الجمعة، 8 يونيو 2012

العلاقة القوية " بين جهاز الأمن العسكري(أ.ع/SM) الجزائري و جهاز المخابرات الفرنسي (ج.م.ف/DST)


ذات يوم من شهر سبتمبر سنة 1995، أفتح باب غرفة تقع في الطابق الأول من فندق "رينال" وهو نزل متواضع يقع في وسط مدينة بون، لألتقي من جديد برئيسي السابق الجنرال إسماعيل العماري المعروف بـ (إسماعين) الذي قدم متخفيا، وهو الرقم الثاني في جهاز المخابرات الجزائرية المعروف بالـ(أ.ع/SM).
إنه قصير القامة ذو وجه بزوايا حادة، وعينان سوداوان يعلوهما صلع متقدم، بدا لي مجرد أن رأيته أنه مصمم على اتخاذ قرار خطير، وقد كان بجانبه زميلاي الملحقان العسكريان السابقان بسفارة الجزائر بألمانيا، قدما هما كذلك خصيصا من الجزائر، وهما العقيدان رشيد لعلالي، وعلي بن جده المكنى بـ "إسماعين الصغير" وكلاهما ضابطان في الأمن معروفان بإخلاصهما الكبير، وولائهما للجنرال إسماعين...
من الوهلة الأولى وبدون مقدمة فاتحني هذا الأخير بموضوع ذلك الاجتماع "السري" المثير للاستغراب، طالبا مني تدبير عملية اغتيال معارضين إسلاميين جزائريين لاجئين في ألمانيا، هما السيدان: رابح كبير وعبد القادر صحراوي... وهما شخصيتان عموميتان ووجهان معروفان، صحيح أنهما معارضان للنظام الحاكم في الجزائر، ولكنهما لا يمثلان أي خطر يمكن أن يوضع في خانة ما يوصف "بالإرهاب"
وأمام إبداء اندهاشي من جدوى القيام بتلك العملية، أضاف إسماعين قوله :(ربما كتبرير لإقناعي) "يجب تصفية هؤلاء الأوغاد الذين يغرقون الجزائر في الدم والنار ويعوقون حصولنا على المساندة الدولية... إن شبح الأصولية، وقيام جمهورية إسلامية في الجزائر من شأنه أن يزعزع الاستقرار في البلدان المغاربية قاطبة كما من شأنه –أيضا- أن يمثل قاعدة صلبة ومنطلقا للهجوم على الغرب... ويبدو أن ذلك لم يقنع شركاءنا الأوروبيين ولذلك يجب إحداث هزة قوية توقظ ضمائرهم، مثلما كان الحال مع الفرنسيين."
قلت: ماذا لو حدث طارئ؟
قال: اطمئن لن يلحقك أي أذى لو يطردونك من هنا سأعينك في منصب آخر
قلت: الدولة هنا دولة قانون وليس عندكم أي حظ للنجاح وزيادة على ذلك لا يمكنكم الاعتماد "مثلما هو الحال في فرنسا" على أصدقائكم في "ج.م.ف/DST"... أو وزارة الداخلية ليهبوا لمساعدتكم عند الحاجة، إن هنا في ألمانيا لا يوجد (باسكواPasqua) "وزير الداخلية" ولا (بونيBonnet) "جهاز مكافحة التجسس" ولا(باندرو Pandraud) أو (مارشيانيMarchiani).
قطعا إن رفضي هذا أجهض العملية ولكنه في الوقت ذاته مثل القطيعة النهائية و"الطلاق البائن" مع أصحاب القرار في الجزائر... وهو ما دفعني لاتخاذ قرار الانسحاب من الجيش بعد ذلك ببضعة أشهر.
ويجدر القول هاهنا أنه في الوقت الذي كنا نعقد ذلك الاجتماع في مدينة بون كانت فرنسا تهتز منذ أسابيع بموجة من العمليات المنسوبة إلى الإسلاميين، والتي كانت قد أسفرت عن عدد من القتلى وعشرات الجرحى، ورغم عدم توفري حيينها عن معلومات دقيقة وقاطعة.. فإني أشك في أن للجماعات الإسلامية "المُستغلة أو المَدسوسة" منذ زمان من طرف نظيري في الـ(أ.ع/SM) بباريس "العقيد حبيب" صلة بتلك العمليات!!
إن الـ(أ.ع/SM) في فرنسا هو بالفعل أقوى في هذا البلد منه في ألمانيا كما أن له فيها تقاليد قديمة في مراقبة الجالية الجزائرية المهاجرة بالموافقة الصريحة للحكومة الفرنسية أيا كان لونها السياسي وخاصة من خلال مكاتب وفروع ودادية الجزائريين في أروبا، وكذلك القنصليات الثماني عشرة الموزعة عبر التراب الفرنسي، والتي تضطلع بمهمة تأطير أفراد الجالية في مجموع النواحي داخل فرنسا.
لقد استطاع الـ(أ.ع/SM) دائما أن يعتمد(في إطار أقل رسمية) على العديد من العملاء الذين يوجدون أساسـا في مختلف مكاتب وممثلات الخطوط الجوية الجزائرية، وكذلك في الشركة الوطنية للملاحة البحرية (ش.و.م.ب/SM)، والمركز الثقافي الجزائري بباريس، والوكالة الجزائرية للخدمات الإعلامية، وفي مسجد باريس كذلك، كما يعتمد الـ(أ.ع/SM) في فرنسا أيضا على شبكة واسعة من الأشخاص ومن أصحاب المهن والوظائف المتنوعة (محامين، مسيري فنادق، أصحاب حانات، سائقي سيارات الأجرة في كبريات المدن الفرنسية، كما يعتمد الجهاز أيضا على بعض "تجار الشنطة" من الذين يهربون بعض البضائع والمواد الممنوعة.. مقابل تقديم تسهيلات لهم لدى مصالح الجمارك الجزائرية(...)
ابتداء من سنة 1993 كان يقدر عدد ضباط وضباط صف الـ(أ.ع/SM) ومحافظي الشرطة في فرنسا (وبدون احتمال الوقوع في الخطأ) بمائة فرد عامل (ثم ما لبث هذا العدد أن أخذ في الارتفاع بعد ذلك بكيفية محسوسة)، ويضاف إلى هذا الرقم بضع مئات من المتعاونين والمخبرين... وبهذا لدينا فكرة عن المراقبة الممارسة على أفراد الجالية الجزائرية الموجودين على التراب الوطني الفرنسي، وكذلك مستوى تعاون الدولة الفرنسية ذاتها في هذا الخصوص، وهو بلا شك من الحالات النادرة في العالم التي يلاحظ فيها قبول دولة بوجود شرطة أجنبية (بمثل هذا العدد) على ترابها الوطني وبكيفية دائمة!!
ويمكن بالأحرى الحديث هنا ليس عن غض الطرف والقبول فحسب، بل على التواطؤ الصريح والكامل الذي كان محوره الأساسي هو التعاون والتقارب الشديد بين جهاز المخابرات الجزائري ونظيره الفرنسي، ولقد أمتنت هذه العلاقة بصفة خاصة ابتداء من منتصف الثمانينيات وهي الفترة التي قدم فيها ضباط من الـ(أ.ع/SM) (ومن بينهم "إسماعيل العماري") خدمات جليلة متعددة لنظرائهم الفرنسيين، وخاصة في قضية الرهائن الفرنسيين المحتجزين في لبنان، وكذلك أثناء العمليات التي هزت باريس سنة 1986، وهو الأمر الذي أكده بعد ذلك المدير السابق للمخابرات الفرنسية السيد " إيف بوني " في مذكراته 1 (http://www.anp.org/cds/chronique1.htm#_ftn1)التي وصف فيها هذه "العلاقة القوية" التي تربط جهاز الأمن الجزائري بمصالح الأمن الفرنسية بقوله:" إن فرنسا جد محظوظة لأنها تستطيع الاعتماد على شريك كهذا، كفء، وعلى دراية تامة بواقع الشرق الأوسط... إن مرشدنا في القضايا العربية هي الجزائر" 2 (http://www.anp.org/cds/chronique1.htm#_ftn2)ويضيف قائلا:" لم يتكهن أحد بصعود التيار الإسلامي، ولا بالخطر الكبير الذي سيمثله بالنسبة للجزائر بل ولفرنسا أيضا، ولا يستطيع أحد أن يقدر كم سيتعين علينا أن نكون جد متعاونين[...] كنا في المرحلة الأولى نتبادل الانطباعات والعموميات، ثم سرعان ما أصبح الحوار بيننا "عمليا" [...] وبالنسبة لهم لدينا بالمقابل معلومات دقيقة وموثوق بها عن معارضيهم..." 3 (http://www.anp.org/cds/chronique1.htm#_ftn3)
"
حوار عملي" إن هذه العبارة في لغة مصالح الأمن تعني القيام بعمليات مشتركة بل حتى تدبير مشترك "لعمليات دنيئة" [وبالفعل فابتداء من مطلع سنة 1992 والانقلاب الذي وقع في الجزائر، انتقل تعاون الجهازين نوعيا من مستوى "القضايا العربية" إلى الإشراف المشترك على الرقابة واستغلال عنف الإسلاميين الجزائريين في فرنسا، كما سيظهر ذلك في بعض المحطات التي سأوردها في هذا الكتاب (أنظر الفصل التاسع)]، لقد كان إسماعيل العماري الرجل الأساسي في هذه الشراكة إلى درجة أن علاقته بمدير جهاز الأمن الفرنسي كانت مباشرة وما تزال قائمة على أشدها حتى لحظة كتابة هذه السطور!
وعلى مستواي فإني أقدم هنا شهادة لإثبات متانة هذه العلاقة القائمة بين الجهازين : فأذكر أنني عندما كنت في منصبي في بون (ألمانيا) كثيرا ما سافرت إلى فرنسا بدون تأشيرة مع العلم بأنها كانت إجبارية على الجزائريين، وللتمكن من الحصول على الإعفاء منها كان يكفي لنظيري في باريس العقيد "لحبيب" أن يخطر المصالح المعنية كي تمنح لي رخصة خاصة من شرطة الحدود أتمكن بموجبها من الإقامة على التراب الفرنسي... وعند المغادرة أعيد الوثيقة في المطار ليختفي كل أثر لإقامتي على الأرض الفرنسية..!
وبالتأكيد فإن هذه "العلاقة المتينة والمتميزة" بين المصالح الجزائرية والفرنسية لا تعني بالضرورة أن هذه الأخيرة كانت على علم بأن المصالح الجزائرية سيصل بها الأمر إلى حد الإقدام على تفجير القنابل في باريس، لإرغام المسؤولين السياسيين الفرنسيين على التأييد بدون تحفظ لسياسة "الاستئصال" التي يمارسها جنرالات الجزائر ضد الإسلاميين على حساب عشرات الآلاف من القتلى منذ سنة 1992...
لكن، ومهما يكن من أمر فإن هذه العلاقة الخاصة قد لعبت بدون شك دورا أساسيا في هذه الحرب حتى وإن كانت المسؤولية الأولى تقع - قطعا- على رؤسائي السابقين الذين لم يترددوا في استغلالها إلى درجة تتجاوز في الحقيقة العنف الإسلامي إلى ما وراء ذلك، من تنفيذ مخططاتهم الجهنمية، وتحقيق أغراضهم الدنيئة، وإشباع نهمهم ونيل مآربهم في الثأر من كل ما يمت إلى الوطن وثوابته وقيمه الثورية بصلة وذلك هو الموضوع الأساسي الذي يتمحور حوله هذا الكتاب.

المعتصم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق