الأربعاء، 16 مايو 2012

بيان:تفقيه الشرفاء في كيفية الرّد لزجر السفهاء


* الحمد لله الذي نهى عن سخرية أمّة من أمّة فقال جل جلاله "ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" الحجرات 19. وحذّّر أن تكون أمة أربى من أمة بغير مسوغ شرعي، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين القائل في الحديث الصحيح سندا ومتنا "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" والقائل أيضا "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء" وعلى آله وصحبه الذين كانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم حتى قال أحدهم وهو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه "كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أنه قد أتى بابا من الكبائر".

* لقد كان لمقابلة كرة القدم –أو الهدم- بين الجزائر ومصر تداعيات خطيرة على أكثر من صعيد وهو ما حذّرنا منه قبل إجراء المقابلة بأسبوعين وكررنا التحذير في بيان "النازلة الغمة تنتظر بيان من علماء الأمة" بتاريخ 17/11/2009 وقد وقع ما حذرنا منه عندما قلنا "مقابلة سوف تؤدي إلى قطع الأواصر الأخوية والأسرية وتهدد المصالح الشرعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وتفصم عرى الأخوة بين أبناء الأمة الواحدة وقد تؤدي إلى اقتتال بين المناصرين في السودان...". وطلبنا من العلماء والدعاة من باب التعاون على البر والتقوى وبيان الحكم الشرعي في أمر مقابلة مآلها إلى ما سبق ذكره إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ولا يعقل شرعا وعقلا وسياسة بيان الحكم الشرعي بعد خراب البصرة كما يقولون.

*لقد شنت بعض القنوات الفضائية الإعلامية الخاصة والعامة المصرية المحسوبة على النظام المصري والمساندة لآل مبارك حملة شعواء قاسية استحلت فيها كل المحرمات ففجرت في الخصومة وقالت منكرا من القول وزورا ونعتت –بلا حياء ولا خجل- شعبا أبيا بأكمله بشتى النعوت الجارحة دون وازع ديني ولا زاجر أخلاقي ولا دافع قومي ويا ليتها تحرشت ببعض الأفراد من السفهاء عندنا والمشجعين المتعصبين الذين صدرت منهم تصرفات غير لائقة شرعا وذوقا إذ كل شعب في العالم لا يخلو من السفهاء ولكن هذه القنوات تحرشت بالشعب الجزائري وطعنت في ماضيه وتاريخه وحضارته ونالته بقوارص من القول يحجم عنها هجّاء العرب الحطيئة ولكن جارحة الجوارح وقارصة القوارص التي أدمت قلوب الجزائريين عن بكرة أبيهم صالحهم وطالحهم عندما نُعت الشعب الجزائري على المباشر بأنه بربري متوحش ودموي وإرهابي وأنه سرطان في جسم الأمة العربية!!! وأنه لو لا مصر لم تكن شيئا مذكورا، أما داهية الدواهي فهي نعت شهداء الجزائر المسلمة باللقطاء والبلطجية دون أن ينكر عليهم رئيس الجمهورية المصرية حسني مبارك أو أي مسؤول في النظام المصري، بل صرح ابن الرئيس علاء مبارك بكلام قبيح أرعن لا بحكم أنه مواطن مصري كما يحلو للبعض تصوير الأمر وإنما بحكم أنه من العائلة الحاكمة أو المالكة وقال بحق سفير الجزائر كلاما بالغ السوء، ومما يدل على أن الحملة لها صبغة رسمية، فقد عقد حسني مبارك مجلسا خاصا للأمن القومي وكأنه في حالة حرب، وهو ما لم يفعله في غزو جنوب لبنان 2006 أو في حصار غزة وضربها بالأسلحة المحرمة دوليا!!! وحتى شيخ الأزهر التزم الصمت التام وهو يسمع أقزام سفهاء الأحلام على شاشات الفضائيات يشتمون شعبا بأكمله وينعتون الشهداء باللقطاء والساكت عن الحق شيطان أخرس، أم أن شيخ الأزهر لا يتكلم إلا بإذن من السلطة الحاكمة ونحن نوجه سؤالا لشيخ الأزهر، هل يجوز شرعا الطعن في الأنساب والأحساب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "اثنان في الناس هما بهما كفر، الطعن في النسب والنياحة على الميت؟!!!" وإن وسم الشعب الجزائري بالبربري كما كان يطلق علينا اليونان والرومان قديما لا يشمل الجزائر فحسب، بل يشمل المغرب الإسلامي بأكمله بحكم أن البربر الأمازيغ متواجدون في تونس والمغرب وليبيا وموريتانيا والتطاول على الشعب الجزائري هو تطاول سفيه على دول المغرب الإسلامي بأسره، وليعلم الجميع أن البربر الأمازيغ هم الذين دوّخوا الرومان والبيزنطيين والوندال عبر التاريخ، وهذا أمر خطير لا يمكن السكوت عليه إلا بتقديم اعتذار رسمي لاسيما والإعلام المصري بجميع قنواته تحرك بإيعاز من السلطة القائمة، وأما ما أعلنه رئيس الحكومة أحمد أويحي من عدم الرد على الحملة الإعلامية المصرية على الجزائر بحكم أن عدم الرد أقوى من الرّد، فهذه مغالطة كبرى وتنصل من المسؤولية السياسية والتاريخية والمعنوية نحو الشعب الجزائري الذي مُسّ في كرامته وضُرب في صميم هويته، بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقات العربية وعلى المباشر، لا من سفهاء الشوارع أو الملاعب وإنما من بعض السفهاء الرسميين في النظام وبعض رجال الإعلام والصحافة وبعض النخب الفكرية والفنية والقانونية، ونحن نفرق بين سفهاء العامة وسفهاء الخاصة وسفهاء خاصة الخاصة، فالأوائل نتعفف من الرد عليهم أما الصنف الثاني والثالث فلا يجوز شرعا وسياسة وأخلاقا السكوت عليهم ولذلك تعتبر أطروحة رئيس الحكومة مرفوضة، وهو الذي اكتفى بشكر الصحافة الوطنية والشباب الذي قام بحملة مضادة عبر الإنترنت غيرة على وطنه ورموزه وكأنه يقول نحن لا نريد أن نخسر العيب مع النظام المصري، ذلك أن العصابة الحاكمة في الجزائر لا يهمّها كرامة الشعب الجزائري وإنما المهم عندهم البزنسة السياسية والاقتصادية والمصالح الضيقة ولذلك نقول أن تصريحات بعض الوزراء تشعر بالغثيان وقريبا سوف تسوى الأمور بين النظام الفاسد في الجزائر والنظام الفاسد في مصر في الدهاليز المظلمة بعيدا عن أعين الشعبين أو تحت الطاولة كما تقول العامة عندنا وتعود حليمة إلى عادتها القديمة، وهكذا يغسل كل من النظام الجزائري والنظام المصري أيديهم من السفهاء الرسميين الذين أوعزوا إليهم مهمة التحريش بين الشعبين ودق طبول الحرب وعندها يندمون أشد الندم لأنهم كانوا يمارسون مهمة قذرة نيابة عن الأنظمة السياسية الفاسدة، فهل يعقل أن يقول رئيس الحكومة في ندوة صحفية "إننا تسترنا على أوراسكوم حفاظا على سمعتها، لكنها اليوم مطالبة بدفع ضرائبها" والتي تقدر بـ590 مليون دولار، ونحن نقول أن هذه جريمة يعاقب عليها القانون، وهل يعقل أن تنزع الضرائب عنوة من المواطن الجزائري ويُتساهل مع هذا المصري الجشع، الذي لم يخدم شعبه بل خدم مصالح العائلة الحاكمة بحكم العلاقة بينه وبين جمال مبارك الوريث المرتقب لعرش أبيه المتهالك، ولولا المقابلة وتداعياتها، لربّما أعفي من الضرائب أصلا ولا شك أن الجزائر سوف تدفع تعويضات مالية تفوق 130 مليون دولار تحت الطاولة للخسائر التي لحقت الشركات المصرية بالجزائر لاسيما وهي لن تدفع هذه التعويضات والأموال من جيب بوتفليقة أو جيب أويحي وإنما من خزينة الشعب الجزائري المغلوب على أمره، فعدم الرد لا يدل على تعفف النظام أو عملا بقوله تعالى "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" وإنما عن عجز وتبادل مصالح شخصية خاصة من الطرفين، فها هو وزير الطاقة والمناجم يعقد صفقة مع الشركات المصرية بمبلغ 17 مليار وكأن شيئا لم يكن!!! وهل يعقل مدح الصحافة على الرد وتعفف السلطات العليا عن الرد؟!!! ونحن نفرق بين الرد على النظام المصري والسفهاء الرسميين والرد عن الشعب المصري المغلوب هو الآخر عن أمره، لا يمكن القبول بطرح أويحي ومن وراءه، فالذين شتموا الشعب الجزائري لو أنهم كانوا ثلة من سفهاء الشارع ممن لا يجب الرد عليهم إذ في كل شعب صلحاء وسفهاء، ولكن الذين شنوا على الشعب الجزائري حربا عشواء هم من المسؤولين في النظام السياسي ورجال إعلام ونخبة فكرية وفنية وأقلام لها وزنها وكان الواجب أن يقوم بالرد الرسمي رئيس الجمهورية لاسيما وقد عدل الدستور من أجل عهدة ثالثة وحماية الرموز الوطنية الخ...، كما أن اليمين الدستوري تلزمه بالرد، بحكم المادة 76 من الدستور والمادة 77 منه بحكم أنه يقرر السياسة الخارجية للأمة ويوجهها بل كان عليه أن يوجه كلمة عبر شاشة التلفزة يدعو فيها بعض الشباب الغاضب للكرامة التي أهينت والذي أثرت فيه بعض الشائعات الكاذبة التي ألهبت عواطفه المهتاجة منذ ضرب حافلة فريق كرة القدم بمصر ويطالبهم بعدم الاعتداء على إخوانهم من الشعب المصري العاملين في الجزائر ولكن سكوت مبارك وبوتفليقة عن كل التجاوزات هنا أو هناك ودون توجيه كلمة واحدة يدل دلالة قاطعة على رضا الطرفين بما حدث لأهداف سياسية تخدم كلاَ من النظامين الفاسدين وهناك قرائن قوية تدل على أن كلاَ من النظامين كان يعمل بطريقة ما لشحن النفوس هنا وهناك والتحريش بين الشعبين وهذا يذكرنا بالفتنة التاريخية التي كانت بين الأمين والمأمون والتي استغل كل طرف منه الشُطار والعيارين والدُّعار وأهل السجون في تصفية حسابات سياسية هابطة على حساب الأمة الإسلامية، وكم في التاريخ القديم والحديث من درس وعبرة لمن كان له قلب أو فكر رشيد حصيف، والرد لا يعني بالضرورة قطع العلاقات السياسية فالأب يرد على أولاده أو جيرانه أو أصدقائه أو زوجته ولكن لا يقطع الصلة بهم!!! أما أن تكون البزنسة الاقتصادية أهم من كرامة الشعب الجزائري؟!!! فهذا أمر مرفوض شرعا وسياسة وأخلاقا، ولذلك فحجة رئيس الحكومة ضعيفة، وصمت رئيس الجمهورية أمر غير مقبول بالمرة وحتى لا يُفهم كلامي خطأ أقول، لا بد من التفريق بين حق الرد وقطع العلاقات المتنوعة، أما السكوت التام يجعل صاحبه شيطانا أخرسا.
*
وليعلم الجميع أننا في هذا البيان لن نرد على تلك الهجمة من الناحية السياسية أو الرياضية أوالقانونية أوالتاريخية أوالحضارية أوالفنية أوالقومية، فهذه النواحي لها رجالها وإنما حسبنا في هذا البيان بيان الكيفية الشرعية في التعامل مع هذه الحملة والهجمة الشرسة الصادرة لا عن سفهاء الشوارع وإنما من بعض رجال الإعلام والفكر والثقافة والفن وبعض أدعياء العلم الشرعي من علماء السلطة مما يدل على أنها أخذت صبغة رسمية مع العلم أننا ضد كل التجاوزات سواء من عندنا أو من عندهم امتثالا لقوله تعالى "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى"، فنحن نستنكر كل من شتم الشعب المصري المسلم أو بخسه حقه أو مسه بكلمة نابية جارحة، فهو شعب زاخر بالعلماء والفضلاء والصلحاء وأهل النجدة والكرم، وفي نفس الوقت نستنكر لغة التعالي والمنّ والكبرياء الزائفة على الشعب الجزائري العريق فكلنا لآدم وآدم من تراب "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" من أي جنس ومن أي لون كان وبأي لسان تكلم، ومن أي بقعة في الكرة الأرضية كان ونصوص الكتاب والسنة تنهى عن الكبرياء والعلو في الأرض والمس واحتقار الآخرين لأجناسهم وألوانهم أو اختلاف ألسنتهم فالمعيار الوحيد عند الله تبارك وتعالى هي التقوى لا غير ومن اعتز بغير الإسلام وتقوى الله تعالى فهو فحم جهنم والعياذ بالله، وجوابا على سؤال ورد علينا مفاده ما هي الطريقة الشرعية للرد على هذه الحملة المسعورة التي ضربت الشعب الجزائري في صميم هويته وتركت ندوبا غائرة لاسيما والمعركة الإعلامية غير متكافئة بين الجزائر ومصر، فالمصريين يملكون مئات القنوات الفضائية المتنوعة والجزائر ليس فيها قناة واحدة مستقلة ليكون الرد شبه مماثل لما يصدر من أرض مصر، وسوف نتطرق في هذا البيان إلى جملة من النقاط، حتى يكون الجواب على ذلك السؤال في غاية الوضوح والله الموفق لكل خير.

* أولا: لعبة كرة القدم بين الإباحة والحظر!!!
لعبة كرة القدم من الأمور المباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة ولكن إذا صاحبها محظور شرعي كالغش والكذب والتنابز بالألقاب وتضييع أوقات الصلاة أو تفويت واجب آخر أو إثارة الأحقاد والضغائن أو اتخاذها ذريعة للتحريش بين أفراد الأسرة الواحدة وبين المرء وزوجه أو بين أبناء الأحياء والقرى والمداشر أو بين الشعوب مع بعضها البعض أو بين الدول والأنظمة السياسية كما حدث بين السلفادور والهندوراس حيث تقاتل الجيشان مما أسفر على 04 آلاف قتيل من أجل لعبة كرة القدم، فضلا عن السّباب والتهارش وتبادل سقط القول، واختلاط الرجال بالنساء في المدرجات، فإذا صاحبها شيء من هذه المحاذير الشرعية فإنه يجب أن تمنع من ولاة الأمور الشرعيين الناهجين نهج الكتاب والسنة في سياسة الأمة، قولا واحدا لا خلاف فيه بين أهل العلم الربانيين، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله "ولعب الكرة إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل والرجال بحيث يستعان بها على الكر والفر والدخول والخروج ونحوه، وغرضه الاستعانة على الجهاد الذي أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو حسن، وإن كان في ذلك مضرة بالخيل والرجال فإنه ينهى عنه" فمن أهداف الرياضة في الإسلام تقوية الأبدان لطاعة الله تعالى وتهذيب الأخلاق والترفيه المشروع عن النفس بخلاف أهداف أعداء الإسلام من تشجيع الرياضة وصرف الأموال الطائلة عليها، وتلميع نجومها لدى الشعوب البائسة واتخاذها من جملة المخدرات وصرف الشعوب الإسلامية عن الاهتمام بمعالي الأمور داخليا وخارجيا وهذا عين ما جاء في بروتوكولات خبثاء صهيون، جاء في البروتوكول13 "ولكي تبقى الجماهير في ضلال لا تدري ما وراءها وما أمامها ولا ما يراد بها فإننا سنعمل على زيادة صرف أذهانها بإنشاء وسائل المباهج والمسليات والألعاب الفكهة وضروب أشكال الرياضة واللهو...ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنية ورياضية" تلك خطة الصهاينة لصرف الأمة عن قضاياها المصيرية وهكذا أصبحت القنوات الرياضية والجرائد الرياضية أكثر رواجا من القنوات السياسية والثقافية والفكرية وها هي مؤسسة اليونسكو تريد حصة مالية من مليارات كرة القدم العالمية –الفيفا-بعبارة أوضح أن مؤسسة الثقافة والعلوم أصبحت تشحذ عند الفيفا وهذه إحدى العجائب والغرائب وأصبحت قدم لاعب كرة القدم تفوق عقل ودماغ أكبر قادة العلم والفكر والإبداع والثقافة؟!!! وأصبح سفهاء السياسة يصرفون بسخاء منقطع النظير مئات المليارات على كرة القدم، فقد صرف مؤخرا من أجل التأهل لإفريقيا والعالم أزيد من 500 مليار من جيوب خزينة الأمة، وفي الوقت الذي تبذر أموال الأمة في الشأن الرياضي بشكل جنوني أرعن، يخرج علينا رئيس الحكومة ليعلن عن الزيادة في أجور العمال، رغم أن تلك الزيادة لم يفرح لها الشعب الجزائري فور إعلانه عنها لأنها لا تساوي شيئا بالنسبة لالتهاب الأسعار في المواد الاستهلاكية اليومية، بل إن حجم الزيادة المعلن عنها تعادل مصروف شاب عاطل عن العمل ليوم أو يومين، فهي لعبة قذرة أخرى مكشوفة لدى العام والخاص، وهل يعقل بناء ملاعب رياضية في كل ولاية ودائرة وبلدية والأمة تعاني من قلة المستشفيات عبر القطر وحجم الاكتظاظ في الجامعات والمدارس والثانويات، فضلا عن البطالة والعطالة وأزمة السكن الخ... والله يقول "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" لأنهم لا يحسنون التصرف فيها أو وضعها في محلها وهذا قمة السفه، وهل يعقل أن يصرف على لاعب كرة قدم أكثر من 05 مليار فضلا عن السكن والسيارة الفارهة ونهضم حقوق الأساتذة والمعلمين والأطباء والممرضين والقضاة وكتاب الضبط والأسلاك الأمنية الدنيا المختلفة ورجال الإعلام والصحافة وسائر عمال الجزائر يعانون من الضائقة المالية ويعيشون على الاقتراض والديون وبعضهم وقع في الانحراف المهني والأخلاقي والإجرامي "مالكم كيف تحكمون" ولا شك أن أي نظام سياسي يتخذ من تفوقه الرياضي دون سائر المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والحضارية والإبداعية معيارا للمكانة بين دول العالم هو نظام سفيه شبيه بأنظمة الطغاة الذين اتخذوا من الرياضة وسيلة لتلهية شعوبهم وصرفها عن الانشغالات الهامة الأساسية في حياة الشعوب، ألم يستخدم جنرالات البرازيل والأرجنتين كرة القدم وسيلة لتخدير الشعوب، وهو ما قام به فرانكو وهتلر وستالين، وها هي الجزائر ستتقابل مع الفريق الأمريكي والبريطاني، فهل تغلب الفريق الوطني على الفريق الأمريكي أو البريطاني أو حتى فوزها بكأس العالم سيجعل منها الدولة الأولى في العالم أو أفضل من أمريكا وبريطانيا، ولو كان الأمر كذلك وبهذا المنطق لكانت البرازيل والأرجنتين في طليعة الدول المتقدمة غير أن الأمر ليس كذلك، فما زالت البرازيل وهي الحائزة على كأس العالم 05 مرات والأرجنتين تعاني من البيوت القصديرية والبطالة وتفشي الأمراض والفساد المالي والسياسي والأخلاقي والجريمة المنظمة واستحواذ قلة من الأثرياء على خيرات البلاد والذين لهم أحياء خاصة بهم في غاية الرفاهية، إن قوة الدولة أو ضعفها لا تصنعه مقابلة رياضية فوزا أو خسارة ومن ظن ذلك فهو أحط من حمار قومه.
وبقي سؤال هام، هل ستقاطع الجزائر كأس العالم بحكم أن أمريكا وبريطانيا دولتين عدوتين للعرب والمسلمين وساهمتا في احتلال العراق وأفغانستان، وتقدمان الدعم المالي والسياسي والاقتصادي والإعلامي والعسكري للكيان الصهيوني الذي يحاصر إخواننا في غزة، وهاهي أكثر من 25 دولة غربية توافق على خطة أمريكا في احتلال أفغانستان وسوف ترسل 7000 جندي لقتل إخواننا هناك، هذا السؤال يطرح على الساسة في الجزائر بحكم أن الجزائر ترفع شعار الدفاع عن القضايا العادلة في العالم؟!!! وهي تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل امرأة مضربة عن الطعام من الصحراء الغربية؟!!! أما السؤال الآخر فهو موجه لعلماء الشريعة حراس العقيدة، هل يجوز إجراء مقابلة رياضية مع فريق دولة تقتل إخواننا في العراق وأفغانستان وتدعم الكيان الصهيوني؟!!! الذي يضرب حصارا على غزة ويقمع الشعب الفلسطيني ويدهس بعض الشباب بالسيارة ذهابا وإيابا؟!!! مع العلم أن وزير الخارجية مدلسي استدعي من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية وهو الذي شهد على نفسه بالغباء في قضية الخليفة، فما هو موضوع الاستدعاء وهل سيلبي الدعوة أو يقاطعها حتى تخرج أمريكا من العراق وأفغانستان وتكف عن دعم الكيان الصهيوني؟!!! ويجب على الشعب الجزائري أن يعرف تفاصيل الزيارة من الألف إلى الياء حتى لا يباع الشعب الجزائري في سوق النخاسة الأمريكية.

*وحيث أن لعبة كرة القدم أصبح ينجر عنها قلاقل وزلازل ومآسي واقتتال داخل البلد الواحد وبين الدول فمن باب سد الذريعة يجب شرعا منع هذه اللعبة حتى تتهذب الطباع وتنضبط الأمور، والذريعة كما عرفها علماء الأصول هي "سد الذرائع معناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها" كما يقول القرافي رحمه الله، وقال الشاطبي رحمه الله "جاء في الشرع أصل سد الذرائع وهم منع الجائز لأنه يجر إلى غير جائز..." وقال ابن العربي رحمه الله "هي كل عمل ظاهر الجواز يتوصل به إلى محظور" وقال الوليد الباجي رحمه الله "هي المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور"، وقال ابن تيمية رحمه الله "الذريعة الفعل الذي ظاهره أنه مباح وهو وسيلة إلى فعل محرم" وقال ابن القيم رحمه الله "منع كل وسيلة مباحة قصد بها التوسل إلى مفسدة أو لم يقصد إذا أفضت إليها غالبا وكانت مفسدتها أرجح من مصلحتها" والحاصل أن الوسيلة المشروعة المباحة تمنع شرعا إذا أفضت إلى مفسدة وهذا ما ينطبق على لعبة كرة القدم داخليا وإقليميا وقاريّا ودوليا، والواقع أكبر شاهد فإذا عادت الأمور إلى نصابها ورشدها فتحت الذريعة من جديد، وهذا ما قلناه منذ سنوات عندما سقط ضحايا وقتلى بين شباب الولايات الجزائرية وبين أبناء الأحياء المتجاورة ولكن أصمّت السلطات العليا سمعها لأنها ترى أن هذه اللعبة خير مخدر للشعوب البائسة الفقيرة العاطلة عن العمل رغم ارتفاع عدد ضحايا هذه اللعبة التي أوشكت أن تكون ديانة جديدة بحكم أنها أكثر اتباعا في العالم وقد أعذر من أنذر وها هي كرة القدم تصبح عند البعض أشبه بالعقيدة فيها الولاء والبراء وأداة فعالة في يد أعداء الإسلام الظاهرين والأخفياء لتفريق وتمزيق الأمة الإسلامية والعربية وأصبح الاحتفال بيوم الفوز أشبه بالاحتفال بأيام الاستقلال والعياذ بالله فهل يعقل أن يفوق يوم الاحتفال بفوز الفريق الوطني يوم العيد الأكبر، ثم هل يحق لهذه الأمة أن تحتفل وفلسطين والعراق وأفغانستان تحت الاحتلال وبقية الدول العربية والإسلامية تحت الوصاية المقنعة من طرف أمريكا والدول الأوروبية وإسرائيل؟!!! وها هي سويسرا الحيادية تمنع بناء المآذن في ظل صمت تام من الحكومات الخانعة الذليلة!!! بحكم أن أموال الأمة مهربة إلى بنوكها تحت أرقام سرية.
*
كتب الشيخ العلامة البشير الإبراهيمي رحمه الله سنة 1948 عن عيد الأضحى وفلسطين، فقال "النفوس حزينة واليوم يوم الزينة، فماذا نصنع؟ إخواننا مشردون فهل نحن من الرحمة والعطف مجردون؟ تتقاضانا العادة أن نفرح في العيد ونبتهج وأن نتبادل التهاني وأن نطرح الهموم وأن نتهادى البشائر وتتقاضانا فلسطين أن نحزن لمحنتها ونغتمّ ونعنى بقضيتها ونهتم، ويتقاضانا إخواننا المشردون في الفيافي، أبدانهم للسواقي وأشلاؤهم للعوافي، أن لا ننعم حتى ينعموا وأن لا نطعم حتى يطعموا، ليت شعري!...هل أتى عبّاد الفلس والطين ما حل ببني أبيهم فلسطين؟ أيها العرب! لا عيد حتى تنفذوا في صهيون الوعيد، وتنجزوا لفلسطين المواعيد ولا نحر حتى تقذفوا بصهيون في البحر، أيها العرب! حرام أن تنعموا وإخوانكم بؤساء، وحرام أن تطعموا وإخوانكم جياع وحرام أن تطمئن بكم المضاجع وإخوانكم يفترشون الغبراء، أيها المسلمون! افهموا ما في هذا العيد من رموز الفداء والتضحية والمعاناة، لا ما فيه من معاني الزينة والدعة والمطاعم، ذلك حق الله على الروح وهذا حق الجسد عليكم" ثم قال "إن بين جنبيّ ألما يتنزى وإن في جوانحي نارا تتلظى، وإن بين أناملي قلما سُمته أن يجري فجمح وأن يسمح فما سمح، وإن في ذهني معاني أنحى عليها الهم، فتهافتت وإن على لساني كلمات حبسها الغم فتخافتت..." والآن إلى صلب الموضوع ألا وهو الجواب على السؤال المطروح، هل من الأفضل الرد على هذه الحملة أم الصمت وإذا جاز الرد، فما هي ضوابطه الشرعية؟!!!


*
ثانيا: مشروعية الانتصار من الظلمة البغاة:
الإسلام دين يتسامى بالإنسان إلى درجة سامية في الأخلاق ولكنه لا يصادم الفطرة البشرية التي فطر الناس عليها ولذلك فهو يجمع بين الواقعية والمثالية في توازن واعتدال لا وكس فيه ولا شطط ومن منطلق هذه الحقيقة الشرعية أباح الشارع الحكيم الجهر بالسوء من القول لمن كان مظلوما وشرع مقابلة السيئة بمثلها ورد العدوان بمثله والنصوص الشرعية متضافرة لتأصيل هذه الحقيقة الشرعية،نذكر منها على عجل:
1-
قال تعالى "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"النساء148.، قيل نزلت هذه الآية في الضيافة وأن ضيفا تضيف قوما فأساؤا قراه فاشتكاهم فنزلت هذه الآية رخصة أن يشكو، قاله مجاهد رحمه الله، وجاء في تفسير قوله "إلا من ظلم" أقوال أربعة:
أ-إلا أن يكون مظلوما فيدعو على من ظلمه، وهذا قول ابن عباس رحمه الله.
ب-إلا أن يكون مظلوما فيجهر بظلم من ظلمه، قاله مجاهد رحمه الله.
ج-إلا من ظلم فانتصر من ظالمه وهذا قول الحسن والسدي رحمهما الله.
د- إلا أن يكون ضيفا فينزل على رجل فلا يحسن ضيافته، فلا بأس أن يجهر بذمه، قال ابن عباس رضي الله عنه "لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله "إلا من ظلم" وإن صبر فهو خير له.
وقال الحسن البصري رحمه الله "لا يدع عليه وليقل اللهم أعني عليه واستخرج حقي منه" وفي الأثر عن عائشة رضي الله عنها قالت، سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تسبخي عنه" أي لا تخففي عنه بدعائك.
وقال الإمام الرازي رحمه الله "لا يحب إظهار الفضائح والقبائح إلا في حق من عظم ضرره وكثر مكره وكيده فعند ذلك يجوز إظهار فضائحه".
2-
قال تعالى: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" الشورى39، وقوله جل جلاله "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم" الشورى41/42.
ففي الآيتين، مدح الله تعالى الانتصار من الظالمين البغاة ورفع المؤاخذة والعقوبة لمن وقع عليه ظلم ظالم باغ لاسيما إذا كان الباغي معلنا الفجور وقحا يؤذي الصغير والكبير فيكون الانتقام منه أفضل، قد يقول قائل، كيف يمدح الله الانتصار من الظالمين البغاة وتارة يمدح العفو والدفع باالتي هي أحسن؟!!! والجواب يحتاج إلى شرح طويل ولكن نلخص عصارة ما قاله علماء السلف الصالح الأوائل وجمهرة علماء التفسير، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "يعجبني من الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول لا بملء فيه..." قال إبراهيم النخعي رحمه الله "كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق، فإذا قدروا عفوا" أي في حال وقوع الأذى أو الضرر العام يكون الانتقام هو الأولى حتى لا يتجبر البغاة الظلمة في الأرض، وكذا في حالة التمرد على أحكام الشريعة وإهدار الحقوق المشروعة للرعية أو اغتصابها قهرا، قال رسول الله صلى عليه وسلم "فمن بايع رجلا من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا الذي بايعه" وفي رواية "تغرة أن يقتلا" وذلك لأن ضرر هذا الباغي الظالم متعدي للعامة، فلابد من التفريق بين الحالة التي يمدح فيها الانتصار والانتقام والحالة التي يمدح فيها العفو والدفع بالتي هي أحسن، فالاعتداء على شرف الأمة وتاريخها وأمجادها وعظماء رجالها وأبطالها وشهدائها وأهل العلم والفضل فيها ليس كالاعتداء على فرد من الأفراد أو سفيه من سفهاء الشوارع اليائسين من أنظمة حكمهم، قال ابن زيد رحمه الله تعالى "جعل الله المؤمنين صنفين صنف يعفون عن ظالميهم فبدأ بذكرهم، وهو قوله "وإذا ما غضبوا هم يغفرون" وصنف ينتصرون من ظالميهم وهم الذين ذكروا في الآية" قال القاضي أبو يعلى رحمه الله "هذه الآية محمولة على من تعدى وأصر على ذلك وآيات العفو محمولة على أن يكون الجاني نادما" وقال الجصاص رحمه الله "العفو هو محمول على الغفران عن غير المصر، فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه" وقال ابن العربي رحمه الله "ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح، فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للآخر واحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين:
إحداهما: أن يكون الباغي معلنا بالفجور وقحا في الجمهور مؤذيا للصغير والكبير فيكون الانتقام منه أفضل...وساق كلمة- إبراهيم النخعي-... الثاني أن تكون الفلتة أو يقع ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة، فالعفو هاهنا أفضل وفي مثله نزلت "وأن تعفوا أقرب للتقوى" وقوله تعالى "فمن تصدق به فهو كفارة له" وقوله "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" وقال ابن الجوزي رحمه الله "أنه إذا بغى على المؤمن فاسق فلأن له اجتراء الفساق عليه وليس للمؤمن أن يذل نفسه، فينبغي له أن يكسر شوكة العصاة لتكون العزة لأهل الدين" وقال السيوطي رحمه الله "وظاهر هذه الآية، "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" أن الانتصار أفضل، قال وهو محمول على من تعدى وأصر لئلا يتجرأ الفساق على أهل الدين، وآيات العفو فيمن ندم وأقلع..." ومعلوم أن الانتصار من فروع علم العقوبات والعفو من فروع علم الأخلاق، وقد يقول قائل، المقصود بالباغي في الآية الكافر دون المسلم الباغي، والجواب أن تخصيص الباغي بالكافر دون الباغي المسلم إنما هو تخصيص بلا مخصص ولذلك قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله "وهذا القول أولى بالصواب لأن الله لم يخصص من ذلك معنى دون معنى بل حمد كل منتصر بحق ممن بغى عليه" فهي عامة في جميع البغاة سواء أكانوا مسلمين أو كافرين وتارة يكون الباغي حاكما مسلما كما ذهب إليه ابن حزم الأندلسي رحمه الله، غير أنه يجب التفريق فقط في أحكام المعاملة بين الكافرين البغاة على المسلمين والمسلمين البغاة على المسلمين، والحاصل أن الله تعالى مدح من تعرض للظلم والاعتداء فانتصر لدينه ونفسه وقومه أولئك ما عليهم من سبيل بالمؤاخذة أو عتاب أو معاقبة وحلم الفتى في غير موضعه جهل كما يقول الشاعر، وحتى لا يظن السفهاء أن السكون ضعفا وخورا فالأوغاد يرون العفو عارا كما يقول الأحنف بن قيس رحمه الله فلا بد من وضع الأمور في نصابها، وصدق الشاعر إذ يقول:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا * مضر كوضع السيف في موضع الندى
وقال آخر :
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما * فليقس أحيانا على من يرحم

وقال آخر:
لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني * إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
ولي فرس للحلم بالحلم ملجّــم * ولي فرسين للجهل بالجهل مسـرج
فمن رام تقويمي فإن مقـوّم * ومن رام تعويجي فإني معـــوجّ

قال القرطبي رحمه الله "هو عام في بغي كل باغ من كافر وغيره أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستلموا لظلمه" ثم قال "وبالجملة العفو مندوب إليه ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأموال فيرجع ترك العفو مندوبا إليه... وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي وقطع مادة الأذى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما يدل عليه" وقال أيضا "هو محمول على الغفران على غير المصر فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه" وتارة يكون واجبا إذا انتهكت حرمات الله تعالى، قال الإمام الصاوي رحمه الله "من مكارم الأخلاق التجاوز والحلم عند حصول الغرض ولكن يشترط أن يكون الحلم غير مخل بالمروءة..وأما إذا انتهكت حرمات الله فالواجب الغضب لا الحلم" والدارس لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه ولا ينتقم لها ولكن إذا انتهكت محارم الله لا يقوم لغضبه أحد.
قال سيد قطب رحمه الله "والذي ينتصر بعد ظلمه ويقابل السيئة بالسيئة ولا يعتدي ليس عليه جناح وهو يزاول حقه المشروع فما لأحد عليه من سلطان ولا يجوز أن يقف في طريقه أحد، إنما الذين يجب الوقوف في طريقهم هم الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، فإن الأرض لا تصلح وفيها ظالم لا يقف له الناس ليكفوه ويمنعوه من ظلمه وفيها باغ يجور، ولا يجد من يقاومه ويقتص منه والله يتوعد الظالم الباغي بالعذاب الأليم ولكن على الناس أن يقفوا له ويأخذوا عليه الطريق..." وأكبر العجب في عصرنا هذا أنه أصبح بعض العلماء وطلبة العلم الشرعي يقفون بالمرصاد للمظلوم إذا أراد أن ينتصر من الظالم الباغي ويملؤون الدنيا صراخا وعويلا ويلتزمون الصمت المريب المطبق عن البغاة الطغاة الظالمين الذين يسعون في الأرض فسادا وإفسادا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3-
قوله تعالى "وجزاء سيئة سيئة مثلها"الشورى40، قال الشعبي رحمه الله "يعجبني الرجل إذا سيم هونا دعته الأنفة إلى المكافأة وجزاء سيئة سيئة مثلها" قال مقاتل رحمه الله، يعني القصاص في الجراحات والدماء" وتأول الشافعي رحمه الله "أن للإنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما خانه من غير علمه..." ومسألة الظفر معروفة في كتب الفقه.
وقال سيد قطب رحمه الله "فهذا هو الأصل في الجزاء مقابلة السيئة بالسيئة كي لا يتبجح الشر ويطغى، حين لا يجد رادعا يكفه عن الإفساد في الأرض فيمضي وهو آمن من مطمئن..."
4-
قال تعالى "كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى"البقرة178، وهذا على وجه الندب بحق ولي الدم، فلولي الدم حق الاختيار بين القصاص أو العفو، مما يدل على أن الإسلام لا يصادم الفطرة ويجمع بين الواقعية والمثالية.
5-
قال تعالى "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم" العنكبوت46. قال مجاهد رحمه الله في معنى "إلا الذين ظلموا" من قاتلك ولم يعطك الجزية، وقال "إن قالوا شرا فقولوا خيرا، إلا الذين ظلموا منهم، فانتصروا منهم"، وقال بعضهم "إلا الذين أبوا أن يقروا لكم بإعطاء الجزية ونصبوا دون ذلك لكم حربا فإنهم ظلمة، فأولئك جادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية" وقال سعيد بن جبير رحمه الله " إلا الذين ظلموا منهم، أهل الحرب من لا عهد له، جادله بالسيف" قال الطبري رحمه الله "وأولى الأقوال بالصواب، قول من قال ...إلا الذين امتنعوا من أداء الجزية ونصبوا دونها حربا..."، قال الزمخشري رحمه الله "بالتي هي أحسن" بالخصلة التي هي أحسن ومقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم والسورة بالأناة، كما قال ادفع بالتي هي أحسن "إلا الذين ظلموا منهم" فأفرطوا في الاعتداء والعناد ولم يقبلوا النصح ولم ينفع فيهم الرفق، فاستعملوا معهم الغلظة، وقيل إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل، إلا الذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا يد الله مغلولة، وقيل معناه ولا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمة ومنعوا الجزية فإن أولئك مجادلتهم بالسيف..." قال سيد قطب رحمه الله في معنى "إلا الذين ظلموا منهم" فمجادلة أهل الكتاب بالحسنى مقصورة على من لم يظلم منهم ولم ينحرف عن دين الله، وعن التوحيد الخالص الذي جاءت به جميع الرسالات... وقال "فهؤلاء لا جدال معهم ولا محاسنة" وها هو حلف الناتو، يجمع على إرسال جنود لقتال إخواننا في أفغانستان ويساند أمريكا في احتلال العراق، فهل ستعلن الدول العربية والإسلامية مقاطعة هذا الحلف اللعين؟!!! وهل ستلعب الجزائر مقابلة مع أمريكا وبريطانيا وهما يقتّلان إخواننا في الإسلام والعقيدة؟!!!.

وجاء في السنة النبوية الشريفة:
1-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المستبّان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم"رواه مسلم، قال الإمام النووي رحمه الله "معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين، مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له وفي هذا جواز الانتصار ولا خلاف في جوازه وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة"
2-
وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الأشخاص برد الشتم والسب على الشاتم، روى أن زينب أقبلت على عائشة فشتمتها، فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تنته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة :دونك فانتصري" فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فمها ما ترد علي شيئا، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه" رواه مسلم.
3-
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه وإنما يغضب لدينه ولحرمات الله إذا انتهكت، قالت عائشة رضي الله عنها "ما انتقم النبي لنفسه قط، إلا أن تنتهك حرمات الله" وقال علي رضي الله عنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب للدنيا فإذا غضب للحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له" ورغم ذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيّما مسلم سببته أو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة..." أما المواطن التي غضب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم فكثيرة والناظر فيها يجد أنها غيرة على دين الله وأحكامه إذا لم يكن يغضب لأمور الدنيا التافهة عليه الصلاة والسلام. قال ابن تيمية رحمه الله "والناس في هذا الباب أربعة أقسام"، منهم من ينتصر لنفسه ولربه وهو الذي يكون فيه دين وغضب ومنهم من لا ينتصر لا لنفسه ولا لربه وهو الذي فيه جهل وضعف دين، ومنهم من ينتقم لنفسه لا لربه وهو شر الأقسام، أما الكامل فهو الذي ينتصر لحق الله ويعفو عن حقه..." والغضب مركوز في الفطر السليمة شريطة أن يكون في الحق ولذلك قال الشافعي رحمه الله "من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضي فلم يرض فهو شيطان" قال عنترة:

وللحلم أوقات وللجهل مثلها * ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب
وقال آخر:
أحلامنا تزن الجبال رزانة * وتخالنا جنّا إذا ما نجهــل

وقال وهبة بن منبه رحمه الله "وما لي لا أغضب وقد غضب الذي خلق الأحلام، بقوله تعالى "فلما آسفونا انتقمنا منهم"الزخرف55 أي أغضبونا.
4-
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال، قلنا يا رسول الله، إنك تبعثنا ننزل بقوم فلا يقروننا –أي لم يقوموا- بضيافتنا، فما ترى في ذلك؟ فقال إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا منهم وإن لم يفعلوا فخذوا منهم –أي بالقوة- حق الضيف الذي ينبغي لهم"، وقال في حديث آخر "أيما مسلم ضاف قوما فأصبح الضيف محروما فإن حقا على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله"
5-
من عادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم عدم الدعاء على أعدائه بل الدعاء لهم بالهداية إلا في حالات خاصة، كان يدعو عليهم وتارة يذكرهم بأسمائهم كما هو معروف في كتب السنة والسيرة، ومنها أنه قال في غزوة الأحزاب، شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا" رواه مسلم، وهذا دليل على مشروعية الدعاء على الظلمة الطغاة.
والحاصل أن من الناس من لا ينفع معه العفو والتجاوز والدفع بالتي هي أحسن، فمثل هؤلاء البغاة أصحاب الخطايا لا الأخطاء والهفوات يستحسن الرد عليهم والانتصاف منهم لدفع الضيم وصون الكرامة لاسيما إذا طعنوا في الأعراض وشوّهوا الحقائق وسبّوا الأبرياء وقديما قال الشاعر:

لا خير في عرض امرئ لا يصونه * ولا خير في حلم امرئ ذل جانبه
وقال آخر:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له * بوادر تحمي صفوة أن يكـــدرا


ثالثا: ذكر بعض ضوابط الانتصار الشرعي:
قلنا سابقا أن الشارع الحكيم أباح للمظلوم أن ينتصر ممن ظلمه وجار عليه غير أن مشروعية الانتصار مشروطة برعاية المماثلة فلا يجوز للمنتصر المظلوم أن يعتدي ويتجاوز في الانتصاف والاقتصاص فيجب شرعا على كل منتصر أن يكون بعيدا عن ردود الفعل الطائشة التي قد تجر عواقب وخيمة لا تحمد عقباها وهذه الحقيقة الشرعية تشهد لها نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف الأوائل نذكر منها:
1-
قال تعالى "ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله"الحج60، فالعدل في الانتصار هو الاقتصار على المساواة.
2-
قال تعالى "وجزاء سيئة سيئة مثلها" الشورى40، والآية تقتضي وجوب المماثلة مطلقا في كل الأحوال إلا ما استثني وخص بدليل، فيجوز الشتم والسب بالمثل دون اعتداء أو تجاوز أو استخدام ألفاظ يحرمها الشارع الحكيم كسب الدين أو سب الله تعالى أو القذف الذي يستوجب إقامة الحد الشرعي، فالذين وصفوا الشهداء بمليون لقيط وجب إقامة الحد الشرعي عليهم أي حد القذف، ومن منا ينسى اقتراح وزير الإعلام المصري الفقي بإيقاف القنوات الفضائية التي تعرض السب لحكام الدول العربية، فها هي القنوات الفضائية المصرية العامة والخاصة تشن حملة على الشعب الجزائري وتشتم الشهداء، فلماذا لا يسارع إلى إيقافها أم أن نقد الحكام ممنوع وشتم الشعوب مسموح به في بلاد أم الدنيا؟!!! وأي الأمرين أشد إثما سب وقذف الشعوب أم الحكام؟!!!
ونحن نستنكر بشدة شتم الشعب المصري المسلم من بعض رجال الإعلام والصحافة ولكن لا يمكن أن نقارن بين الفضائيات وبعض ما تنشره الجرائد التي كان رد فعلها غير منضبط شرعا وإن كان البادئ أظلم، قال مجاهد رحمه الله "جواب القبيح هو إذا قال له أحد، أخزاك الله تقول، أخزاك الله وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي".
3-
قال تعالى "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" البقرة194، وقال علماء التفسير في صور الاعتداء غير المشروع:
أ- إن الاعتداء قتال ما لم يقاتل.
ب- إنه قتل النساء والولدان
ج- إنه القتال على غير الدين
د- مقابلة الشتم بالقذف والكذب والافتراء ولذلك قال محمد بن علي الباقر رحمه الله "سلاح اللئام قبح الكلام"، وقد كان من سيرة الخلفاء الراشدين المماثلة في العقوبة إذا تعرضوا للنقد أو الشتم:
-
يروي الحضرمي رحمه الله أنه دخل مسجد الكوفة من قبل أبواب كندة، فإذا نفر خمسة يشتمون عليّا، وفيه رجل عليه برنس يقول، أعاهد الله لأقتلنه، فتعلقت به وتفرقت أصحابه عنا، فأتيت به عليا فقلت له، إني سمعت هذا يعاهد الله ليقتلنك، فقال إذا ويحك من أنت؟ فقال سور المنقري، فقال علي رضي الله عنه "خل عنه، فقلت، أخلي عنه وقد عاهد الله ليقتلنك؟!! قال، أفأقتله ولم يقتلني؟" فلا يجوز في نهج الراشدين مقابلة الشتم بالقتل أو السجن وهذه سابقة في تاريخ البشرية.
-
وكانت هذه سيرة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقد كتب إليه عدي بن أرطأة أن الخوارج يسبونك فكتب إليه، إن سبوني فسبوهم، وإن شهروا السلاح فأشهروا عليهم، وإن ضربوا فاضربوا" وهذه المماثلة في العقوبة وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
4-
قال تعالى "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" النحل 26
5-
قال تعالى "ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا" الإسراء 33
6-
قال تعالى " وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" الرحمن9.
7-
قال تعالى "قل أمر ربي بالقسط" الأعراف 28

فالنصوص السابقة تشترط في شرعية الانتصار المماثلة وعدم تجاوز الحد الشرعي في الانتقام من الجناية على النفوس والأموال بغير الحق فلا يقابل القذف بقذف ولا كذب بكذب، فلا بد من التفريق بين السب المشروع والقذف الممنوع، فبعض السفهاء من رجال الإعلام المصري وصف مليون ونصف شهيد بالبلطجية واللقطاء، فالمنتصر يجب أن لا يخرج عن الفعل الذي أبيح له شرعا، والكمال الأخلاقي والاتزان النفسي هو الاعتدال فلا إفراط ولا تفريط إذ خير الأمور الوسط كما جاء في الحديث الصحيح، فالتفريط قلة أنفة لأن احتمال الذل يعتبر من صغر النفس وهو أمر قبيح مذموم والإفراط مذموم شرعا لأنه يخرج عن سياسة العقل والدين ومكارم الأخلاق ونصوص السنة شاهدة على هذه الحقيقة أيضا.
1-
قال عليه الصلاة والسلام "المستبان ما قالا، على البادئ ما لم يعتد المظلوم" وفي رواية "المستبان ما قالا فعلى البادئ حتى يعتدي المظلوم"، فقوله عليه الصلاة والسلام "فعلى البادئ" أي الذي بدأ في السب لأنه السبب لتلك المخاصمة، أما إثم ما قاله البادئ فظاهر، وأما إثم الآخر فلكونه الذي حمله على السب وظلمه وهذا بشرط عدم الاعتداء من الثاني ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ماسبّ به ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه.
2-
قال عليه الصلاة والسلام "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك"
3-
قال عليه الصلاة والسلام "لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا"
4-
قال عليه الصلاة والسلام "أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما" فقد أرشد الرسول الأكرم إلى الاعتدال والتوازن ومعنى الحديث الاقتصاد في الحب والبغض فلا يجوز الإسراف في الحب والبغض، فعسى أن يصير الحبيب بغيضا والبغيض حبيبا وهذا السلوك يترك أبوابا للصلح.
5-
قال عليه الصلاة والسلام "لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا".

وقد جاءت آثار السلف الصالح الأوائل في هذا الاتجاه:
1-
قال عبد الكريم بن مالك الجزري "هو الرجل يشتمك فتشتمه، لكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه".
2-
قال الحسن البصري رحمه الله "من ظلم فقد رخص له أن يدعوا على ظالمه من غير أن يعتدي"
3-
وقال أيضا "أحبوا هونا وأبغضوا هونا فقد فرط قوم في حب قوم فهلكوا، وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا"
4-
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطع الله فيه"
5-
قال السدي رحمه الله "ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا"
6-
كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله "إذا أراد أن يعاقب رجلا حبسه ثلاثا ثم عاقبه كراهة أن يعجل في أول غضبه، فلا يجوز للمعاقب أن يخلط بين حظ النفس ومشروعية العقاب"
7-
عن شعبة رحمه الله، قال "سمعت من أبي الزبير، فبينما أنا عنده إذ سأله رجل عن مسألة فرد فافترى عليه، فقلت تفتري يا أبا الزبير عن رجل مسلم؟ فقال إنه أغضبني، قلت ومن يغضبك تفتري عليه؟!!! لا رويت عنك أبدا فكان شعبة يقول، في صدري لأبي الزبير أربعمائة حديث"
8-
كان ابن عياش المنتوف يقع في عمر بن ذر رحمه الله ويشتمه فلقيه عمر فقال، يا هذا لا تفرط في شتمنا وأبق للصلح موضعا، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
9-
قال الإمام الخطابي رحمه الله في شرحه لحديث "من نصر قومه على غير حق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه" الذي رواه أبو داود، معناه أنه قد وقع في الإثم وهلك كالبعير الذي تردى في بئر فصار ينزع بذنبه ولا يقدر على الخلاص.
10-
قال المناوي رحمه في شرح حديث "خيركم المدافع عن عشيرته مالم يأثم" رواه أبو داود، في المهمات في حضورهم وغيبتهم ويرد عنهم من ظلمهم في مال أو عرض أو بدن ويكون الدفع بالأخف فالأخف… ما لم يظلم الدافع في دفعه... إلاّ أن من المدافعين من يدافع عن نفسه، ومن يدافع عن أصدقائه ومن يدافع عن عشيرته وخير هؤلاء المدافع عن عشيرته، وقوله مالم يأثم زجر من المبالغة في المدافعة حتى ينتهي المدافع إلى الإثم ونص عليه وإن كان معلوما ليكون مستحضرَا في الذهن إذ الحمية قد تذهل عنه، وقال صاحب عون المعبود في شرح الحديث أي الذي يدفع الظلم عن عشيرته أي أقاربه المعاشر معهم ما لم يأثم، أي ما ما لم يظلم ويقع بالمدافعة في الإثم والظلم عن المدفوع…، والحديث بلا شك ضعيف ولكن معناه صحيح تشهد له نصوص الكتاب والسنة ولذلك أورده العلماء في كتبهم منهم الإمام البغوي في شرح السنة لصحة معناه، والحديث الضعيف عند علماء الحديث نوعان، ضعيف لا يمتنع العمل به، وبعض الأحاديث الضعيفة يصلح للاعتبار والإعتضاد به، والحاصل أن بعض الأحاديث الضعيفة سندا قد تكون صحيحة من ناحية المعنى لموافقتها لنصوص الشريعة.

رابعا: أفضلية العفو على الانتصار إلا ! :
*
مما لا شك فيه من الناحية الشرعية أن المنتصر من ظالمه لم يخرج عن فعل أبيح له شرعا غير أن الشارع الحكيم ندب إلى العفو والصفح عند المقدرة لأن الانتصار أمر مباح والصبر والغفران فضائل أخلاقية وأولى الناس بالعفو والصفح والتجاوز من وقعت منه جناية خطأ أو فلتة أو زلة قدم أو تعمدها صاحبها ثم طلب المغفرة والعفو، ففي مثل هذه الحالة العفو والصفح والغفران أفضل وأعظم أجرا عند الله تعالى وقد مدح الله تعالى الذين يغفرون عمن ظلمهم طلبا للثواب الجزيل من الله الواسع المغفرة ومعظم الآيات القرآنية التي أباح الشارع الحكيم فيها حق الانتصار من الظلمة أعقبها بالدعوة إلى العفو والمغفرة جمعا بين الواقعية والمثالية الإسلامية، وترغيبا في التسامي بالإنسان نحو معالي الأمور ومكارم الأخلاق.
1.
قال تعالى "والذين يجتنبون كبار الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون"الشورى37، أي يتجاوزون.
2.
قال تعالى "وجزاء سيئة سيئة مثلها،فمن عفا وأصلح فأجره على الله، إنه لا يحب الظالمين"الشورى40.
3.
قال تعالى "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم، ولمن صبر وغفر، إن ذلك لمن عزم الأمور" الشورى43.
4.
قال تعالى "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن" فصلت34.
قال ابن عباس رضي الله عنه "ادفع بحلمك جهل من يجهل عليه" وقال عطاء رحمه الله "ادفع بالسلامة إساءة المسيء".
5.
قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"البقرة178.
6.
قال تعالى "وإن عاقبتم فعاقبوا مثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" النحل126.
7.
قال تعالى "إدفع بالتي هي أحسن، نحن أعلم بما يصفون"المؤمنون96.
8.
قال تعالى "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" الفرقان63.
9.
قال تعالى "خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين" الأعراف199.
10.
قال تعالى، بعد أن بين بعض أحكام الطلاق "وأن تعفو أقرب للتقوى، ولا تنسوا الفضل بينكم"البقرة237.
11.
قال تعالى "والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له" المائدة45.
12.
قال تعالى في حادثة الإفك بحق السيدة عائشة رضي الله عنها "وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم"النور22.
13.
قال تعالى "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس" آل عمران 134.

والنصوص القرآنية في بيان فضيلة العفو والصفح كثيرة وجاءت السنة النبوية داعية إلى فضيلة العفو والصفح وكظم الغيظ، أذكر منها:
1.
قال عليه الصلاة والسلام "ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا"
2.
وقال عليه الصلاة والسلام "ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله"
3.
وقال عليه الصلاة والسلام "من كظم غيضا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا" وفي رواية "دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من أي الحور شاء".
4.
وقد كان من خلقه عليه الصلاة والسلام أنه لا ينتقم لنفسه وإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله، فيعفو عن حقه ويستوفي حق ربه".
5.
في البخاري ومسلم "ما انتقم رسول الله لنفسه قط في شيء إلا أن تنتهك حرمات الله عز وجل فينتقم لله عز وجل".
6.
ووصفت عائشة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم "ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح".
7.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء".
8.
قال عليه الصلاة والسلام:"وإن امرؤ شتمك أو عيّرك بما يعلم فيك، فلا تعيّره بشيء تعلمه فيه ودعه يكون وباله عليه وأجره لك"

وأما الآثار عن السلف الأوائل فأكثر من أن تحصر في بيان فضيلة العفو والصفح نذكر ما يلي:

1.قال ابن عباس رضي الله عنه "أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم"
2.
قال ابن مسعود رضي الله عنه "ما أعز الله بجهل قط، ولا أذل الله بحلم قط"
3.
قال سعيد بن جبير رضي الله عنه "كان حكم الله على أهل التوراة أن يقتل قاتل العمد ولا يعفى عنه، ولا يؤخذ منه دية، فرخص الله لأمة محمد، فإن شاء ولي المقتول عمدا قتل، وإن شاء عفا وإن شاء أخذ الدية"
4.
قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه "إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل يا أخي أعف عنه، فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال الرجل، لا يحتمل قلبي العفو ولمن أنتصر كما أمرني الله عز وجل، فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو فإنه باب واسع فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل وصاحب الانتصار يقلب الأمور".
5.
قالأعرابي لابن عباس رضي الله عنه "أتخاف علي جناحا إن ظلمني رجل فظلمته؟ فقال له، العفو أقرب للتقوى"

وفي هذا الإطار يقول الشاعر :

وإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم * وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا

وقال آخر:
وجهل رددناه حلومنـــا * ولو أننا شيئــا رددناه بالجهل
رجحنا وقد خفت حلوم كثيرة * وعدنا على أهل السفاهة بالفضل

وقال آخر:
يعفـو عن الذنب العظيــم * وليس يعجزه انتصــاره
صفحــا عن الباغي عليـه * وقد أحاط به اعتـــذاره.

والحاصل،أن نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح تدل دلالة قاطعة على جواز الانتقام والانتصار والقصاص ومقابلة السيئة بمثلها ومعاقبة المعتدي الظالم بمثل ما اعتدى علينا ولكن الله تعالى أرشد إلى فضيلة العفو والصفح، قال القرطبي رحمه الله "العفو ترك المؤاخذة بالذنب والصفح إزالة أثره من النفس" فالإمام القرطبي يفرق بين العفو والصفح والله يقول "وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم" التغابن14، وقوله تعالى "فاصفح الصفح الجميل" الحجر85، وقوله تعالى "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"المائدة13، "فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون"الزخرف89، من التذكير مرة أخرى أن العفو والصفح يمدح ويرغب فيه إذا كان سببا لتسكين فتنة وتهدئة النفوس ورجوع الجاني عن جنايته واعتذاره عما بدر منه من ظلم وحيف في حق الآخرين، أما إذا كان العفو سببا لتجرؤ الظالم وتماديه في غيه وظلمه واستضعافه لخصمه فهذا العفو مذموم وتحمل عليه آيات الحث عن الانتصار والانتقام والقصاص.

خامسا: محاذير تناقض شرعية الانتصار:

* ومن كان يرغب في ممارسة حقه المشروع في الانتصار من الباغي الظالم، فعليه أن يجتنب جملة من الأمور غير المشروعة، نذكر منها:
1.
البعد عن حمية الجاهلية والعصبية المقيتة، قال تعالى "إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية"الفتح26. فقد ذم الله الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل التي تمنع من الإذعان للحق وقد وردت نصوص السنة تذم الانتصار للعصبية العمياء، قال عليه الصلاة والسلام "من أعان على خصومة بظلم – أو يعين على ظلم- لم يزل في سخط الله حتى ينزع" وقال عليه الصلاة والسلام "إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبيّة الجاهلية، وفخرها بالإباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنوا آدم وآدم من تراب فليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن"، قال الإمام الخطابي رحمه الله "معناه أن الناس رجلان، مؤمن تقي فهو الخير الفاضل وإن لم يكن حسيبا في قومه، وفاجر شقي فهو الدّنيّ وإن كان في أهله شريفا رفيعا" فلا يجوز شرعا أثناء الانتصار للحق والرد على السفهاء البغاة الظالمين الافتخار بالأجداد الكفرة الغابرين، فقد جاء في الحديث أنه "انتسب رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما أنا فلان بن فلان، فمن أنت لا أم لك؟ فقال أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ فقال فلان بن فلان ابن الإسلام، قال فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن هذين المنتسبين أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة وأنت ثالثهما في الجنة، وقال للأنصار والمهاجرين ذات يوم، عندما قال أنصاري ياللأنصار، وقال المهاجري يا للمهاجرين، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما بال دعوى أهل الجاهلية؟، ثم قال ما شأنهم دعوها فإنها خبيثة".
وعندما قال أحد الصحابة رض الله عنه "خذها وأنا الغلام الفارسي" قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "وأنا الغلام الأنصاري"، قال العلامة القارئ رحمه الله "أي إذا افتخرت عند الضرب،، فانتسب إلى الأنصار الذين هاجرت إليهم ونصروني وكان فارس في ذلك الزمان كفارا، فكره صلى الله عليه وسلم الانتساب إليهم وأمرهم بالانتساب إلى الأنصار، ليكون منتسبا إلى أهل الإسلام" فلا يجوز الاعتزاز بالكفار، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إنا قوم أكرمنا الله بالإسلام فمن يلتمس العز بغير الإسلام يذله الله" وحب الوطن لا يعني مجاراة أهله في الباطل وهو مخالف لأحكام الكتاب والسنة ومكارم الأخلاق، لأن وطن المسلم الحق قبره ومستقره في الآخرة، "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" والكلام عن الوطن والوطنية الحقة يطول الكلام فيه:
أبي الإسلام لا أب لي سواه * إذا افتخروا بقيس أو تميم

وصدق الله العظيم إذ يقول "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون" المؤمنون101، "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، أما أن يدافع المسلم عن وطنه وقومه وعشيرته بالحق وبلا تعد، فهذا ليس من العصبية، فقد جاء في الأثر، أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل :أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال لا، ولكن ما العصبية؟ قال "يعين الرجل قومه على الظلم" وقال عليه الصلاة والسلام "من أعان على خصومه بظلم فقد باء بغضب الله عز وجل" وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام "ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية".
2.
أن لا يروج للإشاعات المغرضة الكاذبة، فقد يكون من ورائها أعداء الأمة في الداخل أو الخارج، فإذاعة الأراجيف والشائعات دون تثبت وتمحيص قد تتسبب في كوارث داخلية أو خارجية، فقد نهى الشارع الحكيم إذاعة الأخيار الخطيرة دون تثبت أو عرضها على أهل الاختصاص والحصافة من أولي الأمر، فكم من شائعة قصمت ظهر أمة أو دمرت شعبا بأكمله عبر التاريخ آخرها شائعة أسلحة الدمار الشامل التي تسببت في احتلال العراق، قال تعالى "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إلا قليلا" النساء83، وأولى الناس بالتثبت في الأخبار قبل إذاعتها على الناس أربعة أصناف، الحكام والعلماء ورجال الإعلام والصحافة وقادة الفكر والرأي لاسيما في عصر تزوير الصور والأخبار دور المخابرات الداخلية والخارجية في صناعة الشائعات والترويج لها عبر أبواق السياسة الإعلامية لغايات غامضة، وكاد رسول أن يتخذ قرارا خطيرا بناء على خبر كاذب لو لا نزول الوحي، قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"الحجرات6، وقال تعالى في موطن آخر "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا.."النساء94. وهذا سيدنا سليمان عليه السلام عندما جاءه الهدهد بخبر بلقيس، لم يأخذه على عواهنه بل قال "سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين"النمل27، وقد عاب الله تعالى على الذين صدقوا حديث الإفك من بعض الصحابة رضي الله عنهم، "إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم" النور15، قال السيد قطب رحمه الله "وهي صورة فيها الخفة والاستهتار وقلة الحرج وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام، "إذ تلقونه بألسنتكم" لسان يتلقى على لسان بلا تدبر ولا تروّ ولا فحص ولا معان نظر، حتى كأن القول على الآذان ولا تتملاه الرؤوس ولا تتدبره القلوب...وقبل لأن تتلقاها العقول"، ولا شك أن عدم التثبت في الأخبار يؤدي إلى خلل داخلي ونشوب حروب بين الدول وكم من دولة عبر التاريخ خاضت معارك على أساس شائعة لم تتحقق منها، ولذلك قال الإمام علي رضي الله عنه "لا تكونوا عُجُلا، مذاييع، بُذرا فإن من ورائكم بلاد مبرّحا مُبلحا وأمورا متماحلة زدحا" أي لا تستعجلوا في إذاعة الأخبار دون تمحيص وتثبت، فالواجب على رجال الإعلام والصحافة التبصر والاستيضاح قبل نشر الأخبار الزائفة التي قد تسبب في كوارث لا تحمد عقباها، وهناك حروب داخلية وخارجية مصدرها خبر كاذب مغرض، فعلى الحكام ورجال الإعلام وقادة الفكر التثبت في الأخبار أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية لكثرة الزيف والتلفيق لتقدم وسائل الاتصال الحديثة والتثبت من الله والعجلة من الشيطان، قال الإمام علي رضي الله عنه "ولا تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن تشبه بالصالحين" وسيدنا يعقوب عليه السلام رغم بكاء أولاده لم يصدق خبرهم ولم يكذبه وهذا قمة التثبت، وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه "إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته فإن كان رشد فأمضه، وإن كان غيا فابتعد عنه" والأمور ثلاثة، أمر تبين لك رشده فاتبعه وأمر تبين لك غيه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فرده إلى عالمه" وكم من إنسان تعجل في نشر خبر ندم عليه أشد الندامة ولذلك قال لقمان الحكيم لابنه "إن المؤمن إذا أبصر العاقبة أمن الندامة" وقديما قالوا من ورد عجلا صدر خجلا"، وهناك بعض السفهاء الرسميين هنا وهناك شعروا بالندم، لاسيما بعد أن رأوا أن كل من النظام المصري الجزائري يتبادلان رسائل الود المنافقة وعقد الصفقات بعد أن أوعزوا إلى أبواقهم بالتحريش بين الشعبين وفي ذلك أكبر درس وعبرة؟!!! وإن هؤلاء الحكام لا شرف لهم ولا ذمة ولا غيرة لهم على كرامة شعوبهم!!!
3.
من حق المظلوم –فردا أو جماعة- أن يرد على ظالمه بعيدا عن التحريش بين الناس بالباطل والشيطان إذا عجز عن إغواء قوم رضي منهم مجرد التحريش، كيف والتحريش في عصرنا هذا أصبح أخطر من أي وقت مضى من أسلحة الحروب الباردة والساخنة بين الشعوب فضلا عن الجرائد السارية هنا وهناك لابتعاد وسائل الإعلام عن ضوابط الشريعة في نقل الأخبار والتثبت منها، قال المناوي رحمه الله في شرح حديث النهي عن التحريش بين البهائم "أي الإغراء بينها وتهييج بعضها على بعض..." ودخل في ذلك مناطحة الثيران والكباش ومناقرة الديكة ونحو ذلك"، فكيف بالتحريش بين الشعوب؟!!!
4.
أن يقتصر المنتصر لنفسه على ظالمه فقط دون غيره فلا يجوز له سب عائلته أو عشيرته أو أبناء وطنه، فليقتصر على من ظلمه فقط، والله تعالى يقول "ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى"الأنعام164. أي لا تؤاخذ نفس بذنب أخرى وأعظم الناس جرما الذي يهجو أمة لأنه نيل منه شخصيا، قال عليه الصلاة والسلام "إن أعظم الناس جرما، إنسان شاعر يهجو القبيلة من أسرها..." وفي رواية "أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها..."
ومن المعلوم أن جراحات اللسان بطيئة الاندمال وثمة أمور أخرى يجب تجنبها أثناء ممارسة حق الانتصار نضرب الآن عنها صفحا، وفي الأخير لا نملك إلا أن نقول اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وجنّب الأمة والشعوب مكر الأنظمة السياسية الفاسدة واقطع ألسنة السفهاء الرسميين الذين مردوا على التحريش بين الشعوب الإسلامية إرضاء للحكام الظلمة واحفظ للشعوب الإسلامية دينها ومجدها وأخلاقها وعزها وانصرهم على طغاة الداخل والخارج ووفق العلماء الربانيين لتوعية الأمة من مكائد شياطين الجن والإنس، ممن يوحي بعضهم لبعض زخرف القول غرورا، وحطّم الحدود والسدود والقيود، بين الدول العربية والإسلامية لتكون دار الإسلام واحدة لأمة واحدة، قال تعالى "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"الأنبياء92، "وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون"المؤمنون52،

والله ولي التوفيق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق