الأحد، 15 أبريل 2012

الفساد في الجزائرا بو جرة سلطاني نموذجا -ج.01


   في الإنتخابات البرلمانية الملغاة بتاريخ 26 ديسمبر 1991 التي فازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية بأغلبية برلمانية ساحقة، كاد أن يكون بوقرة سلطاني مرشح الحزب بولاية تبسة التي يتحدر منها كما هو معلوم، وقد لعب الدور في ذلك أبوبكر زرفاوي وصالح شنوف اللذان تربطهما علاقات متينة مع الوزير، وقد كان لزرفاوي وهو ممرض بمستشفى الشريعة (ولاية تبسة) ودرس العلوم الشرعية في معهد الآمنية بدمشق، الدور البارز في محاولة فرض الوزير على رأس قائمة الفيس حينها، وننوه أن زرفاوي بوبكر كان عضوا في مجلس الشورى للجبهة المحظورة في آخر أيامه وإمام خطيب بمسجد الدواودة (ولاية تيبازة)، مع وقف المسار الإنتخابي إلتحق بالعمل المسلح وصار الضابط الشرعي الوطني للجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا)، في سنة 1994 نقلت وسائل الإعلام الجزائرية من مصادر أمنية خبر القضاء عليه في الغرب الجزائري من طرف قوات الأمن، وأكدت أنه متورط في إغتيال مطرب الراي الشهير الشاب حسني، غير أن الحقيقة التي عرفناها من عدة مصادر، وبينهم شهود عيان من المسلحين التائبين أو حتى ممن صدر في حقهم العفو في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، حيث أجمعوا على أنه تمت تصفيته من طرف جمال زيتوني شخصيا وخلفه فريد عشي، ربما مصادفة تبدو غريبة أن للرجلين علاقة وثيقة بسلطاني منذ بدايتهما في الحركة الإسلامية…

    أفتى زيتوني بردته لما يحمله من أفكار بدت أقرب لمنهج الجزأرة الذي أعلن كفره ـ حسب إعتقادهم طبعا ـ بين الفصائل والتنظيمات، وقد تعرض لأبشع أنواع التعذيب قبل موته، ومما روي أنه رفض منهج التكفير والمجازر في حق المدنيين مما عرضه لسخط جمال زيتوني، وقد أكد سمراوي في شهادته الهامة والخطيرة على غرار ما دونه حول فريد عشي أن زيتوني يعد من رجال المخابرات والعميل الأول الذي نفذ مخطط إتجه له النظام من أجل عزل العمل المسلح على المستوى الشعبي أو حتى على المستوى الدولي، عن طريق إقتراف مجازر مروعة في حق المدنيين، وروى لنا أحد شهود العيان ما حدث لزرفاوي في أعالي الشريعة (البليدة) حيث إقتلع زيتوني أظافره وحتى عينيه وبتر أذنيه وبقر بطنه حتى صار يصرخ بالكفر البواح تنفيذا للأوامر التي تريده أن يموت وهو يكفر بالله ورسوله، وللتذكير أن لزرفاوي بوبكر قريب آخر وهو أحمد زرفاوي تم إدراجه مؤخرا على القائمة الأممية للإرهابيين الدوليين لسنة 2006، نظرا لتورطه في إختطاف السواح الأجانب بالصحراء الجزائرية، ويعتبر الذراع البارز لعبد الرزاق البارا في تلك العملية… أما صالح شنوف وهو رجل أعمال بتبسة وكان الصديق الحميم لسلطاني، فقد ظل العضو النشيط في الجبهة على مستوى الولاية بل سخر الكثير من طاقاته المادية الضخمة في خدمتها، تم إختطافه من بيته الواقع بحي ذراع ليمام في عام 1997 على إثر عملية إستهدفت فرقة للدرك الوطني بفج القعقاع الرابط بين الشريعة وتبسة، وأودت بحياة سبعة عناصر من الدرك، أحد الناجين أخبرهم بأنه يشك في ملامح أحد الملثمين القريبة من صالح شنوف، وذهب إلى تأكيد ذلك أحد أعوان المخابرات وإسمه أحمد طويجين الذي ساهم في تصفية الكثيرين بالمنطقة عن طريق ترويج الإشاعات والأخبار الملفقة الكاذبة، وقد تلقى الدعم وصار يملك فيلا ومقهى وسيارات فارهة بالرغم من أنه كان يبيع آواني بدوية مصنوعة من الطين… نعود لشنوف الذي نفذت عملية ضده وتم تعذيبه في مركز الإستنطاق بقسنطينة من طرف عناصر المخابرات الذين تربطهم علاقة حميمة مع سلطاني، ولما توفي من جراء التعذيب، نقل في سيارات تابعة للجهاز ورميت جثته في غابة محاذية لمنطقة قريقر التي تبتعد عن الشريعة (ولاية تبسة) بحوالي 15 كم، ويعتبر من بين آلاف الأشخاص الذين قتلوا تحت التعذيب وخارج القانون، روى لنا البعض من الذين تمكنوا من رؤية جثته بأنه تم دق المسامير في ركبته وجهازه التناسلي وجسده كله مشوه حيث يبدو إستعمال أشياء معدنية ساخنة فقأت حتى عينه اليسرى…

نعود للإنتخابات فقد وافق سلطاني على الترشح بإسم "الفيس" وطبعا من شروط ذلك أن ينخرط في الحزب، إلا أنه إشترط عضوية مجلس الشورى ومنصب آخر قيادي في حكومة الحزب المرتقبة، لأن الفوز مضمون ولا يشك فيه أحد نظرا لشعبيته المنقطعة النظير، فرفض ذلك الطلب من طرف قياديين في الحزب وقيل والحجة على الراوي أن علي بن حاج كان من أبرز المعارضين لإلتحاق سلطاني بالجبهة، بسبب الشكوك التي تحوم من حوله حول علاقاته الخفية مع أجهزة أمنية، لذلك تم إلغاء ترشحه وعوض ببوترعة يونس، وثقاة آخرين أكدوا لنا أن زرفاوي بوبكر وصالح شنوف في إجتماعات دورية للحزب على مستوى مكتب تبسة، قالا: "أن سلطاني همه السلطة ويضحي بأبيه لأجلها"، وطبعا هذا ما يخالف منهج الجبهة حينها في رفض تسليم القيادة لمن يطلبها، بسبب ذلك حدث ما يشبه المعركة الكلامية بين زرفاوي وسلطاني وبحضور صالح شنوف وآخرين، ومما يذكره لنا شهود عيان أيضا أن سلطاني هددهما قائلا: "لن تصلوا إلى الحكم وستدفعان أنتما الثمن غاليا"، وبالفعل صالح شنوف قتل تحت التعذيب البشع من طرف عملاء العقيد فريد الصديق الشخصي لسلطاني، وزرفاوي أيضا تحت التعذيب البشع المتشابه في شكله من طرف زيتوني العميل الآخر للجنرالين توفيق وسماعيل العماري… وهنا نذكر أيضا شعيب سلطاني أحد الشباب الذين حملت والدته جريمة مقتله لقريبه وإبن عمه بوقرة، فقد كان طالب جامعي بقسنطينة ويتردد كثيرا على بيت الوزير بسيدي مبروك حيث كان إماما وخطيبا، وطلب "أبوجرة" من زرفاوي رعايته وتكوينه عقديا وفقهيا لما كان في الثانوية حتى يتم تجنيده ضمن الأفغان… إلتحق بالعمل المسلح في بدايته لما شنت أجهزة الأمن حملة إعتقالات واسعة النطاق، غير أن أقاربه إتصلوا بالوزير من أجل تسوية وضعيته الأمنية ليعود إلى بيته، فوعدهم بالأمر وأنه لا خشية عليه وسيكون ذلك في عاجل الأيام، لذلك وثق الشاب وجاء لأجل رؤية أسرته فتم القضاء عليه قبل وصوله المدينة حيث وجد أشخاصا يترصدون حركته ويعلمون مسبقا بمجيئه، قتل في 1995 وسحبت جثته بشاحنة على مرأى الناس… 
منقول انور عبد المالك.صاحب كتاب اسرار الشيعة والارهاب قي الجزائر طباعة الشروق الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق