التعليمات
التي صدرت عن شرطة الآداب في السعودية بمناسبة يوم الحب منعت أصحاب
الدكاكين ان يبيعوا أو يزينوا محلاتهم على شرفه. إذن منعت. أما المحلات في
المراكز التجارية فقد تنافست على انواع الزينة الملونة، وهدايا العيد أدخلت
مالا كثيرا للتجار وتفجرت أجهزة الخلوي من كثرة التهنئات التي تدفقت بين
الشباب والشابات في المملكة المحافظة.
قبل شهرين أمرت ذات شرطة الآداب الشباب بعدم ارتداء سراويل قطنية بيضاء ضيقة وقمصان باكمام قصيرة بيضاء 'لان هذا يمس بالقيم الاخلاقية'. وجاء في هذه الاوامر عدم السماح بدخول هؤلاء الرجال الى المراكز التجارية الى أن يلبسوا 'كما ينبغي'، بعباءة بيضاء او بملابس محتشمة.
إذن أمرت. ومنذ ذلك الامر انتشرت في المملكة الموضة الجديدة التي تسمى 'السروال والفانيلا' كالنار في الهشيم. وفي اليوتيوب يمكن للمرء أن يرى جماعات من الشباب بالسراويل البيضاء التي تبرز اجسامهم، يرقصون على نمط 'غنغام ستايل' ويغنون بالعربية. ويبدو أن شرطة الآداب ايضا فهمت بان ليس في وسعها منع الموضة وأعلن الناطق بلسانها بانه 'لم يصدر عنها أي أمر يحظر مثل هذا اللباس، رغم نفورها من الظاهرة'.
ورغم عيد الحب وموضة الشباب، الاستخدام الواسع للانترنت والحياة الرغيدة، فان السعودية لا تزال بعيدة مسافة طويلة عن الغرب. ليس فقط بسبب قوانين الاخلاق المتشددة وتأثير الشيوخ بل وايضا بسبب غياب ما يسميه علماء الاجتماع السعوديون 'ثقافة العمل'، ولا سيما في أوساط الشباب.
قبل نحو سنة تحدثنا هنا عن خطة جديدة تبناها الحكم السعودي لتشجيع عمل المواطنين السعوديين بدلا من العمال الاجانب. وكل من سجل كمن يطلب عملا كان يتلقى منحة بـ 500 دولار، وكل مصنع، حسب تصنيفه، كان مطالبا بان يشغل عددا معينا من العمال السعوديين. وقد علقت آمال كثيرة على هذه الخطة، التي كانت أيضا يفترض ان تشكل نموذجا لدول اخرى في الخليج التي ينتشر فيها العمال الاجانب.
ونشرت هذا الشهر نتائج هذا المشروع، وهذه تدل على فشل ذريع. فحسب تقرير البنك الدولي السعودي وصحيفة 'الاقتصادية' التي تعنى بشؤون الاقتصاد، فان البطالة في السعودية لم تتقلص بل اتسعت، من 11 في المائة الى 12 في المائة. ولم يقل عدد رخص العمل للاجانب (في السنة الماضية بلغ 2.1 مليون رخصة جديدة، اضافة الى مليوني عامل أجنبي يمكثون في المملكة منذ الان)، وحيال الواجب القانوني بتشغيل عمال سعوديين وجد أرباب العمل حلولا ابداعية. في أفضل الاحوال يقبلون الى العمل عمالا غير مناسبين، يدفعون لهم رواتب هزيلة ولا يعطونهم أي دور، فقط كي يفوا بنسبة التشغيل، وفي الحالة الاسوأ يرفعون تقارير كاذبة عن عدد العاملين لديهم ويأملون أن تتجاوزهم الرقابة.
والنتيجة هي أنه في أوساط الشباب تتعمق البطالة أكثر بكثير من المتوسط القطري. د. صالح النصار، أمين عام معهد بحوث الشبيبة في المملكة، أفاد الاسبوع الماضي بأن معدل البطالة في أوساط الشباب يصل الى 31 في المائة (للنساء الشابات 70 في المائة)، وأرفق بذلك المعطيات عن الاثار الفورية.
وبشجاعة جمة روى عن الارتفاع في انتحارات الشباب كنتيجة للسأم وانعدام الفعل، عن العدد المتزايد للمدخنين والمدخنات، عن ظواهر السمنة وحوادث الطرق الفتاكة في أوساط الشبيبة، الذين في ظل انعدام وجود هدف آخر يتوجهون الى السباقات غير القانونية للسيارات والسياقة منفلتة العقال. وروى النصار ضمن امور اخرى بانه كل يوم يقتل في المملكة 16 شخصا في حوادث طرق، وعزا معظم الحوادث الى عدم الاكتراث العضال الذي تصاب به الشبيبة.
غياب 'ثقافة العمل' وان كان يمكنها أن تعتبر مرض دول النفط الغنية، التي ربت مواطنيها على أن تزودهم الدولة بمعظم احتياجاتهم، وفي كل مرة يصدر صوت هزيل من الاحتجاج تسارع الانظمة الى الدفع لمواطنيها مقابل الهدوء. ولكن لا يمكن تجاهل ايضا الطريقة الاقتصادية التي بموجبها تدفع الدولة لاجيريها أجرا عاليا بضعفين أو ثلاثة اضعاف عما يمكن أن يتلقوه في السوق الخاصة، ويحظى العاطلون عن العمل لديها ببدل بطالة بحجم 500 دولار في الشهر. وهكذا فانها تخلق صورة سيئة للغاية لمن هو مستعد للعمل في السوق الخاصة والكسب مثل الباكستاني، الهندي أو المصري. في السعودية الوضع خطير على نحو خاص مقارنة بالوضع في جاراتها في الخليج، وذلك لان متوسط الاجر في السوق في المملكة يصل الى نحو 1.700 دولار في الشهر مقابل نحو 4 الاف دولار في ابو ظبي وفي الكويت (واكثر من ذلك في قطر).
هل هذه الجوانب الاجتماعية للبطالة يمكن لها أن تنمي عصيانا مدنيا حتى في السعودية؟ حتى الان تركز الاحتجاج في السعودية أساسا على طريقة الحكم وعلى عدم اشراك المواطنين في اتخاذ القرارات.
أما جيوب الفقر التي توجد خارج المدن الكبرى فهي مصدر مؤكد لتجنيد النشطاء للمنظمات الراديكالية. في المدن الكبرى مثل الرياض، جدة ومكة بانتظار العاطلين عن العمل المراكز التجارية الكبرى؛ مع 500 دولار في الشهر يمكن للمرء ان يشتري الكثير من السراويل والفانيلات. وهؤلاء ليسوا هم الشباب الذين سيملأون الميادين.
تسفي بارئيل
هآرتس 21/2/2013
قبل شهرين أمرت ذات شرطة الآداب الشباب بعدم ارتداء سراويل قطنية بيضاء ضيقة وقمصان باكمام قصيرة بيضاء 'لان هذا يمس بالقيم الاخلاقية'. وجاء في هذه الاوامر عدم السماح بدخول هؤلاء الرجال الى المراكز التجارية الى أن يلبسوا 'كما ينبغي'، بعباءة بيضاء او بملابس محتشمة.
إذن أمرت. ومنذ ذلك الامر انتشرت في المملكة الموضة الجديدة التي تسمى 'السروال والفانيلا' كالنار في الهشيم. وفي اليوتيوب يمكن للمرء أن يرى جماعات من الشباب بالسراويل البيضاء التي تبرز اجسامهم، يرقصون على نمط 'غنغام ستايل' ويغنون بالعربية. ويبدو أن شرطة الآداب ايضا فهمت بان ليس في وسعها منع الموضة وأعلن الناطق بلسانها بانه 'لم يصدر عنها أي أمر يحظر مثل هذا اللباس، رغم نفورها من الظاهرة'.
ورغم عيد الحب وموضة الشباب، الاستخدام الواسع للانترنت والحياة الرغيدة، فان السعودية لا تزال بعيدة مسافة طويلة عن الغرب. ليس فقط بسبب قوانين الاخلاق المتشددة وتأثير الشيوخ بل وايضا بسبب غياب ما يسميه علماء الاجتماع السعوديون 'ثقافة العمل'، ولا سيما في أوساط الشباب.
قبل نحو سنة تحدثنا هنا عن خطة جديدة تبناها الحكم السعودي لتشجيع عمل المواطنين السعوديين بدلا من العمال الاجانب. وكل من سجل كمن يطلب عملا كان يتلقى منحة بـ 500 دولار، وكل مصنع، حسب تصنيفه، كان مطالبا بان يشغل عددا معينا من العمال السعوديين. وقد علقت آمال كثيرة على هذه الخطة، التي كانت أيضا يفترض ان تشكل نموذجا لدول اخرى في الخليج التي ينتشر فيها العمال الاجانب.
ونشرت هذا الشهر نتائج هذا المشروع، وهذه تدل على فشل ذريع. فحسب تقرير البنك الدولي السعودي وصحيفة 'الاقتصادية' التي تعنى بشؤون الاقتصاد، فان البطالة في السعودية لم تتقلص بل اتسعت، من 11 في المائة الى 12 في المائة. ولم يقل عدد رخص العمل للاجانب (في السنة الماضية بلغ 2.1 مليون رخصة جديدة، اضافة الى مليوني عامل أجنبي يمكثون في المملكة منذ الان)، وحيال الواجب القانوني بتشغيل عمال سعوديين وجد أرباب العمل حلولا ابداعية. في أفضل الاحوال يقبلون الى العمل عمالا غير مناسبين، يدفعون لهم رواتب هزيلة ولا يعطونهم أي دور، فقط كي يفوا بنسبة التشغيل، وفي الحالة الاسوأ يرفعون تقارير كاذبة عن عدد العاملين لديهم ويأملون أن تتجاوزهم الرقابة.
والنتيجة هي أنه في أوساط الشباب تتعمق البطالة أكثر بكثير من المتوسط القطري. د. صالح النصار، أمين عام معهد بحوث الشبيبة في المملكة، أفاد الاسبوع الماضي بأن معدل البطالة في أوساط الشباب يصل الى 31 في المائة (للنساء الشابات 70 في المائة)، وأرفق بذلك المعطيات عن الاثار الفورية.
وبشجاعة جمة روى عن الارتفاع في انتحارات الشباب كنتيجة للسأم وانعدام الفعل، عن العدد المتزايد للمدخنين والمدخنات، عن ظواهر السمنة وحوادث الطرق الفتاكة في أوساط الشبيبة، الذين في ظل انعدام وجود هدف آخر يتوجهون الى السباقات غير القانونية للسيارات والسياقة منفلتة العقال. وروى النصار ضمن امور اخرى بانه كل يوم يقتل في المملكة 16 شخصا في حوادث طرق، وعزا معظم الحوادث الى عدم الاكتراث العضال الذي تصاب به الشبيبة.
غياب 'ثقافة العمل' وان كان يمكنها أن تعتبر مرض دول النفط الغنية، التي ربت مواطنيها على أن تزودهم الدولة بمعظم احتياجاتهم، وفي كل مرة يصدر صوت هزيل من الاحتجاج تسارع الانظمة الى الدفع لمواطنيها مقابل الهدوء. ولكن لا يمكن تجاهل ايضا الطريقة الاقتصادية التي بموجبها تدفع الدولة لاجيريها أجرا عاليا بضعفين أو ثلاثة اضعاف عما يمكن أن يتلقوه في السوق الخاصة، ويحظى العاطلون عن العمل لديها ببدل بطالة بحجم 500 دولار في الشهر. وهكذا فانها تخلق صورة سيئة للغاية لمن هو مستعد للعمل في السوق الخاصة والكسب مثل الباكستاني، الهندي أو المصري. في السعودية الوضع خطير على نحو خاص مقارنة بالوضع في جاراتها في الخليج، وذلك لان متوسط الاجر في السوق في المملكة يصل الى نحو 1.700 دولار في الشهر مقابل نحو 4 الاف دولار في ابو ظبي وفي الكويت (واكثر من ذلك في قطر).
هل هذه الجوانب الاجتماعية للبطالة يمكن لها أن تنمي عصيانا مدنيا حتى في السعودية؟ حتى الان تركز الاحتجاج في السعودية أساسا على طريقة الحكم وعلى عدم اشراك المواطنين في اتخاذ القرارات.
أما جيوب الفقر التي توجد خارج المدن الكبرى فهي مصدر مؤكد لتجنيد النشطاء للمنظمات الراديكالية. في المدن الكبرى مثل الرياض، جدة ومكة بانتظار العاطلين عن العمل المراكز التجارية الكبرى؛ مع 500 دولار في الشهر يمكن للمرء ان يشتري الكثير من السراويل والفانيلات. وهؤلاء ليسوا هم الشباب الذين سيملأون الميادين.
تسفي بارئيل
هآرتس 21/2/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق