الخميس، 4 أكتوبر 2012

مفقودو الجزائر.. ملف لم يغلق




عائلات المفقودين تطالب بالحقيقة قبل المصالحة (الجزيرة-أرشيف)

 مرت سبع سنوات على اعتماد "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" في الجزائر الذي تضمن مقترحات بتسوية ملف المفقودين في "العشرية السوداء" التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي. ومع ذلك ما زال هذا الملف -الذي لم تطو صفحته بعد- يكتسب زخما جديا بقبول الجزائر أخيرا وللمرة الأولى مساعدة خارجية، بعد أن ظلت ترفض ذلك طيلة 20 عاما وتعتبره تدخلا في شؤونها.
 
وخلال الزيارة التي قامت بها للجزائر قبل أسبوعين، أعلنت المفوضة الأممية لحقوق الإنسان نافي بيلاي قبول الحكومة الجزائرية استقبال مجموعة العمل الأممية المعنية بالاختفاءات القسرية للمساعدة في معرفة مصير المفقودين، معربة عن رغبتها في وصول البعثة سريعا إلى الجزائر دون شروط مسبقة.
 
وتتعلق القضية بأكثر الملفات مأساوية وحساسية في الجزائر، حيث يشير لفظ المفقودين هناك إلى من يعتقد أنهم اختطفوا على أيدي قوات الأمن بين عامي 1992 و1998 للاشتباه في دعمهم للجماعات الإسلامية، وهي مسؤولية أقرت بها لجنة حكومية وإن وصفت عمليات الاختطاف بأنها كانت أعمالا فردية ولم تكن ممنهجة من قبل السلطات.
 
وطبقا للتقديرات الرسمية الجزائرية يبلغ عدد هؤلاء المفقودين 6146 شخصا، لكن منظمات حقوقية مثل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان تقدر العدد بحوالي 18 ألفا، معتبرة أن الجزائر تصدرت بذلك قائمة الدول التي سجل بها أكبر عدد من "حالات الاختفاء القسري" قبل الأرجنتين وتشيلي.
 
وتشدد هذه المنظمات على أن "جريمة الاختفاء القسري لا تقبل التقادم، ويمكن ملاحقة مرتكبيها المفترضين قضائيا ولا سيما خارج الأراضي الجزائرية".
 
 وزير الخارجية الجزائري لدى استقباله نافي بيلاي في الجزائر قبل أسبوعين(الأوروبية- أرشيف)
المصالحة
وفي محاولة مبكرة منها لطي هذه الصفحة، أعدت الحكومة الجزائرية "ميثاق السلم والمصالحة" الذي اقترح على أهالي المفقودين مبالغ مالية على سبيل التعويض، مقابل الكف عن المطالبة بـ"الحقيقة والقصاص".
 
وطرح الميثاق للتصويت الشعبي في استفتاء جرى في 29 سبتمبر/أيلول عام 2005 وجاءت النتيجة 97% لصالح المشروع الذي عقدت عليه الآمال في حقن الدماء. 

وواكب التصويت انقسام في الساحة السياسية الجزائرية بين مؤيد، وجد نفسه في صف واحد مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومعارض لا يرى في هذا الميثاق بنهاية المطاف سوى "تكريس الإفلات من العقاب ومنح العفو، والارتقاء بمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية إلى مكانة الأبطال الوطنيين وتجريم الضحايا وأسرهم ومن يجرؤ على التشكيك في الرواية الرسمية، وتهديدهم بأشد العقوبات".

واعتبرت جبهة القوى الاشتراكية -أقدم أحزاب الجزائر بعد جبهة التحرير-  المشروع " تكريسا للاعقاب في وقت يعرف العام والخاص أن قوات الأمن الجزائرية ارتكبت أخطاء خاصة فيما يتعلق بالمفقودين" على حد قول الجبهة.
 
وتشير معطيات حديثة كشف عنها رئيس خلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، المحامي مروان عزي، إلى أن القائمة الوطنية الرسمية لعدد المفقودين خلال العشرية السوداء "تؤكد وجود 7100 حالة وأنه تم تعويض 7020 عائلة مفقود، في حين بقيت 80 حالة فقط استعصى التكفل بها إما لعدم حيازة بعض العائلات محاضر إثبات فقدان ذويها، وأخرى لعائلات ترفض مبدأ التعويض من أساسه".
الأيام المقبلة ستضع الحكومة الجزائرية أمام اختبار صعب ليس أمام أسر المفقودين فقط ولكن أمام هيئة دولية معنية بالأمر هذه المرة

تداعيات
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال تداعيات تلك الحالة المأساوية قائمة في ذاكرة ووجدان الجزائريين وتظهر في احتجاجات أسبوعية للعشرات من عائلات الضحايا أمام مقر اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان بساحة أديس أبابا، شعارها "الحقيقة قبل المصالحة" ومطلبها هو أن تقوم السلطات بتحديد وكشف هوية ذويهم من خلال استخراج عينات الحمض النووي لآلاف الأشخاص المدفونين مجهولي الأسماء بعلامة "إكس" في العديد من المقابر الجزائرية وخاصة في مقبرة العاليا بالجزائر العاصمة.
وتؤكد هذه العائلات أن مطالبها بإظهار الحقيقة والعدالة شرعية ومبنية على التزامات قانونية دولية للدولة الجزائرية، وترى أن ميثاق المصالحة يتناقض وأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان.
يذكر أنه سبق للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أن أعلنت أنه "لا يحق للدولة الجزائرية الاحتجاج أمامها بنصوص هذا الميثاق ومن واجب هذه الدولة إجراء تحقيقات شاملة في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان، وخاصة ما يتعلق منها بحالات الاختفاء القسري".

والواقع أن الأيام المقبلة ستضع الحكومة الجزائرية أمام اختبار صعب، ليس أمام أسر المفقودين فقط، ولكن أمام هيئة دولية معنية بالأمر هذه المرة بعد قبولها باستقبال مجموعة العمل الأممية المعنية بالاختفاءات القسرية للمساعدة في معرفة مصير المفقودين.

لكن ثمة أسئلة كثيرة لم ترشح عنها إجابات بعد تتعلق بحجم هذه اللجنة، وصلاحياتها، وآليات ومدة عملها، ومدى قبول الحكومة بذلك وحجم التعاون معها على أرض الواقع لإنجاز مهمتها في هذه القضية الحساسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق