الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

جغرافية اقتصاد المعلومات


يعد هذا الكتاب من أولى المحاولات البحثية لدراسة وكشف النقاب عن مجال بحثى جديد بدأ يظهر فى العقدين الأخيرين، وهو ما أطلق عليه اقتصاد المعلومات وهذا الكتاب عبارة عن رسالة دكتوراه قدمها الكاتب مارك هيبوارث فى جامعة تورنتو بكندا فى 1987.
والفكرة الرئيسية التى يتناولها بزوغ علم جديد وهو اقتصاد المعلومات، ويبدأ بعرض تعريف أولى لهذا العلم والأسباب الرئيسية التى أدت لظهوره، والأدوات الرئيسية لهذا العلم وهما أداتان رئيسيتان: شبكات المعلومات والاتصالات اللاسلكية وان تقدم هذا العلم الجديد مرتبط بمدى تطور هاتين الأداتين ثم يتطرق الكاتب لمدى قدرة هذا العلم على تخطى عائق المكان أو ما أسماه بالأبعاد المكانية لهذا العلم، ومدى قدرته على تخطى الحدود والعوائق المكانية من خلال أثره فى جانبين رئيسيين وهما: الشركات متعددة الجنسية، وتكامل الاقتصاديات الإقليمية وينتقل الكاتب فى دراسة من الإطار التحليلى النظرى، إلى الإطار التطبيقى العملى على المستوى الإقليمى والدولى وفى البداية يعرض الكاتب لتعريف أولى لمفهوم اقتصاد المعلومات والمرتبط بتطور ونمو العديد من المناطق وخاصة المدن حيث أن الأنشطة الصناعية والخدمية تتساوى فى اعتمادهما على المعلومات وخاصة فاعلية تلك المعلومات وان أهمية المدن تتزايد كمراكز لإدارة المعلومات وإعدادها يتزامن التحول الاقتصادى مع التحول التكنولوجى حيث يمكن للمعلومات أن تعد وتؤرخ ويمكن هذا التطور التكنولوجى فى الالتقاء بين عاملين أساسيين وهما شبكات المعلومات والاتصالات اللاسلكية الفعالة وهذا الالتقاء يمكنه أن يتخطى عائق المكان والحدود، ومن خلال هذا التطور الداخلى، يمكن أن ينتج عنه تكامل للاقتصاديات القومية والإقليمية.
يتناول الكاتب بالتحليل والدراسة ظهور وتطور هذا العلم وبداية الاهتمام به منذ منتصف القرن التاسع عشر، وذلك أثناء مرحلة المد الصناعى فى الدول الرأسمالية وظهور ما سمى بالموارد المعلوماتية وقد بدأ اهتمام المفكرين بهذا العلم الجديد من خلال اعترافهم بالضعف الكبير فى النظرية الكلاسيكية الجديدة ومصطلح اقتصاد المعلومات نفسه تمت صياغته بواسطة محلل اقتصادى يسمى بورات PORAT قام بتحديد الوزن النسبى للاقتصاد المعلوماتى الأمريكى من خلال الدخل القومى الإجمالى والقوى العاملة ونصيبها فى السلع والخدمات، وتوصل إلى أن الاقتصاد الأمريكى يمكن وصفه باقتصاد المعلومات ـ ويتناول الكاتب التطورات الجارية فى الدول الصناعية المرتبطة بالاهتمام الاقتصادى المتزايد بالمعلومات، ولهذا ستكون أجهزة الكومبيوتر والاتصالات اللاسلكية من محاور اهتمامه.
ويركز على الجانب التحليلى لكيفية استخدام وليس إنتاج تكنولوجيا المعلومات وأبعادها المكانية من حيث مدى قدرتها على تخطى حدود المكان ويتعرض الكاتب لما أسماه ـ بوظائف المعلومات ـ ويبدأ بالتركيز على أن أنشطة المعلومات أصبح لها أهمية اقتصادية متزايدة فى الدول الصناعية، من خلال عرض لأراء كاتب اقتصادى يسمى بنيجر BENIGER حول ثورة التحكم وهو التغير الجوهرى فى الشكل الوظيفى للقوى العاملة فى الدول الصناعية، وقد تزايد الاهتمام الاقتصادى بهذه الأنماط الجديدة من الأعمال خاصة فى الولايات المتحدة وفى أوروبا.
وقد فرق الكاتب بين كل من قطاع العاملين بالمعلومات، والأعمال الحرفية الأخرى، وذلك بالاستعانة بأدلة واقعية مثل استعانته بتجمع أل OECD منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى ـ ويشير إلى أن قطاع الوظائف المعلوماتية فى دول أل OECD قد تزايد باطراد فى فترة ما بعد الحرب وتوجد اختلافات فى حجم هذا القطاع بين الدول الأعضاء، والتى تتراوح ما بين 53% من العمالة فى النرويج، إلى 46% منها فى الولايات المتحدة ومن خلال استعراض عدة إحصاءات يصل الكاتب إلى وجود اختلافات كبيرة فى معدلات النمو بين كل فئة وأخرى، وان أسرع معدلات نمو تتمثل فى الخدمات الإدارية والاستشارية وأن التطور فى الوظائف المعلوماتية أحدث تغيرات جوهرية فى الأطر الاقتصادية والمؤسسية العامة.
ويعرض الكاتب لمفهوم جديد فى كتابه وهو رأس المال المعلوماتى على أساس أن تكنولوجيا المعلومات ببعديها الرئيسيين (شبكات المعلومات والاتصالات اللاسلكية) تعد شكلا مميزا من أشكال رأس المال حيث أنه منذ العقد الماضى، ونحن نشهد تغيرات جوهرية فى مكونات رأس المال على مستوى الاقتصاد والشركات بصفة عامة وبالتالى تغير المفهوم التقليدى لرأس المال، والذى انقسم إلى رأس مال معلوماتى، ورأس مال غير معلوماتى فإن كان يجب التأكيد على أن رأس المال المعلوماتى لا يستطيع وحده أن يحقق الفاعلية المرجوة إلا من خلال تنفيذه على المستوى المادى ويركز الكاتب على كيفية تنظيم وترتيب تكنولوجيا المعلومات فى تنظيمات مكانية (أى مرتبطة بالمكان أو الحيز)، وأنه مع كثرة أعداد الكومبيوتر وتوزيعها الجغرافى الواسع خلال العقدين الماضيين، تطورت الأجهزة وأصبحت فى شكل شبكات معلومات مترابطة ومتصلة ببعضها البعض، وتوجد علاقة تكافلية بين كل من شبكات المعلومات الحديثة، والاتصالات اللاسلكية وعدم إمكانية فصلها فى الدراسة الجغرافية حيث أن التوزيع المكانى للكومبيوتر يعتمد على امتداد الاتصالات اللاسلكية، لأنه يمكن تحديد ومعرفة هذا التوزيع المكانى من خلال مدى تدفق المعلومات وقد تناول الكاتب أثر هذا التطور على الشركات الخاصة والمتعددة الجنسية، حيث أن هذا التطور التكنولوجى ساعدها على تحقيق قدر كبير من المرونة الإنتاجية وتدعيم مكانتها العبر قومية من جانب، وتأثيرها القوى على شبكات المعلومات العامة والحكومية وذلك لأن شبكات المعلومات الخاصة تساهم فى تشكيل شبكات المعلومات الحكومية من خلال ما يسمى ب ELECTRONIC HIGHWAYS وقد عرض الكاتب العديد من الأمثلة لتلك الشركات، ويبرهن فيها على ما يمكن أن تحققه شبكات المعلومات من تطور فى تلك الشركات وذلك من خلال تقليل نفقات الخدمات المتعلقة بإنتاج وتوزيع المعلومات، وبذلك يمكن للشركات أن تزيد من مساحة تحكمها وسيطرتها فى مجال السوق وبذلك فإن زيادة إمكانية انتقال خدمات المعلومات مع غياب قيود جمركية وأى عوائق مكانية يزيد من مرونة الشركات على المستوى العالمى وان كان لذلك أثر على العمالة الموجودة فى تلك الشركات، حيث تقلل العمالة فى العديد من الوظائف، وتقلل من الاتصال الشخصى المباشر، وذلك بسبب وجود شبكات اتصال وسيطة بين الشركات.
أيضا الدور الذى تلعبه تكنولوجيا المعلومات فى التكامل الإقليمى، حيث أن شبكات المعلومات الخاصة تمثل جزءا أساسيا من مخزون رأس المال المعلوماتى، وتعتبر عوامل ومكونات حقيقية لمخزون رأس المال الإقليمى أن مدى إمكانية رأس المال المعلوماتى على الاتصال من خلال شبكات الكومبيوتر تمثل عنصرا هاما لنمو الاقتصاد الإقليمى وتطوره أيضا من الأفكار الرئيسية التى تناولها الكاتب فى دراسته مسألة الإنتاج المرن ومدى ارتباطه بتكنولوجيا المعلومات من خلال الاهتمام المتزايد بتكنولوجيات ظهرت حديثا مثل أنظمه الصناعة المرنة، والتى ترتبط بتطور شبكات المعلومات والاتصالات الحديثة، ودورها فى تطوير العمليات الصناعية.
ويخلص الكاتب إلى أن تكنولوجيا المعلومات بأدواتها، تلعب دورا هاما فى القطاع الصناعى، خاصة الصناعات التحويلية وأن شبكات المعلومات لها دور مهيمن على الروابط بين المعلومات داخل الشركة الصناعية أيضا تلعب تكنولوجيا المعلومات دورا هاما فى تحقيق تكامل عالمى لأسواق رأس المال، وذلك لأن هذه التكنولوجيا لا تساعد فقط على بناء نظم إنتاجية مرنة، ولكنه أيضا لها دور فى وضع ترتيبات وإجراءات أكثر مرونة لضمان حركة رأس المال على المستوى العالمى.
ويستعرض الكاتب عدة محاولات لتفسير ودراسة العلاقة المتبادلة بين الإنتاج والمرونة المالية وان كان تركيزه على المرونة المالية أكثر من تركيزه على المرونة الإنتاجية وقد عرض للتطور التاريخى والأزمات التى تعرضت لها أسواق رأس المال حتى أدى ذلك إلى البحث عن أدوات مالية أكثر مرونا لمواجهة أعلى درجات المخاطرة ونتيجة لهذا التطور، حل معيار المعلومات INFOMATION ـ STANDARD محل معيار الذهب وبالتالى لعبت تكنولوجيا المعلومات دورا محوريا فى أسواق رأس المال العالمية.
وفى نهاية دراسته، يتناول الكاتب مفهوما جديدا وهو مفهوم مدينة المعلومات، والتى يعنى بها المدن الحضرية التى تتركز فيها شبكات المعلومات والاتصالات اللاسلكية ويقوم بوضع رسوم تخطيطية لتلك المدن وذلك لإلقاء الضوء على ما أطلق عليه، وأن مدينة المعلومات تركز على مفهومين شائعين يمثلان الملامح الأساسية التى تحدثها شبكات المعلومات والاتصالات اللاسلكية على الحضر وهذان المفهومان هما: الهاى واى الإلكترونى ELECTRONIC HIGHWAYS ـ THE WIRED CITY.
ويحلل الكاتب هذين المفهومين باعتبارهما الجانب التطبيقى للأيديولوجية الاقتصادية المسماة بعصر المعلومات أن تطور اقتصاد المعلومات يرتبط مكانيا بالحضر، وبالتوزيع الوظيفى للقوى العاملة المعلوماتية (المشتغلة بالمعلومات) وأن المعلومات تتضح ليس فقط من خلال كثافتها فى الاقتصاديات الحضرية، ولكن أيضا من خلال الدرجة العالية فى تقسيم العمالة المعلوماتية، ولذلك، فشبكات المعلومات والاتصال اللاسلكية تلعب دورا تاريخيا فى تطوير النظام الحضرى (المدنى).
ويخلص الكاتب إلى أن المدن الحضرية تمثل الأساس لاقتصاد المعلومات عى المستويين المحلى والدولى، حيث تعد مراكز للصناعات التكنولوجية للمعلومات ونقاط التقاء لها على المستوى العالمى ولذلك نجد أن الكاتب قد استطاع أن يحقق خطوات واسعة لكشف النقاب عن هذا العلم الجديد وهو علم اقتصاد المعلومات من خلال تنوله للإطار النظرى لهذا العلم ثم الانتقال إلى المستوى التطبيقى له وأثر تكنولوجيا المعلومات بأدواتها الرئيسية(شبكات المعلومات ـ الكومبيوتر والاتصالات اللاسلكية) على الاقتصاد بشقيه الداخلى والدولى، والدور الذى تلعبه هذه التكنولوجيا الجديدة فى تخطى عائق المكان والحدود وبذلك، تعد هذه الدراسة جديرة بالاهتمام والتحليل لمعرفة أبعاد هذا العلم الجديد، وبالتالى هذا العصر الجديد عصر المعلومات الذى نعيش فيه.

المصدر: السياسة الدولية
بقلم:   هبة سمير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق