الثلاثاء، 5 يونيو 2012

الإعدام ... والإعلام ! +صور حبفا الفلسطينية المحتلة نعمان عبد الله الشطيبي


 

للكاتب و الصحفي الكبير الراحل نبيل خوري من كتابه {المرافئ القديمة}

1994/4/23في إفتاحية مجلة المستقبل بتاريخ

  +صور حبفا الفلسطينية المحتلة نعمان عبد الله الشطيبي

حرب لبنان لم تبدأ في 13 نيسان عام 1975.

حرب لبنان بدأت قبل عام وأكثر وظواهرها بدأت يوم نشرت جريدة {الأنوار} صورة بالألوان على صدر صفحتها الأولى للرئيس الراحل كميل شمعون وهو يستعرض ميليشيات {النمور} بالسلاح الكامل.

 

ولم تلاحق الحكومة يومها الرئيس شمعون ولا الصحيفة التي نشرت صورة بالألوان لتنظيم مسلّح في بلد من المفروض أن يكون فيه قانون وقضاء وملاحقة.


بعدما تكاثرت صور الميليشيات في الصحف، ومن فاته صورة فــي جريدة، وزّع منشوراً باللونين الأبيض والأسود، ومن فاته هذه أو تلك لجأ إلى حيطان العاصمة يرشها صوراً للخارجين على القانون والعرف معاً، والذين عرفوا في ما بعد بلقب {الشهداء}.

ودخل الإعلام {والميليشات} في سباق لم يسبق له مثيل في أي دولة من دول العالم، سباق على التباهي بالإنتصارات على مباني العاصمة، وأصبح الشرطي يخاف الأزعر، والجيش يخاف على الجيش من الإنقسام، والمواطن يخاف على نفسه من الموت مصادفة !.

وعندما إندلعت الحرب بدأ التدمير وعاث الزعران والحرامية فساداً في البلاد لم يسبق أيضاً له مثيل، في خلال ساعات كانت محتويات فنادق السان جورج والهوليداي إنْ والفينيسيا تباع على أرصفة الشوارع في الحمراء والأشرفيّة معاً.

وأصبح لأكثر دولة عربيّة ميليشيا، وتدخّل الروس والأميركان وإسرائيل والطليان، ولو كانت عجمان قادرة أو راغبة لتدخلت هي أيضاً.

من عنده مال ومن لا مال عنده تدخّل !.

تسند كل ميليشيا جريدة، إذ لم يكن لبنان يومها قد تعرف إلى المرئي والمسموع، قيل يومها إن مسؤولية الإعلام {المكتوب} في إستمرار الحرب، لم تقل عن مسؤولية مؤسسي الميليشيات ولا الدول التي ساندتها، وإن الفرق أن الميليشيات كانت تقتل الناس بالرصاصة بينما الإعلام يقتلها بالكلمة، وكانت الدولة {فالتة} والناس {فالتة} والإعلام {فالتاً} خصوصاً بعدما خاضت الدولة أشرس معاركها ضد جهاز المخابرات الذي كان يخيف، {ويدوزن} الفلتان ولا يسمح للإعلام المكتوب بأن يتخطى الخطوط الحمر وأهمها اللعب أو التلاعب بالأمن، ولأن الأمن كان محصوراً بهذا الجهاز {المكتب الثاني} فقد ضرب الأمن يوم ضرب الجهاز.

ولما كان شواذاً أصبح قاعدة، وإذا بالمساندة الإعلامية للحرب وأمراء الحرب تصبح تقليداً حتى قيل إن البعض أنشأ الجريدة والإذاعة والتلفزيون قبل أن ينشئ الميليشيا وأدخل الإعلام الناس في الحرب بطريقة مباشرة وأصبح البلد بلدين ومن على موجات الهواء و{أنتينات} التلفزيون وحبر المطابع، ينتشر الحقد والكراهية والخوف والدم والدمار والتقسيم.

وطوال ما يقارب الـ 17 عاماً لم يقدم أي جهاز إعلامي في لبنان إلى المحاكمة حتى قبل أن تقفل العدلية أبوابها مع من أقفل من مؤسسات الدولة، وقلنا يومها : هذا جزء من لعبة الحرب فإذا انتهت ينتهي.

لكن هذا لم يحدث، فلقد انتهت الحرب لكنه لم ينته، بل هناك من يقول إنه ازداد شراسة، وهناك من يؤكد أن جزءاً من ثمن مبيعات سلاح الميليشيات {معظمها ذهب إلى مناطق التوتر الساخنة في العالم} قد ذهب إلى تثوير أجهزة الإعلام.
وأيضاً قيل إذا استتب السلم فعلاً فقد يهدأون، واستتب السلم فعلاً فلم يهدأ أحد.

وأصبحْتَ تعرف إسم التلفزيون أو الإذاعة من لهجة المذيع، قبل أن تقرأ إسم التلفزيون على الشاشة أو تسمع الإذاعة من الراديو.

وكان معظم نجوم التلفزيون والإذاعة في حالة تهيج دائمة، حتى إذا كانت الأمور هادئة تضايقوا من الهدوء لأنهم ولدوا وترعرعوا وشبوا وكبروا وكادوا يهرمون في ظل العاصفة، ولن أنسى أبداً رئيسة تحرير إحدى مجلات الميليشيا التي جاءت إلى بيروت الغربية قبل عام لحضور غداء عندما قالت ببراءة : {هذه هي المرة الأولى في حياتي منذ ولدت أحضر فيها إلى الغربية}، وكيف أنسى ما قاله أحد أبطال الإتفاق الثلاثي في دمشق : {هذه هي المرة الأولى التي أقابل فيها مسلماً}.

وبعيداً عن السياسة، فكل مشروع إعمار يقابله إعلام بالهدم، وكل فكرة لبناء تجهض في ندوة متلفزة، والشاشات للمعارضة ومع المعارضة ظالمة كانت أم مظلومة والشعار المرفوع دائماً إن البلد سائر إلى خراب ولن يستقر، كل هذا تحت شعار الديموقراطيّة والحرية والتعددية الإعلاميّة.

ولم يحول إلى المحاكمة {من المرئي والمسموع} إلا محطة تلفزيون واحدة بعدما كانت وبطريقة مباشرة تقسمنا من جديد {مسيحيّاً ومسلماً} وعلى رغم تبرئة المحطة قضائيّاً من التهمة، فإن مجرد تحويلها على القضاء كان رادعاً لها ولغيرها لهذا الإستمرار في خط {التهييج} الطائفي الذي ذاق منه اللبنانيون الأهوال.

كل هذا والدولة {خجولة} من المواجهة خوفاً من أن يرتدي الجميع {قميص عثمان} الذي إسمه الحرية، وخوفاً من أن تفتح سرادقات العزاء لوفاة هذه الحريّة، وحفاظاً على حساسية ورفاهية المواطن الذي تربة على الفلتان الإعلامي وكاد {ردع} الفلتان يصبح مستحيلاً إن لم يكن قد أصبح مستحيلاً بالفعل.

بعض الناس فسّر الخجل بأنه خوف، وفسّر خوف الدولة على الحريّة بأنه خوف من الحريّة.
وإعتقد البعض أن من تجرأ على الدولة إعلامياً في إمكانه أن يتجزأ على الدولة أمنياً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق