الأربعاء، 1 مايو 2013

الشيخ مقبل بن هادي الوادعي (ابن صعدة ) تغيير مذهبه من التشيع الهادوي (الزيدي) إلى مذهب (أهل السنة) الذي تأثر به في اغترابه إلى مكة بالسعودية أوائل عام 1961م

عندما اختار الشيخ مقبل بن هادي الوادعي (ابن صعدة ) تغيير مذهبه من التشيع الهادوي (الزيدي) إلى مذهب (أهل السنة) الذي تأثر به في اغترابه إلى مكة بالسعودية أوائل عام 1961م ظلت مؤثرات النشأة والتربية الفكرية الأولى حاضرة في ذهن الشيخ رحمه الله, يتمثلها في الكثير من المواقف العملية وتقرر أيضاً بعض فتاواه وأحكامه الفقهية .. فقد أخذ عن مذهب أهل السنة الالتزام بفقه الأصول (القرآن والسنة النبوية )فقط دون اعتبار بقية أصول التشريع الأخرى التي اعتمدتها المالكية والحنفية والزيدية والحنبلية والشافعية , ومنها أصل إجماع الصحابة وحجيته والقياس وسواها مما يأخذ بها أتباع مذهب (أهل السنة والجماعة ) الأمر الذي يرجح تأثير نشأة الوادعي في بيئة زيدية المذهب ومخالفة دعوته لمذاهب وفرق أهل السنة والجماعة, وتغليب قناعاته الشخصية في مواقف خالف فيها السنة النبوية (الصحيحة ) منها: حديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي فعُضُّوا عليها بالنواجذ )فبحسب الشيخ مقبل مثلا أنه لا يرى إلزامية (الإجماع) وإن كان لا ينكر على من يأخذون به (1)وله أيضاً آراء شرعية مستقلة خالف فيها علماء السلطة بالسعودية في عقر دارهم, مثل موقفه وحكمه على حادثة (جهيمان العتيبي)عام 1979 المعروفة بحادثة الحرم المكي, أو خروجه على إدارة المعاهد العلمية التي كان يديرها الإخوان المسلمون قبل استقلاله بإنشاء معهد (دار الحديث) بدماج صعدة عام 1981م, وأخيراً موقفه من جمعية إحياء التراث الكويتية إبان غزو العراق للكويت أغسطس 1990م ورفضه تأسيس جمعية خيرية (مرخصة )كشرط لحصوله على المساعدات المالية (2).
المرجح أن الشيخ مقبل قد تأثر (لا شعورياً)بمبدأ (العقل)عند الزيدية باعتباره من أصول المذهب عندهم , فخضعت خياراته لقناعة العقل وترجيح ما يراه الصواب في مواقفه العلمية وفتاواه , وفي حادثة الحرم المكي أيضاً يبدو تأثر الوادعي بمبدأ الخروج على الحاكم (الظالم) واعتبار ما قامت به الجماعة أيضاً ضمن فريضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )وهي أصول ثابتة في مذهب (الزيدية )وأدبيات الجماعات الإسلامية مثل (الإخوان المسلمون).
يظهر تأثير الشيخ (جهيمان العتيبي)رحمه الله على فكر ومذهبية الشيخ مقبل الوادعي في أنهما يرفضان بطريقتهما الخاصة مذهب السلطة السائدة المعروف بالوهابية , ويلخص ذلك العتيبي في كتابه (الإخوان )..( نحن نتبع السنة الصحيحة والتفسير والحديث بدون التزام أعمى بمذهب معين) (3).
ما الذي حدث ؟
في 20نوفمبر 1979م استولت مجموعة مسلحة من الشباب السعودي والطلاب العرب المقيمين بزعامة (جهيمان العتيبي)منظم ومنظر جماعة الإخوان الجدد على الحرم المكي , وأعلنت المجموعة رفض النظام الحاكم في السعودية, وظهور المهدي المنتظر (محمد بن عبد الله القحطاني)الذي تعلم في بداية السبعينات أصول الدين على يد الشيخ (عبد الله بن باز).
أعلن المتمردون فكرتهم الرئيسة في إعادة بناء مجتمع إسلامي في الجزيرة العربية على غرار القرن الأول الهجري (خير القرون ) ,واتهموا في بيانهم السلطة بالانحلال والفساد والظلم واستدلوا بأحاديث الرسول (ص)أن المهدي المنتظر سوف يظهر في نهاية عصر الملوك المستبدين ويحكم بالعدل والرحمة (يملؤ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً )واعتقدت الجماعة انه بمجرد ظهور المهدي سيبايعه المسلمون , بينما يزول جيش الكفار استناداً إلى قوله (ص)..(ستنشق الأرض وتبتلع جيش الكفار الذي سيأتي لطرد المهدي) (4).
يقدِّر البعض أن أتباع حركة جهيمان (400)شخص ,لكن السلطات السعودية أعدمت 36شخصاً بينهم6 يمنيين ومعظمهم من السعوديين وبعض المصريين وثلاثة كويتيين وشخص عراقي وآخر سوداني.
وتظهر بعض كتب (جهيمان)تعرضهم للاضطهاد الفكري والديني قبل الحادثة من أجهزة السلطة والحكم وحتى من المجتمع نفسه ففي كتيبة (الإخوان )يمكن إدراك أبرز دوافع الجماعة إذ يقول : (نحن من نكون إنهم يشوِّهوننا من كل جانب, ويفترون علينا بالكذب .. نحن مسلمون أرادوا تعليم الشريعة , وأدركوا سريعاً استحالة تعلمها في مؤسسات تسيطر عليها الحكومة .. نحن في خصام مع الانتهازيين والبيروقراطيين . . ونحن نتبع السنة الصحيحة والتفسير والحديث بدون التزام أعمى بمذهب معين (5) ).. فالدلالة الأعمق على هوة الخلاف بين الجماعة والحكم ما يذكره (جهيمان)رحمه الله تعالى في نهاية الكلام من رفضهم الالتزام بالمذهب الرسمي الذي تقره الدولة مخالفة للكتاب والسنة وفرض الالتزام(الأعمى بمذهب معين!) ولعل كتاب (الحاكمية )يفسر أيضاً ما ذهب إليه جهيمان في احتجاج الجماعة على تدخل الدولة بالدين وما أسماه (خداع الحاكم للعامة ولطلاب العلم )وأدان كذلك العلماء الذين يعتبرهم (باعوا أنفسهم للنظام الفاسد مقابل المناصب والأموال (6)) حشدت السلطة يومها في عهد الملك خالد بن عبد العزيز كل الوسائل العسكرية المسلحة لمواجهة التمرد, وحاصروا الحرم المكي لمدة خمسة عشرة يوماً , تمكنوا بعدها في 3ديسمبر1979م من قتل المهدي (محمد بن عبد الله القحطاني)واعتقال جهيمان العتيبي ومعه 17شخصاً بما فيهم النساء والأطفال (7).
علاقة الوادعي بالتمرد:
ظهر اسم الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ضمن المتهمين في أحداث الحرم فاعتقلته السلطات السعودية ثلاثة أشهر بتهمة قيامه بكتابة البيان الذي أصدرته جماعة الحرم , وقيل أيضاً أن زعيم الجماعة (جهيمان) لم يكن يجيد الكتابة فساعده الشيخ مقبل على تدوين بعض كتاباته الأخرى .. غير أن هذه التهمة مشكوك بصحتها فجهيمان العتيبي رحمه الله تعالى كان طالباً بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية في مكة المكرمة (8)) وقد التحق من قبل بالحرس الوطني وينتمي إلى منطقة (نجد), وعدا عن علاقة الشيخ مقبل (الروحية )وتأثره بالعتيبي كما يذكر ذلك في كتابه (المخرج من الفتنة)فمن المرجح أنه قام أيضاً بمراجعة كتابات جهيمان وتنقيحها من الأخطاء اللغوية والنحوية , أو قيامه باستنساخ كتابات جهيمان . وهي ذرائع تخفي حقيقة اعتقاله على خلفية علاقته الشخصية برمز الجماعة وعدم إخفاء تعاطفه معهم من قبل , فالوادعي قد تأثر فعلا بأخلاق واستقامة زعيمها العتيبي كما يذكر ذلك نفسه في كتابه الشهير (المخرج من الفتنة)وتم ترحيله بعد ذلك قسراً إلى اليمن (صعدة )في مارس 1980م
على الرغم من رفض الشيخ مقبل الخروج على الحاكم (الظالم)إلا أنه في كتابه (المخرج من الفتنة)الذي صدر عام 1984م يكشف وجهاً من حقيقة دوافعه الخفية لمناصرة جهيمان والتي ربما صبغت دعوته فيما بعد بملامح مختلفة عن الوهابية التقليدية في السعودية , بل ورافضة لها بعد أن تحولت إلى دعوة رسمية تُشَرْعِن لنظام الحكم القائم ..والهدف من تبني دعوة الوادعي للكتاب والسنة فقط دون غيرهما من أصول التشريع عند أهل السنة والجماعة )مثل الإجماع والقياس والاستحسان وسواها هو إعلان موقف ضمني من المذهب الوهابي الرسمي للدولة الذي شذ علماؤه أيضاً في التطبيق العملي وتوظيف دلالات النصوص في القرآن والسنة بخلاف حتى دلالاتها الظاهرة (المحكمة )التي لا يعفى أحد عن علمها بحسب ابن عباس رضي الله عنه.
إلا أن تأثر الشيخ مقبل بربيع المدخلي ومحمد أمان الجافي طوال 20عاماً قضاها في بلاد الحرمين لم يخلص دعوته من مثلبة (التكفير )فهو تارة يكفر الأحزاب السياسية الإسلامية والعربية, وتارة أخرى الأنظمة ورموز الحكم والجماعات المسلمة أيضاً في اليمن وغيرها من البلدان فحين رفض الوادعي الالتزام بمذهب معين على نهج سلفه الشيخ جهيمان العتيبي إلا أنه لم ينج من غلبة نهج التكفير عند الوهابيين.
ويمكن القول أن حركة جهيمان قد أثرت على المعالم الفكرية لدعوة الوادعي السلفية فيما بعد , إن لم تكن قد رسمت ملامحها بدقة , سواء في اعتمادها منهجاً مغايراً للوهابية في أصول ومصادر التشريع وتفسير النصوص أوفي المناخ الانعزالي الذي أحاطه الشيخ بنفسه وجماعته , فبعد تجربة السجن المريرة في المملكة فهو يعاني بحسب اعتقاده أيضاً بعد عودته إلى اليمن من ضغوط أهل مذهبه (الشيعي) السابق في صعدة بعد مجاهرة بعضهم بحديث (من بدل دينه فاقتلوه) في محاولة لثنيه عن نشر دعوته الجديدة (9)ثم بعد ذلك تجربته المريرة مع المعاهد العلمية التي كان يديرها الإخوان المسلمون , واضطراره إلى ترك التدريس في أحد المعاهد بصعدة وتأسيس معهده الخاص (دار الحديث) بدماج هروباً بما يعتقد أنه تسلل إخواني أو فرض منهج تعليم يتعارض مع قناعته ونزعته الاستقلالية(الذاتية)وربما الحادة أيضاً . كان نصيب الإخوان المسلمين ورمزه في اليمن من هجوم الشيخ الأكثر إلى قبيل وفاته عام 2001م.
دوافع الحركة:
تكشف رسائل جهيمان العتيبي ومؤلفاته (السبعة)عن درجة عالية من الظلم مارسها الحاكم هناك على الجماعة وغيرهم خلال سبعينيات القرن العشرين , مثل فرض منهج تعليم (إسلامي رسمي )يناقض مقاصد الشريعة في القرآن والسنة, عدا رفض الجهيمانية في الواقع العملي لإسلوب إدارة الدولة وبروز مظاهر البذخ الفاحش في المجتمع واستغلال الحاكم للعلماء في فرض ما يريد بما في ذلك تسليطهم على خصوم النظام.
وتلخص الحركة رؤيتها في التغيير برفض الالتزام الأعمى بمذهب (معين) في التعليم الديني يخالف منهج أهل السنة نفسه, ويقصدون بذلك رفض استغلال الوهابية من الحكم , يضاف إلى ما تعتقد الجماعة أنه فساد أخلاقي في مؤسسات الحكومة ومظاهر الحياة التي تستغرقها الماديات .ويرى الشيخ مقبل الوادعي أنه من ضمن أسباب قيام الحركة أيضاً هو اختلاط بعض أفرادها ببعض أعضاء جماعات الإخوان المسلمين الذين نزحوا من مصر إلى السعودية بعد ملاحقة السلطات المصرية لهم والتضييق عليهم منذ الخمسينات والستينات في عهد الرئيس جمال عبد الناصر (اختلط بهم بعض الشباب المصري وشجعهم على ذلك (10)) وليس هذا هو دافع الخروج الوحيد على الحاكم عند الوادعي؛ إذ يدين أيضاً تربص علماء السلطة بأفراد الجماعة قبل وقوع الحادثة بوقت طويل وتحريض المجتمع والسلطة ضدهم , وهو سبب رئيسي لخروج جهيمان وزملائه لما لقوه من ظلم , فمن الذين حاربوه (علماء السوء)ويذكرهم الوادعي بالاسم في المخرج من الفتنة (محاربة علماء السوء لهم كابن صالح, وشيبة الحمد, وابن مزاحم , فقد  كانوا يحذرون من الإخوان في بعض الخطب ويلصقون بهم ماليس فيهم (11)) ويذكر الوادعي أيضاً أنه سبق للسلطات القيام بحملة اعتقالات واسعة بين صفوفهم وسجن مئات من المحسوبين على الإخوان المسلمين وطالت حرمة عائلاتهم وأسرهم أيضاً وتكررت مرتين قبل حادثة الانفجار الكبير في 20 نوفمبر 1979م , وقد دست السلطات السعودية يومها جواسيسها بين أوساط الجماعة الذين كانوا سبب الوقيعة بين الحكم والإخوان المسلمين.
لم تتخذ الجهيمانية موقفاً من نظام الحكم والدولة ومؤسسة التعليم وحدها وإنما من المجتمع كله أيضاً الذي تبنى بنظرهم دعوة علماء السلطة لمحاربة أفكارهم وتوجهاتهم بحسب تشخيص الشيخ مقبل نفسه لدوافع قيام حركة الحرم (فساد المجتمع والضغط على من تمسك بدينه من قبل الآباء والأقارب ويجعلونه موضع سخرية (12)) وبدأت الجماعة في مناخ خانق كهذا تعتزل المجتمع وتقاطعة تحت وطأة نفس المعاناة الإنسانية والإحساس المكثَّف بالظلم الذي أفرز في السابق حركات وجماعات خروج مشابهة على الحكام في مصر (المدرسة القطبية ) في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وجماعة (الكتيبة الفنية والجهاد) في عهد الرئيس أنور السادات.
لم تنحصر المظالم التي فجرت حادثة الحرم في السعودية بنوع واحد أوثلاثة من العقوبات المؤلمة للكرامة بل سبق ذلك أيضاً (عدم إنصاف الحكومة لهم وعدم العدالة مع السجناء ومع الهاربين , ونزّلت طلبة العلم منزلة المجرمين (13)) فتكتمل بذلك خلفية المشهد المأساوي الذي سبق وقوع حادثة الحرم جراء ما تعرضت له جماعة جهيمان العتيبي رحمه الله , فالمسألة ليست مجرد نزوة أو رد فعل طارئ فللحادثة الكبيرة مقدمات أولى مريرة صنعتها أصابع الدولة بنفسها ثم حدث بعدها الانفجار الموازي لدرجة الظلم نفسه.
موقف الوادعي :
على عكس بعض الجماعات السلفية التي تبرر ظلم الحاكم للرعية فقد أنصف الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله أصحاب واقعة (الحرم المكي )باعتباره أحد الشهود عليها والمتهمين فيها أيضاً , وبقدر التماسه العذر لجماعة جهيمان وتعاطفه المعلن معهم فهو يُقِرُّ أن ما حصل في النهاية على المستوى النظري فقط هو (خروج على الحاكم) لا يقره الشرع وباعث على إدانته (الشكلية للجماعة باعتبار (خروجهم على حكومة مسلمة ولا يحل الخروج إلا أن تروا كفراً بواحاً))لكن الوادعي يرد على الذين طالبوا السلطات بإهدار دماء هؤلاء فيحكم عليهم (أنهم بغاة مؤمنون ما خرجوا يحاربون الله ورسوله (14))أما علماء السلطة فطالبوا السلطة بإنزال حكم المفسدين في الأرض ومحاربة الدعوة إلى الله واستدلوا تعسفا وبغياً بالآية الكريمة (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله …) وإن عدَّ الشيخ مقبل ذلك خروجاً فهو لا يجيز للدولة استحلال دماء الخارجين ولا أموالهم والإضرار بنسائهم وأولادهم كما حصل ذلك مع الجهيمانية قبل وقوع الحادثة نفسها , والفرق واضح جلي بين حكم الوادعي (نظرياً) على واقعة الحرم وبين موقفه من فعل الخروج فلم ينزل الواقعة على نص الحديث النبوي والحقيقة أن الشيخ كان يتمنى في نفسه نصر الجماعة (فكنا نسأل الله أن ينصرهم ,لأن خطأهم هذا ليس بشيء بجانب فساد حكام المسلمين , نسأل الله أن يبدل الإسلام خيراً منهم (15)) ولا يمثل هذا الموقف تناقضاً بين رفض الوادعي مبدأ الخروج على الحاكم الظالم وبين مشايعته للجماعة والدعاء لهم بالنصر , فالواضح أن الشيخ يميز بين رفض الخروج على الحاكم بوجه عام وبين الموقف العملي من واقعة (استثنائية)لها حكمها , فالواضح أن أهل السنة والجماعة يشددون على طاعة الحاكم (المطلقة)حتى لا يفتح باب الخروج مفاسد أكبر من ذلك إلى مفسدة أكبر وهذا تطور فكري مهم داخل الجماعة السلفية في اليمن وإن كان الشيخ الوادعي يمثل نفسه في هذا الرأي ولا تربطه علاقة بحادثة جهيمان رغم وجوده في أرض الحرمين منذ 1974م إلى أوائل تسعينات القرن الماضي عندما أسسوا جمعية الحكمة اليمانية بعد غزو العراق للكويت , ونرجح أن يكون موقف الشيخ مقبل من حادثة الحرم من منطلقات فكرية واجتماعية إنسانية , فلا ريب أن لنشأته في بيئة زيدية طاردة للظلم ونزعته الاستقلالية المتمردة تأثيرا عدا أن النفس الإنسانية تنزع بطلبها لرفض الظلم الفادح , وربما يكون العالم أشد غيره على نفسه ودينه في المواقف القاهرة من عوام المسلمين , وعندما وضعت الزيدية ضوابط قواعد شرعية لجواز الخروج على الحاكم الظالم إلا أن من الظلم ما لايحتمله لاسني ولا شيعي أو يهودي أو مسلم , فيكون الخروج في الواقع العملي حالة إنسانية استثنائية تتجاوز التشريع أو المنع والتحريم , وفي نموذج حادثة الحرم نجد الشيخ مقبل الوجه السلفي البارز في مقدمة المناصرين لخروج جهيمان وجماعته على نقيض ماتطرحه سلفية (طاعة ولي الأمر )في اليمن وغيرها من بلاد المسلمين , فكل الفرق والمذاهب المعاصرة قد خرجت على الحاكم بطريقتهاالخاصة وإن كان بعضها يدعو نظرياً إلى تحريم الخروج وقاعدة الطاعة للحاكم ولو سرق مالك وجلد ظهرك بالسياط هي أقرب لمبدأ (التقية )عند بعض فرق الشيعة , ويجري توظيف بعض السلفيين وفرقه ب (طاعة ولي الأمر) ليبعدوا عن أنفسهم شبهات التآمر على الحكم , ولذلك كلما بالغ أخوتنا السلفيون في دعوة الناس إلى طاعة الحاكم يضعون حول أنفسهم علامات استفهام بصرف النظر عن صدق نواياهم فحكامنا لايثقون بأنفسهم.
لعل باعث هذه القراءة لموقف الشيخ مقبل بن هادي الوادعي (رحمه الله) من حادثة الحرم المكي قبل30عاماً هو الوقوف على حقيقة أن أهل المذاهب الإسلامية (سنة وشيعة) يخالفون القواعد والنصوص والشعارات التي يتبنونها نظرياً عندما يتعارض حتى النص الشرعي (المفترض)مع ما يتعرضون له في الواقع , فالسلفي يأخذ على الزيدي القول بجواز الخروج على الحاكم ثم يسبقه هو إلى فعل الخروج ومناصرته , وبالقطع ليست هذه مثلبة للسلفيين إلا من حيث لا ينبغي المزايدة على الآخر والتماس العذر له قدر الإمكان بحسب السنة النبوية المطهرة , لكن مشكلة المذهبية في اليمن أننا لا نعترف بإسلام بعضنا عدا اشتراكنا في الإنسانية.
ولعلي بهذه القراءة العابرة أيضا؟ أجيب على تساؤل الأستاذ الشيخ محمد المهدي (حفظه الله) عن سبب تقديري للشيخ مقبل الوادعي الذي اعتبره البعض من المكايدات ؛بينما أنطلق من قراءة خاصة لتجربة الوادعي فلا يعني أن الجماعات السلفية عندنا تخلوا من الزوايا المشرقة , إنما أهمية حادثة الحرم المكي , لا تزال تثير حولها الأسئلة والخفايا والأسرار منذ ثلاثة عقود , عدا أنه كان لها تأثيرها فيما بعد لجهة تقويم الحكم بعض سياساته ؟
المراجع والهوامش :
*هذه القراءة ضمن دراسة مطولة عن ظاهرة الجماعات السلفية في اليمن يعتمد فيها الباحث الحياد العلمي والإنصاف.
(1) الشيخ مقبل الوادعي آراؤه العلمية والدعوية / تأليف محمد بن موسى العمري 1416هـ ص(42).
(2) تحفة المجيب , تأليف الشيخ مقبل بن هادي الوادعي وفي الكتاب معلومات تفصيلية عن خلافه مع الجمعيات الخيرية.
(3)الإسلام والعرش في السعودية / د / أيمن الياسيني / طبعة مصر يونيو1990م ضمن سلسلة كتاب الأهالي ص(199).
(4)نفسه ص(198).
(5) نفسه ص(199).
(6) نفسه ص(199).
(7) نفسه ص(201).
(8) نفسه ص(195)
(9)ترجمة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي الطبع الرابعة 2002/ ص (21).
(10)المخرج من الفتنة / الشيخ مقبل بن هادي الوادعي طبعة 2002م ص (143).
(11) نفسه ص(142).
(12) نفسه ص(141).
(13) نفسه ص(142).
(14) نفسه ص(143).
(15) نفسه ص(144).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق