الثلاثاء، 26 فبراير 2013

الاردن من احضان امريكا الى احضان سوريا .

  سلسلة 'مضايقات' سعودية وضعت الأردن في أحضان القيصر الروسي
إصرار رئيس الديوان الملكي السعودي النافذ خالد التويجري طوال الأسابيع الماضية على إرهاق الحكومة الأردنية بإجراءات بيروقراطية تكفل بها وزير مالية الرياض إبراهيم العساف إنتهى عمليا بالإعلان ـ غير الرسمي- عن إقامة أضخم مشروع للصناعات الروسية الثقيلة في الصحراء الأردنية .
عشية الاستعداد لرفع أسعار الكهرباء في الأردن توقف العاهل الملك عبدالله الثاني في موسكو بزيارة وصفتها مصادر 'القدس العربي' بأنها 'خطيرة ومهمة جدا'.
قبل الزيارة حاول وزير المالية الأردني سليمان الحافظ عبثا إرسال عشرات الخطابات لنظيره السعودي على أمل تحويل 'منحة مالية' كانت مقررة بأسرع وقت ممكن تجنبا لاضطرابات كان يمكن أن تشهدها المملكة الأردنية بسبب رفع الأسعار.
المنحة تخص خصما سعوديا طفيفا بمقدار 30 بالمئة أمر به الملك عبدالله بن عبد العزيز لصالح الأردنيين، وفيما كانت إتصالات شخصيات عاملة في القصر الأردني لا تجد من يجيب عليها في مكتب التويجري الشخصية الأكثر نفوذا في قصر العاهل السعودي تكفل وزير المالية السعودي بإرهاق نظيره الأردني ودفعه لوضع قرار بين أدرج الحكومة يقضي برفع أسعار الكهرباء بنسبة 14 بالمئة على الأقل.
وزير المالية السعودي واستنادا إلى أوساط الحكومة الأردنية أصر خلال الاتفاق على نقل منحة الخصم التي بقيت سرية وغير معلنة بناء على طلب الرياض على سلسلة إجراءات بيروقراطية 'غير معتادة' تضايق الجانب الأردني بل تجعل الطرف السعودي على صلة مباشرة بمؤسسات أردنية سيادية وحساسة، الأمر الذي أزعج سلطات القرار في عمان.
في التفاصيل أبلغت المالية السعودية بان نسبة الخصم '30 بالمئة' على الفاتورة النفطية لن تسجل مباشرة وأن على عمان دفع فاتورة النفط كاملة ثم إعادة الفارق لها لاحقا..إستغرب الوزير الحافظ هذا الإجراء لكنه وافق عليه مضطرا حتى عالجه زميله السعودي بشرط آخر يتمثل في إصرار مالية الرياض على تحديد الجهة الأردنية التي سترسل لها فوارق الخصم وهو شرط غير مسبوق في مقاييس التعاون المالي القديم بين الجانبين.
لم تقف وزارة المالية السعودية عند هذا الحد بل استرسلت في مضايقة الحكومة الأردنية عندما طالبتها بالتزامات سابقة لها بخصوص دعم معسكرات اللاجئين السوريين الذين أصبحوا عبئا على الخزينة الأردنية.
هنا وجهت رسالة إزعاج بيروقراطية نادرة لعمان تمثلت في إصرار الجهات السعودية المعنية بمساعدة اللاجئين السوريين على توجيه معوناتها المالية والعينية مباشرة وعبر موفدين سعوديين أو عبر السفارة السعودية في عمان وأبلغت عمان بوضوح بأن معونات السعودية لن تعبر على محطة الهيئة الخيرية الهاشمية الأردنية التي تتولى أصلا استقبال المساعدات من كل مكان في العالم .
مسلسل المضايقات بدأ مبكرا وقبل نحو عام عندما فوجىء محافظ البنك المركزي الأردني الدكتور زياد فريز خلال اجتماع مع بعثة دولية بأن السعودية 'لا تمانع' بإلحاق معوناتها المالية بحزمة الإجراءات الدولية ..المعنى الفني لذلك واضح وهو أن أي دولار سعودي سيخصص للأردن مستقبلا سيخضع لشروط ومواصفات الصندوق الدولي.. تلك كانت خطوة جديدة تماما وغريبة.
لذلك أبلغت مسؤولة بعثة البنك الدولي للأردن وزير المالية سليمان الحافظ بما يلي: بعد الان لن تحصلوا على دولار واحد إلا عبرنا.. صعق الوزير عندما أضافت: بما فيها مساعدات أشقائكم العرب.
إلا ان المضايقات لم تقف عند هذه الحدود فعلى مدار عامين من انطلاق حراك الشارع الأردني جفت تماما المساعدات السعودية رغم إرسال عشرات الاستغاثات وبكل اللغات وحصلت المفاجأة الأكبر عندما شك صناع قرار أردنيون بأن واشنطن هي التي تقف وراء موجة خليجية مفاجئة قررت ربط أي مساعدات للأردن بما يسمى بالمشاريع الإنتاجية.
معنى ذلك أيضا واضح وهو ان الدفع سيتم بدون الحكومة الأردنية ولمشاريع إنتاجية يحددها الطرف المانح ومباشرة بالميدان.
بدأ الأمر الاماراتيون ثم لحقهم القطريون وفوجئت عمان بأن السعودية أيضا ترسل وفدا بدعوى مناقشة مشاريع إنتاجية يمكن تمويلها.
طوال الوقت تذرعت شخصيات سعودية بوجود 'فساد' في الأردن وبوجود سبل إنفاق غير شفافة ..لذلك وفي اجتماع داخلي للغاية طرح رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور سؤالا سريعا: منذ متى يهتم أشقاؤنا في الخليج بالشفافية إلى هذا الحد؟
في الاثناء زار رئيس مجلس الأعيان الأردني طاهر المصري قطر وتوقف على الهامش مع أميرها واستفسر منه عن الأسباب التي تدفع الدوحة لترك عمان في ظرف اقتصادي صعب للغاية فجاء الجواب القطري على شكل: قررتم اللعب مع السعودية فقط ..عليكم تحمل الكلفة.
مسلسل المضايقات السعودية ثم الخليجية أثار حفيظة كبار المسرولين الأردنيين.. على رأس هؤلاء كان رئيس الوزراء عبدالله النسور الذي 'همس' في أذن رؤساء تحرير صحف مقربة من السلطة ملمحا الى ان القانون غير المكتوب الذي يمنع تماما انتقاد السعودية لأي سبب في الأردن أصبح لاغيا.
إستجابة نادرة رصدت في عمان للتوجيه الرئاسي وهي في صحيفة 'الدستور' اليومية التي نشرت افتتاحية لأول مرة في تاريخ الصحافة الأردنية تتحدث عن دور الأردن الذي يتم نكرانه في حماية أمن وحدود السعودية.
صحيفة 'الرأي' الحكومية تجاهلت تماما 'همسة' النسور لإن الإعلام الرسمي لا يمكنه تجاهل القانون المشار إليه ببساطة إلا ان النسور واصل بترتيب مع جهات عليا على الأرجح توجيه رسائل الغضب باتجاه السعودية ..الرسالة الأبلغ كانت على هامش لقاء في رئاسة الوزراء مع مراسلي الصحافة الأجنبية قال فيه النسور ما يلي: لولا الأردن لخصص الأشقاء في الخليج نصف ثرواتهم لشراء منظومة صواريخ دفاعية ضد إسرائيل والإرهاب.
الإستجابة الوحيدة على صاروخ النسور السياسي كان المزيد من التشدد البيروقراطي في الرياض عندما يتعلق الأمر بملف المساعدات للأردن حيث تتهم شخصيات أردنية بارزة التويجري ووزير المالية تحديدا بالمسؤولية عن هذا التشدد خصوصا بعد ضعف ظهور الملك عبد الله بن عبد العزيز وتراجع نفوذ الأمير عبد العزيز بن فهد وهو صديق سابق لعمان في الوقت الذي لم يفعل فيه ولي العهد الأمير سلمان أي شيء حقيقي سوى التضامن اللفظي مع ثلاثة جنرالات في المؤسسة الأردنية زاروه أملا في تحريك بوصلة المساعدات قليلا وعم قادة الجيش والأمن والمخابرات في الأردن.
محصلة المشهد يمكن القول بأن الأداء السعودي وبعده الخليجي في التعامل مع التحديات التي يعيشها النظام الأردني عناصر أساسية في المشهد المركب الحالي الذي انتهى بان استقرت عمان في حضن القيصر الروسي حتى وصل الأمر لما يمكن وصفه بإطلاق بالون الإختبار الروسي الأكبر في سياق سعي موسكو للسيطرة على إيقاع المنطقة والمتمثل بقصة المصنع العملاق للسلاح الروسي في الصحراء الأردنية.
عمليا لا توجد أدلة على أن عمان تتجه فعلا لمجازفة 'غير محسوبة' مع موسكو يمكن أن تؤدي بها لإغضاب واشنطن والأرجح أن موسكو مستعدة لمساعدة عمان في العمل على مناورات سياسية وإعلامية بامتياز تعزز موقفها التفاوضي أمام الولايات المتحدة ومنظومة الخليج.
قد يكون ذلك هو الهدف الأعمق أو الأبعد لتسريب قصة مصنع السلاح الروسي العملاق لكن القيادة الأردنية بالحد الأدنى تلفت نظر الشقيق والصديق إلى أنها ليست خالية من الخيارات ومستعدة للمجازفات عندما تصل الأمور لحد الحرب المالية والثابت الوحيد حتى الآن ان أي هرولة أردنية في حضن القيصر الروسي وأي تغيير في موقف عمان من المشهد السوري ليس سوى 'صدى' لمضايقات السعودية سالفة الذكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق