الاثنين، 18 فبراير 2013

البكاء

البكاء يغسل أدران القلوب :

إنها حقيقة لا مراء فيها، فالبكاء من خشية الله تعالى يلين القلب ، ويذهب عنه أدرانه، قال يزيد بن ميسرة رحمه الله : " البكاء من سبعة أشياء : البكاء من الفرح ، والبكاء من الحزن ، والفزع ، والرياء ، والوجع ، والشكر ، وبكاء من خشية الله تعالى ، فذلك الذي تُطفِئ الدمعة منه أمثال البحور من النار ! " .

وقد مدح الله تعالى البكائين من خشيته، وأشاد بهم في كتابه الكريم: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا. ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا. ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) [الإسراء 107-109].

البكاء شيء غريزي:

نعم هذه هي الفطرة فالإنسان لا يملك دفع البكاء عن نفسه ، يقول الله تعالى: ( وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ) [ النجم / 43 ] قال القرطبي في تفسيرها : " أي : قضى أسباب الضحك والبكاء ، وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني : أفرح وأحزن ؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء...



أنواع البكاء:

لقد ذكر العلماء أن للبكاء أنواعا ومن هؤلاء الإمام ابن القيم رحمه تعالى إذ ذكر عشرة أنواع هي:

- بكاء الخوف والخشية .

-بكاء الرحمة والرقة .

- بكاء المحبة والشوق .

- بكاء الفرح والسرور .

- بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله .

- بكاء الحزن .... وفرقه عن بكاء الخوف : أن الأول -" الحزن " - يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب وبكاء الخوف : يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك ، والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان ، ودمعة الحزن : حارة والقلب حزين ، ولهذا يقال لما يُفرح به هو " قرة عين " وأقرّ به عينه ، ولما يُحزن : هو سخينة العين ، وأسخن الله به عينه .

- بكاء الخور والضعف .

- بكاء النفاق وهو : أن تدمع العين والقلب قاس .

- البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها .

- بكاء الموافقة : فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون.






فضل البكاء من خشية الله:



إن للبكاء من خشية الله فضلا عظيما ، فقد ذكر الله تعالى بعض أنبيائه وأثنى عليهم ثم عقب بقوله عنهم: ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ) [مريم58].

وقال تعالى عن أهل الجنة : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } [ الطور 25 – 28 ]

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال: " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع " .

وقالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ..."وفي آخره:" ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " .

وقال " عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة من دموع خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران : فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله ".وكان السلف يعرفون قيمة البكاء من خشية الله تعالى،فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : " لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ! " .

وقال كعب الأحبار : لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً.


بكاء النبي صلى الله عليه وسلم:

عَن ابن مَسعودٍ - رضي اللَّه عنه – قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " اقْرَأْ علي القُرآنَ " قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً ) [ النساء / 40 ] قال " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتُّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ .

ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يحفرون قبرا لدفن أحد المسلمين وقف على القبر وبكى ثم قال : " أي إخواني، لمثل هذا فأعدوا " .

أما عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير - رضي اللَّه عنه – فيقول : أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ .

وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله..." الحديث.

وقام ليلة يصلي فم يزل يبكي ، حتى بل حِجرهُ !

قالت عائشة : وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته !

قالت : ثم بكى حتى بل الأرض ! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي ، قال : يا رسول الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! قال : " أفلا أكون عبداً شكورا ؟! لقد أنزلت علي الليلة آية ، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها ! (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ …) الآية.






بكاء الصحابة رضي الله عنهم:



لقد رأينا شيئا من بكائه صلى الله عليه وسلم وقد تعلم الصحابة رضي الله عنهم من نبيهم البكاء فعن أنس رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " ، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ، وفي رواية : بلغَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال : " عرضت عليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم من الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين " . والخنين : هو البكاء مع غنّة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق