الخميس، 2 مايو 2013

الجزائر: مرض بوتفليقة العجوز بالسرطان يسقط ‘خطة’ الولاية الرابعة

الجزائر ـ ‘فائزة كرنوح’ : غدا، الجمعة، سيكون قد مر أسبوع على دخول الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مستشفى فال دوغراس العسكري بباريس، دون أن يتأكد إن كان بوتفليقة سيغادر المستشفى أم أنه سيبقى هناك لمواصلة العلاج أو لفترة نقاهة لا يدري أحد كم ستطول، علما أن البروفيسور رشيد بوغربال الطبيب الذي عالج الرئيس الجزائري قبل أن يستلمه الأطباء الفرنسيون أكد أن بوتفليقة سيغادر المستشفى خلال أسبوع.
وبصرف النظر عن الفترة التي سيقضيها الرئيس بوتفليقة في باريس للعلاج أو للنقاهة والراحة، فإن مرضه الذي لم يكن مفاجئا بالمرة أعاد بعث النقاش حول التغيير الذي أضحى أكثر من ضروري بالنسبة للكثير من الجزائريين، خاصة وأن حكم بوتفليقة وصل إلى نهايته على كل الأصعدة، فهذا الأخير قضى أكثر من 14 عاما في الحكم، وبالتالي حقق حلمه، حسب الكثير ممن عرفوا الرجل، بالبقاء على رأس الدولة أكثر ممن سبقوه، وخاصة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، لكنه لم يحقق للجزائريين الجنة الموعودة، وهذا كان كلامه في عام 2008، والذي اعتبر اعترافا بالفشل، غير أن بوتفليقة بدل تحمل مسؤولياته والرحيل، قرر الترشح لولاية ثالثة، وعدل الدستور وألغى المادة التي كانت تمنعه الترشح مجددا.
الولاية الثالثة كانت بمثابة الولاية الزائدة عن الحاجة، فالرئيس بوتفليقة تعب نفسيا وجسديا ونال المرض منه كثيرا، ووجد نفسه، حسب بعض المراقبين، رهينة في أيدي حلقات من المقربين والأقارب المستفيدين من حكمه، والذين دفعوا به للبقاء في السلطة مهما كان الثمن، وهم انفسهم الذين بدأوا قرع طبول الولاية الرابعة مبكرا، لقطع الطريق أمام الراغبين في الترشح.
بعض المصادر ذهبت إلى حد التأكيد أن بوتفليقة اعترف في إحدى الجلسات الخاصة بأنه ندم على البقاء لولاية ثالثة، وهو اعتراف يبدو صعب التصديق بالنسبة لمن يعتقدون أن بوتفليقة لا يمكن أن يرى نفسه خارج قصر المرادية (الرئاسة) ما دام فيه قلب ينبض.
بصرف النظر عن كل هذا، فإن الولاية الثالثة لم يكن لها أي مشروع محدد، فإذا كانت الولاية الأولى التي بدأت سنة 1999 قد خصصت لاسترجاع السلم والأمن، مع استصدار ما سمي بقانون الوئام المدني، الذي جاء ليسمح بنزول الآلاف من المسلحين الذين كانوا في الجبال، كما منح القانون تغطية قانونية وسياسية للاتفاق بين قيادة الجيش وما كان يسمى الجيش الإسلامي للإنقاذ (المحل) ، حتى وإن كان هؤلاء قد استفادوا بعد ذلك من عفو رئاسي خاص، بسبب رفضهم تسمية ‘التائبين’ التي وردت في نص القانون، أما الولاية الثانية فكان عنوانها الرئيس المصالحة الوطنية، التي جاءت كتكملة للوئام المدني.
أما الولاية الثالثة فأراد الرئيس أن يعطيها عنوان ‘العفو الشامل’، لكن هذه الفكرة لاقت معارضة واسعة، لأنها كانت ستفتح أبوابا يصعب غلقها بعد ذلك، وهو ما جعله يضطر للتخلي عنها، وبالتالي جاءت الولاية الثالثة فارغة من أي محتوى، وحتى الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها بوتفليقة، مضطرا، في أبريل (نيسان) 2011، أفرغت من محتواها بعد أن تحولت إلى قوانين منظمة للحياة السياسية، حتى وإن كانت فيها بعض الإيجابيات، وتعديل الدستور المرتقب لم يستشر فيه أحد، وجاء بقرار فوقي تم بموجبه تشكيل لجنة خبراء، دون إشراك النخبة السياسية والمجتمع المدني.
ورغم أن السنوات الأولى من حكم الرئيس بوتفليقة حملت في طياتها بعض المؤشرات المشجعة، بتحسن الوضعية الاقتصادية والمالية للبلد، حتى وإن كان ذلك راجع لارتفاع أسعار النفط، لكن هذا لا ينفي أن السلطات بذلت جهودا في المجال الاجتماعي، بتحسين الأوضاع المعيشية للسكان، ورفع الرواتب، إلا أن كل ذلك تم على حساب بناء اقتصاد حقيقي، الأمر الذي جعل البلاد تعتمد أكثر من أي وقت مضى على مداخيلها من النفط، وتحول الريع النفطي إلى صهريج ماء يتم به إطفاء أي حريق يندلع هنا أو هناك، حتى وإن كان غير مبرر، فالسلطة في عهد بوتفليقة أثبتت أنها بارعة في الحلول السهلة، وفي إنفاق المال، لإسكات أي صوت، وإخماد أي احتجاج، ووضع حد لأي وجع رأس.
ولكن النقطة السوداء الرئيسية في حكم الرئيس بوتفليقة، والتي لم يكشف إلا عن النزر القليل منها، فهي فضائح الفساد والرشوة، التي انتشرت بشكل مفزع، ومست كل القطاعات، وبلغت أرقاما خيالية بملايين ومليارات الدولارات، التي نهبت واختسلت وسرقت ووزعت على الأحباب والخلان،واللافت للانتباه ان أغلبية المتورطين في هذه القضايا هم من أقرب المقربين من الرئيس ومن حاشيته التي جلبها معه إلى الحكم، ورغم أن ما كشف من قضايا فساد، في قطاع الطاقة خاصة، صدم الرأي العام، إلا أن الكثير من العارفين بالملفات التي لا تزال حبسية الأدراج، يؤكدون أن ما خفي كان أعظم.
الأكيد أن مرض الرئيس، أعاد بعث الانتخابات الرئاسية القادمة، التي كانت قد بدأت تتحول إلى موعد بروتوكولي محسوم سلفا، بعد أن بدأ مريدو الرئيس يقرعون طبول الولاية الرابعة مبكرا، رغم أن المؤشرات كانت ولا تزال توحي أن النظام لا يريد استمرار بوتفليقة، لكن ‘المحيط الرئاسي’ كما يسمى كان يبدو مصمما على الذهاب إلى هذه الولاية الرابعة، مهما كان الثمن، غير أن الوعكة الصحية التي تعرض لها، بصرف النظر إن كانت عابرة أو قارة، خلطت الكثير من الأوراق، وأعادت الأمل في حدوث تغيير، ولو في الواجهة، خلال الانتخابات الرئاسية القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق