الأربعاء، 1 مايو 2013

مع كتاب " كشف الشبهات " (1)

في بداية الكتاب يجتهد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في التدليل على أن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ، وأن الله أرسل محمداً " إِلَى أُنَاسٍ يَتَعَبَّدُونَ ، وَيَحُجُّونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ ، وَلَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ بَعْضَ الْمَخْلُوقِينَ وَسَائِطَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ تعالى ".
ثم يضيف " فَهَؤُلاءِ اَلْمُشْرِكُونَ . يَشْهَدُونَ أنَّ اللَّهَ هُوَ الخَالِقُ - وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّهُ لا يَرْزُقُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُحْيِي وَلا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ هُوَ ، وَأنَّ جَميع اَلسَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ، وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَالأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَنْ فِيهَن كُلَّهُمْ عَبِيدُهُ ، وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَقَهْرِهِ ".
ثم يعرض الشيخ بعد ذلك أدلة منتقاة ومختارة للتدليل على صحة هذه المقدمة ، ويضع الأدلة تحت عنوان " الدليل على إقرار المشركين بتوحيد الربوبية ".
هذه المقدمة التي كان الشيخ يطرحها كأمور مسلمة قاطعة ستصبح من أهم مسوغات أفكاره حول جواز ، بل وجوب ، تكفير وقتل أهل البدع الاعتقادية في زمانه . فهل الأمور التي ذكرها الشيخ صحيحة ؟
هل فعلاً كان المشركون يقرون بتوحيد الربوبية و " يَتَعَبَّدُونَ ، وَيَحُجُّونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ " و " يَشْهَدُونَ أنَّ اللَّهَ هُوَ الخَالِقُ - وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّهُ لا يَرْزُقُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُحْيِي وَلا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ هُوَ ، وَأنَّ جَميع اَلسَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ، وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَالأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَنْ فِيهَن كُلَّهُمْ عَبِيدُهُ ، وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَقَهْرِهِ " ؟!
المسألة الخطيرة التي ينبغي التنبه إليها هنا هي أن هذه المقدمة وضعت بهدف تحديد أسلوب معالجة أوضاع المسلمين في زمن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ممن يقعون في بعض البدع الاعتقادية .
فكأن الشيخ هنا يقول : إنه لا ينفع أهل البدع في زمانه كونهم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله ، ولا ينفعهم كونهم يشهدون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت ..... الخ ، فكل هذه الاعتقادات والأعمال لا وزن لها . فالمشركون كانوا يحملون هذه الاعتقادات ويؤدون هذه الأعمال ، ولكن اعتقاداتهم وأعمالهم ظلت هباء مع وجود الوسائط بينهم وبين الله . وبالتالي فأهل البدع في زمان الشيخ مثلهم مثل المشركين الذين واجههم الرسول صلى الله عليه وسلم .
هذا هو جوهر نظرية التوحيد عند الشيخ . ونود هنا أن نشير إلى أن الشيخ كان يرى أنه لم يكن يحقق هذا المفهوم للتوحيد في زمانه إلا أقل القليل .
وهذا أمر قد يكون صحيحاً ، إلا أن الخطورة هنا تنبع من أن الشيخ كان يرى أن من لم يحققوا هذا المفهوم هم مشركون يماثلون المشركين الذين واجههم الرسول صلى الله عليه وسلم ويجب بعد إبلاغهم وإقامة الحجة عليهم – أي إبلاغهم بفهم الشيخ لمسألة التوحيد – تكفير من خالفها واستحلال دمه وماله !!
البدع التي واجهها الشيخ - خصوصاً بدع المتصوفة - لم تكن جديدة ، بل كانت موجودة بقوة منذ القرن الرابع تقريباً ، كما أن تلك البدع كانت منتشرة خارج حدود الجزيرة العربية بصورة تفوق كثيراً ما هو موجود ضمن أرجاء الجزيرة .
هذه البدع كانت موضع استنكار ورفض من قبل عموم أو غالبية علماء المسلمين المعتبرين ، ونظر إلى معظمها على أنها أعمال شركية وكفرية ، إلا أنه لم يتم الوصول بذلك الكفر إلى درجة الإخراج من الملة ، بل كان يتم الإعذار بالجهل والتأويل ، وحتى من اعتبروها كفراً مخرجاً من الملة فإن مواقفهم ظلت نظرية ومحاطة بالكثير من الضوابط والشروط والقيود . أما الشيخ محمد بن عبدالوهاب فقد اعتبرها كفراً مخرجاً من الملة وانتقل من التوصيف إلى التعيين .
هذا الموقف من الشيخ لم يسبقه إليه أحد من علماء المسلمين المعتبرين ، ولو أنهم فعلوا ذلك لتحول التاريخ الإسلامي إلى حروب أهلية متصلة لا تبقي ولا تذر .
لقد بنى الشيخ جوهر نظريته عن التوحيد على أساس الاعتقاد بأن المشركين كانوا " يَتَعَبَّدُونَ ، وَيَحُجُّونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ " و " يَشْهَدُونَ أنَّ اللَّهَ هُوَ الخَالِقُ - وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّهُ لا يَرْزُقُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُحْيِي وَلا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ هُوَ ، وَأنَّ جَميع اَلسَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ، وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَالأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَنْ فِيهَن كُلَّهُمْ عَبِيدُهُ ، وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَقَهْرِهِ " ؟!
وطالما أن الشيخ ينطلق من هذه المقدمة – غير الدقيقة كما سنبين لاحقاً – فإنه لا بد أن يصل إلى نتيجة مؤداها أنه لا ينفع أهل البدع في زمانه كونهم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله ، ولا ينفعهم كونهم يشهدون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت ..... الخ ، فكل هذه الاعتقادات والأعمال لا وزن لها . فالمشركون كانوا يحملون هذه الاعتقادات ويؤدون هذه الأعمال ، ولكن اعتقاداتهم وأعمالهم ظلت هباء مع وجود الوسائط بينهم وبين الله . وبالتالي فأهل البدع في زمان الشيخ مثلهم مثل المشركين الذين واجههم الرسول صلى الله عليه وسلم .
هذا المفهوم للتوحيد أصبح معياراً للإيمان والشرك بطريقة حاسمة وصارمة ، وأصبح أتباع الشيخ يسمون بالموحدين تمييزاً لهم عن غيرهم " غير الموحدين " أو مشركي زمان الشيخ كما كان يسميهم ، وكان أولئك الأتباع يعيدون النطق بالشهادتين فور انضمامهم للشيخ .
وبالتالي فحين نجد في كتابات الشيخ أنه لم يكفر المسلمين أو أنه لا يجيز الخروج على الحاكم المسلم ، فينبغي فهم ذلك في إطار مفهوم الشيخ عن المسلمين وعن الحاكم المسلم ، فكل من لم يكونوا على فهم الشيخ لنظرية التوحيد فهم مشركون يجب تكفيرهم وقتلهم . ومن ثم فالشيخ لم يكن يعتقد أنه يكفر أو يقتل أناساً مسلمين أو أنه يخرج على حاكم مسلم . وهذا هو ما جعل مسألة الخروج على الدولة العثمانية غير مطروحة ، وهو كذلك ما سهل الطريق نحو شن الحروب المتصلة تحت راية الجهاد .
جهاد ضد من ؟!
بالتأكيد إنه ليس إلا ضد أبناء الجزيرة . وإذا كان شن الحروب ضد هؤلاء يدخل في باب الجهاد فمن هو المسلم على وجه هذه الأرض غير الشيخ وأتباعه ؟!
هل كان أهل الجزيرة يختلفون عن أهل مصر والشام والعراق وغيرهم من أتباع الدولة العثمانية ؟!
نحن نفهم أن تقوم حروب سياسية لإنشاء دولة بذرائع دنيوية ، فليس في ذلك تكفير للناس ، كما أن العنف سيتجه نحو السلطات الحاكمة والمعارضين السياسيين وسيبتعد عن عموم الناس . أما أن تقام الدولة تحت راية الجهاد فإن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بعد أن تكون القناعة قد استقرت حول كفر هؤلاء الناس ، وبالتالي فإن العنف " الجهاد هنا " لن يتجه فقط إلى السلطات الحاكمة والمعارضين السياسيين ، بل سيتجه إلى عموم أبناء المجتمع الذين يتم جهادهم .
لاحقاً بمشيئة الله نواصل وقفاتنا مع كتاب " كشف الشبهات " للشيخ محمد بن عبدالوهاب ،،،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق