حيث أصبحت المثل العليا لدينا هي الغش في أداء الواجبات وفي الامتحانات ومحاولة النجاح بأية طريقة متاحة وإن كانت غير شرعية، وزاد الطين بلة أن المدارس الأهلية صارت تنافس وبشكل كبير على هذه المثل العليا، وكلما زادت رسوم التعليم في المدرسة الأهلية ضمن الوالدين نجاح ابنهما أو ابنتهما بمعدل يؤهل لأرقى الجامعات وبدون عناء أو سهر، بل إن الأولاد والبنات ينعمون بأوقات استرخاء واستجمام في منازلهم.
وإن عجز جهابذة التربية عن تشخيص السبب الرئيس لهذا التدني غير المسبوق على مر التاريخ، فإنني أعزو الأمر إلى عنصر واحد لا ثاني له، ألا وهو غياب الرقابة المؤسسية والإشراف المباشر على العملية التعليمية من رأس الهرم ومن قاعدته.
ففي غفلة من الزمن ومع انحسار الرقابة الذاتية، التي كانت متوافرة بسبب الوضع الاجتماعي المعتمد على الترابط الأسري والدائرة الضيقة للمجتمع المحلي لم تنشأ طرق رقابية مؤسسية لتعوض النقص في الرقابة والإشراف، بل زادت الهوة إلى أن أصبح التعليم بدون هوية تربطه بالحاضر أو شعور بانتماء يربطه بالماضي.
ولردم هذه الهوة السحيقة نحتاج إلى مجالس تعليمية مرتبطة بعدد معين من الطلبة والطالبات، حيث يخدم المجلس التعليمي عددا ما بين خمسة آلاف إلى سبعة آلاف طالب وطالبة وتحدد الرقعة الجغرافية، التي توجد فيها المدارس، وتضم تحت مظلة هذا المجلس التعليمي المخصص لعدد هذه المدارس.
وبطريقة تلقائية، فإن جميع آباء وأمهات الطلبة والطالبات الدارسين في مجموعة المدارس، التي تقع تحت مظلة هذا المجلس التعليمي سيكونون أعضاء في الجمعية العمومية للمجلس، التي من المتوقع أن تنعقد مرتين كل سنة ومرة واحدة عند انتهاء فترة تكليف أعضاء مجلس إدارة المجلس لاختيار أعضاء جدد لفترة قادمة، على ألا يكون فيه معلمون أو مديرون مدارس، وألا يكون العضو يقدم خدمات للعملية التعليمية بأي شكل من الأشكال.
وستكون من مهام هذا المجلس الرقابة المباشرة واللصيقة للعملية التعليمية وضمان الأداء الأمثل ومنح الثقة بمديري المدارس المعينين في دائرة مجلسهم وسحبها من بعض المديرين، الذين لا يجيدون أعمالهم الإدارية وإدارة أساليب العقاب والثواب في دائرة مجلسهم للمديرين والمعلمين والمعلمات والطلبة والطالبات واقتراح بعض النظم التي تكفل التطوير المستمر مع مرونة في التغيير، حسب الحالة والزمان والمكان.
وستكون من مهام أمانة المجلس، التي يشترط أن يكون جميع أعضائها وموظفيها متفرغين ويتقاضون أجورا كبيرة الوجود المستمر، وعلى مدار الساعة في المدارس المعنية بهم وتمرير بعض القرارات العاجلة إلى أعضاء إدارة المجلس التعليمي لاعتمادها، خصوصا في أمور الثواب والعقاب ورفع التقارير الشاملة عن كل مدرسة وتقارير خاصة عن كل مدير مدرسة ومساعده ورفع تقارير عن المعلمين والمعلمات المتميزين في أدائهم وطلب مكافأتهم وتقارير عن المعلمين والمعلمات غير القادرين على أداء العملية التعليمة واقتراح تحويلهم إلى قطاعات أخرى.
هذا وستتولى أمانة المجلس التعليمي عملية اقتراح الأنشطة اللاصيفية، وستدير المعامل العلمية المشتركة المركزية المملوكة للمجلس التعليمي وتنظيم أوقات استخدامها بين المدارس وتنميها وتدعمها بالكوادر الفنية، وستشرف على الأنشطة الرياضية في دائرتها، وستراقب الجمعية التعاونية لمطاعم المدارس التي تقع في دائرتها وستؤكد سلامة الأغذية ومناسبتها للطلبة والطالبات وغيرها من الأعمال الخاصة بالعملية التعليمية.
وتعد قرارات مجلس إدارة المجلس التعليمي نافذة بتصويت أغلبية حضور الجلسة، وقد تحتاج بعض القرارات المصيرية لاعتماد من مدير التعليم بالمنطقة أو الوزير.
وكل ما سبق مجرد خطوط عريضة، ولكن تنفيذ مثل هذا الحلم يحتاج إلى إيمان من القيادات العليا بضرورته ومناسبته لمجتمعنا، والابتعاد عن أصوات النشاز التي تصيح في الظلام، خوفا من بزوغ الفجر، وكأنها ترى في الصبح غشاوة على عيونها تمنعها من الحركة والطيران، فهذا يصيح نحن غير مستعدين لمثل هذه النقلة، وذاك من بعيد يصيح نحن متخلفون لن نستطيع التعامل مع هذا التغيير وستضيع العملية التعليمية لدينا، وكأنه لا زال يرى سرابها، حيث لم يبق لنا منها شيئا فما من داع للبكاء وشق الجيوب، وكأن لسان حال طلبتنا وطالباتنا يتمتم بسلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن اللاحقون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق