الأربعاء، 16 مايو 2012

صقلية


هي جزيرة في البحر المتوسط تقع في جنوب إيطاليا، وتعد صقلية بعد الأندلس المصدر الثاني من مصادر الإشعاع الحضاري الذي انتقلت منه الحضارة الإسلامية إلى الغرب.
ولقد أسهمت صقلية في تحضير أوروبا وتنويرها بنصيب يكاد يضاهي نصيب الأندلس غير أنه يقل عنه؛ لأن رقعة صقلية كانت أضيق بكثير من رقعة الأندلس؛ بيد أن هذا لا ينقص من قيمة الدور الذي قامت به صقلية في إمداد أوروبا بكل مظاهر الحضارة، سواء أكانت هذه الحضارة من صنع العرب الذين استوطنوها، أو مما نقلوه عن غيرهم من الدول الإسلامية الأخرى.
تاريخ صقلية:
فتح المسلمون صقلية سنة (213هـ/ 828م)، على يد القائد الفقيه أسد بن الفرات الذي أوفده زيادة الله بن الأغلب حاكم القيروان، وهو من حكام الأغالبة الذين كانوا سادة إفريقية في القرن التاسع الميلادي.
ولم يكن فتح صقلية سهلاً؛ فقد استغرق إخضاع مدنها للحكم الإسلامي نصف قرن. وامتد حكم الأغالبة عليها أكثر من ثمانين سنة حتى تلاشت دولتهم في تونس، ثم جاء العبيديون (الفاطميون) الذين حكموا الجزيرة أربعين سنة.
وفي سنة (948م) ولّى المنصور بأمر الله على صقلية الحسن بن علي الكلبي الذي أسس دولة الكلبيين في الجزيرة ودامت قرنًا كاملاً، وهو بحق أزهى العصور الثلاثة، وهو ما نسميه بالعصر الذهبي لصقلية. بذر المسلمون فيها بذور الثقافة الإسلامية، وأخذت تنمو وتزدهر على مر الأيام، حتى أنشئوا بها عدة معاهد علمية يؤمها الأساتذة المسلمون؛ بل أقاموا في مدينة "بالرمو" أول مدرسة للطب في أوروبا، وعن طريقها انتقلت علوم المسلمين في الطب إلى إيطاليا وغيرها من البلدان. ولم يتدخل المسلمون في الشئون الداخلية لأهل هذه الجزيرة؛ بل تركوا لهم الحرية التامة في مزاولة عاداتهم وتقاليدهم، وفي أداء شعائرهم الدينية، واكتفوا بأخذ الجزية ممن لم يعتنق الإسلام، وأعفوا منها الرهبان والفقراء والنساء والأطفال والشيوخ، وكانت أقل بكثير من الضرائب التي كان الرومان يفرضونها عليهم. ويؤكد هذا ما ذكره المؤرخ "ألبرتوفيتورا" في كتابه عن تاريخ صقلية: (إن العرب كانوا أشد الناس سماحة في حكمهم للجزيرة حتى في الأمور الدينية، فلم يعانِ أيُّ مواطن تعسفًا، أو اضطهادًا، أو ضرائب زائدة، أو مصادرة للأراضي، كما كان يحدث مع كل غزاة جدد، كان العرب غزاة من نوع مختلف!).
ولم يكتفِ المسلمون بنشر الأمن والحرية والسماحة فيها بل اهتموا بوسائل الزراعة؛ فحفروا الترع والقنوات، وأنشئوا المجاري المحنية التي لم تكن معروفة من قبل، كما أدخلوا زراعة القطن، وقصب السكر، وكثيرًا من النباتات، وأشجار الفاكهة التي لم تكن موجودة بها، وقد ساعد على نمو الزراعة بها خصب تربتها؛ فتوفرت الحاصلات، وكثرت الفواكه.
ولم يقتصر اهتمام المسلمين على الزراعة فحسب، بل استغلوا ثروات الجزيرة الطبيعية، فاستخرجوا منها: الفضة، والحديد، والرصاص، والنحاس، والكبريت، والنوشادر. وأنشئوا مصانع النسيج، كما برعوا في صناعة الكتان والحرير وصباغة الأقمشة، ومن مفاخر الصناعة في ذلك الوقت صناعة الورق من الخرق القطنية، ولم تكن تعرفه أوروبا، فكانت تستورد الورق من صقلية؛ ليحل محل الرقائق الجلدية المرتفعة الثمن. وأما التجارة فقد اتسع نطاقها في فترة حكم المسلمين الذي استمر قرنين وربعًا من الزمان.
وفي سنة (450هـ) دخل النورمان الجزيرة واستولوا عليها بقيادة "روجر الأول" الذي لم يترك للمسلمين أي شيء فيها.
وفي سنة (643 هـ) احتل الجرمان الجزيرة بقيادة الإمبراطور "فردريك الثاني"، وفي أواخر عهده نكل بالمسلمين وعذبهم بكل أنواع التعذيب التي بلغت حد الإحراق والصلب.
وفي سنة (647هـ) طُرد المسلمون عن آخرهم من صقلية، وبذلك اختفى الإسلام والمسلمون تمامًا من صقلية، ومع اختفائهم هُدِّمت كل مساجدهم.
آثار ومعالم:
وعلى الرغم من ذلك فقد ترك العرب المسلمون في صقلية الكثير من عاداتهم وتقاليدهم، التي لا تزال باقية حتى الآن، كما تركوا ألفاظًا عربية كثيرة في اللغتين: الصقلية، والإيطالية؛ بل لا تزال للآن مدن في الجزيرة تحمل أسماء عربية، وفي مدينة "بالرمو" العاصمة مبنيان عظيمان من مباني العرب: أحدهما قلعة الجزيرة، والآخر قصر القبة الذي بُني في القرن الثاني عشر الميلادي، وفي داخله قاعة فسيحة جدرانها مغطاة بالفسيفساء البديعة التنسيق.
وبها أيضًا:
ـ القصر الكبير: وهو قصر واسع كبير البيوت، باهر الزينة والآثاث.
ـ شارع السماط: الذي يمتد بطول المدينة كلها ويقسمها نصفين.
ـ حي الخالصة: الذي بناه خليل بن إسحاق والي صقلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق