الأحد، 6 مايو 2012

مقالات عبد الباري عطوان.إعداد. نعمان عبد الله الشطيبي

انذار للسعودية: مصر تتغير

29/04/2012

تفاقمت حدة التأزم في العلاقات المصرية ـ السعودية على أرضية اعتقال المحامي والناشط في حقوق الانسان السيد احمد الجيزاوي في مطار جدة في المملكة العربية السعودية، واتهامه بسب الذات الملكية ثم بتهريب حبوب مخدرة بعد ذلك. وتبذل الحكومة المصرية جهودا مكثفة لتطويق هذه الأزمة بعد القرار المفاجئ للعاهل السعودي بإغلاق السفارة وقنصليتي السعودية في كل من الاسكندرية والسويس.
الأزمة ليست وليدة اليوم، واعتقال السيد الجيزاوي هو قمة جبل الجليد، فالعلاقات متوترة بين البلدين منذ اندلاع الثورة المصرية وموقف السلطات السعودية المعارض لها، والعامل على اجهاضها وابقاء نظام الرئيس مبارك بكل الطرق والوسائل الممكنة، بما في ذلك اتصال العاهل السعودي بالرئيس الامريكي ومطالبته بالتدخل السريع ومنع حدوث التغيير الديمقراطي في مصر. وازداد الغضب السعودي بعد فوز الاسلاميين بأكثر من 75' من مقاعد مجلس الشعب، فالحكم السعودي يكره الاخوان، والامير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية الحالي وصفهم بأنهم 'اصل البلاء' في المنطقة.
فإذا كانت ردة فعل الشارع المصري على اعتقال الجيزاوي مبالغا فيها، والشيء نفسه يقال عن بعض المقالات المنتقدة بل والمتطاولة على الحكومة السعودية بطريقة غير لائقة، فإن رد السلطات السعودية جاء ايضا مبالغا فيه، وكأن هذه السلطات كانت تنتظر ذريعة لإغلاق سفارتها وقنصلياتها في مصر، فسفارات السعودية تعرضت لاحتجاجات ومظاهرات غاضبة من قبل سعوديين وعرب في اكثر من عاصمة اسلامية وعالمية مثل لندن وواشنطن وطهران، ولكن لم يتم اغلاقها بسبب ذلك.
المملكة لا يجب ان تغلق سفاراتها في اي عاصمة اسلامية او غير اسلامية، لأن هذا الاغلاق يؤثر على مليار ونصف المليار مسلم تحتم عليهم فرائضهم الدينية زيارة الاماكن المقدسة في مكة والمدينة، سواء لأداء فريضة الحج او العمرة.
المشكلة الاساسية تكمن في عدم ادراك المسؤولين السعوديين ان مصر تغيرت، وان الرئيس حسني مبارك لم يعد حاكما لها، وان نظامه لن يعود، الامر الذي يحتم عليها التأقلم مع هذا التغيير والتعايش معه. فاعتقال المصريين او غيرهم من العرب، والزج بهم خلف القضبان دون محاكمات لم يعد مقبولا في زمن الثورات العربية، وثورة المعلومات والديجيتال، مثلما كان عليه الحال في السابق.
السيد احمد الجيزاوي الذي كان اعتقاله هو المفجر لهذه الأزمة قد يكون متورطا فعلا في تهريب حبوب مخدرة ممنوعة، وقد يكون بريئا فعلا، ولكن كيف ندينه او نبرئه في ظل غياب نظام قضائي وعادل في المملكة العربية السعودية اولا، ومعظم الدول العربية ثانيا؟
لا يستطيع المسؤولون السعوديون ان يجادلوا بعدالة قضائهم وهناك مئات، ان لم يكن آلاف من سجناء الرأي يقبعون خلف القضبان دون محاكمات، ومثلهم، ان لم يكن اكثر، ممنوعون من السفر ودون ان تكون صدرت في حقهم اي احكام جنائية، وحتى لو صدرت هذه الاحكام فإن اصحابها قضوا مدة عقوبتهم كاملة،فلماذا تسحب جوازات سفرهم؟
' ' '
السلطات السعودية مارست ضغوطا عديدة على الحكومة البريطانية لإبعاد الدكتورين المعارضين محمد المسعري وسعد الفقيه، بما في ذلك التهديد بإلغاء صفقة اسلحة اليمامة وقيمتها 75 مليار دولار، ولكنها لم تنجح لأن القضاء البريطاني لا يسمح بذلك لاستقلاليته عن الحكومة، بينما افرجت السلطات السعودية عن ثلاث ممرضات ادن بقتل زميلتهن، وصدر عليهن حكم بالاعدام، اعترافا منها بعدم استقلال قضائها، واستجابة لطلب رئيس الوزراء البريطاني، ونقلن بطائرة خاصة الى لندن.
كاتب هذه السطور تعرض لحملة ردح وتشويه من الصحف السعودية قبل ثماني سنوات، وعندما لجأت الى مكتب محاماة سعودي لرفع قضية امام المحاكم الشرعية السعودية لمقاضاة من تطاولوا عليّ اصدر الامير نايف بن عبد العزيز ،وزير الداخلية وولي العهد الحالي، مرسوما بمنع القضاء من النظر في قضايا السب والقذف وتحويلها الى وزارة الاعلام التي وقفت خلف هذه الحملة، بحيث تصبح الخصم والحكم، وجاء من يعرض عليّ مبالغ مالية طائلة مقابل التنازل عن القضية ورفضت، واملك كل الوثائق في هذا الصدد.
الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي، والشخصية الاسلامية المحترمة، اعيد من مطار جدة الدولي وهو في ملابس الاحرام ويملك تأشيرة حج من السفارة السعودية في لندن بعد احتجازه اكثر من 17 ساعة، ريثما وصول الطائرة التركية التي اقلته (تذكرته كانت مخفضة وعلى نفقته الخاصة)، ولم يعرف حتى هذه اللحظة لماذا لم يسمح له بأداء فريضة الحج، والتزم الرجل الصمت ولم يوجه كلمة نقد واحدة للسلطات السعودية بسبب اخلاقه العالية وأدبه الجم.
ازمة الجيزاوي ليست بين الشعب المصري ونظيره السعودي، وانما بينه وبين السلطات السعودية، ورسالة تحذير الى كل السلطات العربية الاخرى التي تهين المواطن العربي، لأن حكومته ضعيفة او فاسدة لا تدافع عن مواطنيها مثلما يجب.
مصر تغيرت، والشعوب العربية ايضا، وما كانت تسكت عليه قبل الثورات لم يعد كذلك بعدها.
نعترف ان بعض وسائط الاعلام المصرية خرجت عن المألوف في انتقادها للمملكة، ولكن كتابا سعوديين ايضا ذهبوا بعيدا في تطاولهم على الشعب المصري، وهذا امر لا يجوز في الحالتين، ولكنه اكثر ايلاما عندما يصدر بتعليمات من سلطات تشرف على اطهر الاماكن الاسلامية واكثرها قداسة في العالم.
هناك دول عربية عديدة تختلف مع دول اخرى ولكنها تتمسك بأدب الخلاف واخلاقياته، او بالاحرى الحد الادنى منه.
' ' '
المملكة العربية السعودية يجب ان تقدم نموذجا في العدالة والمساواة والتسامح، وعدم حرمان اي مسلم، مهما كانت درجة الخلاف معه او مع حكومته، من اداء مناسك العمرة او فريضة الحج، كما ان اعلامها يجب ان يترفع عن الكثير من المهاترات واعمال السب والقدح. الخلاف السياسي مشروع لكن شخصنة الامور هي المرفوضة بتاتا.
لا احد يريد الحاق اي اذى بالسفارة السعودية او الدبلوماسيين العاملين فيها، ولا بأي سفارة او قنصلية سعودية في العالم، فهذه سفارة تمثل دولة عربية شقيقة، ولكن من حق المواطنين المصريين التظاهر امامها والتعبير عن مظالمهم، ولكن في اطار القانون ودون الإقدام على اي اعمال تخريبية، مثلما يحصل في كل بلاد العالم المتحضر، كما انه من حق المتظاهرين السعوديين ان يتظاهروا امام السفارة المصرية اذا اعتقلت السلطات المصرية احد اشقائهم ظلما وعدوانا.
المؤلم ان السفارة المصرية في الرياض، مثلها مثل معظم السفارات العربية، لا ترعى شؤون مواطنيها ولا تنتصر لهم وتدافع عنهم، مثلما تفعل السفارات والحكومات الاجنبية الاخرى، فالحكومة الفلبينية تدخلت لمنع اعدام مواطنيها لان المحاكم السعودية غير عادلة، وكذلك فعلت الحكومة التركية، ومنعت اندونيسيا خادماتها من العمل في اكثر من دولة خليجية بسبب اساءة معاملتهن، وشاهدنا دبلوماسيين مصريين في سفارة بلادهم في الرياض يتصرفون وكأنهم تابعون للخارجية السعودية.
الانظمة القضائية العربية جميعا، والنظام السعودي بالذات، بحاجة الى اصلاح جذري، ومن يقول غير ذلك يغالط الحقيقة، والا لماذا يتواجد في لندن حاليا وفد من وزارة العدل لدراسة الانظمة القضائية البريطانية للاستفادة منها في عملية اصلاح هذا القضاء؟ والاصلاح يجب ان يقوم على اساس العدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان وفصل كامل بين السلطات، باختصار ان لا يكون هناك اناس فوق القانون لأنهم امراء او من علية القوم.
المملكة العربية السعودية تحتاج الى مراجعة كاملة، ليس لقضائها فقط وانما لأمور كثيرة، خاصة في هذا الوقت الحساس، ابرزها اصلاح العلاقة مع مصر والدول العربية الاخرى بعيدا عن التشنج والمكابرة، فقد خسرت العراق، ومن غير المضمون ان تكسب سورية القديمة او الجديدة، في ظل ما تصفه الخطر الايراني المتصاعد.
المملكة اشتهرت دائما بحكمة مسؤوليها وصبرهم، ولا نعتقد ان تعاطيهم مع ازمة الجيزاوي يشكل استمرارا لهذه الخصال، فالافراج عن الجيزاوي بعد كل هذه الضجة مشكلة، واعتقاله وجلده مصيبة اكبر. ولو كان هناك قضاء عادل لاختلفت الصورة كليا، فالعدل اساس الحكم الرشيد.
Twier:@abdelbariatwan

سورية الجديدة' والخيار الثالث

27/04/2012

فوجئنا بتصريحات رجل الاعمال السوري الاصل السعودي الجنسية نوفل الدواليبي، التي ادلى بها الى صحيفة 'معاريف' الاسرائيلية، وقال فيها ان 'سورية الجديدة' ستجري مفاوضات سلام مع اسرائيل. مصدر المفاجأة مزدوج، الاول ان السيد الدواليبي ادلى بتصريحاته هذه الى صحيفة اسرائيلية اثناء وجوده في باريس، والثاني استخدامه تعبير 'سورية الجديدة' الذي يذكرنا بـ'العراق الجديد'، ونأمل ان لا تنتهي الى ما انتهى اليه من مقتل مليون انسان، وترميل ما لا يقل عن مليون امرأة وتيتيم اربعة ملايين طفل على الاقل.
لم نسمع بالسيد نوفل معروف الدواليبي من قبل كمعارض شرس للنظام، مثلما لم نسمع بالعديد من المعارضين السوريين، والقياديين منهم خاصة، وان كان هذا لا يلغي حقهم في معارضة نظام ديكتاتوري ظالم، ولكن ما يقلقنا هو ان بعض هؤلاء، ومنهم السيد الدواليبي، بدأ يتصرف وكأن النظام في سورية قد سقط، ويقرر مصير البلاد كما لو انه الحاكم المنتخب، كأن يشكل حكومة، ويختار وزراء، ويخوّن او يحكم بفشل معارضين آخرين مثلما فعل، اي السيد الدواليبي، عندما حكم على المجلس الوطني السوري بالفشل وطرح نفسه كبديل.
السيد الدواليبي، وليعذرنا عن جهلنا به، وان كنا نعرف والده جيدا، وقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه الدكتور برهان غليون قبل خمسة اشهر، عندما بدأ يتصرف كرئيس جمهورية لسورية ويقرر قطع العلاقات مع ايران والمقاومة اللبنانية، ويتحدث عن مستقبل هضبة الجولان.
يبدو ان ما يميز الدواليبي عن غليون الاكاديمي انه تربى في ظل المؤسسة السعودية الرسمية بحكم مكانة والده كمستشار للملك عبد العزيز آل سعود، ويلتقي مع رفيق الحريري بحكم الانتماء الى طبقة رجال الاعمال نفسها اصحاب الطموحات السياسية ولا نستغرب ان يتطلع لان يكون 'حريري سورية' على غرار حريري لبنان ولهذا بدأ معارضته بتشكيل حكومة تكون بديلا لمجلس غليون.
هناك اولويات عديدة تتقدم على التفاوض مع اسرائيل لاستعادة هضبة الجولان، هناك حرب اهلية وتفجيرات، وحمامات دماء، ودائرة عنف تزداد شراسة، ووضع حد لهذه الكوارث هو مسؤولية النظام اولا، والمعارضة ثانيا، للتوصل الى مخرج منها، واذا فشل الطرفان فلا بد من ايجاد طريق ثالث. والدول الخارجية التي تتعاطى مع الملف السوري، عربية كانت او اجنبية، تنطلق من مصالحها الخاصة بينما يجب ان تكون مصلحة السوريين في ايديهم، وهي التي يجب ان تتقدم على ما عداها، ومثلما يقول المثل السوري 'لا يفلح الارض الا عجولها'.
الخشية الاكبر التي نحذر منها ليست محصورة في تخريب البلاد والممتلكات، وما بنته الاجيال السورية الخلاقة لعدة قرون، وانما تخريب الانسان السوري من الداخل وتحطيم نفسيته، ونزع قيمه واخلاقياته، وتدمير هويته الوطنية، تماما مثلما حصل لشقيقه العراقي.
يجب ان يدرك النظام السوري ان صبر العالم بات ينفد، وان الدعم الروسي ـ الصيني ـ الايراني ليس معناه رخصة مفتوحة للاستمرار في اعمال القتل، التي نراها تتصاعد بشكل يومي.
' ' '
ما اشبه ليل سورية ببارحة العراق، الآن هناك مفتشون يتناسخون ويزداد عددهم، وهناك ضغوط بتزويدهم بطائرات عمودية للمراقبة والتفتيش فوق جميع المناطق السورية، تماما مثلما حصل في العراق واستفزازات هؤلاء المهينة، وابرزها تفتيش غرفة نوم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وليس قصوره فقط.
عيب بل وعار ايضا، ان يقايض بعض المعارضين السوريين دماء الثوار الطاهرة بمغازلة المحتل الاسرائيلي، الذي يعتبره السوريون جميعا ودون استثناء العدو الأبرز للأمة، او ان يتنافسوا فيما بينهم للتمسح بالغرب الداعم لهذا العدو بأحدث الاسلحة والمعدات، لإحكام عدوانه وتكريس احتلاله للأرض العربية.
كلام السيد الدواليبي المقرب من صناع القرار في المملكة العربية السعودية، ومحاولته مهادنة اسرائيل مبكرا، يذكرنا بكلام رجل الاعلام الآخر وأحد ابرز رموز النظام السوري، اي رامي مخلوف، الذي قال في بداية الانتفاضة السورية ما معناه ان سلام اسرائيل من سلام سورية.
عندما ننتقد المعارضة السورية يغضب البعض ويضعنا في خندق النظام، وهم الذين يخونون بعضهم البعض ويتبادلون الشتائم البذيئة بأقذع الألفاظ، وعندما ننتقد بحدة حلول النظام الامنية الدموية وآلة قتله الجبارة يضعنا النظام في خانة المعارضة، ويسلط علينا اجهزته الاعلامية والمخابراتية الجبارة، ولكن هذا لن يمنعنا من ان نكون فوق النظام والمعارضة معا، وان يكون خيارنا هو سورية وشعبها ووحدتها الوطنية والترابية. فقد مرت على دمشق آلاف الحكومات والشخصيات على مدى ثمانية قرون، ذهبوا جميعا وبقيت سورية اصيلة شامخة.
لسنا مع التغيير من الخارج ولن نكون، وهذا من حقنا، ومن يؤيده فهذا شأنه، ولكننا نقول لهؤلاء اعطونا مثالا واحدا عن تغيير خارجي جاء لمصلحة ابناء الأمة، هل كان الحال كذلك في العراق وافغانستان وليبيا، ومن الذي دفع وسيدفع ثمن هذا التغيير من وحدته الوطنية ودماء ابنائه وثرواته؟.. لا تستعجلوا الحكم وانظروا حال كل من العراق وافغانستان بعد عشر سنوات من التدخل الاجنبي فيهما.
سورية ليست بحاجة الى المزيد من فرق التفتيش، ولا المزيد من تنظيمات المعارضة المتشظية المتصارعة، ولا زيادة بطش الجيش والاجهزة الامنية وانتهاك الحرمات، سورية التي نعرفها ونحبها بحاجة الى الحكمة الشامية، وإيثار كل طرف سلامتها ووحدة اراضيها والعمل على استمرار التعايش بين فسيفسائها الديموغرافية على اسس المساواة والعدالة والحريات الديمقراطية.
' ' '
مرة اخرى نطالب بطريق ثالث، لان الطريقين القائمين حاليا لن ينتصر احدهما على الآخر، بل سيقودان البلاد الى دمار شامل. فالمعارضة التي نراها لا ترى في معظمها بديلا عن التسليح والتدخل الخارجي العسكري، ولا النظام يريد التنازل لشعبه وتقديم الاصلاحات الحقيقية الشاملة، وعفو عام يعيد رسم الخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن مصالح الجميع، فالجميع شركاء في هذا الوطن.
سورية الجديدة التي يريدها الشعب الســـــوري، هي سورية الأبية الوطنية، التي تحافظ على تراث مشرّف في بناء الامبراطوريات الحضــارية ومقاومة الغزاة، وليست سورية ناقصة السيادة التي نراها حاليا في ظل وجود المراقبين، ولا سورية التابعة للمشروع الغربي الذي تريدها بعض فصــــائل المعارضة الخارجية.
نقول للمتصارعين على جلد الدب السوري، او بالاحرى كرسي الحكم، او بعضهم، حتى لا نقع في فخ التعميم، نقول لهؤلاء ويحكم، تريثوا قليلا، اين زملاؤكم من امثال محمود جبريل وعلي الترهوني وعبد الفتاح يونس (في ليبيا)، واين احمد الجلبي واياد علاوي وعبد المجيد الخوئي ومحمد بحر العلوم وعدنان الباجه جي في العراق، ورباني وصبغة الله مجددي، وقريبا حميد كرزاي في افغانستان؟
ولا ننسى ايضا ان نذكّر النظام ورموزه ايضا بالرئيس حسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح وزين العابدين بن علي.
نريد سورية الجديدة مختلفة، ونريد مستقبلا مشرفا لها، مستقبلا زاخرا بالعدالة والقضاء المستقل واحــترام حقوق الانسان والمساواة والتعايش بين جميع الطوائف والأعراق، ولا نعتقد ان ايا من النــــظام او المعارضة بصورتيهما اللتين نراهما يمكن ان يقود البلاد الى هذا الهــدف، في المستقبل القريب على الاقل.
 
 
 
Twier:@abdelbariatwan
 
ندم سعودي متأخر جدا

20/01/2012

أنظار العالم بأسره تتركز حاليا على منطقة الخليج بشاطئيه العربي والفارسي، لأسباب نفطية بالدرجة الاولى، والزحف الايراني المتسارع لتصنيع رؤوس نووية بالدرجة الثانية، وانعكاسات كل ذلك على الاقتصاديات الغربية المأزومة بدرجة ثالثة.
وفي ظل ازدحام مياه الخليج العربي بحاملات الطائرات، والاساطيل الامريكية، والسفن الحربية الغربية، والمـــناورات البحرية الايرانــية، والتهديدات بإغلاق مضيق هرمز في وجه 17 مليون برميل نفط يوميا تتجه الى المستهلكين في مختلف انحاء المعمورة، من حق حكام المنطقة ان يقلقوا على مصير مواطنيهم، قبل كراسي حكمهم، وان يتنادوا لبحث الاخطار التي تهددهم.
مدينة المنامة، عاصمة البحرين، استضافت قبل بضعة ايام 'مؤتمر الامن الوطني والامن الاقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية'، شاركت فيه شخصيات امنية من مختلف الدول، الى جانب الامين العام للمجلس السيد عبد اللطيف الزياني، والسفير الامريكي في البحرين.
مفاجآت عديدة وقعت داخل الأروقة، ابرزها الانتقادات الشرسة والمحقة للسياسات الامريكية في منطقة الخليج العربي من قبل السيدين ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي، والامير تركي الفيصل رئيس جهاز المخابرات السعودي والسفير السابق لبلاده في واشنطن، وهي انتقادات دفعت السفير الامريكي للانسحاب غاضبا ومحتجا من الاجتماع.
النقطة التي نجد لزاما علينا التوقف عندها من بين نقاط عديدة مهمة جرى طرحها في هذا الاجتماع هي ما قاله الامير تركي الفيصل، وبالتحديد اعترافه 'ان العراق كان فاعلا رئيسيا في معادلة التوازن الاقليمي الخليجي، لكن اخراجه منها بسبب الغزو الامريكي الخاطئ له (اي للعراق) اخلّ بهذه المعادلة الضرورية لاستقرار الوضع الاقليمي، واتيحت لقيادة ايران فرصة للشعور بتفوق استراتيجي عملت على استغلاله باستخدامها لعامل الطائفية البغيض، لابقاء عراقنا في وضع استقطاب طائفي يهمش دوره، ويجعله أداة من ادوات سياستها الخارجية بل تابعا لها'.
' ' '
نوافق الامير الفيصل بأن الغزو الامريكي للعراق لم يكن خطأ فقط، بل كارثة على المنطقة بأسرها، ولكن أليس من حقنا ان نذكّره وكل المسؤولين الخليجيين الآخرين، بأنهم ارتكبوا 'خطيئة' اكبر عندما ساندوا الحصار الامريكي على العراق، ورقصوا طربا لاحتلال بغداد، وسقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين الذي حارب ايران ثماني سنوات دفاعا عنهم، ولمنع وصول الثورة الاسلامية الخمينية الى شواطئهم؟
فإذا كان الاحتلال الامريكي الكارثي للعراق كلفنا مليون شهيد، والحصار الظالم الذي سبقه، ومهد له، واذل العراق ودمر نسيجه وقيمه الاجتماعية، واهلك مليونا آخر من ابنائه، اخلّ بالتوازن الاقليمي لمصلحة النفوذ الايراني، فإن حكومات دول الخليج تتحمل مسؤولية مباشرة في كل هذه النتائج، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، باعتبارها الشريك الاكبر في دعم الاستراتيجية الامريكية في المنطقة حتى هذه اللحظة.
الاعتراف بالخطأ فضيلة، وخير الخطائين التوابون وما هو اجمل من ذلك محاولة التعلم من اخطاء الماضي، واستخلاص العبر بما يؤدي الى تجنب الوقوع في اخطاء اكبر في المستقبل القريب، بتبني السياسات الامريكية الخاطئة نفسها، ليس في منطقة الخليج فقط، وانما في الوطن العربي بأسره.
نحن الآن، وليس الخليجيين منا فقط، نقف على ابواب حرب امريكية ـ اسرائيلية مشتركة ضد ايران، وبدأت بعض الدول العربية تروج لها، بل وتحرض عليها بشكل مبكر، وتصلي من اجل انفجارها في اي لحظة للتخلص من الافعى الايرانية، تماما مثلما كانت تصلي لقطع رأس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فهل اجرت هذه الدول، او قياداتها على وجه التحديد، حساباتها بشكل جيد وهي تقرر الوقوف في الخندق الامريكي، وبمعنى آخر، هل حددت حجم الارباح وقدرت حجم الخسائر؟
زيادة كمية انتاج النفط السعودي لتعويض اي نفط ايراني في حال مضي اوروبا قدما في مخططاتها لفرض حظر على ايران، الا يذكرنا بكيفية اغراق دول مجلس التعاون الخليجي لأسواق النفط العالمية بمليوني برميل اضافية، بحيث هبط سعر البرميل لاقل من عشرة دولارات، لتجويع العراق وتدمير اقتصاده، الامر الذي ادى الى استفزاز حاكم بغداد ودفعه الى كارثة غزو الكويت.. وبقية القصة معروفة؟
امريكا غزت العراق لاسباب اسرائيلية صرفة، وتستعد لحرب ضد ايران للاسباب نفسها، فالسلاح النووي الايراني لا يهدد العرب، بل يهدد اسرائيل، وحتى لو هدد العرب فإنه لن يكون اكثر خطورة من التهديد النووي الاسرائيلي، فلماذا نرضخ للاخير ونتعايش معه، بينما نرفض الاول ونستعد للمشاركة في حرب ضده، قبل ان نتأكد من امتلاك ايران له؟
' ' '
الامير تركي الفيصل يخشى من سباق تسلح نووي في حال امتلاك ايران لهذا السلاح الخطير، ولا نفهم هذه الخشية واسبابها، ونسأل لماذا لم يؤد امتلاك اسرائيل لأكثر من مئتي رأس نـــووي لهذا السباق؟، وحتى لو حدث الآن فأهلا به، لانه سيحقق للعـــرب التوازن الاستراتيجي مع ايران واسرائيل معا.
امريكا دفّعتنا ثمنا باهظا عندما حثتنا لوضع العراق الشقيق في خانة الاعداء، وتآمرت علينا مرة اخرى عندما عملت جاهدة على تقسيم السودان وتفتيته، وذهبت الى ما هو ابعد من ذلك عندما وضعت ليبيا تحت انتداب حلف الناتو، والآن تتآمر لسرقة الثورة المصرية وحرفها عن مسارها، وهي قطعا تتمنى ان تغرق سورية في حرب طائفية اهلية دموية، ويقدم لها النظام بعناده خدمة كبيرة في هذا الصدد.
ربما يقدر البعض لقادة الخليج انهم ابعدوا الحرب العراقية ـ الايرانية عن دولهم عندما جندوا الرئيس صدام لحماية سواحلهم من الاجتياح الايراني، واستطاعوا اجتثاث ما اعتقدوا انه خطر عراقي عندما استعانوا بالاساطيل والطائرات الامريكية لدرئه، ومن ثم ازالة الحكم العربي الوطني في العراق، ولكن من الصعب علينا ان نتصور انهم سينجحون هذه المرة في تحقيق الانجاز نفسه في حال انفجار الحرب ضد ايران، 'فليس في كل مرة تسلم الجرة' مثلما يقول المثل الشعبي العربي، وايران لم تخف نواياها بالانتقام في حال تواطؤ جيرانها على الشاطئ الآخر عند اي اعتداء عليها.
نتمنى ان يكون كلام الامير تركي الفيصل وانتقادات اللواء ضاحي خلفان بداية صحوة خليجية تقول لقارعي طبول الحرب الامريكيين 'كفى' لقد طفح كيلنا من جراء سياساتهم الخاطئة، ولينسحب كل السفراء الامريكيين غضبا ومعهم اساطيلهم وحاملات طائراتهم.
الخليج: حرب نفسية ام حقيقية؟

04/01/2012

هناك مثل عربي يقول 'ان المجرم يظل يحوم حول مسرح الجريمة'، وهذا المثل ينطبق بطريقة او باخرى على الولايات المتحدة الامريكية، بالنظر الى تحركاتها العسكرية والسياسية الراهنة في منطقة الخليج العربي.
هناك من يجادل بان ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما التي تقف على ابواب معركة انتخابية شرسة مع الحزب الجمهوري المنافس، وتواجه ازمة اقتصادية خانقة لا يمكن ان تغامر بحرب جديدة في المنطقة بعد ان احترقت اصابعها وجيوبها في حربين خاسرتين في العراق وافغانستان، ولكن أليس من المنطقي القول ايضا انه ولهذه الاسباب، اي الازمة الاقتصادية والانتخابات الرئاسية قد تذهب الى الحرب؟
نشرح اكثر ونقول ان دعم اسرائيل وتلبية مطالبها في تدمير الطموحات النووية الايرانية يشكلان القاسم المشترك للحملات الانتخابية للحزبين الرئيسيين، حتى ان اكثر من مرشح رئاسي جمهوري يهدد بارسال الطائرات والصواريخ الى ايران حماية لاسرائيل لكسب ودها، واللوبي اليهودي القوي الداعم لها.
الرئيس اوباما قطع عطلة رأس السنة الميلادية، ولم ينتظر يومين، ليوقع قانونا امريكيا بفرض حظر على اي معاملات مع البنك المركزي الايراني، واصدر بيانا يؤيد فيه بشدة اتفاقا اوروبيا مبدئيا على فرض حظر على الصادرات النفطية الايرانية، وكأنه يستعجل بدء هذا الحظر، ولا يطيق الانتظار لصدوره حتى آخر الشهر.
امريكا وحلفاؤها الغربيون لا يستطيعون البقاء دون شن حروب في منطقة الشرق الاوسط، حتى انهم يخـــتلقون الاعــــذار ويهيـــئون الاسباب لانفجارها، ففي السنوات العشر الماضية خاضوا ثلاث حروب رئيسية، الاولى في افغانستان، والثانية في العراق، والثالثة في ليبيا، ويبدو ان العد التنازلي بدأ لحرب رابعة ضد ايران في الاسابيع او الاشهر المقبلة.
' ' '
هناك ثلاثة مؤشرات رئيسية كانت القاسم المشترك في جميع هذه الحروب، والمؤشر على قرب اشتعالها:
الاول: فرض مفاوضات فلسطينية ـ اسرائيلية بالقوة، للايحاء بان امريكا ملتزمة بحل هذه القضية، هكذا فعل جورج بوش الاب عندما عقد مؤتمر مدريد للسلام لتبرير حرب عاصفة الصحراء على العراق، وهكذا فعل ابنه بوش الابن عندما اطلق هذه المفاوضات وتحدث عن قيام دولة فلسطينية مرتين، الاولى بالتزامن مع حربه على الارهاب في افغانستان، والثانية قبيل احتلال العراق.
الآن، ودون اي مناسبة، وتحقق اي من الشروط او المطالب الفلسطينية بوقف الاستيطان، او الحد الادنى منها، يساق الفلسطينيون (السلطة) الى مفاوضات مع الاسرائيليين بأمر امريكي، ومبادرة اردنية، بنهايات مفتوحة، ووسط هجمات استيطانية اسرائيلية غير مسبوقة لماذا؟.. انها الاستعدادات للحرب على ايران وربما سورية وحماس وحزب الله معا.
الثاني: صفقات الاسلحة الحديثة والمتطورة الى دول الخليج والتي تصل قيمتها الى اكثر من 130 مليار دولار، وهي طائرات وصواريخ اكبر من القدرات الاستيعابية لهذه الدول، والهدف منها تسريع وتيرة الصناعات العسكرية الامريكية، وخلق مئات الآلاف من الوظائف للامريكيين العاطلين، اي تدوير غير مباشر لعوائد النفط.
الثالث: حالة السعار المتواترة لفرض حظر هنا، وحصار هناك، لخنق ايران وحلفائها اقتصاديا وتجويع مواطنيها، وعلمتنا التجارب السابقة، ان جميع الحصارات التي فرضتها امريكا انتهت بحروب مدمرة، هكذا كان الحال في العراق وليبيا وافغانستان، ولا نعتقد ان الحصار الخانق المفروض على ايران ويتعاظم شهرا بعد شهر سيكون استثناء.
نشهد حاليا حربا كلامية ساخنة محورها مياه الخليج العربي، ايران تجري مناورات بحرية وتجرب اسلحة وصواريخ حديثة متوسطة وبعيدة المدى، وترد واشنطن بتحذيرها بعظائم الامور اذا ما نفذت وعودها باغلاق مضيق هرمز، وتعتبر تهديداتها باغلاق المضيق دليل ضعف، وكأنها تستفزها لدفعها الى الاقدام على هذه الخطوة.
الادارة الامريكية التي قيل انها وضعت خططاً لشن هذه الحرب بالتعاون مع حليفتها بريطانيا تبحث عن 'المفجر'، وسواء خاضت الحرب فعلاً او كانت تهديداتها في اطار الحرب النفسية فانها الكاسب الأكبر، لانها نجحت في تصعيد مخاوف دول الخليج الصغيرة المتضخمة جيوبها وخزائنها بآلاف المليارات من الدولارات، ودفعها بالتالي لشراء الاسلحة دعماً للاقتصادين الامريكي والاوروبي المنهارين، بينما لم تقدم هذه الدول حتى الفتات للدول العربية المأزومة الخارجة من ثورات مثل مصر وتونس.
' ' '
السيدة هيلاري كلينتون مهندسة السياسة الخارجية الامريكية وحروبها الجديدة في المنطقة، تقول انها لن تسمح لايران بامتلاك اسلحة نووية حتى لا يحدث في المنطقة سباق نووي، اي ان تمتلك دول مثل مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية رؤوساً نووية، ولكن هذه الحجة مردودة عليها فلماذا لم يحدث مثل هذا السباق عندما امتلكتها اسرائيل الاكثر خطراً على الامة العربية من ايران ومازالت تحتل ارضهم ومقدساتهم؟
نريد سباقاً نوويا في المنطقة، وهو لن يكلف عشر المبالغ المخصصة لشراء صفقات اسلحة من امريكا، علاوة على كونه سيشكل حصانة وردعاً للشعوب العربية في وجه التهديدات الاسرائيلية والايرانية معاً.
ولو كانت هناك قيادات عربية وطنية فعلاً لشجعت ايران على امتلاك اسلحة نووية من اجل ان توفر الذرائع لنفسها للسير على الدرب نفسه.
امريكا خسرت كل حروبها في المنطقة، خسرت حربها في العراق وافغانستان، وها هي تتراجع عن خطواتها السابقة وتتنصل من وضعها حركة طالبان على قائمة الارهاب، وتنفي مطلقاً انها رصدت مكافأة للقبض على الملا محمد عمر او قتله، وتبارك فتح الحركة سفارة في الدوحة لتكون محور الاتصالات معها.
وبناء على ذلك فان اي حرب قادمة لها ضد ايران لن تكون استثناء، ليس لان ايران اضخم واكثر تسليحاً، وانما لان نفس امريكا قصير ولا تستطيع الحفاظ على انتصاراتها التي تحققها لها قدراتها التدميرية العالية. ولان النتائج النهائية تأتي معاكسة تماماً لطموحاتها وأهدافها التي خاضت الحرب من اجلها.
نكره الحروب لانها لا تخلف الا الدمار والأيتام والأرامل، وجميع ضحاياها اخوة لنا ينتمون الى العقيدة نفسها، ولكن اذا خاضت واشنطن حربها الرابعة، فانها قد تكون آخر الحروب الامريكية، وربما الاسرائيلية ايضاً، فالخير قد يأتي من باطن الشر، والمقصود هنا الشران الامريكي والاسرائيلي.
 
مجازر امريكا 'الحضارية' في افغانستان

13/03/2012

المشهد الدموي يمكن تلخيصه كالتالي: جندي امريكي يقتحم ثلاثة منازل في ضواحي مدينة قندهار الافغانية، معقل البشتون، ويقتل كل من تواجد فيها من مدنيين دون شفقة او رحمة. عدد القتلى بلغ 16 مدنيا بينهم تسعة اطفال.
الجندي الذي يمثل المؤسسة العسكرية الاكثر انضباطا واحترافا في العالم مـــثلما يقول الرئيــــس باراك اوباما، لم يكتف بالقتل بدم بارد، بل جمع احدى عشرة جثة، من بينها جثث اربع فتيات تقل اعمارهن عن ست سنوات، ثم اشعل فيها النار.
القوات الامريكية التي يزيد تعدادها عن مئة الف جندي ذهبت الى افغانستان من اجل اطاحة نظام حكم طالبان الارهابي، واقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق الانسان، ويقود البلاد الى نموذج في الحريات والازدهار الاقتصادي.
بعد عشر سنوات من الاحتلال، وانفاق سبعة مليارات دولار شهريا، ومقتل حوالى مئة الف افغاني، وخمسة آلاف جندي من قوات الناتو، يتحول مكافحو الارهاب الى ارهابيين وقتلة، يرتكبون جرائم تتواضع امامها جرائم 'الارهابيين' حسب توصيفهم.
وزارة الدفاع الامريكية 'البنتاغون' قالت في بيان لها ان هذا العمل منفرد، اقدم عليه شخص واحد، دوافعه ما زالت غامضة، وانه يخضع للتحقيقات وسيقدم الى محكمة عسكرية قد تحكم بإعدامه.
نختلف مع وزارة الدفاع الامريكية في هذا التوصيف، ونقول ان هذا الجندي ينطلق في عمله الارهابي هذا من ثقافة الكراهية والحقد ضد كل ما هو مسلم، ويعكس عقيدة المؤسستين العسكرية والسياسية في الولايات المتحدة الامريكية.
فكيف يفسر البنتاغون اقدام جنود امريكيين، وليس فردا واحدا، على حرق القرآن الكريم على الاراضي الافغانية، ثم ماذا يقول ليون بانيتا وزير الدفاع الامريكي في الشريط المصور الموجود على اليوتيوب، ويصور جنودا امريكيين يتبولون على جثامين شهداء من حركة طالبان؟
' ' '
حتى حامد كرزاي الرئيس الافغاني الذي جاء به الامريكان الى سدة الحكم، وتصرف طوال السنوات العشر الماضية كدمية في ايديهم، لم يستطع ان يتحمل هذه الاعمال البشعة التي يقدم عليها حلفاؤه ضد ابناء جلدته، وأدانها بأقوى العبارات وأشدها، فكيف سيكون حال قبيـــلة البشتون التي ينــــتمي اليـــها هؤلاء الضحـــايا، ويمـــثلون نصــف تعداد الشعب الافغـــاني تــقريبا؟
المظاهرات عمت افغانستان كلها احتجاجا على هذه الجريمة البشعة، وسقط اكثر من اربعين قتيلا اثناءها، بينما اكدت حركة طالبان بأنها ستنتقم، واذا حذرت طالبان فإن علينا ان نتوقع ترجمة دموية لمثل هذه التحذيرات، فهؤلاء يقولون ويفعلون، وإلا لما باتوا على وشك هزيمة القوات الامريكية وطردها من بلادهم بعد عشر سنوات من المقاومة الشرسة.
الولايات المتحدة الامريكية خسرت الحــرب في افغانستان مثلما خسرتها في العـــراق، وســـتخسر اي حرب اخرى تخوضها في العالم الاسلامي مستقبلا، وكل ما تفعله حاليا هو المكابرة والاصرار على 'الانكار'، بينما تتفاوض في الغرف المغلقة مع طالبان التي ارسلت قواتها لتغيير نظامها، من اجل اعادتها الى السلطة مجددا مقابل توفير انسحاب آمن لقواتها المهزومة.
من المفارقة ان الادارة الامريكية نفت ان تكون قد وصمت حركة 'طالبان' بالارهاب، وادعت انها ارسلت قواتها الى افغانستان من اجل محاربة تنظيم 'القاعدة' والقضاء عليه، وحتى هذه الذريعة غير مقنعة على الاطلاق، فتنظيم 'القاعدة' بات اكثر خطورة مما كان عليه قبل الاحتلال الامريكي لأفغانستان، فها هو يعيد تجميع صفوفه في العراق، ويتسلل الى سورية باعتراف وكالة المخابرات المركزية الامريكية نفسها، ويسيطر على منطقة القرن الافريقي، ومدخل البحر الاحمر، ويهدد الملاحة الدولية في بحر العرب من خلال وجوده في اليمن والصومال، ويقترب من اوروبا بفضل فرعه الأقوى في المغرب الأسلامي، والفرع الجديد الاحدث في الساحل الأفريقي، وبات يجلس على ترسانة هائلة من الاسلحة والذخائر التي استولى عليها من مستودعات النظام الليبي السابق بفضل تدخل حلف الناتو.
' ' '
هذه المجازر الامريكية المتوازية مع سياسات معادية للعالم الاسلامي، ومنحازة بالكامل للعدوان الاسرائيلي، هي التي تشجع الارهاب، وتسهل على المنظمات المتشددة تجنيد الانصار، فعندما تدين الادارة الامريكية بأقوى العبارات اطلاق الصواريخ على المستوطنات الاسرائيلية ولا تبدي اي تعاطف مع خمسة وعشرين شهيدا فلسطينيا سقطوا ضحايا غارات الطائرات الاسرائيلية ـ الامريكية الصنع، فكيف يمكن ان نصدق كل الاحاديث والبيانات الامريكية حول العدالة وحقوق الانسان والقيم الديمقراطية؟
حركة طالبان لن تنتقم لضحاياها بقتل اطفال امريكيين، وانما من خلال الهجوم على قوات امريكية تحتل ارضها، ويقتل بعض افرادها مدنيين عزلا، وهذا هو الفرق بين المسلمين المتخلفين ،حسب الوصف الامريكي، وبين الجنود الامريكيين الحضاريين الذين ينتمون الى الدولة الاعظم زعيمة العالم الحر.
سحر ساركوزي ينقلب عليه في ليبيا

06/04/2012

لم نكن، ولن نكون من المعجبين، او المناصرين، للسيدة ماري لوبان مرشحة الجبهة الوطنية العنصرية لانتخابات الرئاسة الفرنسية، ولكننا نعترف انها، ولأسباب متناقضة مع اهدافنا، اصابت كبد الحقيقة عندما اعتبرت في تصريح ادلت به يوم امس الاول، ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمفكر اليساري اليهودي الفرنسي برنارد هنري ليفي اثارا بتدخلهما في ليبيا موجة اسلامية في كامل افريقيا الساحل، قد لا تكون مالي المرحلة الوحيدة فيها.
الفوضى العارمة والمسلحة التي تعمّ حاليا الصحراء الافريقية الكبرى، والاضطرابات المتصاعدة التي تواجهها مالي، حليف فرنسا القوي، ووجود حزام اسلامي مدجج بالاسلحة يمتد من موريتانيا في الغرب، الى الصومال في الشرق، يشكل تنظيم 'القاعدة' وجماعات اسلامية متشددة اخرى نواته، هو دليل اكيد على انقلاب السحر على الساحر.
فالثنائي ساركوزي ـ ليفي، ارادا نظاما ووضعا مواليا للغرب ،وفرنسا بالتحديد، في ليبيا ليخسرا مالي وربما تشاد والنيجر قريبا دون ان يحققا حلمهما في كسب ليبيا، فأصدقاؤهما الليبراليون من امثال السيد محمود جبريل اختفوا عن الخريطة السياسية تماما، وباتوا يندبون حظهم العاثر، ويوجهون اتهامات للغرب بالتخلي عنهم وترك ليبيا تقع في قبضة الاسلاميين المتشددين، على حد قولهم.
ساركوزي الذي كان متحمسا للتدخل العسكري في ليبيا لا يعرف ماذا يفعل لمواجهة هذه التطورات في مالي ودول الساحل، حيث يتحول شمال هذه الدولة الديمقراطية الى امارة اسلامية يحكمها تحالف من الطوارق المحاربين الاشداء الذين قاتلوا في صفوف كتائب نظام القذافي الديكتاتوري، وتنظيم 'القاعدة' في منطقة الساحل بزعامة مختار بلمختار ورجاله الاكثر بأسا وجبروتا.
نسبة كبيرة من الاسلحة المتقدمة التي كانت تطفح بها مخازن النظام الليبي السابق وقعت في ايدي هذا التحالف، وكذلك السيارات رباعية الدفع والعربات المدرعة، ومن المؤكد ان امارة شمال مالي الاسلامية اذا ما استقرت ستكون نقطة انطلاق للاطاحة بأنظمة اخرى موالية للغرب في المنطقة، والمجلس الوطني الليبي ليس استثناء، فعندما يرفع بعض انصار العقيد القذافي اعلام القاعدة في كل من سرت وبني الوليد، وعندما يتعطش الطوارق والقبائل الليبية الافريقية اللون للثأر من الذين تعاطوا معهم بطريقة عنصرية بغيضة بحجة ولائهم للنظام السابق فإن علينا ان نتوقع الاسوأ.
الغرب استطاع ان يحقق بعض اهدافه بوصول انتاج النفط الليبي الى معدلات انتاجه السابقة (1.4 مليون برميل يوميا) واستمرار تدفقه الى مصافيه الاوروبية، ولذلك لم نعد نسمع او نقرأ عن اجتماعات ومؤتمرات اصدقاء ليبيا، ولكن لن يستمر هذا التدفق النفطي مجانا ودون اعراض جانبية للتدخل العسكري الذي حققه، ونحن نتحدث هنا عن موجات الهجرة غير الشرعية التي قد تتدفق ايضا بموازاة خطوط ناقلات النفط، وانابيب الغاز المتجهة شمالا، وهجمات وتفجيرات على غرار تلك التي نفذها محمد مراح في تولوز.
' ' '
ليبيا الجديدة، مثل العراق الجديد، تواجه التفكك والفوضى، فالثورة التي حظيت بدعم الناتو وطائراته اعادت اشعال فتيل الصراعات القبلية والعرقية والمناطقية، الواحدة تلو الاخرى، في ظل تنافس دموي بين العديد من الميليشيات المسلحة على مناطق النفوذ في المدن الرئيسية والعاصمة طرابلس على وجه الخصوص.
حكومة المجلس الوطني الانتقالي تبدو عاجزة تماما عن نزع اسلحة الميليشيات، سواء بالقوة او بالرشوة، ففي الشهر الماضي اقام المجلس الوطني مركز تجنيد وتوظيف في اكاديمية للشرطة لهذا الغرض، ودفع مكافآت مالية عالية لمن يتخلى عن السلاح وينضم للجيش الوطني وحفظ الامن في العاصمة بالتالي، ولكن الخطة انهارت بالكامل حيث هاجمت ميليشيات مسلحة المركز، واطلقت النار لتخويف الموجودين فيه وتفريقهم، واستولت على الاموال لدفعها كمرتبات لعناصرها.
الليبيون، او معظمهم على وجه الدقة، يشعرون بالصدمة لضعف المجلس الوطني الانتقالي، وعجزه الكامل عن السيطرة على الاوضاع في بلادهم، ويخشون ان تكون ثورتهم قد تعرضت للخطف، وان حلم اقامة ليبيا الجديدة وبناها التحتية يتبخر ويتحول الى كابوس، بسبب فوضى السلاح وتراجع الامن واتساع دائرة الفساد بشكل مرعب.
فكيف يقوم المجلس بهذه المهمة التي تحتاج الى عقول وخبرات جديدة ومعظم اعضائه من رجالات النظام السابق؟
الميليشيات المسلحة سيطرت على السجون في المناطق التي تسيطر عليها وملأتها بخصومها، ومارست وتمارس ابشع انواع القتل والتعذيب، وربما بطريقة اشرس من النظام السابق، حسب ما جاء في تقارير منظمات حقوقية غربية مثل اطباء بلا حدود، ومنظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، ولم يكن مفاجئا ان يؤكد بيان لمحكمة الجرائم الدولية تعرض المهندس سيف الاسلام القذافي المعتقل لدى كتائب الزنتان لاعتداءات جسدية خطيرة في سجنه.
في اذار(مارس) الماضي اجتمع 3000 شخص يمثلون قبائل وجماعات سياسية في مدينة بنغازي واعلنوا قيام 'دولة' برقة الفيدرالية، واختاروا رئيسا ومجلس حكم خاصا، واعلن متحدث باسم الدولة او الولاية الجديدة حق ابنائها في التمتع بخيراتها النفطية التي تشكل اكثر من ثمانين في المئة من صادرات البلاد، ومساحة هذه الولاية تشكل نصف مساحة ليبيا تقريبا، وتمتد من البحر المتوسط الى تشاد والسودان جنوبا ومصر شرقا.
الصراع الاثني والعرقي لا يقل خطورة، فقد شهدت منطقة زوارة في اقصى الغرب اشتباكات دامية بين العرب والامازيغ اوقعت عشرات القتلى والجرحى، وادت الى نزوح عشرين الف ليبي الى تونس للنجاة بأرواحهم، بينما ما زالت الصدامات الدموية مستمرة حتى كتابة هذه السطور بين القبائل العربية ونظيرتها من اثنية التبو في مدينة سبها، وهناك من يقدر عدد القتلى من الجانبين بأكثر من مئتي شخص.
واعلن قادة قبائل التبو احياء مطالبهم بالانفصال من خلال تنشيط جبهة التبو لانقاذ ليبيا.
نظريا من المقرر اجراء انتخابات برلمانية في شهر حزيران(يونيو) المقبل لانتخاب 200 عضو، ولكن انهيار الاوضاع الامنية، وانعدام الخبرة الديمقراطية، ولا مبالاة الغرب، وتفجر الصراعات العرقية والنزعات الانفصالية كلها عوامل تجعل اجراء هذه الانتخابات في موعدها امرا مستحيلا.
' ' '
وبعد ستة اشهر من اعلان 'تحرير' ليبيا ما زالت العملية السياسية هشة، حيث لا توجد احزاب سياسية، وما زالت الخلافات في ذروتها حول كيفية توزيع المقاعد البرلمانية على مناطق البلاد، واعلان المجلس الانتقالي تخصيص 102 مقعد من مقاعد البرلمان لمنطقة طرابلس سيفجر المزيد من الخلافات، ويعزز مطالب الانفصاليين في برقة، والنتيجة المتوقعة ان يسيطر قادة الميليشيات المسلحة على البرلمان والحياة السياسية في نهاية المطاف، تماما مثلما حدث في العراق.
تأسيس الجيش الوطني الليبي ربما يكون احدى الظواهر الايجابية القليلة في البلاد والعلاج المنطقي لامتصاص الميليشيات وعناصرها، ولكن المشكلة ان كل زعيم ميليشيا يعتقد أنه الاحق من غيره في قيادة هذا الجيش ، الامر الذي ادى الى اضعاف هذا الجيش وهو مجرد نطفة.
عارضنا تدخل حلف الناتو في ليبيا لأننا كنا نعرف جيدا النتائج الكارثية التي يمكن ان تترتب عليه، بحكم دراستنا واستفادتنا من تجربة التدخل المماثل في العراق وافغانستان.
صحيح ان الناتو منع حدوث مجزرة في بنغازي، وصحيح ايضا انه بدونه لا يمكن اطاحة نظام ديكتاتوري فاسد، وهذا امر مهم، ولكن الثمن الذي يدفعه وسيدفعه الليبيون دمارا وتقسيما وفوضى وانعدام الامن والاستقرار قد يكون اكبر بكثير. الدول الغربية ايضا ستدفع ثمنا غاليا،لأن نواياها الحقيقية من التدخل العسكري لم تكن الحرص على الشعب الليبي، واقامة نظام ديمقراطي حديث، وانما الاستيلاء على ثرواته النفطية حتى لو جاء ذلك على حساب تمزيق البلاد ووحدتها الجغرافية والديموغرافية، على غرار ما حدث في العراق.
الديمقراطية التي تُفرض بالصواريخ والتدخل الخارجي لا يمكن ان تؤدي الى الاستقرار وقيام الدولة الحديثة، واسألوا العراقيين والافغان حاليا، والليبيين في المستقبل القريب. Twier:@abdelbariatwan
 
صندوق عمر سليمان الاسود

13/04/2012

قرار اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصري السابق النزول الى حلبة الانتخابات الرئاسية المصرية قبل اغلاق باب الترشيح رسميا بدقائق معدودة، يوحي، بل ربما يؤكد، ان جهة او 'جهات ما' داخل مصر وخارجها دفعت به للإقدام على هذه الخطوة، في اطار 'سيناريو غامض' يجري الاعداد له لقيادة مصر في المرحلة المقبلة.
اللواء سليمان يدرك جيدا ان فرص فوزه في انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة، شبه معدومة، وشاهد بأم عينيه، وهو صاحب خبرة طويلة في معرفة اتجاهات الرأي العام بحكم منصبه السابق، ما يثبت هذه الحقيقة، حيث فاز الاخوان المسلمون والسلفيون بأكثر من ثلثي المقاعد في البرلمان المنتخب.
الثورة المصرية قامت للاطاحة بنظام ديكتاتوري فاسد، اذل مصر وصادر دورها الريادي، ونهب ثرواتها وجوع شعبها، وحوّلها من دولة قائدة متبوعة في محيطيها الاقليمي والعالمي، الى دولة تابعة، مهانة، تستجدي المساعدات العربية والخارجية.
الرجل كان شريكا اساسيا في نظام الحكم المذكور، والمسؤول عن معظم الملفات الأخطر المتعلقة بشؤون مصر الداخلية والخارجية ،والاستراتيجية منها على وجه الخصوص، ابتداء من ملف مياه النيل، وانتهاء بالعلاقات الذيلية مع اسرائيل، واعادته الى واجهة الاحداث مجددا عبر الترشح لانتخابات الرئاسة، هي اعادة انتاج او استنساخ للنظام السابق، ونسف كل الطموحات المشروعة للشعب المصري في نظام جديد عصري يعيد له كرامته المسلوبة، ويخرجه من دائرة الفقر والمعاناة والتبعية. الموقف الذي عبر عنه مئات الآلاف من المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة، والميدان الرئيسي في مدينة الاسكندرية، اي رفض ترشح اللواء سليمان للرئاسة، يعكس قراءة حقيقية عفوية لمزاج الشارع المصري، ورصدا امينا لرغباته ومشاعره التي لا يرقى اليها اي شك.
نحن ضد سياسات الإقصاء، مثلما نحن ضد تجربة 'الاجتثاث' الكارثية التي مورست بشكل انتقامي في 'العراق الجديد'، ولكن وضع اللواء سليمان مختلف جدا، فقد كان صانع قرار في نظام اطاحته ثورة شعبية، وليس تدخلا عسكريا دمويا استعماريا احتلاليا مثلما حدث في العراق.
لا تعترض الغالبية الساحقة من الشعب مطلقا على ترشيح السيد عمرو موسى للرئاسة في مصر، وهو الذي كان الطفل المدلل للنظام السابق، ووزير خارجيته في احلك الظروف واهمها، لأنه كان أداة تنفيذية، وليس صانع قرار مثلما هو حال اللواء سليمان، اي ان الخلاف ليس على اشخاص عملوا مع النظام، فهم قبل كل شيء مواطنون مصريون خدموا بلدهم، وانما مع الدائرة الصغيرة الضيقة التي خطفت الحكم، ووظّفته لخدمة مصالحها الانتهازية الضيقة، في جمع الثروات ومصادرة الحريات، ومرمغة السيادة والكرامة المصريتين في التراب.
هناك من يجادل بالقول انه طالما ان هناك رفضا شعبيا كبيرا للواء سليمان، مما يعني ان فرصه في الفوز محدودة للغاية، فلماذا كل هذا الخوف منه؟ وهو جدل ينطوي على الكثير من المنطق، ولكن نعكس السؤال نفسه ونقول اذا كان اللواء سليمان نفسه يعرف هذه الحقيقة ايضا، فلماذا يترشح وفي الربع ساعة الاخير للرئاسة، وهو ابن السادسة والسبعين وينتمي الى مرحلة مختلفة، انتهت بالطريقة المهينة لأصحابها التي نعرفها جيدا؟
ترشح اللواء سليمان قد يكون مشروع فتنة، لزعزعة استقرار مصر، وفي اطار مشروع امريكي غربي عربي لإجهاض الثورة المصرية وبذر بذور صدامات دموية، وتفتيت الوحدة الوطنية التي ترسخت حول هدف اسقاط نظام الفساد.
الصراع في مصر الآن بين دولة عسكرية ودولة اسلامية، ويبدو واضحا ان المؤسسة العسكرية المصرية تفضل اللواء سليمان لقيادة مصر في المرحلة المقبلة، تحت ذريعة علاقاته الدولية المتشعبة واتصالاته مع المؤسسات المالية العالمية، وخبرته الأمنية العميقة، لكن السؤال هو كيفية ايصاله الى سدة الرئاسة وعبر اي سلم، هل هو سلم الانقلاب العسكري، ام سلم الانتخابات الرئاسية المزورة، واللواء سليمان يمثل نظاما يملك باعا طويلا وتراثا عريقا في تزوير الانتخابات؟
ولم يكن مفاجئا ان يهدد اللواء سليمان بفتح 'الصندوق الاسود'، للمخابرات العامة التي كان يرأسها لعقدين تقريبا، لكي يكشف للمصريين المستور والكثير من الأسرار التي تتعلق بخبايا القوى السياسية المصرية، وتنظيم الاخوان خاصة، فالرجل ما زال ينطلق من عقلية امنية انتقامية، وليس من عقلية رجل دولة من المفترض ان يكون ممثلا لكل فئات الشعب ومتصالحا معها، ومترفعا عن الثأرات الشخصية.
اسرار الدولة ليست ملكا شخصيا للواء سليمان او غيره، وانما ملك للشعب المصري ومؤسساته الوطنية، ومن هنا فإن قرار إفشاء هذه الأسرار لتصفية حسابات، او لتوظيفها في حملة انتخابية لمصلحة هذا الطرف او ذاك، هوانتهاك صارخ للقانون، والامن القومي المصري.
اللواء سليمان ذهب بعيدا جدا، وتصرف وكأنه ما زال رئيس جهاز الاستخبارات عندما قال في تصريحات صحافية انه سيزيل العمامة عن رأس مصر، في اشارة الى هيمنة الاسلاميين على مقدرات البلاد، فمن المفترض ان تكون هذه هي مهمة الشعب المصري وعبر صناديق الاقتراع، وليس من خلال القمع والاعتقالات، مثلما كان يفعل النظام السابق الذي كان الرجل الثاني فيه.
سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنه منع جميع المرتدين من الانضمام الى جيوش الفتح الاسلامي لأنهم ارتدوا على الاسلام، وبالتالي ليسوا موضع ثقة واهلا للمشاركة في نشر الدعوة، ولم يتغير هذا الوضع الا في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي سمح لهم بالانضمام الى جيوش الفاتحين كجنود ولكن دون ان يتقلدوا اي مناصب قيادية في الجيش او في الولايات، ولنا في هذين الخليفتين قدوة حسنة.
نخشى على مصر من مؤامرة كبيرة لإفشال ثورتها، فكثير مما نراه ونتابعه من احداث تجري يؤكد مخاوفنا، خاصة حالة الفلتان الامني المتصاعدة، التي تهدف الى دفع الشعب المصري للكفر بالثورة، والقبول بأي انسان يضع حدا لها، حتى لو كان اللواء عمر سليمان نفسه.
الاخوان المسلمون اخطأوا عندما ارادوا السيطرة على كل مفاصل الحكم في البلاد، والجمع بين السلطات التشريعية والتنفيذية والرئاسية في شخصهم، الأمر الذي وفر الذرائع والذخائر لخصومهم لاطلاق النار السياسي عليهم من كل الجهات، وتكريس الاتهامات بأنهم طلاب سلطة وليسوا سعاة تعايش.
سمعناهم يردون على هذه التهم بالقول انهم وصلوا الى ما وصلوا اليه عبر صناديق الاقتراع والرغبة الشعبية، وان حزب العدالة والتنمية التركي فعل الشيء نفسه، فالرئيس منه، وكذلك رئيس الوزراء ووزير الخارجية ومعظم الوزراء والمحافظين، وينسى هؤلاء ان حزب العدالة التركي يملك خبرة طويلة في العمل الحزبي، ولم يحقق ما حققه الا بعد انتكاسات عديدة وانقلابات عسكرية مضادة، وانجازات كبيرة على الارض اقنعت الاتراك بإعطائه جميع السلطات وتفويضة لحكم البلاد، ما جعل تركيا تحتل المكانة السابعة عشرة على قائمة اقوى عشرين اقتصادا في العالم.
مصر امام حزمة من الاخطار تغذيها جهات خارجية تريد تركيعها، وليس صدفة ان العرب والغرب وامريكا خاصة لم يقدموا لها حتى فتات المساعدات، وما يطمئننا هو وعي الشعب المصري وأصالته، وإصراره على حماية ثورته والنزول الى ميدان التحرير لتصحيح اي اعوجاج والتصدي للمؤامرة والمتآمرين.
Twier:@abdelbariatwan
 
العرب ينتفضون والفلسطينيون يتفاوضون

16/04/2012

اشترط عدم تمويلهم او تحريضهم ضد طرابلس بشرنا الرئيس الفلسطيني محمود عباس امس بأن حل السلطة الفلسطينية 'غير وارد'، واضاف المزيد من الملح على جرح كرامتنا النازف عندما اكد في حديث ادلى به الى صحيفة 'الأيام' الصادرة في رام الله، بان التنسيق الامني مع اسرائيل مستمر، وان ما يقال من مطالب بوقف هذا التنسيق 'مزايدات رخيصة'.
كلام الرئيس عباس هذا جاء عشية قيام وفد فلسطيني برئاسة السيد سلام فياض رئيس الوزراء وعضوية كل من ياسر عبد ربه امين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة، والدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين بالالتقاء ببنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي وتسليمه رسالة تتضمن وجهة نظر السلطة بشأن التسوية السياسية.
كنا نتمنى لو ان الرئيس الفلسطيني اختار كلماته بعناية، فأحد ابرز المطالبين بإنهاء التنسيق الامني مع اسرائيل كرد على التغول الاستيطاني الذي تمارسه حكومتها في الارض المحتلة هو الاسير مروان البرغوثي، ولا نعتقد انه من الاشخاص الذين يجب ان توصف مواقفهم المبدئية هذه 'مزايدات رخيصة'.
' ' '
الاكثر من ذلك ان العديد من اعضاء اللجنة المركزية لحركة 'فتح' حزب السلطة، طالبوا بالشيء نفسه واكثر من مرة، حتى ان السيد نبيل ابو ردينة قال ان الرئيس عباس سيتخذ مواقف تغير خريطة الشرق الاوسط كرد على السياسات الاستيطانية الاسرائيلية وانهيار حل الدولتين.
التنسيق الامني لا يخدم السلطة مثلما يقول الرئيس عباس في المقابلة نفسها، وانما اسرائيل ومستوطنيها، وكان قد لوح اكثر من مرة بالاقدام على هذا الخيار، ونعرف انه جاء بهذا الطرح، اي الدفاع عن التنسيق الامني وتبريره، بعد المكالمة التي اجراها معه الرئيس الامريكي باراك اوباما وقال له فيها وبالحرف الواحد ان هذا التنسيق هو حماية لحياته ايضا، اي حياة الرئيس محمود عباس شخصيا.
السلطة الفلسطينية باتت بلا سلطة، ورسالة الرئيس عباس الى نتنياهو، وقبل ان تعدل خمس مرات تلبية لطلبات امريكية، نصت على ذلك حرفيا، بل ان الرئيس عباس نفسه اشتكى اكثر من مرة من الاهانات التي يتعرض لها في كل مرة يتقدم فيها مكتبه لتجديد تصريحه الامني، وبطاقة خروجه من رام الله، حتى انه اقدم بنفسه على نشر صورة عن هذا التجديد احتجاجا على هذه الاهانات.
الرئيس عباس هو مهندس اتفاقات اوسلو ويدرك جيدا انه جرى توقيع هذه الاتفاقات للتوصل الى دولة فلسطينية مستقلة، بعد خمس سنوات من قيام السلطة، والان وبعد عشرين عاما من التوقيع تضاعف الاستيطان الاسرائيلي في الضفة والقدس المحتلتين مرتين، وفاق عدد المستوطنين رقم النصف مليون.
لا نعرف لماذا يحتاج الامر الى وفد من ثلاثة اشخاص لتسليم رسالة الى نتنياهو لشرح رؤية السلطة الفلسطينية للسلام وحل الدولتين، فإذا كان نتنياهو وبعد عشرين عاما من المفاوضات المغلقة والمفتوحة، وآلاف المحاضر، لا يعرف هذه الرؤية الفلسطينية فهذا تفسيره احد امرين اما انه فاقد البصر، او ان المفاوضين الفلسطينيين عجزوا كليا عن توضيح هذه الرؤية.
نتنياهو ليس كفيفاً، وحتى لو كان فإن هناك من هم على استعداد لكي يقرأوا له محاضر المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، ولا نعتقد ان السلطة ورئيسها وكبير مفاوضيها لا يعرفون كيف يقومون بشرح وايصال هذه الرؤية بكل تفاصيلها الى الطرف الاسرائيلي، المسألة بكل بساطة ان الرئيس عباس يريد العودة الى مائدة المفاوضـات مجددا، ويتحرش بالاسرائيليين في هذا الصدد. فقد ذهب الى العاصمة الاردنية عمان والتقى وفده الاسرائيليين في تخل مهين عن جميع شروط وقف الاستيطان، وقالوا للشعب الفلسطيني انها مفاوضات استكشافية فقط.
' ' '
حل الدولتين سقط، والعملية السلمية التي انبثقت من رحم كامب ديفيد ماتت وشبعت موتا، والسلطة الفلسطينية باتت هيئة خيرية وظيفتها التسول لدفع رواتب 160 الفاً من موظفيها، حيث تم استبدال وكالة غوث اللاجئين بالسلطة من حيث تقديم 'رشوة' للشعب الفلسطيني للبقاء على قيد الحياة، ونسيان قضيته وابجدياتها في الوقت نفسه.
الشعب الفلسطيني الذي كان طليعياً في ثوراته وانتفاضاته ضد الظلم ونهب حقوقه وسرقة اراضيه بات شعبا متسولا يعيش على فتات الصدقات من الدول المانحة ومتى؟ في زمن تنتفض فيه الشعوب العربية ضد الظلم والفساد والقمع.
الذين يطالبون بحل السلطة ووقف التنسيق الامني لا يمارسون مزايدات رخيصة مثلما يصفهم الرئيس عباس، وانما هم اناس يطالبون بعودة الكرامة الى الشعب الفلسطيني، ونفي صفة الخنوع عنه، والانتصار لشهدائه وعشرات الالاف من اسره القابعين في سجون الاحتلال.
الرئيس عباس يقترب من الثمانين من عمره، وقال اكثر من مرة انه يريد التقاعد، وزهد كلياً في المناصب، ولكن تصريحاته هذه تثبت عملياً ان هذا الكلام غير دقيق. كنا نتمنى لو ان الرئيس عباس انهى حياته السياسية بشكل كريم وان يقف وقفة عز تاريخية ويعلن حل هذه السلطة.
مصر تستحق مفتيا افضل

20/04/2012

عندما تعلن الحكومة الاسرائيلية رسميا ان زيارة الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية لمدينة القدس المحتلة تمت بالتنسيق الكامل مع وزارة الدفاع الاسرائيلية فإن هذا يؤكد ما قلناه ونقوله دائما عن مثل هذه الزيارات، بأنها تأتي في اطار مخطط اسرائيلي لزيادة وتيرة التطبيع، وتكريس الاحتلال ومباركة عمليات التهويد للمدينة المقدسة.
السلطات الاسرائيلية تريد شخصيات اعتبارية، ومرجعيات دينية للصلاة في المسجد الاقصى، مثل الشيخ جمعة، لإرسال رسالة مضللة وكاذبة الى العالم بأن عملية السلام والمصالحة بين العرب واسرائيل تسير في الاتجاه الصحيح، وان اسرائيل، بل وحكومتها اليمينية المتطرفة، دولة متسامحة تجاه جميع الاديان واتباعها بمن في ذلك العرب والمسلمون خصوصا.
الشيخ جمعة اما ان يكون جافى الحقيقة، او انه تعرض لعملية تضليل محسوبة عندما ادعى ان زيارته لم تتم بمباركة اسرائيلية، ولم يقابل اسرائيليا واحدا، ولم يحصل على تأشيرة دخول من اي سفارة اسرائيلية، فالترتيبات تمت في الخفاء او من وراء ظهره، وهو سيكون في حكم الساذج اذا اعتقد ان شخصا مثله، وفي مكانته الدينية والرسمية، سيذهب الى السفارة الاسرائيلية في مصر او الاردن لتقديم طلب للحصول على فيزا مثل المواطنين العاديين.
اسرائيل لا تريد مواطنين عاديين يتدفقون بالآلاف لزيارة الاماكن المقدسة، والاّ كان الاولى بها ان ترفع الحظر عن اربعة ملايين فلسطيني من ابناء الارض المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وانما تريد المسؤولين والاثرياء والامراء والوزراء والفنانين العرب، ومن اجل اهداف دعائية تضليلية محضة.
وربما يفيد تذكير هؤلاء الذين يقعون في مصيدة التطبيع الاسرائيلية هذه ويروجون لزيارة الاراضي المقدسة، والمتحدثين باسم السلطة خاصة، ان السلطات الاسرائيلية منعت المتضامنين الاجانب من الدول الاوروبية كافة، زرق العيون، من دخول مطار تل ابيب، بل وحاولت منعهم في بلدانهم من ركوب الطائرات اليها استجابة لنداء 'اهلا بكم في فلسطين'، واعتدت على هؤلاء بالضرب في قلب المطار واعادت معظمهم الى بلدانهم.
فلماذا تعيد اسرائيل هؤلاء بعد اعتقالهم، والاعتداء بالضرب على بعضهم، وتقبل بدخول ملايين المسلمين لزيارة الاقصى تلبية لنداء الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير اوقافه، اذا كان دخول هؤلاء يخدم القضية الفلسطينية ويفضح سياساتها العنصرية امام العالم؟
ما كنا سنعود الى هذا الموضوع لولا ان وزير الاوقاف الفلسطيني الدكتور محمود الهباش بشرنا بالامس، في غمرة احتفاله بزيارة الشيخ جمعة، ودفاعه عنها، بأن شخصيات اسلامية وعربية مرموقة ستحذو حذوه في الايام والاسابيع القليلة المقبلة، فمثل هذا التوجه يشكل خطرا كبيرا على القضية الفلسطينية، وينقل التطبيع مع اسرائيل من جوانبه السياسية الى آفاق اسلامية ارحب.
' ' '
لا نعرف، بل لا نفهم، ما هي حكمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما يستعدي الغالبية الساحقة من رجال الدين والناشطين السياسيين، بل والمواطنين العرب والمسلمين، بتبني مثل هذه السياسات التطبيعية بدعوته هؤلاء لزيارة القدس المحتلة، وهو نفسه لا يستطيع زيارتها، مثلما لا نفهم دفاعه المستميت عن التنسيق الامني مع الاسرائيليين والقول بأنه يصب في خدمة الفلسطينيين، وهو الذي هدد بوقفه اكثر من مرة، مثلما هدد بحل السلطة التي يرأسها لأنها باتت اكذوبة كبرى.
السلطة الفلسطينية التي فشلت على مدى عشرين عاما في وقف الاستيطان، ناهيك عن اقامة دولة فلسطينية مستقلة مثلما وعدت شعبها، يجب ان تكون الاكثر صلابة في معارضة التطبيع بأشكاله كافة، لا ان تكون داعية ومحرضة العرب والمسلمين للاقدام عليه.
الاسرائيليون يريدون زيارات العرب الاثرياء للقدس المحتلة ليس لتكريس التطبيع فقط، وانما للاستفادة اقتصاديا ايضا، لانها تعلم جيدا ان هؤلاء سيستخدمون هذه الذريعة، اي الصلاة في المسجد الاقصى، للذهاب الى تل ابيب للاستمتاع بمرابعها او العلاج في مستشفياتها.
واللافت ان حملات اعلامية مكثفة نرى ارهاصاتها بصورة بشعة في مقالات وبرامج تلفزيونية تقلل من خطر اسرائيل وتضخم من الخطر الايراني، وتحرض على التطبيع والتحالف مع الاخيرة بصورة غير مباشرة. ضخموا من الخطر الايراني مثلما تشاؤون وهذا حقكم، ولكن لماذا الايحاء بأن اسرائيل حمل وديع وصديق للعرب والمسلمين وهي التي قتلت في الانتفاضة الثانية اكثر من 4000 عربي مسلم وبالرصاص الحي، وحوالى 1400 من ابناء شعب مسلم سني مجوع محاصر في قطاع غزة؟
دعوة التطبيع المشبوهة هذه لن تمر، بل لا يجب ان تمر، طالما ان هناك علماء افاضل مثل شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب الذي تبرأ من زيارة المفتي جمعة للقدس المحتلة، والشيخ العلامة يوسف القرضاوي الذي اصدر فتوى بتحريم مثل هذه الزيارات على جميع العرب والمسلمين باستثناء ابناء الاراضي المحتلة.
الدكتور الطيب، وهو طيب فعلا، اكد ان الازهر لم يوافق قط على زيارة القدس تحت الاحتلال، بينما قال الشيخ يسري حماد الناطق الرسمي باسم حزب النور السلفي ان الشيخ جمعة لوث منصب المفتي بزيارته المشؤومة هذه، وشدد الدكتور سليم العوا المرشح للرئاسة المصرية ان المسألة ليست مسألة ختم جواز سفر المفتي بقدر ما هي دخول مدينة مقدسة تحت الاحتلال. ودعا الى عدم زيارة القدس الا بعد التحرير الكامل لها.
ولا نستطيع ان ننسى في هذه العجالة الموقف المشرف لعلماء الشريعة في الاردن، الذين اصدروا بيانا وصفوا فيه زيارة القدس المحتلة، والصلاة في المسجد الاقصى، بأنها اعتراف بان فلسطين 'اسرائيلية'، وان هذه التصرف 'خيانة لله والرسول'. هذا ما نتوقعه من علماء الشريعة في كل انحاء العالم الاسلامي.
' ' '
انه امر معيب فعلا ان تتباهى السلطة الفلسطينية بزيارة الشيخ جمعة، وشيخ آخر اسمه علي الجفري للقدس المحتلة، بينما تمنع السلطات الاسرائيلية، وفي اليوم نفسه، شيخين فاضلين هما عكرمة صبري امام الاقصى، ورائد صلاح ابرز قادة الاراضي المحتلة عام 1948، ولو كان الشيخان من مؤيدي التطبيع، والصامتين على الاحتلال وجرائمه، ومحاولاته تقويض اساسات الاقصى وتهويد المدينة المقدسة لجرى فرش السجاد الاحمر احتفاء بهما وصلاتهما في المسجد الاقصى، ولما تعرض الاخير ،اي الشيخ صلاح، للاعتقال اكثر من مرة لحربه الضروس ضد الاحتلال وفضح مؤامرة هدم الاقصى.
فتاوى وعاظ السلاطين، وزياراتهم المشبوهة للقدس المحتلة تحت الاحتلال، هي دعم للاحتلال الاسرائيلي، وليس لصمود اهالي المدينة المقدسة، فالفتوى المطلوبة هي الدعوة لتحرير الاراضي المحتلة بالطرق والوسائل كلها، هذا هو واجب الدعاة المؤمنين السائرين على نهج الشريعة السمحاء والسنة المحمدية المشرفة.
مفتي حسني مبارك الشيخ علي جمعة ارتكب خطيئة كبرى، وخرج عن واجباته الدينية، بزيارة اولى القبلتين وثالث الحرمين وهي تحت الاحتلال. وعليه ان يستقيل من منصبه، وان لم يفعل يجب ان يقال منه، فمصر العظيمة التي انطلقت منها جيوش الفاتحين صلاح الدين، وقطز، والظاهر بيبرس، لتحرير القدس وطرد الصليبيين تستحق ان يكون المفتي الناطق باسمها غير هذا المفتي الذي يسيء لها ولتاريخها بفتاواه وممارساته المرفوضة من الغالبية الساحقة من ابنائها والمسلمين جميعا.
انه ينتمي الى عهد بائد سقط، سخّر نفسه لحماية اسرائيل وجرائمها، وتشريع التطبيع معها، ولذلك يجب ان تسقط معه جميع شخوصه وسياساته ووعاظ سلاطينه.
Twier:@abdelbariatwan
المارد المصري يتمرد على اسرائيل

23/04/2012

سواء كان قرار السلطات المصرية وقف تصدير الغاز الى اسرائيل سياسيا، او تجاريا، فإنه قرار شجاع يعكس حدوث تغيير كبير في مصر الثورة تجاه العلاقات مع اسرائيل والتطبيع الاقتصادي معها.
وهو قرار قد يكون مقدمة لالغاء اتفاقات كامب ديفيد المهينة، او تعديلها بما يتوافق مع المصالح المصرية على الاقل.
صحيح ان تصدير الغاز المصري الى اسرائيل غير منصوص عليه في بروتوكولات الاتفاقات المذكورة، ولكن الصحيح ايضا ان اسرائيل فرضت شروطها على الجانب المصري، مثلما فرضت اسعارا متدنية للغاز المصري اقل من سعر التكلفة، وكان امرا مؤسفا ان يقبل النظام المصري المنهار هذه الشروط، في اطار صفقة فساد استفادت منها حفنة من رجال الاعمال يعملون كواجهات لبعض رجالات النظام المعزول.
رجال اعمال فلسطينيون تفاوضوا مع الاسرائيليين لتصدير غاز حقل غزة بموازاة خط الانابيب المصري ذهلوا عندما علموا من نظرائهم الاسرائيليين ان الغاز المصري يباع بأسعار تقل عن الثلثين بالنسبة الى اسعاره في الاسواق العالمية، وشعروا بصدمة اكبر عندما ارادت اسرائيل ان تشتري غاز غزة بالسعر نفسه، ولكنها تراجعت في فترة لاحقة وعرضت اسعارا تزيد بمقدار الضعفين على الطرف الفلسطيني، وجرى رفضها لانها اقل من الاسعار في الاسواق العالمية.
السفير ابراهيم يسري رفع قضية امام المحكمة المصرية العليا بايقاف تصدير الغاز المصري لاسرائيل، وتكللت جهوده بإصدار حكم لصالحه، ولكن حكومة الرئيس حسني مبارك لم تطبق الحكم القضائي، ولم توقف تصدير الغاز لاسرائيل بالتالي.
الشعب المصري يعارض بيع غازه الى الاسرائيليين بأسعار زهيدة، بينما يشتري قوارير الغاز بأسعار مرتفعة للغاية، بل ان البلاد شهدت في الاسابيع الاخيرة ازمة طاحنة لاختفاء الغاز من الاسواق، اي ان الاسرائيليين يتمتعون بالغاز المصري الرخيص بينما يعاني المصريون من انقطاعه عنهم بالكامل.
' ' '
انبوب الغاز المصري الممتد عبر سيناء الى اسرائيل تعرض للتفجير اكثر من 14 مرة في اقل من عام، وفشلت كل المساعي والجهود الحكومية المصرية في حمايته، بما في ذلك حملات الاعتقال المكثفة التي استهدفت قادة القبائل البدوية وبعض الناشطين الشباب فيها، والعروض المالية المغرية التي جاءت بمثابة الجزرة لتجنيد زعماء قبليين وميليشياتهم على امل تأمين الخط المار وسط اراضيهم.
افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي وصف قرار الغاء ضخ الغاز الى اسرائيل بأنه مؤشر خطير للغاية لا يبشر بالخير، ولكن ليبرمان الشهير بتهديداته لمصر ونسف سدها العالي كان مثل الحمل الوديع وهو يطلق فتواه التشاؤمية هذه، بينما ابتلع رئيسه بنيامين نتنياهو لسانه وامتنع عن اطلاق تصريحات تصعيدية ضد مصر كرد فعل على هذا القرار.
الاسرائيليون يرتعدون خوفا من العملاق المصري الذي خرج من قمقم الاذلال، الى فضاء الكرامة، عبر ثورته المجيدة، لأنهم يدركون جيدا ان اي حكومة مصرية جديدة تنطلق من رحم البرلمان المنتخب وتحظى بدعمه وتأييده لن تقبل بالإملاءات الاسرائيلية والامريكية، على غرار ما كان يفعل النظام السابق الفاسد والديكتاتوري.
انتقال مصر من دور الحليف الذليل التابع، مثلما كان عليه الحال في عهد الرئيس حسني مبارك وبطانة الفساد التي كانت تحيط به، الى دور الدولة الرائدة التي تتعاطى مع الاسرائيليين بمبدأ الندية والمعاملة بالمثل والحفاظ على السيادة الوطنية، سيكلف الميزانية الاسرائيلية حوالى ثلاثين مليار دولار اضافية سنويا، بالاضافة الى تغيير استراتيجيتها العسكرية كليا.
فعندما يقول ليبرمان ان مصر اخطر من ايران فإن هذا اعتراف مصيب. فمصر هي التي قادت جميع حروب العرب الرسمية ضد اسرائيل، وهي التي عمقت عزلتها الدولية عندما كانت تُحكم من قبل انظمة وطنية تضع الامن القومي المصري فوق كل الاعتبارات الاخرى.
وفي الوقت الذي كانت تلتزم فيه حكومة الرئيس مبارك بتنفيذ كل بنود اتفاقات كامب ديفيد، وتغض النظر عن المجازر والحروب الاسرائيلية في قطاع غزة ولبنان، كانت اسرائيل تتآمر على مصر وتعمل على تهديد امنها المائي الاستراتيجي، بتحريض دول مثل اثيوبيا واوغندا على تحويل مياه النيل من خلال اقامة السدود، وتفكيك الاتفاقات الموقعة التي تعطي كلا من مصر والسودان نصيب الاسد من هذه المياه.
أليس من العار ان تحرم اسرائيل مصر من ارسال قواتها ودباباتها الى كامل اراضي سيناء بذريعة فرض احترام اتفاقات كامب ديفيد، بينما تعمل هي على غزو قطاع غزة الذي كان خاضعا للحاكم الاداري المصري ساعة احتلاله عام 1967، وتقتل 1400 من ابنائه دون رحمة ودون ان تحرك حكومة مبارك ساكنا، بل تتواطأ مع هذا العدوان من خلال إحكام اغلاق حدود القطاع ومنع اي مساعدات للوصول الى المحاصرين المجوعين داخله، اوالسماح لهم بالنجاة بأرواحهم مثلما تفعل تركيا والاردن ودول اخرى مع اللاجئين السوريين؟
هذا القرار الشجاع ما كان سيصدر لولا موافقة المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية ورئيسه المشير علي حسين طنطاوي الذي اطلق تهديده بكسر رجل كل من يقترب من حدود مصر، في اشارة واضحة الى الاسرائيليين.
سبحان مغير الاحوال، المشير طنطاوي يهدد بكسر ارجل الاسرائيليين، بينما كان السيد احمد ابو الغيط وزير خارجية حسني مبارك يهدد بكسر ارجل وايادي ابناء غزة المحاصرين المجوّعين اذا ما تجرأوا على اقتحام الحدود المصرية بحثا عن رغيف خبز او علبة حليب لأطفالهم.
' ' '
مصر تغيرت فعلا، وستتغير اكثر باتجاه استعادة مكانتها الاقليمية والدولية، والفضل في ذلك يعود الى شعبها الشجاع الذي قاوم ولأكثر من ثلاثين عاما كل عمليات التطبيع، ولم يتخلَ مطلقا عن مبادئه الوطنية، وهويته العربية الاسلامية، وكراهيته لاسرائيل ومجازرها وغطرستها ضد اشقائه الفلسطينيين واللبنانيين.
الثورة المصرية ما زالت بخير، تحقق الانجاز بعد الآخر، وتفاجئنا يوميا بصمودها وتحديها رغم مؤامرات الفلول وانصارهم في الولايات المتحدة الامريكية، وبعض الدول العربية التي تتآمر لاجهاض الثورات العربية. وخروج مليون انسان يوم الجمعة الماضي للدعوة الى انتقال السلطة الى حكم مدني هو الرد على هؤلاء جميعا ومؤامراتهم.
يشعر العرب، وخصوصا المصريين ، بسعادة عامرة وهم يرون حالة الهيستيريا التي تسود اسرائيل حاليا بسبب الخوف من التغيير المتسارع في مصر، بعد ان كانت اسرائيل هي التي تبث الرعب في قلوبنا بغطرستها وتعنتها وتهديداتها المتواصلة للعرب، ونسفها بشكل وقح للعملية السلمية.
لا بد ان الولايات المتحدة التي اسـتثمرت الكثــــير من الجهـــد والمال لتعــــزيز مقــاومة اتفاقات كامب ديفيد للرفض الشعبي المصري، ستشعر بقلق اكبر وهي ترى مصر تخرج من تحت عباءة نفوذها تدريجيا. وهو خروج قد ينهي هيمنتها على المنطقة واحتياطاتها النفطية الهائلة ولمصلحة قوى عظمى جديدة صاعدة مثل الصين والهند وروسيا.
مصر هي الاكثر تأهيلا لقلب كل معادلات القوة الاستراتيجية في المنطقة، وبما يخلق مشروعا عربيا متكاملا يوحد الأمة، ويحقق التوازن مع المشاريع الاخرى التركية والايرانية والاسرائيلية.
اهلا بمصــــر قـــوة رائدة قائدة تقود السفينة العربية الى بر الكرامة والعزة والأمان.Twier:@abdelbariatwan
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق