الثلاثاء، 5 يونيو 2012

يوم أحرقنا العواصم


للكاتب  و الصحفي الكبير الراحل نبيل خوري من كتابه {المرافئ القديمة}

 
العالم كله تعب من الحرب.
ونحن كذلك.
فالحرب، والهزيمة، سحقتا الإنسان العربي.
واستمرار حالة الهزيمة حوّل هذا الإنسان من حالم بوطن عربي قوي، موحد، إلى لاهث بدون حلم وراء أبسط متطلبات الحياة، من مأكل وملبس وتعليم وسقف.

إسرائيل إحتلت في العام 1982 بيروت، عروس عواصم العرب، فلم يتظاهر عربي واحد، لا في المشرق ولا في المغرب.

قبل ذلك، كنا نحرق عواصم العرب، ونستعير أحياناً عواصم أخرى تظاهراً لعروبة عربستان الضائعة، أو إعتراضاً على الهروب العربي الكبير من الأندلس، أو إحتجاجاً على مقتل لومومبا!
بعض العواصم العربيّة إتشح بالسواد، يوم جاء خبر مقتل تشي غيفارا.
كل هذا إنتهى.
وتحولنا من ثوار إلى طالبي {سترة}.
وتحولت النار في الشوارع إلى نيران في داخلنا.
زحفت الهزيمة من الجبهة إلى منزل كل عربي، ووصل بنا الأمر إلى إختراع كلمة إحباط لنصّب فيها ما هو أقسى من القهر وأقوى من اليأس.
من أجل هذا عمت الفرحة كل منزل عربي يوم عقدت قمة مدريد.
ولم تكن الفرحة فقط لأن هذه القمة قد تحرر الأرض العربيّة، بل لأنها أيضاً قد تحرر العرب من الفقر.
 
فمنذ هزيمة العام 1948 أصبح بند {السلاح أولاً} هو الذي يتصدر موازنات الدول العربيّة، وكل ذلك تحت شعار التحرير. وكل ذلك على حساب المدرسة والمستشفى والبيت ..... وأحياناً كثيرة على حساب الرغيف.
 
وتحمّل الإنسان العربي، وإلى ما يقارب نصف قرن، ما لم يتحمله شعب في العالم. وإنتظر النصر والتحرير، فإذا به يفاجأ وهو في عزّ غروره بهزيمة جديدة قصمت ظهره في العام 1967، فاتسع حجم الإحتلال ... وإتسع حجم الفقر. ظن أنه سيودع الذل والفقر معاً العام 1973، لكن حلمه كان قصيراً، خصوصاً عندما تولت الحرب القصيرة إلى خروج أكبر دولة عربيّة {مصر} من المواجهة العسكريّة مع إسرائيل.
 
ودفع لبنان ثمن هذا الصلح المصري المنفرد، وظهرت فجأة كل البطولات العربيّة والإسرائيليّة تتصارع على أرضه، فدُمِّر كما لم يُدمَّر وطن، وقُتل من أبنائه ما يوازي كل من قُتل في حروب العرب مع إسرائيل، وشُرِّد أهله {داخل الوطن وخارجه} كما لم يُشرَّد أهل. وكاد هذا الوطن الغالي يضيع، ويتفتت .... لو لم تبقه زلازل التغييرات المذهلة في العالم.
 
وكأنما قدر العرب هو أن لا يخرجوا من حرب حتى يدخلوا في أخرى، فكانت حرب الخليج، التي ــ مهما قيل في أسبابها ــ إنتهت بخروج دولة عربيّة كبرى {بعد مصر} من المواجهة مع إسرائيل.

نكدّس السلاح ولا ننتصر.
ونجيّش الجيوش ولا نحارب. ونهدر طاقاتنا بلا مقابل.
من هنا وجدنا في دعوة الرئيس الأميركي جورج بوش الأب إلى عقد مؤتمر مدريد، ما يشبه ورقة الخلاص.
الأرض مقابل السلام، قال.
ونحن نريد الأرض مقابل السلام معاً.
ونريد إنماء الإنسان العربي، ونريد أن نعمّر أوطاننا، ونريد أن نعلّم أطفالنا، ونريد أن نطبب مرضانا، ونريد سلاماً مع أنفسنا.

وذهبنا إلى مدريد، يطاردنا شعور بأنها الطريق الوحيد إلى الأرض والسلام معاً، ولا طريق غيرها وبأن زعيمة العالم الكبرى قد شقت هذا الطريق، لا حرصاً على سلامنا وإستقرارنا فقط، بل لأنها تريد إستقراراً {ولا حروب} في كل العالم، فكيف بهذه المنطقة التي تمد {الزعيمة} بالنور ... والتي تسبح على بحر من الذهب الأسود؟
وشعرنا ، وشعر الجميع ، بأنها كانت جادة في دعوتها.
كانت ....
ولا تزال ...
والشاهد الأخير كان جنيف.
وكان لا بد من جنيف {وإن طال السفر}.....
ولا بد من القدس أيضاً، مهما طال السفر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق