الأحد، 3 يونيو 2012

أكل الميتة ولحم الخنزير

 
بالطبع، لايريد كاتب السطور أن تنتهي رئاسة مصر للفريق أحمد شفيق، حتى لو كان الثمن هو التصويت لمحمد مرسي مرشح قيادة الإخوان في جولة الإعادة، التصويت لمرسي اضطرارا لا اختيارا، وعلى طريقة أكل الميتة ولحم الخنزير .
والسبب ظاهر جدا، فصعود أحمد شفيق ـ لاقدر الله ـ إلى كرسي الرئاسة كارثة سياسية وروحية، ويعني هزيمة رمزية كاملة للثورة، ووضع مصر على كف عفريت، وزعزعة الأمن على الفور، وتوريط الجيش في حرب مع الشعب، فالخلاف مع شفيق خلاف جنائي وليس سياسيا فقط، بينه وبين الثورة وأهلها بحور من الدم، وذهابه إلى قصر الرئاسة ـ لاقدر الله ـ يعني عودة مبارك 'مثله الأعلى' إلى الحكم .
وقد لايكون شخص مرسي أفضل من شخص شفيق، فكلاهما الأسوأ بامتياز، لكن الخلاف مع مرسي يظل سياسيا، ويعكس الخلاف مع قيادة الإخوان ومكتب إرشادها، وليس الخلاف مع عضوية وقواعد وجمهور الإخوان، فهؤلاء الأخيرون بمئات الآلاف، وفيهم كثير من خيرة شباب مصر وشاباتها، وهم جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية المصرية، والتحقوا بالثورة متأخرين بسبب خطايا قيادتهم المساومة، لكنهم قدموا تضحيات هائلة مع شباب الثورة، وتعرضوا لخذلان قيادتهم التي دخلت فى مساومات وصفقات رذيلة مع المجلس العسكري، وتنكرت لأولوية الثورة وشرعيتها، وسعت إلى المغانم على حساب الذين دفعوا المغارم، ورفضت كل مطالب كنس النظام القديم، وأعاقت ـ بأكثريتها البرلمانية ـ تشريع قوانين جدية لمصادرة الأموال المنهوبة، وتفعيل قانون محاكمة مبارك وعصابته بتهمة الخيانة العظمى، وتباطأت في إصدار تشريع شامل لعزل جماعة مبارك سياسيا، ثم تذكرت قصة العزل في أوان متأخر، وأصدرت تشريع 'عزل انتقائي' بدا محدودا جدا، وتظاهر المجلس العسكري بالموافقة والتصديق عليه، ثم ترك الباقي للجنة الانتخابات الرئاسية التي أوقفت تطبيقه، وسمحت بترشح شفيق بعد ساعات من استبعاده، ودون أن يصدر عن برلمان الإخوان أى رد فعل يدافع به عن تشريع أصدره، وكأن هناك اتفاقا ضمنيا على فتح الطريق لشفيق مرشح عائلة مبارك والمجلس العسكري، وبدعوى 'حصانة' لجنة الانتخابات وقراراتها، وتحريم الطعن على قراراتها أو التقاضي عليها، وهو التحريم الذي صاغه المجلس العسكري في الإعلان الدستوري، ورفضته كل القوى الحية في مصر، لكن المجلس العسكري استقوى بالإخوان والسلفيين في إقراره وإنفاذه، وهو ما يبرز مسؤولية قيادة الإخوان ودورها في ترشح شفيق، وخوضه لجولة الإعادة مع مرشحهم محمد مرسي، وعلى أمل أن يثبتوا للمجلس العسكري أنهم أكثر جدوى وضمانا لراحته من شفيق شخصيا .
هكذا تبدو جولة الإعادة الرئاسية بين قرينين، أحدهما ـ شفيق ـ بذقن حليق كما تقضي التقاليد العسكرية، والآخر ـ مرسي ـ بلحية كثيفة منتظمة كما تقضي التقاليد الإخوانية، وربما لو حلق مرسي ذقنه لوجدنا تحتها وجه شفيق، فكلاهما أسوأ من الآخر، كلاهما مخجل حقا، وبلا مؤهلات شخصية قيادية تذكر، وهذا هو المأزق الذى ينحشر فيه المصريون الآن، وقد يقال لك أنها نتائج إنتخابات الجولة الرئاسية الأولى، وهذا صحيح شكلا، لكنه فارغ تماما من المضمون، ومخالف لأبسط بديهيات القانون، فلم يكن من حق شفيق أن يترشح من الأصل، فقانون العزل السياسي قائم ومصدق عليه، وهو يحظر ترشح شخصيات بينها شفيق، إذ يحظر ـ وعلى مدى عشر سنوات ـ ترشح كل من شغلوا مناصب رؤساء الوزارات في عشرية مبارك الأخيرة، وقد كان شفيق آخر رئيس وزراء لمبارك، وخلعته الثورة كما خلعت مبارك، وسماح لجنة الانتخابات الرئاسية بترشحه بلطجة ودهس للقانون، وكذلك السماح بدخوله جولة الإعادة، ولو أن القانون جرى تطبيقه كما هو مفترض في أي ممارسة ديمقراطية، وخاصة أن القانون صدر عن برلمان منتخب، لو أن القانون جرى تطبيقه لكنا في موقف مختلف تماما، ولم يكن المصريون ليكونوا في وضع الاختيار بين الأسوأ 'الفلولي' والأسوأ الإخواني، وبحسب نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، كانت الإعادة ـ القانونية الشرعية ـ ستجرى بين محمد مرسي وحمدين صباحي، والأخير هو 'الحصان الأسود' في الانتخابات كلها، والفائز الأول بأصوات جمهور الثورة ومدنها الكبرى، ولو جرت مثل هذه الإعادة، فالنتيجة معروفة سلفا، فسوف يكتسح صباحي شعبيا، وينهزم مرشح قيادة الإخوان محمد مرسي، وتكون الهزيمة كاملة للثورة المضادة بجناحيها الإخواني والمباركي، والجناحان يتنازعان على تمثيل المعنى نفسه، وأرادا بالتواطؤ ـ الظاهر والخفي ـ حصر الاختيار بين مرسي وشفيق .
وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا إذن ندعو إلى التصويت ضد شفيق في جولة الإعادة المصطنعة، وحتى لو كان الثمن هو التصويت لمرسي ؟، يبدو السؤال في محله تماما، وكثير من القوى الثورية تفضل الإجابة السهلة، وتدعو لمقاطعة جولة الإعادة المصطنعة، ولهم مبرراتهم الأخلاقية والسياسية الوجيهة، لكن المقاطعة ـ عندي ـ لاتبدو الخيار الأمثل الآن، وبرغم اعترافي أن جولة الإعادة المصطنعة تدهس الشرعية الثورية والشرعية القانونية معا، لكنني ألفت النظر إلى شيء يبدو بالغ الأهمية، وهو ذلك التناقض الملفت بين الثورة العفية والمجتمع المنهك، وأهم ما جرى في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية هو أن الثورة كسبت أرضا انتخابية واسعة في المجتمع، وراقبوا خرائط التصويت جيدا، خاصة بالنسبة لمرشحي الثورة البارزين حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، وخصوصا في حالة حمدين صباحي بالذات، والذي خاض المعركة بلا تنظيم ولا مال ولا ماكينة انتخابية يعتد بها، وكسب المركز الأول في عواصم مصر الكبرى المؤثرة بإمتياز في الحركة الاجتماعية والسياسية والحضارية، وقد دعونا ـ قبل الانتخابات ـ إلى تقديم مرشح واحد للثورة، ووقتها كان بوسعه الفوز من الجولة الأولى، ولم يحدث ذلك للأسف، لكن النصر الانتخابي للثوريين مما يجب الحفاظ عليه، والبناء فوقه بتعظيم نسب المشاركة الانتخابية، وبتشكيل حزب وطني جامع للثوريين، وتحطيم هيمنة التنظيم الإخواني على الحياة السياسية، وقد صار ذلك ممكنا الآن، خاصة بعد تراجع شعبية الإخوان إلى النصف تقريبا في خمسة شهور فاصلة بين انتخــــابات البرلمان وانتخابات الرئاسة، وهو ما يضيف إلى أولوية الخلاص من جناح جماعة مبارك، ومنع شفيق من الوصول للرئاسة، بل الذهاب به إلى السجن الذي يستحقه، وحتى لو كان الثمن هو تصويت الثوريين لمرسي على طريقة الإضطرار لأكل الميتة ولحم الخنزير، ومرسي ـ بالتأكيد ـ ليس مرشح الثورة، وقيــــادة الإخوان التي تقف خلفه تسعى لاستحواذ واحتكار ينتهي بالانتحار، فدعوا لها الفرصة لكي تنتحر شعبيا، واعملوا لهزيمتها في جولة حسم تالية، فالثورة لاتزال في الشارع وفي الصندوق الانتخابي، الثورة تنتصر الآن بمراكمة النقاط، وغدا تنتصر بالضربة القاضية ..
' كاتب مصري
عبد الحليم قنديل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق