الخميس، 17 مايو 2012

ســـنّ الحــديـــد


ســـنّ الحــديـــد
لنصرة الشيخ أبي الوليد

أبي المنذر الشنقيطي




1433هـ | 2012م

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين .
إلى حد الساعة مازالت حكومة حماس تعتقل الشيخ المجاهد هشام السعيدني (أبو الوليد المقدسي)..
حماس تعلم بأن الشيخ لا يحمل السلاح إلا ضد اليهود، ولا يدعو إلى حمل السلاح إلا ضد اليهود ..
لكن التهمة الحقيقية للشيخ هي أنه يؤمن ببعض القناعات الشرعية التي ليس من مصلحة حماس بثها والترويج لها .
وهي إما أن تتعامل معها بالمنطق الشرعي، وإما أن تتعامل معها بالمنطق السلطوي ..
وحين تتعامل معها بالمنطق الشرعي فلا بد لها من الحوار المباشر وتحكيم الحجة الشرعية والخضوع لها سواء كانت لها أو عليها.
أما حين تتعامل بالمنطق السلطوي فلن تسمح لأي فكر بالانتشار إن كان فيه تهديد لهيمنتها بغض النظر عن كونه حقا أو باطلا ..!
التعامل بالمنطق السلطوي كان هو السبب في المحنة التي تعرض لها كثير من العلماء، لأن أصحاب السلطة لا يقبلون أي فتوى لا تصب في مصلحتهم ..
لقد تعرض مالك للمحنة فأخذه جعفر بن سليمان أمير المدينة وجرّده وضربه وجلده سبعين سوطا، ومدت يده حتى انخلعت كتفه وحمله على حمار وطاف به في المدينة .
لم تكن جريمة مالك هي اعتراضه على حكم العباسيين أو التشكيك في مشروعيتة، وإنما لأنه أفتى بحكم شرعي ليس من مصلحة العباسيين الإفتاء به !
فقد تكلم الفقهاء في مسألة طلاق المكره فذهب البعض إلى منعه وذهب البعض إلى مشروعيته، وترجح عند مالك المنع فكان يفتي بذلك، وهذه مسألة فقهية لا علاقة لها بالحكم والسياسة ..
لكن العباسيين كانوا يأخذون البيعة بالإكراه ويحلّفون المبايع بالطلاق والعتاق والأيمان المغلظة كلها على الالتزام بالبيعة.
فكان يترتب على إفتاء مالك بمنع طلاق المكره إبطال أيمان البيعة .
قال ابن خلدون :
 (كان الخلفاء يستحلفون على العهد ويستوعبون الأيمان كلها لذلك، فسمي هذا الاستيعاب أيمان البيعة، وكان الإكراه فيها أكثر وأغلب. ولهذا لما أفتى مالك رضي الله عنه بسقوط يمين الإكراه أنكرها الولاة عليه، ورأوها قادحة في أيمان البيعة، ووقع ما وقع من محنة الإمام رضي الله عنه.) مقدمة ابن خلدون (ص: 195).
وقال ابن الجوزي في (شذور العقود) عن سنة سبع وأربعين ومائة : (وفيها ضرب مالك بن أنس سبعين سوطا لأجل فتوى لا توافق غرض السلطان).
وهكذا ..فإن التهمة الفعلية للشيخ أبي الوليد المقدسي هي أنه يحمل فكر السلفية الجهادية، وحماس لا تسمح بوجود هذا الفكر في غزة .لأن أصحابه لا يؤمنون بشرعية الحكومات الديمقراطية ..
ما تخشاه حكومة حماس هو انتشار دعوة الشيخ وانتشار الفكر الجهادي الذي لا تقوى على مواجهته بالحجة والبرهان، ولا تجد من وسيلة لمقاومته إلا القوة والعدوان .
فالأمر لا يعدو كونه حربا على المعارضين للمنهج الذي تتبناه حكومة حماس، وبما أنها تتشدق بتطبيق الحرية والديمقراطية، فهي تحاول اختلاق التهم لكل من تعتقلهم وتحاربهم.
 وإلى حد الساعة لم تجد حكومة حماس للشيخ أبي الوليد من تهمة إلا كونه يروج للفكر التكفيري !
و لسان حال الشيخ يقول :
أسير لدى قوم بغير جناية
 
ألا في سبيل الله ما صنع الدهر
  
والكذب على أهل الحق وتقويلهم ما لم يقولوا ليس جديدا بل تعرض له أهل العلم الصادعون بالحق على مر العصور .
 ذكر أبو نصر السجزي في رسالته، أن الأشاعرة كانوا يتعمدون الكذب على أهل الحديث، و يُنسبون كل من يخالفهم إلى سب العلماء، ليُنفّروا قلوب الناس منه .
كما ذكر القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" أن بعض علماء الأشاعرة أرسلوا خطابا إلى الوزير نظام الملك، -في فتنة ابن القشيري- كذبوا فيه على الحنابلة، و ذكروا فيه أشياء عن معتقدهم زوراً و بهتانا.
وقام بعض الحاسدين لشيخ الإسلام ابن تيمية بالوشاية به عند الولاة فزوروا كلاماً له عن زيارة القبور، وقالوا بأنه يمنع حتى زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فكتب نائب السلطنة في دمشق إلى السلطان في مصر بذلك، ونظروا في الفتوى دون سؤاله عن صحتها ورأيه فيها، فسجن في قلعة دمشق .
والحق أن الشيخ أبا الوليد لو كان من أهل المنهج التكفيري لما اعتقلته حكومة حماس لأن أصحاب المنهج التكفيري موجودون في غزة وهي لا تتعرض لهم بأي أذى ..
فالتكفير الممنوع عند حماس هو –فقط- التكفير الذي تتبناه السلفية الجهادية ..!!
التكفير الذي يستند إلى قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
وقوله تعالى : {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام: 121].
وقوله تعالى : {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [التوبة: 31].
فهل من الجرم تكفير من كفره الله تعالى بصريح اللفظ ؟
إلى الله نشكو هذا الجبروت، والدعوى العارية من البينة العادلة ..!
إن حكومة حماس التي تتشدق بإقامة العدل لم تكلف نفسها إقامة البراهين على التهمة التي وجهتها للشيخ ..
وإنما هو الاعتقال التعسفي الذي لا ينعم فيه المعتقل بأي حق من حقوقه كما هو شأن سائر الأنظمة الطاغوتية .
هل هذه هي حرية الشعب الفلسطيني التي تناضل حماس من أجلها ؟
وما معنى أن تنتقد حماس إسرائيل لكون سجونها مكتظة بالفلسطينيين، وهي تفعل الشيء نفسه مع السلفيين في غزة ؟
أم أن حقدها وسجنها وقفٌ على أهل الفضل ؟
عبثا تطلق العباد من الأسر
 
وتبقي في الأسر بعض العباد ..!
  
إن حكومة حماس بهذا الصنيع تثبت أنها لا تلتزم بأي مبدأ سواء كان شريعة سماوية أو قوانين وضعية أو قيما خلقية، ولو كان في تعاملها ذرة من أخلاق لما أساءت معاملة الأسير:
أسيرك فاقْرِهِ واعددْهُ ضيفا
 
فما ضيفٌ بأضعف من أسير
  
لو كانت حكومة حماس صادقة في دعوى محاصرة الأفكار المنحرفة لناظرت الشيخ في العلن-كما تناظر العلمانيين ائما-حتى يعلم الناس من الأولى بوصف الانحراف ..أهو الشيخ أبو الوليد الذي يدعو إلى تحكيم شرع الله أم حكومة حماس التي تقاتل من أجل تكريس الديمقراطية ؟
إن فرعون على ما هو عليه من الجبروت والاستبداد لم يعلن الحرب على موسى عليه السلام إلا بعد أن حاوره وناظره كما قال تعالى في شأنه :
{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}.
وحكام المسلمين في العصور السابقة لم يكونوا يعاقبون من يتهمونه بالانحراف إلا بعد مناظرته .
 لما وقعت فتنة القول بخلق القرآن، أتي بالإمام أحمد مقيدا بالأغلال، وأتي بأئمة الاعتزال والبدع، فكانوا يسألون الإمام ويقولون له: يا أحمد قل القرآن مخلوق، فيقول: ائتوني بشيء من الكتاب أو السنة.
وكذالك الحكام الذين سجنوا شيخ الإسلام ابن تيمية لم يسجنوه إلا بعد أن عقدوا له عدة مناظرات مع الفقهاء المخالفين له.
فهل يكون فرعون وهؤلاء الحكام أكثر حرية وقبولا للرأي الآخر وأكثر إنصافا في التعامل مع المخالف من حكومة حماس ؟
وإني لأعجب : ماذا ستجني حكومة حماس من أسر الشيخ أبي الوليد ؟
إن كانت تظن بأنها من خلال الأسر ستهينه وتغض من منزلته فإن أسر الشيخ في سبيل عقيدته ومبادئه مما يعلى منزلته ويرفع من قدره :
وكم تقدم من أسيرٍ
 
يُزيِّن وجهه عقد الأسار
  
وإن حال لسان الشيخ يقول :
وَهل غضَّ مني الأسرُ إذْ خفّ ناصري
 
و قلَّ على تلكَ الأمورِ مساعدي
  
ألا لا يُسَرّ الشّامِتُونَ، فَإنّهَا
 
مَوَارِدُ آبَائي الأولى وَمَوَارِدِي
  
وإن كانت تظن بأنها سترده عن منهجه فإن حال لسانه يقول :
وَمَا الأَسْرُ مِمّا ضِقْتُ ذَرْعاً بحَملِهِ
 
و ما الخطبُ مما أنْ أقولَ لهُ قدِ
  
أيها المسلمون :
إن فكاك الأسير من أعظم القربات وأوجب الواجبات التي جعلها الله تعالى حقا للمسلم على إخوته المسلمين .
روى البخاري ومسلم عن الليث عن عقيل عن الزهرى عن سالم عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة).
قال ابن حجر :
(ولا يسلمه أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه وهذا أخص من ترك الظلم وقد يكون ذلك واجبا وقد يكون مندوبا بحسب اختلاف الأحوال ) فتح الباري - (5/ 97) .
وقال المبارك فوري :
(ولا يسلمه بضم أوله وكسر اللام أي لا يخذله بل ينصره . قال في النهاية : أسلم فلان فلانا إذا ألقاه في التهلكة، ولم يحمه من عدوه وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء لكن دخله التخصيص وغلب عليه الإلقاء في الهلكة .) تحفة الأحوذي (4/ 62)
ولم يزل فكاك الأسير من خصال البر التي يمتاز بها أهل الكرم والمروءات كما قال الشاعر :
فَتى لا يزال الدّهرَ أكبرُ هَمِّه
 
فكاك أسير أو معونَةَ غارمِ .
  
ومع تدهور الحالة الصحية للشيخ أبي الوليد المقدسي يتعين على المسلمين أن يسعوا إلى نجدته والضغط على حكومة حماس حتى تقوم بالإفراج عنه ...
وينبغي ألا ننتظر ردة الفعل من الإخوة في غزة لأن حكومة حماس تطاردهم وتحاصرهم ولا تمنحهم أي فرصة للحركة، كما أن قيامهم بأي ردة فعل على حكومة حماس سوف يؤدي إلى نزاع داخلي يصب في مصلحة المحتل الإسرائيلي ولا يجني منه المسلمون أي فائدة .
فسياسة عدم الرد على حماس هي الأسلم والأحزم فينبغي على أهل التوحيد في غزة أن يتمسكوا بها وان يتحملوا ما فيها من مشقة ومضرة تغليبا لمصلحة المسلمين .
والجهاد مبني على التغرير بالنفس من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين .
و حكومة حماس تسعى بكل الوسائل إلى استفزاز الإخوة حتى تجد من ردود أفعالهم ما تبرر به جرائمها وعدوانها .
أيها المسلمون :
 لا يجوز ان نقف مكتوفي الأيدي مع ما ورد من أنباء عن تدهور الحالة الصحية للشيخ أبي الوليد المقدسي في سجون حكومة حماس .
فنرجو من مشايخنا وقادة الجهاد أن يكونوا صريحين كما عهدناهم في مواجهة الظلم والصدع بالحق وان يكون لهم موقف واضح من حكومة حماس التي لم يعد لها من دور إلا التنكيل بالموحدين، ومحاصرة كل من يحمل الفكر الجهادي .
لقد لبسوا لأهل التوحيد جلود النمور فعانوا من عدائهم الشدة بأصبارها، و أوجعوا فبالغوا في الأذية ولم يراعوا حرمة لأهل العلم ولا مقاما لنفس تقية..
فهم اليوم على أهل التوحيد أفاعٍ نهاشة وعقارب لساعة وسباع ضارية، وكلاب عاوية !
ونرجو من الإخوة في سيناء أن يكون لهم دور كبير في نصرة الشيخ وفي نصرة إخوانهم في جماعة التوحيد والجهاد والتواصل معهم ومد يد العون لهم، فهم أقرب الناس إليهم ومعونتهم لهم ينبغي أن تسبق معونة غيرهم.
ونرجو من الإخوة الذين لديهم قدر من الحرية قد يسمح لهم بالتحرك كالإخوة في مصر وفي تونس وفي ليبيا وفي أي بلد قد يوجد به هامش من الحرية ..أن يقوموا بنصرة الشيخ ودعم قضيته بما أمكنهم من وسائل وآليات ..
وبما أن حركة حماس جزء من التيار الإخواني ومحسوبة عليه والإخوان هم أنصارها وأعوانها وهم الذين أيدوها وشجعوها في حربها ضد تيار السلفية الجهادية وفي مذبحة مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية، فهناك خطوات عملية نرى أنه من الضروري القيام بها على مراحل:
الخطوة الأولى : الاتصال ببعض أهل العلم الذين لهم علاقة بحركة الإخوان وطلب التحرك من طرفهم من أجل الإفراج عن الشيخ المعتقل بدون أي مبرر.
الخطوة الثانية : القيام بالتظاهرات والاعتصامات أمام مقرات أحزاب الإخوان من أجل المطالبة بالإفراج عن الشيخ، وفضح الظلم والتعسف الذي تمارسه حركة حماس الإخوانية ضد كل من يحمل فكر السلفية الجهادية .
المرحلة الثالثة : نترك الحديث عنها إلى أن تفشل كل المحاولات السلمية .
ونفسح المجال أيضا للإخوة في طرح الاقتراح الأنسب لهذه المرحلة .
هذه دعوة للمساهمة في نصرة الشيخ فنسأل الله تعالى أن يحفظ الشيخ من كيد الأعداء، وان يكلل أعمالنا بالتوفيق والنجاح والقبول .
والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق