الاثنين، 11 فبراير 2013

صبحكم الله بالأمن والإيمان, ورضى الرحمن, وأجاركم من نزغات الشيطان.أسرار الانقلاب الفاشل في تونس


صبحكم الله بالأمن والإيمان, ورضى الرحمن, وأجاركم من نزغات الشيطان 

أسرار الانقلاب الفاشل في تونس
يشمل النقل المباشر اليوم كلّ الأحداث الخطيرة التي يمكن أن تغيّر مصير الشعوب. وكما شاهدنا على شاشاتنا تفاصيل الحرب على العراق وعلى غزّة ...، نقلت لنا الفضائيّات المقتدرة على الهواء أطوار الثورات السلميّة من تونس إلى البحرين ومازالت تقذفنا بحوادث الثورة الدمويّة في سوريا كما فعلت مع أختها في ليبيا.
والجديد في هذا النوع من المواكبة الإعلاميّة الآنيّة يأتي من تونس وهي تعيش على وقع المؤامرات الانقلابيّة في انسجام عجيب مع مؤامرات من جنسها تعمل على إدخال مصر في الفوضى.
لقد كانت أكثر الانقلابات العسكريّة والسياسيّة تحاك في الخفاء وتُـنفّذ بغتة، أمّا اليوم فالانقلابات تجري أمامنا وفق خطط مكشوفة. والمفاجأة أنّ هذا النوع يحقّق رغم علنـيّـته بعض المكاسب ولعلّه يقترب في تونس من النجاح النهائيّ في حالة الإطاحة بشرعيّة الصندوق وتقديم الحكم للانتهازيّين الذين يتحيّنون الفرص للانقضاض على السلطة بمشروعيّة مزيّفة تسمّى التوافقيّة... وبعد الاغتيال، اخترعوا 'شرعيّة الدم' متسلّحين بالصندوق الذي نقل بلعيد إلى مثواه الأخير. صندوق أو نعش سارت خلفه حشود كبيرة تمّ استثمارها في مختلف الحوارات التي أقيمت على هامش الجنازة وكأنّها بيعة شعبيّة للمعارضة التي تنادي بانتهاء شرعيّة صناديق الانتخاب. وهم بذلك دعاة فراغ بخطّة فاشلة رغم الدعم الأجنبيّ الذي ساندها.
وبعيدا عن العواطف الحزينة والمشاعر الغاضبة التي رافقت الساعات الأولى من حدث الاغتيال والتي أخمدت صوت العقل وأزاحت العقلاء من المشهد الإعلاميّ، يتوجّب على النخبة السياسيّة الاعتراف بفشلها فشلا ذريعا في التعامل مع ذلك المصاب بالمستوى المطلوب من التعقّل والحكمة. فقد وقعت مرّة أخرى في فخّ حب الظهور والبروز للاستفادة من جريمة سياسيّة سرعان ما وُظّفت لتحقيق المكاسب الحزبيّة ودم الفقيد لم يجفّ بعد. كنت أتمنّى شخصيّا أن يعتذر كلّ السياسيّين عن الذهاب إلى ساحات الوغى والغوغاء التي دأبت قنواتنا التونسيّة على فتحها. كان عليهم أن ينتظروا يوما أو يومين احتراما لتلك الروح التي أزهقت بيد غادرة لا تحبّ الخير لهذا الوطن، فيكتفوا بتصريحات مقتضبة وينأوا بأنفسهم عن التراشق بالتهم وتصفية الحسابات كما حدث على التونسيّة ونسمة وحنبعل والوطنيّة، بالإضافة إلى فرانس 24. ولكنّ ما حدث في تلك القنوات كان على الأرجح حلقة مخطّطا لها تابعة للحلقات التي سبقتها والتي ستعقبها في مسار المؤامرة التي تستهدف ثورة الشعب التونسيّ المسالم. والخطّة قيد التنفيذ على الهواء مباشرة في شكل صراع بين فرقاء تجمعهم أحزاب تتنافر حينا وتجتمع حينا آخر في جبهات وتحالفات، وتنقسم اليوم إلى قوى ديمقراطيّة تقدّميّة، وأخرى رجعيّة ظلاميّة حسب المعايير الفرنسيّة التي دخلت على الخطّ بعد مقدّمات ذكرناها منذ شهر في هذه الزاوية تحت عنوان: حرب في مالي وتونس على القائمة.

تونس المستعمرة

بعد أن شوّه برنامج 'المبعوث الخاص' على فضائيّة فرانس2، (قبل شهر) صورة تونس بمغالطات لا حصر لها، في بادرة استباقيّة أو تمهيديّة أو توليديّة للجريمة التي وقعت، كشفت عمليّة اغتيال بلعيد الموقف الفرنسيّ المعادي لثورة الشعب التونسيّ بشطب تونس من قائمة بلدان الربيع العربي، وكأنّ فرنسا حارسة لذلك الربيع او راعية له أو عاملة على إنجاحه، وهي التي ساندت بن علي إلى آخر رمق في نظامه. وفي سياق زلّة اللسان التي وقعت فيها قارئة الأخبار على فرانس 24 فوصفت تونس بالمستعمرة، تحدّث وزير الداخليّة الفرنسي إيمانيال فالس عن تونس وكأنّها مقاطعة تابعة لبلاده، فقال:'إنّها لم تعد مثالا للربيع العربيّ' وألحقها بقرار منه بالبلدان الظلاميّة التي تهدّد القيم الديمقراطيّة في تونس وفي حوض المتوسّط، وتجعل باريس في حالة انشغال وقلق. والأخطر من كلّ ذلك أنّه طمأن الصحفيّ من (إذاعة أوروبا الأولى) بأنّ 'فرنسا ستساعد القوى الديمقراطيّة' حتّى تعيد البلاد إلى الجادّة الصحيحة وتنقذ مسارها من الأخطار التي تهدّد استقرارها، فتونس سقطت في قبضة 'القوى الرجعيّة التي تشكّل خطرا على مكاسب النساء وتجبرهنّ على التحجّب' على حدّ قول هذا الوزير المتحامل، حمّال الحطب.
الصحفيّ الذي حاور الوزير حوّل تونس إلى بلد يعيش وضعا مشابها لمالي أو سوريا وتساءل عن مصير اللاجئين التونسيين الذين سيفرّون من الحرب أو الظلام أو الحجاب أو الخطر الداهم الذي قد يكون ديمقراطيّة وتحرّرا من كلّ أشكال الهيمنة السابقة التي كانت فرنسا حارسة لها، فقال الوزير مطمئنا للصحفيّ وللتونسيّين: 'فرنسا كانت ومازالت، أرض غوث وحماية'. كلام خطير كهذا، لم يغضب، وسائل إعلامنا الوطنيّة، فمرّ دون ضجيج يذكر، وأهملت ردّ وزير الخارجيّة الذي شاهدناه على الجزيرة فقط. وبنفس الإهمال، تجاهلت 'القوى الديمقراطية' ذلك التدخّل بصمت مطبق والسكوت من علامات الرضا. وكلّ ذلك يكشف مدى التنسيق بين فرنسا راعية الديمقراطية و'معارضتنا الوطنيّة التقدميّة الحداثيّة' التي تصلح دون غيرها لحكمنا وتطمع في الوصول إلى ذلك بواسطة النعوش الانتخابيّة والعروش الأجنبيّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق