الأربعاء، 1 مايو 2013

مع كتاب " كشف الشبهات " (3)

جوهر القضية التي انطلق منها الشيخ هي إيمان مشركي عصر البعثة بتوحيد الربوبية . وكما قلنا فإن إقرار المشركين بتوحيد الربوبية لم يكن على النحو الذي ذكره الشيخ .
ولإعطاء هذه المسألة حقها باعتبارها القضية المركزية التي انطلق منها الشيخ وبنى عليها قضية التماثل بين مشركي عصر البعثة وأهل البدع العقائدية في زمانه ، وبالتالي تطبيق الأحكام الخاصة بالمشركين على أهل البدع ، فإنه يهمنا أن نعرض الآيات التي تؤكد الاختزال والانتقاء الذي انتهجه الشيخ .
إن الآيات القرآنية التي أشارت إلى إيمـان المشركين بتوحيد الربوبية والتي بنى عليها الشيخ مسألة المماثلة بين مشركي قريش ومشركي زمانه كانت تعرض لقطات متفرقة ومتنوعة من أحوالهم وتصور بعض الأوضـاع المحتملة التي قد يتعرضون لها ، ومن بينها أوقات الشدة ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً ) ولحظات المواجهة وإعمال العقل التي تضطرهم إلى الإقرار الإيماني ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ) وقوله تعالى ( قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) .
هذه اللقطات المتفرقة حول الأوضاع الواقعية أو الاحتمالية التي قد يتعرضون لها توجد إلى جوارهـا لقطات أخرى مختلفة ، فالقرآن ينسب إلى المشركين الإلحاد ، كما في قوله تعالى ( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ .... ) .
أما القول بأنهم كانوا يتخذون الأولياء أو غيرهم شفعاء إلى الله تعالى فإن الآيات تصرح بأنهم كانوا يعبدون أولئك الشفعاء من دون الله ، كما في قوله تعالى ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ ...... ) وقوله تعالى ( ..... وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ...... ).
وهذه انحرافات تختلف في طبيعتها ودرجتها عن الانحرافات التي شاعت بين المسلمين ، والذين لم يكونوا في عمومهم يعبدون الأولياء والصالحين من دون الله أو يضفون الألوهية على غير الله .
ناهيك عن أن الآيات التي أشارت إلى اتخاذ الأولياء أو غيرهم شفعاء عند الله كانت تصور حالة جزئية من أحوال بعض المشركين ، أما الحالة العامة والغالبة لهم فكانت تتمثل في اتخاذ الأصنام وغيرها آلهة وشركاء وأنداداً لله .
ولننظر إلى قولـه تعالى بخصوص اتخاذهم الأصنام وغيرها آلهة ( قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُـونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً ) وقوله تعالى ( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً ) وقوله تعالى ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُـوا بُرْهَانَكُمْ ...... ) وقولـه تعالى ( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ...... ) وقولـه تعالى ( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ) وقولـه تعالى ( أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ) وقوله تعالى على لسان المشركين ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) وقوله تعالى ( ...... أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَـعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى ..... )
ولننظر كذلك إلى قوله تعالى بخصوص اتخاذهم الأصنام وغيرها شركاء لله ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء ........ ) وقولــه تعالى ( وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُـواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْـمٍ ...... ) وقولـه تعـالى ( ...... وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُـونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُـونَ إِلاَّ الظَّنَّ ...... ) وقولـه تعالى ( ...... وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ ...... ) وقوله تعالى ( وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ ...... ) وقولـه تعالى ( قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاء ...... ) وقوله تعالى ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَـاذَا خَلَقُـوا مِنَ الْأَرْضِ ...... )
ولننظر أيضاً إلى قوله تعالى بخصوص اتخاذهم الأصنام وغيرها أنداداً لله ( وَمِـنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِـذُ مِن دُونِ اللّهِ أَنـدَاداً ..... ) وقولـه تعالـى ( وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَنـدَاداً لِّيُضِلُّـواْ عَن سَبِيلِهِ ...... ) وقولـه تعالى ( وَقَـالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْـرُ اللَّيْـلِ وَالنَّهَـارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُـرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنـدَاداً ...... ) وقوله تعالى ( وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ...... ) وقوله تعالى ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ...... ) .
وهكذا فالمسألة لم تكن تدور فقط حول اتخاذ الأصنام وسائط إلى الله تعالى ، بل كانت تدور بصورة أساسية حول اتخاذ الأصنام وغيرها آلهة وشركاء وأنداداً لله .
وفي كل الأحوال فإن الآيات التي أشارت إلى إيمان بعض المشركين بتوحيد الربوبية لم تساو أبداً بين إيمانهم وبين إيمان المسلمين أو إيمان أهل الكتاب ، بل يتضح من مجمل الآيات التي صورت عقائدهم أن ذلك التوحيد كان استثنائياً وهلامياً وغائماً وغير مباشر . وبالتالي فإنه حتى على صعيد إيمان بعض المشركين بتوحيد الربوبية فإن هنالك فوارق وتفاوتات كبيرة وعميقة ، ليس فقط بين إيمان المشركين وإيمان المسلمين ، بل حتى بين إيمان المشركين وإيمان أهل الكتاب .
الجانب الآخر الذي يستدعي التساؤل هو : ماذا عن الإيمان بالبعث وهو أكثر شيء كان يرفضه المشركون ؟ ماذا عن التصديق بالقرآن والرسول وأداء العبادات واجتناب المحرمات والإيمان بالحساب والجزاء والنعيم والعذاب ؟! لماذا تم استبعاد هذه الجوانب في مسألة يدلل فيها الشيخ على التماثل بين المشركين وبين أهل البدع العقائدية في زمانه ، بل سيبني عليها وجوب تكفير وقتل مبتدعي زمانه كما قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق