الجمعة، 18 مايو 2012

ومن أصدق من الله قيلا



يقول الداعية خالد السلطان: في ليلة من ليالي التشريق "أيام الحج" وبالقرب من البيت العتيق ألقيت كلمة عن الاستغفار ومعناه وفضله وأثره وكان كلامي فيه الدليل والمنطق والعقل، فلما انتهيت من كلمتي القصيرة "وهي عادتي" طلب أحد الحاضرين الحديث معي على انفراد فقبلت الحديث معه فبدأ يسرد قصته مع الاستغفار.
أبو يوسف: أنا تزوجت ولله الحمد ولكن زوجتي تأخرت بالإنجاب فقمت ببذل الأسباب، ما سمعت عن طبيب إلا زرته ثم سافرت بعد ذلك للخارج التمس العلاج والكل يؤكد بقوله: "ما منك إلا العافية أنت وزوجتك"، فرجعت إلى بلدي وكلي رجاء بالله –والله على كل شيء قدير- قلت: أسأل الله أن يرزقك الذرية الصالحة يا أبو يوسف وعليك بالدعاء خاصة أنك في أيام عظيمة وفي مكان عظيم وأنت مجاور البيت العتيق أبو يوسف: آمين لكن بعد لم أكمل قصتي.
قلت: كمل يا أبو يوسف وكلي أذن صاغية.
أبو يوسف: في يوم من الأيام وأنا أستمع لإذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية سمعت من يقرآ الآية التي ذكرتها يا شيخ في كلمتك من سورة نوح (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)([1])، فشرح الشيخ الآية وبين أن الاستغفار طريق لجلب الأطفال فعلقت الكلمات في بالي فلما رجعت للمنزل قلت لزوجتي ما سمعت وعزمنا على أخذ العلاج "الاستغفار" ليلا ونهارا سرا وعلانية "تدري يا شيخ ما حصل"؟
زوجتي حملت بنفس الشهر الذي استغفرنا فيه وجاء "يوسف" والحمد لله.
قلت: ما شاء الله صدق الله وهو خير الصادقين "والله لا يخلف الميعاد" وقال تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا).
أبو يوسف: يا شيخ إلى الآن لم تنته قصتي بعد.
قلت: خلاص جاك الولد "شنو بعد".
أبو يوسف: لما انتهت زوجتي من النفاس قلت لها: استغفري يا أم يوسف للثاني فاستغفرنا مثل الأول فحملت بنفس الشهر، وجاء الثاني بحمد الله ولما انتهت من نفاسها الثاني، قلت استغفري يا أم يوسف قالت نريد ثالث فاستغفرنا فجاء الثالث ولله الحمد، فما انتهت زوجتي من نفاسها قالت يا أبو يوسف وقِّف عن الاستغفار "بنية الأولاد" شوي حتى يكبر الأولاد وبعدها نرجع نستغفر للرابع بإذن الله.
قلت: الله يبارك لك بما رزقك ويجعل ذريتك قرة عين خالصة إنك رأيت آية من آيات الله فيك وفي زوجتك وفي ذريتك.
أبو يوسف: آمين الله يستجيب دعاءك لكن يا شيخ ما خلصت بعد قصتي. قلت: ما انتهت الأحداث بعد؟ أكمل يا أبا يوسف.
أبو يوسف: بعدما كبر الأولاد قليلا قلت لأم يوسف عندنا ثلاثة أولاد ونرجو من الله أن يرزقنا "بنت حلوة" استغفري يا أم يوسف وأنت ترجين بنتا فسكت أبو يوسف. قلت: الله يرزقك البنت كما رزقك الأولاد يا أخي الكريم أبو يوسف: أبشرك يا شيخ أنا اليوم جئت الحج وزوجتي في النفاس مع بنتها الجديدة "انتهت قصة أبو يوسف".
أخي القارئ .. أختي القارئة: القصة السابقة فيها عدة أمور لابد نتعرف عليها حتى تكتمل المعاني:
1-قدر الاستغفار وفضله وأثره.
2- الاستغفار يؤثر على حسب نية المستغفر أي لأي شيء تستغفر لطلب مال، ولد، نجاح، توبة، فعلى نية المستغفر يكون الأثر بإذن الله.
3- يحتاج الاستغفار لنية صادقة ومخلصة لله، وأن تدرك معناه وأن تفهم المراد منه فالنية لها أثرها في حياتك كلها.
4- الله لا يخلف الميعاد وإذا تخلف الأثر، فأعلم أن هناك أمرا طيبا تسبب به.
5- الاستغفار كالدعاء إما يأتيك ما طلبت، وإما يأتيك غير طلبك، وإما يصرف عنك سواء بسبب استغفارك، أو أن يدخر الله لك ما استغفرت ليوم
القيامة فيجازيك جزاء الضعف عنده جل وعلا.
"أكثروا الاستغفار واقضوا حوائجكم بالاستغفار".
فما بالنا نقلل من شأن هذه الكلمة "استغفر الله" ما بالنا لا نستغفر الرحمن ولو لدقائق معدودة عند الصباح والمساء والنوم، فوقتها قصير وأثرها جد عميق، فيا شاكي الفقر استغفر الله يرزقك ويكسبك، ويرزقك القناعة فتحس أنك غني، وأنت أفقر الناس، ويا أختي العاقر لا تيأسي من أن تستغفري الله فهو الرازق، وهو الولي في الدنيا والآخرة، وهو خير الرازقين، ويا أختي الطالبة استغفري الله إذا تأزمت المواقف وعجز العقل عن الحل.


الاستغفار خصوصية للمؤمنين
حين كان إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - يحاجّ أباه ويدعوه إلى التوحيد، كان والده يقابله بِأسوأ المقابلة، تأمل هذه المقولة منه: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ([2])، ولاحظ أن هذه المقولة جاءت بعد مجموعة من العبارات المتلطفة من قبل إبراهيم- عليه الصلاة والسلام.
وكان إبراهيم –عليه الصلاة والسلام- حين واجهه أبوه بهذه المقولة (لَأَرْجُمَنَّكَ) لم يقابله بالإساءة أو نحوها؛ بل أول ما خطر في ذهنه أن يستغفر له: (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا)([3]).
إذن فالاستغفار هو أول شيء فكر به إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وكان هذا الاستغفار طمعاً في هدايته، ولذلك قال تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)([4]).
ومحصل ذلك عدم الاستغفار للمشركين، وأنه خصوصية للمؤمنين، ويؤكد ذلك قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) ([5]).

فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استأذنت ربي أن استغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزورها فأذن لي".
([6])
وفي البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، فقال: "أي عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء كلمهم به: "أنا على ملة عبد المطلب"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاستغفرن لك ما لم أنه عنك"( فنزلت (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)([7])ونزلت: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ([8]) ([9]) .
وعند الحديث عن المنافقين، نقرأ هذه الآية: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ([10]).

ونقرأ عندها أيضا حديث ابن عمر-رضي الله عنه- في البخاري- حيث يقول: إن عبد الله بن أُبّي لما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، فقال: "آذني لأصلي عليه"، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه
عمر –رضي الله عنه- فقال: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين، فقال: أنا بين خيرتين.


قال: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

فصلى عليه، فنزلت (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)
([11]).

وتأسيساً على ذلك يقال: إن الاستغفار ميزة جعلها الله للمؤمنين خصهم بها دون غيرهم من الناس، واختارهم لها، واختارها لهم، وإذا كان الأمر كذلك، أفلا يجدر بنا أن نحافظ على هذه النعمة، وأن نستثمرها فيما يفيد ديننا ودنيانا.
وفي مقابل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر لإخوانه المؤمنين، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه، فقال: "استغفروا لأخيكم"([12]).



واستغفر صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا،ً وللمقصرين مرة، والنصوص في ذلك كثيرة.

حتى الصغار!! نعم الصغار كان يستغفر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي حديث أبي إياس في المسند، قال: جاء أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام صغير، فمسح رأسه واستغفر له([13]).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق