السبت، 13 أكتوبر 2012

رسالة إلى نزار قباني: هل ترى ما يحدث في سورية التي احببت! سناء عزت أبو حويج


يا ابن سورية ويا صاحب القصيدة الدمشقية، لو لم ترحل، ماذا كنتَ ستقول فينا؟ يا مَن زرعتَ ياسمين دمشق في سويداء نفوسنا.. فتجذّرتْ أشجاره ونمتْ وتضوَّع عبيرها.. أين دمشق اليوم من عبق تلك الأزهار.. والمشمش والتفاح؟!
ماذا ستقول يا شاعرنا في مأساة سورية وفي ليلها الكابوسي الطويل الثقيل؟
يا صاحب الكلمة الجريئة، أيها الفارس الذي شهر سيفه في وجوه سماسرة وبائعي الأوطان..أيّها الحر الذي عاتب وأنّب وصرخ وزجر لأجل وطن حرّ غير مقموع.. وطن غير مسحوق.. لأجل وطن يعيش فيه الإنسان إنساناً.
يا عاشق كل المدن العربية، نعتذر أن نخبركَ أننا لم نكن نعرف أسماء البلدات والمدن السورية، لكننا في الأشهر الأخيرة حفظنا عن ظهر قلب كل أسماء المدن السورية الوادعة والتي كانت آمنة ذات يوم، مثل: داريا، تلبيسة، زملكا، سراقب، تفتناز، اعزاز، حرستا، الرستن.. إلا أنها بعد القصف العنيف المتواصل سوِّيَت أحياؤها بالأرض.. شاهدنا غابات خلابة فيها تحترق.. رأينا أطفالاً ينتحبون ونساء مفجوعات.. ورأينا وجوه السوريين تنطق تشرداً وألماً.. وكأنه مُقَـدَّر لكأس النزوح واللجوء المُرّ أن يتجرعه الجميع.
نأسف أن نقول لكَ أننا تطوَّرنا في مجال علم الجغرافيا، إذ حفظنا خارطة وطنك العزيز سورية ونكاد نرسمها على الجدران غيباً.. فنحن نراها كل يوم في نشرات الأخبار التي تنقل لنا مشاهد جداول دماء أبناء الوطن الواحد تتدفق بازدياد لتستحيل أنهاراً.. أنها خارطة، أيها الشاعر، قد تتغير وتتلاشى حدودها قريباً بالشروخ الطائفية، مُنيهة بذلك الدولة التي عَرَفْـتَها حتى الماضي القريب، لتصبح دويلات بحدود جديدة.. وجدران عالية.. بعد تمزيق نسيجها الاجتماعي..
يا من سَكَنتْ قصائده الوطنية قلوبَنا منذ الطفولة، ماذا نخبركَ عن سورية؟
كم يعُزّ علينا أن نخبرك أن سوريتكَ اليوم تسير في أنفاق لا تدري إلى أين تنتهي بها..
سورية مصلوبة على مذبح الحرية، فقط لأنها ركضت وراء سراب اسمه الحرية في 'ربيع عربي' ظننا أنه سيكون أخضرَ مُزهراً وليس أحمرَ دموياً..
أيها الإنسان الذي أثقلته همومه وهموم العرب، قد تسألنا 'ماذا حصل؟؟' ونحن أيضاً نتساءل: 'أين منّا سورية التي جئتَ منها؟ أين منّا ياسمين دمشق وتفاح الشام؟ أين منّا منصة شعر في دمشق أنتَ بها تشدو لسورية العروبة؟'... حقاً نحن لا ندري..
ما نعرفه هو أن جيش سورية الذي كان نائماً منذ 'حرب تشرين' قبل أربعين عاماً قد استفاق فجأة، ودبّت فيه الحميّة والحماس، وركب كل الدبابات والطائرات واستعمل كل العتاد ليضرب ويضرب، لكن ليس في الجولان، إنما أخطأ الهدف بشكل كارثي وضرب كل بقعة من سورية ما عدا الجولان! كيف، ولماذا، وبأي منطق؟؟.. لا ندري.
في الماضي عندما كنا نقرأ لم نكن نرى ولم نكن نفهم.. أما اليوم فنحن لا نكاد نفهم حتى ما نراه.. أسئلة كثيرة لا إجابة لها: لماذا هُدمت البيوت فوق رؤوس ساكنيها بأيدي أبناء سورية من الطيارين؟ لماذا يُذبح الأطفال ويُداسوا بالدبابات التي يقودها الجنود السوريين؟ لماذا تحترق الغابات؟ لماذا تُقرع أجراس الكنائس حزناً؟ لماذا تبكي مآذن الشام وتُهدم؟ لماذا تهاجر من أوطاننا كل الطيور؟ لماذا ترحل عن أرضنا كل الأشياء الجميلة في هذا الوجود؟! لا ندري.
يؤلمنا أن نقول لكَ أن شرقنا العربي لا يكاد يخرج من نكبة حتى يدخل في أخرى.. وأن آخرها في وطنك الحبيب سورية.. فمنذ أن فقد العرب شرفهم بضياع فلسطين، ها هم يترنحون من نكسة إلى أخرى.. إلى أن سقطوا من دون كل أمم الأرض في وحل الخلافات والنزاعات والطائفيات والقبليات.. فتجاوزتنا كل شعوب العالم ماضية هي إلى الأمام.. ومتقهقرين نحن إلى الخلف.. إلى الجاهلية المُتـفرِّدة بنا في القرن الحادي والعشرين.
يا شاعر الحرية والأوطان الجريحة.. يا من كنتَ صوتنا وأنيننا والناطق باسمنا وبمرارة نكساتنا، إن رحيلك عن عالمنا قبل أن تشهد ما نشهده اليوم في سورية كان رحمة لكَ. ومع ذلك فنحن نفتقدكَ اليوم كثيراً، نفتقد من يرثي لحالنا ويبكي علينا.. ولكن ما قيمة الكلمات اليوم أيها الخطيب المُفوّه؟ فأمام هذه المأساة المستعصية على الفهم، قد يكون الحزن الصامت الذي تتخلله العَبَرات أبلغَ من كل الكلمات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق