الجمعة، 15 يونيو 2012

سيناريوهات لرحيل الرئيس السوري



لم تكن خطة المبعوث الأممي والعربي كوفي عنان منذ نشأتها تقدم للشعب السوري أو تجعل له فسحة أمل في الحرية والانعتاق من ربقة الطاغية بشار، رغم أنها وجدت لها تأييدا أمميا وعربيا وأوروبيا بالإضافة للموافقة السورية والروسية والصينية، ذلك أن هذه الخطة القائمة على نقاط ستة، إنما كان يروم من خلالها النظام البعثي الأسدي ربح حيز من الوقت للمناورة والالتفاف على المطالب الشعبية عبر إجراءات شكلية، وكان هذا الأمر واضحا وجليا من خلال المبادرة العربية السابقة المكونة من خمس نقط وأسلوب النظام السوري في التعامل معها، ذلك أن النظام البعثي اختزل هذه الاتفاقية والخطة العربية لجامعة الدول العربية في قضية المراقبين. وفي خطة كوفي عنان استطاع النظام كذلك أن يحول الأنظار كلها صوب نقطة وحيدة وهي المراقبين الدوليين وعددهم وتحركاتهم وعملهم وبقيت النقاط الأخرى حبرا على ورق.
زد على ذلك أن الإسراف الذي حصل من شبيحة الأسد وأجهزته الأمنية والعسكرية في التقتيل والتنكيل دفع إلى تكوين مجموعات مسلحة ثورية إلى جانب الجيش السوري الحر، والتي تعمل بشكل مستقل الواحدة عن الأخرى دون أن يكون لها مركز قيادة موحدة، مما يجعل الالتزام باتفاقية التهدئة من الطرفين غير قابل للتطبيق.
الجيش السوري الحر من جانبه، بالإضافة إلى الوحدات العسكرية المستقلة والثوار، وبعد حصولهم على الدعم اللوجستيكي، لن يرغب في تفويت الفرصة للتخلص من نظام متجبر وحشي خصوصا وأن سمعة النظام السوري ونكاياته السابقة وعدم التزامه ومراوغاته ومماطلاته، دوافعٌ تجعل من المخاطرة السياسية بالدخول في مفاوضات رميا بالأنفس إلى التهلكة.
الربيع العربي وسقوط أنظمة عاتية كنظام القذافي وبنعلي ومبارك وعزل علي عبدالله صالح، تبقى الدافع النفسي والواقعي الكبير الذي يحرك الثوار بمختلف توجهاتهم إلى ضرورة مواصلة الثورة حتى إسقاط النظام البعثي وتحرير بلاد الشام من نظام حكم لأزيد من 42 سنة بقبضة من حديد أهلك فيها البلاد والعباد حتى وإن كان الثمن باهظا.
النظام السوري ورئيسه الأسد أضحى يدرك بجلاء أن قضية عزله باتت وشيكة، وأن مصيره إما الهرب كما فعل صالح أو المحاكمة كما فُعل بمبارك أو القتل كمصير القذافي، وهو في إدراكه هذا يستند إلى مجموعة من المعطيات أولها فشل أسلوب المناورة لديه، والتي لم تستطع خلال هذه المدة الكبيرة أن تدفع بالثوار أو المجلس الوطني إلى فتح قناة للتحاور والتواصل رغم الضربات القوية التي وجهها النظام الأمني والعسكري للمدنيين في المجازر الرهيبة والتي كان آخرها مجزرتي بلدة الحولة وقرية القبير، فرغم محاولاته عبر الاستفتاء والانتخابات الشكلية التي روج لها وأعطى نسبا عالية في نجاحها، لم يستطع أن يهدئ الشارع السوري ولا أن يحد من تفاقم الاحتجاجات والإضرابات والمسيرات، والتي تزداد مع كل شهيد يسقط أو بلدة تحرق.
ثم ثانيها تفاقم التحالف الدولي المتجه نحو عزل النظام الأسدي عبر تكثيف الاتصال الأممي والأوروبي والأمريكي والتركي لإيجاد حل سريع للأزمة السورية وعلى رأسها عزل بشار وهو الموقف الذي تبناه الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا عبر تأكيده بأن نظام الأسد لم يعد شرعيا، وكذا الموقف الأمريكي الذي أكدته وزيرة الخارجية كلينتون خلال لقائها مع وزير الخارجية التركي.
ثالثها الرفض الكبير الذي صار يعانيه من دول الخليج والتي لوح بعضها بضرورة سقوط نظام الأسد، ولوح آخرون بالمساندة المسلحة العلنية للثوار، وكذا عدم الثقة بين الجامعة العربية والنظام السوري خصوصا عندما رفض نظام بشار تواجد أعضاء وممثلين للجامعة العربية في لجنة كوفي عنان الشيء الذي سيزيد من حدة الاحتقان مع الدول العربية والتي نددت في مجملها بالمجازر الأخيرة.
الحرج الكبير الذي أضحت تجده القوة الداعمة الروسية، فرغم حرصها على حليفها الاستراتيجي الذي يعتبر أكبر مستورد للأسلحة الروسية، والذي يملك أكبر قاعدة عسكرية روسية، لن تستطيع الاستمرار في التغطية على نظام الأسد خصوصا مع ارتفاع وتيرة المجازر والتي خلفت مجموعة من الشهداء في الأطفال والنساء والمسنين، حيث ستعمد هذه الأخيرة إلى قبول الحل بالانتقال السلمي للسلطة ودعوة بشار الأسد إلى مغادرة البلاد صوب روسيا خصوصا مع ما رجح من أنباء في الصحف الدولية على أن الأسد قد قام بتهريب مليارات إلى دولة روسيا الحليفة، وإن كان الخبر صحيحا فهذا يعني أن الأسد صار يبحث عن ملجأ للهروب، ومما يزيد الأمر بيانا وإيضاحا هو تزايد عمليات القتل، حيث يريد دفع الثوار بقبول مغادرته البلاد دون محاكمة أو محاسبة، كما يظهر من خلال الموقف الروسي الذي 'بدأ يتغير بشكل تدريجي ، وسمعنا ميخائيل بوجدانوف نائب لافروف يؤكد أن موسكو ستقبل انتقال السلطة في سورية على غرار ما حدث في اليمن، إذا قرر الشعب السوري ذلك، وهو تصريح فسره مراقبون على أن الكرملين ينأى بنفسه عن الرئيس الأسد' وهو التوجه الذي ينحو نحوه الموقف الأممي والأوروبي والأمريكي الذي يسعى إلى دفع روسيا للضغط على بشار بقبول حلحلة سياسية تتوج بمغادرة بشار .
الوجهة الأخرى المحتملة هي الحليف الإيراني الذي سبق ودعا الرئيس السوري للمغادرة صوب طهران والتي تمثل دعما سياسيا وعسكريا وبشريا من خلال أدرع بشرية لها في الساحة والميدان السوري.
ويبقى السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن يفر الأسد من مسرح الثورة السورية إلى مسرح البؤرة الروسية في انتظار متابعات قضائية تكشفها الأيام القابلة لتتوج ثورة الربيع العربي بسقوط طاغية من طغاة العرب
القدس العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق