الجمعة، 18 مايو 2012

اقوال العلماء في الاستغفار




قال ابن تيمية: خاتمة المجلس: «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك». إن كان مجلس رحمة كانت كالطابع عليه، وإن كان مجلس لغو كانت كفارة له. وقد روي أيضًا: أنها تقال في آخر الوضوء بعد أن يقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين»، وهذا الذكر يتضمن التوحيد والاستغفار فإن صدره الشهادتان ([1]).
* وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن قوله: «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم والليلة سبعين مرة»:
هل المراد ذكر الاستغفار باللفظ أو أنه إذا استغفر ينوي بالقلب أن لا يعود إلى الذنب؟
فأجاب: الحمد لله، بل المراد الاستغفار بالقلب مع اللسان؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما في الحديث الآخر: «لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار»؛ فإذا أصر على الصغيرة صارت كبيرة وإذا تاب منها غفرت قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} الآية([2]).


* وقال أيضًا: فإن الاستغفار هو طلب المغفرة، وهو من جنس الدعاء والسؤال، وهو مقرون بالتوبة في الغالب ومأمور به، لكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو، وقد يدعو ولا يتوب وأما الاستغفار بدون التوبة فهذا لا يستلزم المغفرة؛ ولكن هو سبب من الأسباب ([3]).
* وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى: وجماع ذلك أن يحاسب نفسه أولاً
على الفرائض، فإن تذكر فيها نقصًا تداركه إما بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسبها على المناهي؛ فإن عرف أنه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية، ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله تعالى ثم يحاسبها بما تكلم به أو مشت إليه رجلاه أو بطشت يداه أو سمعته أذناه: ماذا أرادت بهذا، ولمن فعلته، وعلى أي وجه فعلته؟ ويعلم أنه لا بد أن يُنشر لكل حركة وكلمة منه ديوانان: ديوان لمن فعلته، وكيف فعلته، فالأول سؤال عن الإخلاص، والثاني سؤال عن المتابعة، وقال تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]، وقال تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف: 6]، وقال تعالى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8]؛ فإذا سئل الصادقون وحوسبوا على صدقهم فما الظن بالكاذبين؟!([4]).
* قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يومًا: سئل بعض أهل العلم أيما أنفع للعبد: التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقيًا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دنسًا فالصابون والماء الحار أنفع له. فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دنسه؟
* وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - رحمه الله تعالى: الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب ومن العمل الناقص إلى العمل التام، ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل؛ فإن العابد لله والعارف بالله في كل يوم بل في كل ساعة بل في كل لحظة يزداد عملًا بالله وبصيرة في دينه وعبوديته بحيث يجد ذلك في طعامه وشرابه ونومه ويقظته وقوله وفعله ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية وإعطائها حقها؛ فهو يحتاج إلى الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، بل هو مضطر إليه دائمًا في الأقوال والأحوال، في الغوائب والمشاهد؛ لما فيه من المصالح وجلب الخيرات ودفع المضرات وطلب الزيادة في القوة في الأعمال القلبية والبدنية اليقينية الإيمانية، وقد ثبتت دائرة الاستغفار بين أهل التوحيد واقترانها بشهادة أن لا إله إلا الله من أولهم إلى آخرهم ومن آخرهم إلى أولهم ومن الأعلى إلى الأدنى، وشمول دائرة التوحيد والاستغفار للخلق كلهم وهم فيها درجات عند الله ولكل عامل مقام معلوم؛ فشهادة أن لا إله إلا الله بصدق ويقين تذهب الشرك كله دقه وجله خطأه وعمده أوله وآخره وسره وعلانيته، وتأتي على جميع صفاته وخفاياه ودقائقه، والاستغفار يمحو ما بقي من عثراته ويمحو الذنب الذي هو من شعب الشرك، فإن الذنوب كلها من شعب الشرك فالتوحيد يذهب أصل الشرك والاستغفار يمحو فروعه فأبلغ الثناء قول: لا إله إلا الله، وأبلغ الدعاء قول: أستغفر الله


* قال ابن القيم - رحمه الله تعالى: فصل- وأما الاستغفار فهو نوعان: مفرد، ومقرون بالتوبة؛ فالمفرد كقول نوح لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10، 11]،

فالاستغفار المفرد كالتوبة بل هو التوبة بعينها مع تضمنه طلب المغفرة من الله وهو محو الذنب وإزالة أثره ووقاية شره، لا كما ظنه بعض الناس أنها الستر، فإن الله يستر على من يغفر له ومن لا يغفر له، ولكن الستر لازم مسماها أو جزؤه، فدلالتها عليها إما بالتضمن وإما باللزوم، وحقيقتها وقاية شر الذنب، ومنه "المغْفر" لما يقي الرأس من لأذى والستر لازم لهذا المعنى وإلا فالعمامة لا تسمى "مغْفرًا" ولا القبع ونحوه مع ستره فلا بد في لفظ المغفر من الوقاية.
وهذا الاستغفار هو الذي يمنع العذاب في قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، فإن الله لا يعذب مستغفرًا([5]).
قال ابن القيم –رحمه الله- في معنى قوله: "يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة": يُعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه مالا ينبغي لمن ليس كذلك، فلو لقي الموحد الذي لمن يشرك بالله البتة ربه بقراب الأرض خطايا، أتاه بقرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده، فإنه التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب، لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله، وتعظيمه، وخوفه، ورجائه، وحده ما يوجب غسل الذنوب، ولو كانت قراب الأرض، فالنجاسة عارضة، والدافع قوي، ومعنى قراب الأرض ملؤها أو ما يقارب ذلك، ولكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن غفر بفضله ورحمته، وإن شاء عذب بعدله وحكمته، وهو المحمود على كل حال([6]).

وجاء رجل إلى الحسن البصري يشكو إليه الجدوبة فقال: استغفر الله، وشكا إليه آخر الفقر، فقال له: استغفر الله، وقال آخر: ادع الله أن يرزقني ولدا، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له: استغفر الله فلما قبل له في هذا قال: ما قلت شيئا من عندي- آية الله تعالى يقول: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)([7]).



الاستغفار يفتح الأقفال([8])
يقول ابن تيمية –رحمه الله: إن المسألة لتغلق عليّ، فاستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل، فيفتحها الله علي. وإن من أسباب راحة البال، استغفار ذي الجلال.
رب ضارة نافعة، وكل قضاء خير حتى المعصية بشرطها فقد ورد في المسند: لا يقضي الله للعبد قضاءا إلا كان خيرا له.

قيل لابن تيمية: حتى المعصية؟ قال: نعم، إذا كان معها التوبة والندم والاستغفار والانكسار: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) ([9]).
قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) ([10]). وقال تعالى:(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) ([11]).



مفاتيح المغفرة

للمغفرة مفاتيح نذكر منها ما يلي:
* أولا: آمين خلف الإمام:

عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمنَّ الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة: غفر له ما تقدم من ذنبه» ([12]).
* ثانيا: اللهم لك الحمد بعد الرفع من الركوع:
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: الله ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة: غفر له ما تقدم من ذنبه» ([13]).
* ثالثا: الدعاء الوارد بعد الفراغ من الطعام:
عن أنس –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

: «من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه»([14]).
* رابعا: التسبيح دبر الصلوات:
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: « من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد ثلاثا وثلاثين، وكبر ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعونه، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير: غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» ([15]).
* خامسا: سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة:

عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه: وإن كانت مثل زبد البحر» ([16]).
* سادسا: عند الوضوء:
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة كانت مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب» ([17]).
* سابعا: عند سماع المؤذن:
عن سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه» ([18]).
عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه، إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم، وقد بدلت سيئاتكم حسنات» ([19])



([1])مجموع الفتاوى: (10/262).
([2]) مجموع الفتاوى: (11/699).
([3])منهاج السنة النبوية: (6/210).
([4])إغاثة اللهفان: (1/83).
([5])مدارج السالكين: (1/308).
([6]) موسوعة روائع الدعاء والأذكار، أحمد بن سالم بادويلان، ص107، دار طويق للنشر والتوزيع.
([7]) سورة نوح: 10-12.
([8]) لا تحزن، الشيخ الدكتور: عائض القرني، ص233، 234، ط1، 1423هـ - 2002م.
([9]) سورة النساء: 64.
([10]) سورة آل عمران: 140.
([11]) سورة النازعات: 46.
([12]) رواه البخاري ومسلم.
([13]) رواه البخاري ومسلم.
([14]) رواه الترمذي وابن ماجه.
([15]) رواه مسلم.
([16]) رواه البخاري ومسلم.
([17]) رواه مسلم.
([18]) رواه مسلم.
([19]) رواه أحمد.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق