِّ حالٍ، فإن كانت القضيةُ عندكم قضيةَ مظاهرٍ؛ فأُفٍّ لكم، وأُفٍّ لثقافتِكم وحكمكم! متى صارتِ المظاهِرُ والشكليات الفارِغة هي الحكمَ على تحضُّر الناس وتفتُّحهم؟

إذًا لصار الأغنياءُ في كلِّ مجتمعٍ هم خيرتَه وصفوتَه، وإن كانوا أجهلَ الناسِ، ولصار العلماءُ والمفكِّرون والمُبدِعون رموزًا للتخلُّف والرَّجعِية، متى لم يكونوا من أرباب الأموال.

وإن كان معيارُ التحضُّر والتفتُّح والتمدُّن عندكم هو تنوُّعَ الثقافةِ وسَعَة الاطلاع؛ فمكتبتي ليست مقتَصِرة على الكتب الشرعية فحسب، بل هي زَاخرةٌ بكتب الأدبِ العربي القديم والمعاصر، وكتبِ الأدب الغربي أيضًا، وتضمُّ كذلك جملةً كبيرة من كتب الفكر الغربي بمدارسه المختلفة جنبًا إلى جنب مع كتب الفكر العربي، وأجزِم من نفسي أني قرأتُ من كتبِ أساطينِ التنوير والحداثة ما لم يَقِف عليه بعضُ مَن يملأ الصحف ضجيجًا عليَّ، ويرميني بضيق الأفق وضحالة المعرفة.

وإن كان التمدُّن والتحضُّر والتسامح بالعَلاقات الحسنة مع الناس"الإتكيت الاجتماعي"، فتعالوا لتنظروا كيف عَلاقتي بزملائي ومعارفي، وكيف يُحبُّونني، ويفرَحون بمجالستي، وكيف أني معروفٌ لديهم بالدُّعَابة، وكيف هي طريقةُ تعاملِي مع عموم الناس، وكيف أنها على أحسنِ ما يكون؛ أَبتَسِم في وجوهِهم، ولا أُجابِهُهم بما يَكْرَهُون، وأقدِّم لهم المساعدةَ إن استطعتُ.

هل أنا متشدِّد ومتزمِّت ورجعي؛ لأني أُحاسِب نفسي إن تَوَانَت في أداء حقوقِ الآخرين، أو لم تصفَح عنهم، ولم تتحمَّل أخطاءهم وطَيشَهم، أو إن طَمِعت فيما في أيديهم؟ هل تشدُّدي لكوني أمنَعُها من الوقوع في الكذب - ولو كان صغيرًا - وأجَاهِدُها جهادًا عظيمًا؛ كي تتخلَّى عن كلِّ مظاهرِ التحقيرِ والإهانة للناس، وأُعاتِبها، وأدخل معها في صراعٍ مريرٍ إذا حَمَلت حقدًا أو كراهيةً لأحدٍ من الناس على حظٍّ دنيوي فانٍ؟

عندي من التسامح ما لا يعرفه مَن يَزعُمون أنفسَهم رُعاةَ الحريَّة والعدالة، ودعاةَ التسامح والإخاء، ثم يهيجون الأنظمةَ الديكتاتورية، ويَتَحالَفون معها؛ كي تَقمَعَ مناوِئيهم من الإسلاميين، مقابل أن يسكتوا على فسادِها واستبدادِها وقمعِها.

تَرمِيني النخبةُ العلمانية بأني متطرِّف متشدِّد، ومن ثَمَّ غيرُ وطني، بل خائنٌ عدوٌّ للوطنِ ومصالحه!

هلا شَقَقتُم عن قلبي؛ لتَعرِفوا حبِّي لوطني كيف هو؟ حبُّكم لوطنِكم - إن كنتم تُحِبُّونه - أمْلَته الفطرةُ، أمَّا أنا، فوطنيتي بالفطرة وبالشرع الذي يَحكُمني.

كيف خوَّنتمونَنِي وطنيًّا، وأنا أساهِمُ في بناءِ وطني؛ بالْتزامي بأوقات العمل الرسمي، والتَّفاني فيه ما استطعت.

ما امتدَّت يدي إلى المالِ العامِّ قطُّ، ولا حاولتُ إتلافَ أيِّ مَرْفقٍ من المرافق العامَّة، حتى المناديل الورقية أَمنَع أولادي من إلقائها في الشارع، إنني مشترِك في أكثرَ من جمعيةٍ للعمل الخيري.

فما الذي عليَّ أن أفعله لأثبتَ لكم وطنيتي؟
ما وجه تزمُّتي ورجعيَّتي، هل لأني لا أُغَازِل زميلتي في العمل، وأقتصر في كلامي معها عند حدود الحاجة فحسب، ولا أشارك الزملاء في الحديث عن نَهدِها الكاعِب، ومؤخرتها المثيرة؟

لكني أقول لكم: إني عادةً - بل غالبًا - ما أُمطِر زوجتي بوابلٍ من الغَزَل العفيف، بل والفَاحِش، كلما سَنَحت الفرصة، فهل الرجعية في استتاري بما يصرِّح به غيري، وقصري له على ما أباحه الله لي؟
هل أنا متشدِّد متزمِّت رجعي؛ لأني لا أستمع إلى "كيلبات" العري، التي تعرض كثيرًا من اللحم، وكثيرًا من الضجيج، مع انعدام المعنى؟
هل تشدُّدي لأن جهازَ التسجيلِ بسيارتي يَنبَعِث منه صوت قارئِ القرآن، لا صوت "الديسكو" الذي تحبِّذونه ويَرُوق لكم؟

لعل القضيةَ هنا! فلأعترِفْ لكم أيضًا بأني لا أشاهدُ أفلامًا تسمُّونها فنًّا، وأراها - بل هو واقعها -إثارةً لغرائزِ الشبابِ والمراهقين، بما هو معلومٌ ومتعارَفٌ عليه بين أرباب المهنة الآن.

فهل هذا ونحوه كفيلٌ بجعلي رجعيًّا، متخلفًا، متزمِّتًا، خطرًا على الحضارة؟
لماذا لا تَحتَرِمون رأيي؟
لماذا لا تَحتَرِمون خصوصيتي؟
لماذا تُشَهِّرِون بي وبأمثالي ليلَ نهارَ، وترموننا بكل نقيصة؟

أَإِذا ما نكلتُ عن مجاراتِكم وموافقتكم على رأيكم، صيَّرتموننِي رجعيًّا متزمِّتًا، عدوًّا للفنِّ والجمال تارةً، وتارةً عدوًّا للمرأِة، وتارةً عدوًّا للحضارةِ والرقي، وتارةً عدوًّا للديمقراطية والحرية؟!
أكلُّ هذا؛ لأني لا أجاريكم في اختيارِكم، ولا أقع فيما تَقعُون فيه من حريةٍ في زعمِكم، وتفلُّتٍ وانحلال في زعمي؟
اخترتُ لنفسي طريقةً في الحياة، ونمطًا معينًا من الهواياتِ، فما الذي يَضِيركم؟

هلا احترمتُم اختياري، كما احترمتم اختيار "النباتيِّين" الذين لا يَأكُلون اللَّحم؛ لأنه جاء من طريقِ ذبحِ الحيوان وإيلامِه؟! قلتُم عنهم: "نباتيُّون"، ولمتجعلوهم متشدِّدين متزمِّتين رجعيين! بل حملكم تسامحُكم السامِقُ إلى أن تغيِّروا تسمية الشواذِّ جنسيًّا من "الشاذِّين" إلى "المثليِّين"؛ كي لا تَجرَحُوا شعورَهم - بزعمكم - ولا تُؤذوهم في اختيارِهم، مع إجماعِ البشرية - منذ كانت إلى عهد قريب - على أن هؤلاءِ الناسَ شواذٌّ، وغير أسوياء.

ماذا أقول لكم؟ عَامِلوني معاملةَ الشواذِّ! احتَرِموا رأيي! اقبلوا اختياري! راعوا ذوقي!

أليست قضيةُ الحرياتِ والتعبيرِ عن الرأي - مهما كان - هي قضيتَكم الكبرى؟ ألا تُنَادُون بحرية مَن يُفارِق دينَه أو يسبُّه أو يُهَاجِمه؟ ألا تُنَادُون بإطلاقِ حريةِ الناس في أن يَعِيشوا حياتَهم كيف أرادوا؟ وعلى أي وجهٍ أحبُّوا، حتى وإن كان خلاف ما يأمر به الدينُ، أو تفرضه عاداتُ المجتمع؟

دَعُونِي أحيا حياتي كيف أشاءُ، أَستَمِع لما أَشَاء، أَلْبَس ما أشاء، أُمَارِس من الهوايات والأنشطة ما أُحِبُّ، أُعْفِي لحيتي أو أَحلِقها، أَضَع طاقية على رأسي أو أَترُكها عارية،أَلْبَس ثوبًا قصيرًا أو طويلاً، أفعل ما أُحِبُّ وما يَرُوقُ لي!

لماذا تسخرون مني؟
لماذا تهاجمون حريتي؟

لن أصافِح النساء، ولن أتلذَّذ بموسيقى "الجاز" ولا بغيرها، ولن أُتَابِع أفلام "الأكشن"، ولا المسرحيات " الكوميدية"، بل سأرتكب جريمة حضارية: فلن أقول: إن "باليه بحيرة البجع" فنٌّ راقٍ، ولاإن "سمفونيات بيتهوفن" معجزاتٌ فنيةٌ، مَن لم يسمعها، فهو فاسد الذوق، ولن...، ولن...، فما شأنكم أنتم؟

هذا اختياري، فما الذي يُغضِبكم ويزعجُكم؟
أيُّ ميزانٍ جائرٍ ميزانُكم؟
من حقِّ المرأة أن تَمشِي في الشارع مرتدية "الميني جيب"، أو "الميكرو جيب"، وحرامٌ على زوجتِي أن تَلْبَس النِّقَاب! ها هاها!
قد اخترتم أن تَخرُجوا من قبضةِ الشريعة، واخترتُ أنا بمحضِ حرِّيتي البقاءَ فيها، فما هي الجريمة؟ أهي جريمتي أم جريمتُكم؟ أهي خَطيئتِي أم خطيئتُكم؟

يا ناسُ! غيرُ مقتنعٍ أنا بما تقولون وبما تقرِّرون، فلِمَ تُلْزِمُونَنِي به؟
قرأتُ تقريراتِ أشياخِك ممن أمثال: "ماركس، وأنجلز، ولوك،ونيتشه، وفرويد...إلخ"، فلم أَقتَنِع بها ورفضتُها، كما لم تَقتَنِعوا بما قاله: "مالكٌ، وأحمدُ، وابن تيميَّة، وابن القيم"، فما الفرق؟ بل أنتم تَرفُضون وتُجَاهِرون برفضِكم ما قرَّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم-وما شَرَعه الله تعالى من كونِ ميراثِ المرأةِ على النصف من ميراث الرجل، وأن للرجل أن يَجْمَع بين أربعِ زوجاتٍ، وأن له الولايةَ على المرأةِ، وأن المرتدَّ يُقْتَل، وشاربَ الخمرِ يُجْلَد...، وغير ذلك من أحكام الإسلام، وتَزْعُمون أن مثلَ هذه الأحكام ظلمٌ، وتَفرِقةٌ، وقَسْوَة، فما بالي إذا صرَّحتُ بموقفِ الإسلام من قضيةٍ ما - وهو لا يَرُوقُ لكم بطبيعةِ الحال - صرتُ متطرِّفًا غاليًا متشدِّدًا، يَجِب الحَجْر على رأيه، ومحاربته بلا هَوَادة، مع أني ما زدتُ عن أن نقلتُ لكم ما يَقُوله دينِي في القضية.

دعوني واختياري! دعوني ومذهبي، بل دعوني أدعو لما أَقْتَنِع أنه الحقُّ والصواب.
يا دعاةَ الحرية والتعدُّدية! ألم يَقُل إمامُكم "فولتير":"قد أخالفُك الرأي، لكني علي استعدادٍ لأنْ أَدْفَع حياتي ثمنًا لكي تقولَ رأيك"؟!
أنا لا أطلبُ منكم أن تَدْفَعوا حياتَكم ثمنًا من أجل أن أقولَ ما أَعتَقِده، فقط اتركوني وشأني، ولا تَجعَلُونني أَدفَع حياتي ثمنًا من أجل أن أَقُول ما أعتقدُه وأَدِين به.

يا دعاةَ التسامح والإخاءِ، مِن تهمتي عندكم: الأدلجةُ، والإقصاءُ، وتكميمُ الأفواهِ، وتشويهُ المخالفِ، فأصبحتم أنتم تَقُومُون بإقصائي وتشويهي، وأَدْلَجَة عقولِ الناس ضدي، وقسرِها على قبول ما تَرَونَه أنتم فحسب، وعلى ما تقولونه أنتم فحسب.

فمَن منا عدوُّ الحرية؟ ومَن منا المتشدِّد؟ ومَن منا المتزمِّت؟ ومَن منا المتطرِّف؟
إمضاء: شابٌّ ملتزِمٌ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق