* الحمدلله الذي نهى عن سخرية أمّة من أمّة فقال جل جلاله
"ياأيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من
نساء عسى أن يكن خيرامنهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم
الفسوق بعدالإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" الحجرات
19. وحذّّر أن تكون أمةأربى من أمة بغير مسوغ شرعي، والصلاة والسلام على أشرف
المرسلين القائل فيالحديث الصحيح سندا ومتنا "إن أبغض الرجال إلى الله
الألد الخصم" والقائلأيضا "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش
ولا بالبذيء" وعلى آلهوصحبه الذين كانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم حتى قال
أحدهم وهو سلمة بنالأكوع رضي الله عنه "كنا إذا رأينا الرجل يلعن
أخاه رأينا أنه قد أتىبابا من الكبائر".
* لقدكان لمقابلة كرة القدم –أو الهدم- بين الجزائر ومصر
تداعيات خطيرة على أكثرمن صعيد وهو ما حذّرنا منه قبل إجراء المقابلة بأسبوعين
وكررنا التحذير فيبيان "النازلة الغمة تنتظر بيان من علماء
الأمة" بتاريخ 17/11/2009 وقدوقع ما حذرنا منه عندما قلنا "مقابلة سوف تؤدي إلى
قطع الأواصر الأخويةوالأسرية وتهدد المصالح الشرعية والسياسية والاقتصادية
والثقافية وتفصم عرىالأخوة بين أبناء الأمة الواحدة وقد تؤدي إلى اقتتال بين
المناصرين فيالسودان...". وطلبنا من العلماء والدعاة من باب
التعاون على البر والتقوىوبيان الحكم الشرعي في أمر مقابلة مآلها إلى ما سبق ذكره
إذ تأخير البيانعن وقت الحاجة لا يجوز ولا يعقل شرعا وعقلا وسياسة بيان
الحكم الشرعي بعدخراب البصرة كما يقولون.
*لقد شنتبعض القنوات الفضائية الإعلامية الخاصة والعامة المصرية
المحسوبة علىالنظام المصري والمساندة لآل مبارك حملة شعواء قاسية
استحلت فيها كلالمحرمات ففجرت في الخصومة وقالت منكرا من القول وزورا
ونعتت –بلا حياء ولاخجل- شعبا أبيا بأكمله بشتى النعوت الجارحة دون وازع
ديني ولا زاجر أخلاقيولا دافع قومي ويا ليتها تحرشت ببعض الأفراد من السفهاء
عندنا والمشجعينالمتعصبين الذين صدرت منهم تصرفات غير لائقة شرعا وذوقا
إذ كل شعب فيالعالم لا يخلو من السفهاء ولكن هذه القنوات تحرشت
بالشعب الجزائري وطعنتفي ماضيه وتاريخه وحضارته ونالته بقوارص من القول يحجم
عنها هجّاء العربالحطيئة ولكن جارحة الجوارح وقارصة القوارص التي أدمت
قلوب الجزائريين عنبكرة أبيهم صالحهم وطالحهم عندما نُعت الشعب الجزائري
على المباشر بأنهبربري متوحش ودموي وإرهابي وأنه سرطان في جسم الأمة
العربية!!! وأنه لو لامصر لم تكن شيئا مذكورا، أما داهية الدواهي فهي نعت
شهداء الجزائر المسلمةباللقطاء والبلطجية دون أن ينكر عليهم رئيس الجمهورية
المصرية حسني مباركأو أي مسؤول في النظام المصري، بل صرح ابن الرئيس علاء
مبارك بكلام قبيحأرعن لا بحكم أنه مواطن مصري كما يحلو للبعض تصوير الأمر
وإنما بحكم أنه منالعائلة الحاكمة أو المالكة وقال بحق سفير الجزائر كلاما
بالغ السوء، وممايدل على أن الحملة لها صبغة رسمية، فقد عقد حسني مبارك
مجلسا خاصا للأمنالقومي وكأنه في حالة حرب، وهو ما لم يفعله في غزو جنوب
لبنان 2006 أو فيحصار غزة وضربها بالأسلحة المحرمة دوليا!!! وحتى شيخ
الأزهر التزم الصمتالتام وهو يسمع أقزام سفهاء الأحلام على شاشات الفضائيات
يشتمون شعبابأكمله وينعتون الشهداء باللقطاء والساكت عن الحق شيطان
أخرس، أم أن شيخالأزهر لا يتكلم إلا بإذن من السلطة الحاكمة ونحن نوجه
سؤالا لشيخ الأزهر،هل يجوز شرعا الطعن في الأنساب والأحساب والرسول صلى
الله عليه وسلم يقول "اثنان في الناس هما بهما كفر، الطعن في النسب والنياحة على
الميت؟!!!" وإنوسم الشعب الجزائري بالبربري كما كان يطلق علينا اليونان
والرومان قديمالا يشمل الجزائر فحسب، بل يشمل المغرب الإسلامي بأكمله
بحكم أن البربرالأمازيغ متواجدون في تونس والمغرب وليبيا وموريتانيا
والتطاول على الشعبالجزائري هو تطاول سفيه على دول المغرب الإسلامي بأسره،
وليعلم الجميع أنالبربر الأمازيغ هم الذين دوّخوا الرومان والبيزنطيين
والوندال عبرالتاريخ، وهذا أمر خطير لا يمكن السكوت عليه إلا بتقديم
اعتذار رسمي لاسيماوالإعلام المصري بجميع قنواته تحرك بإيعاز من السلطة
القائمة، وأما ماأعلنه رئيس الحكومة أحمد أويحي من عدم الرد على الحملة
الإعلامية المصريةعلى الجزائر بحكم أن عدم الرد أقوى من الرّد، فهذه
مغالطة كبرى وتنصل منالمسؤولية السياسية والتاريخية والمعنوية نحو الشعب
الجزائري الذي مُسّ فيكرامته وضُرب في صميم هويته، بطريقة لم يسبق لها مثيل في
تاريخ العلاقاتالعربية وعلى المباشر، لا من سفهاء الشوارع أو الملاعب
وإنما من بعضالسفهاء الرسميين في النظام وبعض رجال الإعلام والصحافة
وبعض النخب الفكريةوالفنية والقانونية، ونحن نفرق بين سفهاء العامة وسفهاء
الخاصة وسفهاءخاصة الخاصة، فالأوائل نتعفف من الرد عليهم أما الصنف
الثاني والثالث فلايجوز شرعا وسياسة وأخلاقا السكوت عليهم ولذلك تعتبر
أطروحة رئيس الحكومةمرفوضة، وهو الذي اكتفى بشكر الصحافة الوطنية والشباب
الذي قام بحملة مضادةعبر الإنترنت غيرة على وطنه ورموزه وكأنه يقول نحن لا
نريد أن نخسر العيبمع النظام المصري، ذلك أن العصابة الحاكمة في الجزائر لا
يهمّها كرامةالشعب الجزائري وإنما المهم عندهم البزنسة السياسية
والاقتصادية والمصالحالضيقة ولذلك نقول أن تصريحات بعض الوزراء تشعر بالغثيان
وقريبا سوف تسوىالأمور بين النظام الفاسد في الجزائر والنظام الفاسد في
مصر في الدهاليزالمظلمة بعيدا عن أعين الشعبين أو تحت الطاولة كما تقول
العامة عندنا وتعودحليمة إلى عادتها القديمة، وهكذا يغسل كل من النظام
الجزائري والنظامالمصري أيديهم من السفهاء الرسميين الذين أوعزوا إليهم
مهمة التحريش بينالشعبين ودق طبول الحرب وعندها يندمون أشد الندم لأنهم
كانوا يمارسون مهمةقذرة نيابة عن الأنظمة السياسية الفاسدة، فهل يعقل أن
يقول رئيس الحكومة فيندوة صحفية "إننا تسترنا على أوراسكوم حفاظا على
سمعتها، لكنها اليوممطالبة بدفع ضرائبها" والتي تقدر بـ590 مليون
دولار، ونحن نقول أن هذهجريمة يعاقب عليها القانون، وهل يعقل أن تنزع الضرائب
عنوة من المواطنالجزائري ويُتساهل مع هذا المصري الجشع، الذي لم يخدم
شعبه بل خدم مصالحالعائلة الحاكمة بحكم العلاقة بينه وبين جمال مبارك
الوريث المرتقب لعرشأبيه المتهالك، ولولا المقابلة وتداعياتها، لربّما أعفي
من الضرائب أصلاولا شك أن الجزائر سوف تدفع تعويضات مالية تفوق 130
مليون دولار تحتالطاولة للخسائر التي لحقت الشركات المصرية بالجزائر
لاسيما وهي لن تدفعهذه التعويضات والأموال من جيب بوتفليقة أو جيب أويحي
وإنما من خزينة الشعبالجزائري المغلوب على أمره، فعدم الرد لا يدل على تعفف
النظام أو عملابقوله تعالى "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاما" وإنما عن عجز وتبادل مصالحشخصية خاصة من الطرفين، فها هو وزير الطاقة
والمناجم يعقد صفقة مع الشركاتالمصرية بمبلغ 17 مليار وكأن شيئا لم يكن!!! وهل يعقل
مدح الصحافة علىالرد وتعفف السلطات العليا عن الرد؟!!! ونحن نفرق بين
الرد على النظامالمصري والسفهاء الرسميين والرد عن الشعب المصري المغلوب
هو الآخر عن أمره،لا يمكن القبول بطرح أويحي ومن وراءه، فالذين شتموا
الشعب الجزائري لوأنهم كانوا ثلة من سفهاء الشارع ممن لا يجب الرد عليهم
إذ في كل شعب صلحاءوسفهاء، ولكن الذين شنوا على الشعب الجزائري حربا عشواء
هم من المسؤولين فيالنظام السياسي ورجال إعلام ونخبة فكرية وفنية وأقلام
لها وزنها وكانالواجب أن يقوم بالرد الرسمي رئيس الجمهورية لاسيما وقد
عدل الدستور من أجلعهدة ثالثة وحماية الرموز الوطنية الخ...، كما أن اليمين
الدستوري تلزمهبالرد، بحكم المادة 76 من الدستور والمادة 77 منه بحكم
أنه يقرر السياسةالخارجية للأمة ويوجهها بل كان عليه أن يوجه كلمة عبر
شاشة التلفزة يدعوفيها بعض الشباب الغاضب للكرامة التي أهينت والذي أثرت
فيه بعض الشائعاتالكاذبة التي ألهبت عواطفه المهتاجة منذ ضرب حافلة فريق
كرة القدم بمصرويطالبهم بعدم الاعتداء على إخوانهم من الشعب المصري
العاملين في الجزائرولكن سكوت مبارك وبوتفليقة عن كل التجاوزات هنا أو هناك
ودون توجيه كلمةواحدة يدل دلالة قاطعة على رضا الطرفين بما حدث لأهداف
سياسية تخدم كلاَ منالنظامين الفاسدين وهناك قرائن قوية تدل على أن كلاَ من
النظامين كان يعملبطريقة ما لشحن النفوس هنا وهناك والتحريش بين الشعبين
وهذا يذكرنابالفتنة التاريخية التي كانت بين الأمين والمأمون والتي
استغل كل طرف منهالشُطار والعيارين والدُّعار وأهل السجون في تصفية
حسابات سياسية هابطة علىحساب الأمة الإسلامية، وكم في التاريخ القديم والحديث من
درس وعبرة لمنكان له قلب أو فكر رشيد حصيف، والرد لا يعني بالضرورة
قطع العلاقاتالسياسية فالأب يرد على أولاده أو جيرانه أو أصدقائه أو
زوجته ولكن لا يقطعالصلة بهم!!! أما أن تكون البزنسة الاقتصادية أهم من
كرامة الشعبالجزائري؟!!! فهذا أمر مرفوض شرعا وسياسة وأخلاقا، ولذلك
فحجة رئيس الحكومةضعيفة، وصمت رئيس الجمهورية أمر غير مقبول بالمرة وحتى
لا يُفهم كلامي خطأأقول، لا بد من التفريق بين حق الرد وقطع العلاقات
المتنوعة، أما السكوتالتام يجعل صاحبه شيطانا أخرسا.
* وليعلم الجميع أننا في هذا
البيان لن نرد على تلك الهجمة منالناحية السياسية أو الرياضية أوالقانونية أوالتاريخية
أوالحضارية أوالفنيةأوالقومية، فهذه النواحي لها رجالها وإنما حسبنا في هذا
البيان بيانالكيفية الشرعية في التعامل مع هذه الحملة والهجمة
الشرسة الصادرة لا عنسفهاء الشوارع وإنما من بعض رجال الإعلام والفكر
والثقافة والفن وبعضأدعياء العلم الشرعي من علماء السلطة مما يدل على أنها
أخذت صبغة رسمية معالعلم أننا ضد كل التجاوزات سواء من عندنا أو من عندهم
امتثالا لقوله تعالى "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى"، فنحن نستنكر كل من شتم الشعب
المصريالمسلم
أو بخسه حقه أو مسه بكلمة نابية جارحة، فهو شعب زاخر بالعلماءوالفضلاء والصلحاء وأهل النجدة
والكرم، وفي نفس الوقت نستنكر لغة التعاليوالمنّ والكبرياء الزائفة على الشعب الجزائري
العريق فكلنا لآدم وآدم منتراب "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" من أي جنس
ومن أي لون كان وبأي لسانتكلم، ومن أي بقعة في الكرة الأرضية كان ونصوص الكتاب
والسنة تنهى عنالكبرياء والعلو في الأرض والمس واحتقار الآخرين
لأجناسهم وألوانهم أواختلاف ألسنتهم فالمعيار الوحيد عند الله تبارك وتعالى
هي التقوى لا غيرومن اعتز بغير الإسلام وتقوى الله تعالى فهو فحم جهنم
والعياذ بالله،وجوابا على سؤال ورد علينا مفاده ما هي الطريقة الشرعية
للرد على هذهالحملة المسعورة التي ضربت الشعب الجزائري في صميم هويته
وتركت ندوبا غائرةلاسيما والمعركة الإعلامية غير متكافئة بين الجزائر
ومصر، فالمصريينيملكون مئات القنوات الفضائية المتنوعة والجزائر ليس
فيها قناة واحدةمستقلة ليكون الرد شبه مماثل لما يصدر من أرض مصر، وسوف
نتطرق في هذاالبيان إلى جملة من النقاط، حتى يكون الجواب على ذلك
السؤال في غاية الوضوحوالله الموفق لكل خير.
* أولا: لعبة كرة
القدم بين الإباحة والحظر!!! لعبة كرة القدم من الأمور
المباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحةولكن إذا صاحبها محظور شرعي كالغش والكذب
والتنابز بالألقاب وتضييع أوقاتالصلاة أو تفويت واجب آخر أو إثارة الأحقاد والضغائن أو
اتخاذها ذريعةللتحريش بين أفراد الأسرة الواحدة وبين المرء وزوجه أو
بين أبناء الأحياءوالقرى والمداشر أو بين الشعوب مع بعضها البعض أو بين
الدول والأنظمةالسياسية كما حدث بين السلفادور والهندوراس حيث تقاتل
الجيشان مما أسفر على 04 آلاف
قتيل من أجل لعبة كرة القدم، فضلا عن السّباب والتهارش وتبادل سقطالقول، واختلاط الرجال بالنساء
في المدرجات، فإذا صاحبها شيء من هذهالمحاذير الشرعية فإنه يجب أن تمنع من ولاة
الأمور الشرعيين الناهجين نهجالكتاب والسنة في سياسة الأمة، قولا واحدا لا خلاف فيه
بين أهل العلمالربانيين، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله "ولعب
الكرة إذا كان قصد صاحبهالمنفعة للخيل والرجال بحيث يستعان بها على الكر والفر
والدخول والخروجونحوه، وغرضه الاستعانة على الجهاد الذي أمر الله به ورسوله
صلى الله عليهوسلم، فهو حسن، وإن كان في ذلك مضرة بالخيل والرجال فإنه
ينهى عنه" فمنأهداف الرياضة في الإسلام تقوية الأبدان لطاعة الله
تعالى وتهذيب الأخلاقوالترفيه المشروع عن النفس بخلاف أهداف أعداء الإسلام من
تشجيع الرياضةوصرف الأموال الطائلة عليها، وتلميع نجومها لدى الشعوب
البائسة واتخاذها منجملة المخدرات وصرف الشعوب الإسلامية عن الاهتمام بمعالي
الأمور داخلياوخارجيا وهذا عين ما جاء في بروتوكولات خبثاء صهيون، جاء
في البروتوكول13 "ولكي
تبقى الجماهير في ضلال لا تدري ما وراءها وما أمامها ولا ما يراد بهافإننا سنعمل على زيادة صرف
أذهانها بإنشاء وسائل المباهج والمسلياتوالألعاب الفكهة وضروب أشكال الرياضة
واللهو...ثم نجعل الصحف تدعو إلىمباريات فنية ورياضية" تلك خطة الصهاينة لصرف الأمة
عن قضاياها المصيريةوهكذا أصبحت القنوات الرياضية والجرائد الرياضية أكثر
رواجا من القنواتالسياسية والثقافية والفكرية وها هي مؤسسة اليونسكو تريد
حصة مالية منمليارات كرة القدم العالمية –الفيفا-بعبارة أوضح أن
مؤسسة الثقافة والعلومأصبحت تشحذ عند الفيفا وهذه إحدى العجائب والغرائب
وأصبحت قدم لاعب كرةالقدم تفوق عقل ودماغ أكبر قادة العلم والفكر والإبداع
والثقافة؟!!! وأصبحسفهاء السياسة يصرفون بسخاء منقطع النظير مئات المليارات
على كرة القدم،فقد صرف مؤخرا من أجل التأهل لإفريقيا والعالم أزيد من
500 مليار من جيوبخزينة الأمة، وفي الوقت الذي تبذر أموال الأمة في الشأن
الرياضي بشكل جنونيأرعن، يخرج علينا رئيس الحكومة ليعلن عن الزيادة في أجور
العمال، رغم أنتلك الزيادة لم يفرح لها الشعب الجزائري فور إعلانه عنها
لأنها لا تساويشيئا بالنسبة لالتهاب الأسعار في المواد الاستهلاكية
اليومية، بل إن حجمالزيادة المعلن عنها تعادل مصروف شاب عاطل عن العمل ليوم
أو يومين، فهيلعبة قذرة أخرى مكشوفة لدى العام والخاص، وهل يعقل بناء
ملاعب رياضية في كلولاية ودائرة وبلدية والأمة تعاني من قلة المستشفيات عبر
القطر وحجمالاكتظاظ في الجامعات والمدارس والثانويات، فضلا عن
البطالة والعطالة وأزمةالسكن الخ... والله يقول "ولا تؤتوا السفهاء
أموالكم" لأنهم لا يحسنونالتصرف فيها أو وضعها في محلها وهذا قمة السفه، وهل يعقل
أن يصرف على لاعبكرة قدم أكثر من 05 مليار فضلا عن السكن والسيارة
الفارهة ونهضم حقوقالأساتذة والمعلمين والأطباء والممرضين والقضاة وكتاب
الضبط والأسلاكالأمنية الدنيا المختلفة ورجال الإعلام والصحافة وسائر
عمال الجزائر يعانونمن الضائقة المالية ويعيشون على الاقتراض والديون وبعضهم
وقع في الانحرافالمهني والأخلاقي والإجرامي "مالكم كيف
تحكمون" ولا شك أن أي نظام سياسييتخذ من تفوقه الرياضي دون سائر المجالات
الأخرى السياسية والاقتصاديةوالثقافية والإعلامية والحضارية والإبداعية معيارا
للمكانة بين دول العالمهو نظام سفيه شبيه بأنظمة الطغاة الذين اتخذوا من
الرياضة وسيلة لتلهيةشعوبهم وصرفها عن الانشغالات الهامة الأساسية في حياة
الشعوب، ألم يستخدمجنرالات البرازيل والأرجنتين كرة القدم وسيلة لتخدير
الشعوب، وهو ما قام بهفرانكو وهتلر وستالين، وها هي الجزائر ستتقابل مع الفريق
الأمريكيوالبريطاني،
فهل تغلب الفريق الوطني على الفريق الأمريكي أو البريطاني أوحتى فوزها بكأس العالم سيجعل منها الدولة
الأولى في العالم أو أفضل منأمريكا وبريطانيا، ولو كان الأمر كذلك وبهذا المنطق
لكانت البرازيلوالأرجنتين في طليعة الدول المتقدمة غير أن الأمر ليس
كذلك، فما زالتالبرازيل وهي الحائزة على كأس العالم 05 مرات والأرجنتين
تعاني من البيوتالقصديرية والبطالة وتفشي الأمراض والفساد المالي والسياسي
والأخلاقيوالجريمة
المنظمة واستحواذ قلة من الأثرياء على خيرات البلاد والذين لهمأحياء خاصة بهم في غاية
الرفاهية، إن قوة الدولة أو ضعفها لا تصنعه مقابلةرياضية فوزا أو خسارة ومن ظن ذلك فهو أحط من
حمار قومه. وبقي سؤال هام، هل ستقاطع
الجزائر كأس العالمبحكم أن أمريكا وبريطانيا دولتين عدوتين للعرب والمسلمين
وساهمتا في احتلالالعراق وأفغانستان، وتقدمان الدعم المالي والسياسي
والاقتصادي والإعلاميوالعسكري للكيان الصهيوني الذي يحاصر إخواننا في غزة،
وهاهي أكثر من 25دولة غربية توافق على خطة أمريكا في احتلال أفغانستان
وسوف ترسل 7000 جنديلقتل إخواننا هناك، هذا السؤال يطرح على الساسة في
الجزائر بحكم أن الجزائرترفع شعار الدفاع عن القضايا العادلة في العالم؟!!! وهي
تقيم الدنيا ولاتقعدها من أجل امرأة مضربة عن الطعام من الصحراء
الغربية؟!!! أما السؤالالآخر فهو موجه لعلماء الشريعة حراس العقيدة، هل يجوز
إجراء مقابلة رياضيةمع فريق دولة تقتل إخواننا في العراق وأفغانستان وتدعم
الكيان الصهيوني؟!!! الذي
يضرب حصارا على غزة ويقمع الشعب الفلسطيني ويدهس بعض الشباب بالسيارةذهابا وإيابا؟!!! مع العلم أن
وزير الخارجية مدلسي استدعي من قبل وزيرةالخارجية الأمريكية وهو الذي شهد على نفسه
بالغباء في قضية الخليفة، فما هوموضوع الاستدعاء وهل سيلبي الدعوة أو يقاطعها حتى تخرج
أمريكا من العراقوأفغانستان وتكف عن دعم الكيان الصهيوني؟!!! ويجب على
الشعب الجزائري أنيعرف تفاصيل الزيارة من الألف إلى الياء حتى لا يباع
الشعب الجزائري في سوقالنخاسة الأمريكية.
*وحيث أنلعبة كرة القدم أصبح ينجر عنها قلاقل وزلازل ومآسي
واقتتال داخل البلدالواحد وبين الدول فمن باب سد الذريعة يجب شرعا منع هذه
اللعبة حتى تتهذبالطباع وتنضبط الأمور، والذريعة كما عرفها علماء الأصول
هي "سد الذرائعمعناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها" كما يقول
القرافي رحمه الله، وقالالشاطبي رحمه الله "جاء في الشرع أصل سد الذرائع
وهم منع الجائز لأنه يجرإلى غير جائز..." وقال ابن العربي رحمه الله
"هي كل عمل ظاهر الجواز يتوصلبه إلى محظور" وقال الوليد الباجي رحمه الله
"هي المسألة التي ظاهرهاالإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور"، وقال ابن
تيمية رحمه الله "الذريعةالفعل الذي ظاهره أنه مباح وهو وسيلة إلى فعل محرم"
وقال ابن القيم رحمهالله "منع كل وسيلة مباحة قصد بها التوسل إلى مفسدة
أو لم يقصد إذاأفضتإليها غالبا وكانت مفسدتها أرجح من مصلحتها"
والحاصل أن الوسيلة المشروعةالمباحة تمنع شرعا إذا أفضت إلى مفسدة وهذا ما ينطبق على
لعبة كرة القدمداخليا وإقليميا وقاريّا ودوليا، والواقع أكبر شاهد فإذا
عادت الأمور إلىنصابها ورشدها فتحت الذريعة من جديد، وهذا ما قلناه منذ
سنوات عندما سقطضحايا وقتلى بين شباب الولايات الجزائرية وبين أبناء
الأحياء المتجاورةولكن أصمّت السلطات العليا سمعها لأنها ترى أن هذه
اللعبة خير مخدر للشعوبالبائسة الفقيرة العاطلة عن العمل رغم ارتفاع عدد ضحايا
هذه اللعبة التيأوشكت أن تكون ديانة جديدة بحكم أنها أكثر اتباعا في
العالم وقد أعذر منأنذر وها هي كرة القدم تصبح عند البعض أشبه بالعقيدة
فيها الولاء والبراءوأداة فعالة في يد أعداء الإسلام الظاهرين والأخفياء
لتفريق وتمزيق الأمةالإسلامية والعربية وأصبح الاحتفال بيوم الفوز أشبه
بالاحتفال بأيامالاستقلال والعياذ بالله فهل يعقل أن يفوق يوم الاحتفال
بفوز الفريق الوطنييوم العيد الأكبر، ثم هل يحق لهذه الأمة أن تحتفل
وفلسطين والعراقوأفغانستان تحت الاحتلال وبقية الدول العربية والإسلامية
تحت الوصايةالمقنعة من طرف أمريكا والدول الأوروبية وإسرائيل؟!!!
وها هي سويسراالحيادية تمنع بناء المآذن في ظل صمت تام من الحكومات
الخانعة الذليلة!!! بحكم أن
أموال الأمة مهربة إلى بنوكها تحت أرقام سرية.
* كتب الشيخ العلامة البشير
الإبراهيمي رحمهالله سنة 1948 عن عيد الأضحى وفلسطين، فقال "النفوس
حزينة واليوم يومالزينة، فماذا نصنع؟ إخواننا مشردون فهل نحن من الرحمة
والعطف مجردون؟تتقاضانا العادة أن نفرح في العيد ونبتهج وأن نتبادل
التهاني وأن نطرحالهموم وأن نتهادى البشائر وتتقاضانا فلسطين أن نحزن
لمحنتها ونغتمّ ونعنىبقضيتها ونهتم، ويتقاضانا إخواننا المشردون في الفيافي،
أبدانهم للسواقيوأشلاؤهم للعوافي، أن لا ننعم حتى ينعموا وأن لا نطعم
حتى يطعموا، ليتشعري!...هل أتى عبّاد الفلس والطين ما حل ببني أبيهم
فلسطين؟ أيها العرب! لا
عيد حتى تنفذوا في صهيون الوعيد، وتنجزوا لفلسطين المواعيد ولا نحر حتىتقذفوا بصهيون في البحر، أيها
العرب! حرام أن تنعموا وإخوانكم بؤساء، وحرامأن تطعموا وإخوانكم جياع وحرام أن تطمئن بكم
المضاجع وإخوانكم يفترشونالغبراء، أيها المسلمون! افهموا ما في هذا العيد من رموز
الفداء والتضحيةوالمعاناة، لا ما فيه من معاني الزينة والدعة والمطاعم،
ذلك حق الله علىالروح وهذا حق الجسد عليكم" ثم قال "إن بين
جنبيّ ألما يتنزى وإن في جوانحينارا تتلظى، وإن بين أناملي قلما سُمته أن يجري فجمح وأن
يسمح فما سمح،وإن في ذهني معاني أنحى عليها الهم، فتهافتت وإن على
لساني كلمات حبسهاالغم فتخافتت..." والآن إلى صلب الموضوع ألا وهو
الجواب على السؤالالمطروح، هل من الأفضل الرد على هذه الحملة أم الصمت
وإذا جاز الرد، فما هيضوابطه الشرعية؟!!!
* ثانيا: مشروعية الانتصار من
الظلمة البغاة: الإسلام دين يتسامى بالإنسان
إلى درجة سامية فيالأخلاق ولكنه لا يصادم الفطرة البشرية التي فطر الناس
عليها ولذلك فهويجمع بين الواقعية والمثالية في توازن واعتدال لا وكس
فيه ولا شطط ومنمنطلق هذه الحقيقة الشرعية أباح الشارع الحكيم الجهر
بالسوء من القول لمنكان مظلوما وشرع مقابلة السيئة بمثلها ورد العدوان بمثله
والنصوص الشرعيةمتضافرة لتأصيل هذه الحقيقة الشرعية،نذكر منها على عجل:
1-قال تعالى "لا يحب الله
الجهر بالسوء منالقول إلا من ظلم"النساء148.، قيل نزلت هذه الآية
في الضيافة وأن ضيفا تضيفقوما فأساؤا قراه فاشتكاهم فنزلت هذه الآية رخصة أن
يشكو، قاله مجاهد رحمهالله، وجاء في تفسير قوله "إلا من ظلم" أقوال
أربعة: أ-إلا أن يكون مظلوما فيدعو على
من ظلمه، وهذاقول ابن عباس رحمه الله. ب-إلاأن يكون مظلوما فيجهر بظلم من ظلمه، قاله
مجاهد رحمه الله. ج-إلا من ظلم فانتصر من ظالمه
وهذا قول الحسنوالسدي رحمهما الله. د- إلا أنيكون ضيفا فينزل على رجل فلا يحسن ضيافته، فلا
بأس أن يجهر بذمه، قال ابنعباس رضي الله عنه "لا يحب الله أن يدعو أحد على
أحد إلا أن يكون مظلومافإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله
"إلا من ظلم" وإن صبر فهوخير له. وقال الحسن البصريرحمه الله "لا يدع عليه
وليقل اللهم أعني عليه واستخرج حقي منه" وفي الأثرعن عائشة رضي الله عنها قالت، سرق لها شيء
فجعلت تدعو عليه، فقال النبي صلىالله عليه وسلم "لا تسبخي عنه" أي لا تخففي
عنه بدعائك. وقال الإمام الرازي رحمه الله
"لا يحب إظهارالفضائح والقبائح إلا في حق من عظم ضرره وكثر مكره وكيده
فعند ذلك يجوزإظهار فضائحه".
2-قال تعالى:
"والذين إذا أصابهم البغي
هم ينتصرون" الشورى39، وقوله جل جلاله "ولمنانتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل،
إنما السبيل على الذين يظلمونالناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب
أليم" الشورى41/42. ففي الآيتين، مدح الله تعالى الانتصار
منالظالمين
البغاة ورفع المؤاخذة والعقوبة لمن وقع عليه ظلم ظالم باغ لاسيماإذا كان الباغي معلنا الفجور
وقحا يؤذي الصغير والكبير فيكون الانتقام منهأفضل، قد يقول قائل، كيف يمدح الله الانتصار
من الظالمين البغاة وتارة يمدحالعفو والدفع باالتي هي أحسن؟!!! والجواب يحتاج إلى شرح
طويل ولكن نلخصعصارة ما قاله علماء السلف الصالح الأوائل وجمهرة علماء
التفسير، قال عمربن الخطاب رضي الله عنه "يعجبني من الرجل إذا سيم
خطة خسف أن يقول لا بملءفيه..." قال إبراهيم النخعي رحمه الله "كانوا
يكرهون للمؤمنين أن يذلواأنفسهم فيجترئ عليهم الفساق، فإذا قدروا عفوا" أي
في حال وقوع الأذى أوالضرر العام يكون الانتقام هو الأولى حتى لا يتجبر
البغاة الظلمة في الأرض،وكذا في حالة التمرد على أحكام الشريعة وإهدار الحقوق
المشروعة للرعية أواغتصابها قهرا، قال رسول الله صلى عليه وسلم "فمن
بايع رجلا من غير مشورةالمسلمين فلا بيعة له ولا الذي بايعه" وفي رواية
"تغرة أن يقتلا" وذلك لأنضرر هذا الباغي الظالم متعدي للعامة، فلابد من التفريق
بين الحالة التييمدح فيها الانتصار والانتقام والحالة التي يمدح فيها
العفو والدفع بالتيهي أحسن، فالاعتداء على شرف الأمة وتاريخها وأمجادها
وعظماء رجالهاوأبطالها وشهدائها وأهل العلم والفضل فيها ليس كالاعتداء
على فرد منالأفراد أو سفيه من سفهاء الشوارع اليائسين من أنظمة
حكمهم، قال ابن زيدرحمه الله تعالى "جعل الله المؤمنين صنفين صنف
يعفون عن ظالميهم فبدأبذكرهم، وهو قوله "وإذا ما غضبوا هم يغفرون"
وصنف ينتصرون من ظالميهم وهمالذين ذكروا في الآية" قال القاضي أبو يعلى رحمه
الله "هذه الآية محمولةعلى من تعدى وأصر على ذلك وآيات العفو محمولة على أن
يكون الجاني نادما" وقال الجصاص رحمه الله "العفو هو محمول على الغفران عن غير المصر،
فأماالمصر على
البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه" وقال ابن العربي رحمه الله
"ذكر الله الانتصار في
البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضعآخر في معرض المدح، فاحتمل أن يكون أحدهما
رافعا للآخر واحتمل أن يكون ذلكراجعا إلى حالتين: إحداهما: أنيكون الباغي معلنا بالفجور وقحا
في الجمهور مؤذيا للصغير والكبير فيكونالانتقام منه أفضل...وساق كلمة- إبراهيم
النخعي-... الثاني أن تكون الفلتةأو يقع ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة، فالعفو هاهنا
أفضل وفي مثله نزلت "وأن تعفوا أقرب للتقوى" وقوله تعالى "فمن تصدق به فهو كفارة
له" وقوله "وليعفوا
وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" وقال ابن الجوزي رحمه الله
"أنه إذا بغى على المؤمن
فاسق فلأن له اجتراء الفساق عليه وليس للمؤمن أنيذل نفسه، فينبغي له أن يكسر شوكة العصاة
لتكون العزة لأهل الدين" وقالالسيوطي رحمه الله "وظاهر هذه الآية، "والذين
إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" أن الانتصار أفضل، قال وهو محمول على من تعدى وأصر لئلا
يتجرأ الفساق علىأهل الدين، وآيات العفو فيمن ندم وأقلع..." ومعلوم
أن الانتصار من فروع علمالعقوبات والعفو من فروع علم الأخلاق، وقد يقول قائل، المقصود
بالباغي فيالآية الكافر دون المسلم الباغي، والجواب أن تخصيص
الباغي بالكافر دونالباغي المسلم إنما هو تخصيص بلا مخصص ولذلك قال شيخ
المفسرين ابن جريرالطبري رحمه الله "وهذا القول أولى بالصواب لأن
الله لم يخصص من ذلك معنىدون معنى بل حمد كل منتصر بحق ممن بغى عليه" فهي
عامة في جميع البغاة سواءأكانوا مسلمين أو كافرين وتارة يكون الباغي حاكما مسلما
كما ذهب إليه ابنحزم الأندلسي رحمه الله، غير أنه يجب التفريق فقط في
أحكام المعاملة بينالكافرين البغاة على المسلمين والمسلمين البغاة على
المسلمين، والحاصل أنالله تعالى مدح من تعرض للظلم والاعتداء فانتصر لدينه
ونفسه وقومه أولئك ماعليهم من سبيل بالمؤاخذة أو عتاب أو معاقبة وحلم الفتى
في غير موضعه جهلكما يقول الشاعر، وحتى لا يظن السفهاء أن السكون ضعفا
وخورافالأوغاد
يرونالعفو عارا كما
يقول الأحنف بن قيس رحمه الله فلا بد من وضع الأمور فينصابها، وصدق الشاعر إذ يقول: ووضعالندى في موضع السيف بالعلا * مضر كوضع السيف
في موضع الندى وقال آخر : فقسا ليزدجروا ومن يك حازما *
فليقس أحيانا على من يرحم
وقالآخر: لئن كنت محتاجا إلى الحلمإنني * إلى الجهل في بعض
الأحايين أحوج ولي فرس للحلم بالحلم ملجّــم *
ولي فرسين للجهل بالجهل مسـرج فمن رام تقويمي فإن مقـوّم *
ومن رام تعويجيفإني معـــوجّ
قالالقرطبي رحمه الله "هو عام في بغي كل
باغ من كافر وغيره أي إذا نالهم ظلممن ظالم لم يستلموا لظلمه" ثم قال "وبالجملة
العفو مندوب إليه ثم قد ينعكسالأمر في بعض الأموال فيرجع ترك العفو مندوبا إليه...
وذلك إذا احتيج إلىكف زيادة البغي وقطع مادة الأذى عن النبي صلى الله عليه
وسلم، وما يدلعليه" وقال أيضا "هو محمول على الغفران على
غير المصر فأما المصر على البغيوالظلم فالأفضل الانتصار منه" وتارة يكون واجبا إذا
انتهكت حرمات اللهتعالى، قال الإمام الصاوي رحمه الله "من مكارم
الأخلاق التجاوز والحلم عندحصول الغرض ولكن يشترط أن يكون الحلم غير مخل
بالمروءة..وأما إذا انتهكتحرمات الله فالواجب الغضب لا الحلم" والدارس لسيرة
رسول الله صلى الله عليهوسلم لا يغضب لنفسه ولا ينتقم لها ولكن إذا انتهكت محارم
الله لا يقوملغضبه أحد. قال سيد قطب رحمهالله "والذي ينتصر بعد
ظلمه ويقابل السيئة بالسيئة ولا يعتدي ليس عليه جناحوهو يزاول حقه المشروع فما لأحد عليه من
سلطان ولا يجوز أن يقف في طريقهأحد، إنما الذين يجب الوقوف في طريقهم هم الذين يظلمون
الناس ويبغون فيالأرض بغير الحق، فإن الأرض لا تصلح وفيها ظالم لا يقف
له الناس ليكفوهويمنعوه من ظلمه وفيها باغ يجور، ولا يجد من يقاومه
ويقتص منه والله يتوعدالظالم الباغي بالعذاب الأليم ولكن على الناس أن يقفوا
له ويأخذوا عليهالطريق..." وأكبر العجب في عصرنا هذا أنه أصبح بعض
العلماء وطلبة العلمالشرعي يقفون بالمرصاد للمظلوم إذا أراد أن ينتصر من
الظالم الباغي ويملؤونالدنيا صراخا وعويلا ويلتزمون الصمت المريب المطبق عن
البغاة الطغاةالظالمين الذين يسعون في الأرض فسادا وإفسادا ولا حول
ولا قوة إلا بالله.
3- قوله تعالى "وجزاء سيئة
سيئةمثلها"الشورى40،
قال الشعبي رحمه الله "يعجبني الرجل إذا سيم هونا دعتهالأنفة إلى المكافأة وجزاء سيئة سيئة
مثلها" قال مقاتل رحمه الله، يعنيالقصاص في الجراحات والدماء" وتأول
الشافعي رحمه الله "أن للإنسان أن يأخذمن مال من خانه مثل ما خانه من غير
علمه..." ومسألة الظفر معروفة في كتبالفقه. وقال سيد قطب رحمهالله "فهذا هو الأصل في
الجزاء مقابلة السيئة بالسيئة كي لا يتبجح الشرويطغى، حين لا يجد رادعا يكفه عن الإفساد في
الأرض فيمضي وهو آمن منمطمئن..."
4- قال تعالى "كتبعليكم القصاص في القتلى، الحر
بالحر والعبد بالعبد والأنثىبالأنثى"البقرة178، وهذا على وجه الندب بحق ولي
الدم، فلولي الدم حقالاختيار بين القصاص أو العفو، مما يدل على أن الإسلام
لا يصادم الفطرةويجمع بين الواقعية والمثالية.
5- قال تعالى "ولا تجادلوا
أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلاالذين ظلموا منهم" العنكبوت46. قال مجاهد رحمه الله
في معنى "إلا الذينظلموا" من قاتلك ولم يعطك الجزية، وقال "إن
قالوا شرا فقولوا خيرا، إلاالذين ظلموا منهم، فانتصروا منهم"، وقال بعضهم
"إلا الذين أبوا أن يقروالكم بإعطاء الجزية ونصبوا دون ذلك لكم حربا فإنهم ظلمة،
فأولئك جادلوهمبالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية" وقال سعيد بن
جبير رحمه الله " إلاالذين ظلموا منهم، أهل الحرب من لا عهد له، جادله
بالسيف" قال الطبري رحمهالله "وأولى الأقوال بالصواب، قول من قال ...إلا
الذين امتنعوا من أداءالجزية ونصبوا دونها حربا..."، قال الزمخشري رحمه
الله "بالتي هي أحسن" بالخصلة التي هي أحسن ومقابلة الخشونة باللين والغضب
بالكظم والسورةبالأناة، كما قال ادفع بالتي هي أحسن "إلا الذين
ظلموا منهم" فأفرطوا فيالاعتداء والعناد ولم يقبلوا النصح ولم ينفع فيهم الرفق،
فاستعملوا معهمالغلظة، وقيل إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وقيل، إلاالذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا يد الله مغلولة، وقيل
معناه ولا تجادلواالداخلين في الذمة المؤدين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلا
الذين ظلموافنبذوا الذمة ومنعوا الجزية فإن أولئك مجادلتهم
بالسيف..." قال سيد قطبرحمه الله في معنى "إلا الذين ظلموا منهم"
فمجادلة أهل الكتاب بالحسنىمقصورة على من لم يظلم منهم ولم ينحرف عن دين الله، وعن
التوحيد الخالصالذي جاءت به جميع الرسالات... وقال "فهؤلاء لا
جدال معهم ولا محاسنة" وهاهو حلف الناتو، يجمع على إرسال جنود لقتال إخواننا في
أفغانستان ويساندأمريكا في احتلال العراق، فهل ستعلن الدول العربية
والإسلامية مقاطعة هذاالحلف اللعين؟!!! وهل ستلعب الجزائر مقابلة مع أمريكا
وبريطانيا وهمايقتّلان إخواننا في الإسلام والعقيدة؟!!!.
وجاء فيالسنة النبوية الشريفة:
1-قالرسول الله صلى الله عليه وسلم
"المستبّان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتدالمظلوم"رواه مسلم، قال الإمام النووي
رحمه الله "معناه أن إثم السبابالواقع من اثنين، مختص بالبادئ منهما كله إلا
أن يتجاوز الثاني قدرالانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له وفي هذا جواز
الانتصار ولا خلاف فيجوازه وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة"
2- وقد أمر الرسول صلى الله
عليه وسلم بعضالأشخاص برد الشتم والسب على الشاتم، روى أن زينب أقبلت
على عائشة فشتمتها،فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تنته، فقال النبي
صلى الله عليهوسلم لعائشة :دونك فانتصري" فأقبلت عليها حتى
رأيتها وقد يبس ريقها في فمهاما ترد علي شيئا، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل
وجهه" رواه مسلم.
3-كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا يغضبلنفسه وإنما يغضب لدينه ولحرمات الله إذا انتهكت، قالت
عائشة رضي الله عنها "ما انتقم النبي لنفسه قط، إلا أن تنتهك حرمات الله" وقال علي رضي
اللهعنه "كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب للدنيا فإذا غضب للحق لميعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء
حتى ينتصر له" ورغم ذلك كان الرسول صلى اللهعليه وسلم يقول "اللهم إنما أنا بشر
أغضب كما يغضب البشر فأيّما مسلم سببتهأو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه
وزكاة وقربة تقربه بها إليك يومالقيامة..." أما المواطن التي غضب فيها الرسول صلى
الله عليه وسلم فكثيرةوالناظر فيها يجد أنها غيرة على دين الله وأحكامه إذا لم
يكن يغضب لأمورالدنيا التافهة عليه الصلاة والسلام. قال ابن تيمية رحمه
الله "والناس فيهذا الباب أربعة أقسام"، منهم من ينتصر لنفسه ولربه
وهو الذي يكون فيه دينوغضب ومنهم من لا ينتصر لا لنفسه ولا لربه وهو الذي فيه
جهل وضعف دين،ومنهم من ينتقم لنفسه لا لربه وهو شر الأقسام، أما
الكامل فهو الذي ينتصرلحق الله ويعفو عن حقه..." والغضب مركوز في الفطر
السليمة شريطة أن يكون فيالحق ولذلك قال الشافعي رحمه الله "من استغضب فلم
يغضب فهو حمار ومناسترضي فلم يرض فهو شيطان" قال عنترة:
وللحلمأوقات وللجهل مثلها * ولكن أوقاتي إلى الحلم
أقرب وقال آخر: أحلامنا تزن الجبال رزانة *
وتخالنا جنّا إذا ما نجهــل
وقالوهبة بن منبه رحمه الله "وما لي لا أغضب
وقد غضب الذي خلق الأحلام، بقولهتعالى "فلما آسفونا انتقمنا منهم"الزخرف55 أي
أغضبونا.
4- عن عقبة بن عامر رضي الله
عنه، قال، قلنا يارسول الله، إنك تبعثنا ننزل بقوم فلا يقروننا –أي لم
يقوموا- بضيافتنا،فما ترى في ذلك؟ فقال إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما
ينبغي للضيف فأقبلوامنهم وإن لم يفعلوا فخذوا منهم –أي بالقوة- حق الضيف
الذي ينبغي لهم"، وقالفي حديث آخر "أيما مسلم ضاف قوما فأصبح الضيف
محروما فإن حقا على كل مسلمنصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله"
5- من عادة الرسول الأكرم صلى
الله عليه وسلمعدم الدعاء على أعدائه بل الدعاء لهم بالهداية إلا في
حالات خاصة، كان يدعوعليهم وتارة يذكرهم بأسمائهم كما هو معروف في كتب السنة
والسيرة، ومنهاأنه قال في غزوة الأحزاب، شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة
العصر، ملأ اللهقبورهم وبيوتهم نارا" رواه مسلم، وهذا دليل على
مشروعية الدعاء على الظلمةالطغاة. والحاصل أن من الناسمن لا ينفع معه العفو والتجاوز
والدفع بالتي هي أحسن، فمثل هؤلاء البغاةأصحاب الخطايا لا الأخطاء والهفوات يستحسن
الرد عليهم والانتصاف منهم لدفعالضيم وصون الكرامة لاسيما إذا طعنوا في الأعراض وشوّهوا
الحقائق وسبّواالأبرياء وقديما قال الشاعر:
لا خيرفي عرض امرئ لا يصونه * ولا خير في حلم امرئ
ذل جانبه وقال آخر: ولا خير في حلم إذا لم تكن له *
بوادر تحمي صفوة أن يكـــدرا
ثالثا: ذكر بعض ضوابط الانتصار الشرعي: قلنا سابقا أن الشارع الحكيم
أباح للمظلوم أن ينتصر ممن ظلمه وجارعليه غير أن مشروعية الانتصار مشروطة برعاية
المماثلة فلا يجوز للمنتصرالمظلوم أن يعتدي ويتجاوز في الانتصاف والاقتصاص فيجب
شرعا على كل منتصر أنيكون بعيدا عن ردود الفعل الطائشة التي قد تجر عواقب
وخيمة لا تحمد عقباهاوهذه الحقيقة الشرعية تشهد لها نصوص الكتاب والسنة وآثار
السلف الأوائلنذكر منها:
1-قال تعالى "ذلكومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم
بغي عليه لينصرنه الله"الحج60، فالعدل فيالانتصار هو الاقتصار على المساواة.
2-قال تعالى "وجزاء سيئة
سيئة مثلها" الشورى40، والآية تقتضي وجوبالمماثلة مطلقا في كل الأحوال إلا ما استثني
وخص بدليل، فيجوز الشتم والسببالمثل دون اعتداء أو تجاوز أو استخدام ألفاظ يحرمها
الشارع الحكيم كسبالدين أو سب الله تعالى أو القذف الذي يستوجب إقامة الحد
الشرعي، فالذينوصفوا الشهداء بمليون لقيط وجب إقامة الحد الشرعي عليهم
أي حد القذف، ومنمنا ينسى اقتراح وزير الإعلام المصري الفقي بإيقاف
القنوات الفضائية التيتعرض السب لحكام الدول العربية، فها هي القنوات الفضائية
المصرية العامةوالخاصة تشن حملة على الشعب الجزائري وتشتم الشهداء،
فلماذا لا يسارع إلىإيقافها أم أن نقد الحكام ممنوع وشتم الشعوب مسموح به في
بلاد أمالدنيا؟!!!
وأي الأمرين أشد إثما سب وقذف الشعوب أم الحكام؟!!! ونحن نستنكر بشدة شتم الشعب
المصري المسلم منبعض رجال الإعلام والصحافة ولكن لا يمكن أن نقارن بين
الفضائيات وبعض ماتنشره الجرائد التي كان رد فعلها غير منضبط شرعا وإن كان
البادئ أظلم، قالمجاهد رحمه الله "جواب القبيح هو إذا قال له أحد،
أخزاك الله تقول، أخزاكالله وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي".
3-قال تعالى "فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليهبمثل ما اعتدى عليكم" البقرة194، وقال علماء
التفسير في صور الاعتداء غيرالمشروع: أ- إن الاعتداء قتالما لم يقاتل. ب- إنه قتلالنساء والولدان ج- إنه القتالعلى غير الدين د- مقابلةالشتم بالقذف والكذب والافتراء ولذلك قال
محمد بن علي الباقر رحمه الله "سلاح اللئام قبح الكلام"، وقد كان من سيرة الخلفاء
الراشدين المماثلة فيالعقوبة إذا تعرضوا للنقد أو الشتم:
- يروي الحضرمي رحمه الله أنه
دخل مسجد الكوفة من قبل أبواب كندة،فإذا نفر خمسة يشتمون عليّا، وفيه رجل عليه برنس يقول،
أعاهد اللهلأقتلنه، فتعلقت به وتفرقت أصحابه عنا، فأتيت به عليا
فقلت له، إني سمعتهذا يعاهد الله ليقتلنك، فقال إذا ويحك من أنت؟ فقال سور
المنقري، فقال عليرضي الله عنه "خل عنه، فقلت، أخلي عنه وقد عاهد
الله ليقتلنك؟!! قال،أفأقتله ولم يقتلني؟" فلا يجوز في نهج الراشدين
مقابلة الشتم بالقتل أوالسجن وهذه سابقة في تاريخ البشرية.
- وكانت هذه سيرة عمر بن عبد
العزيز رضي الله عنه، فقد كتب إليهعدي بن أرطأة أن الخوارج يسبونك فكتب إليه، إن سبوني
فسبوهم، وإن شهرواالسلاح فأشهروا عليهم، وإن ضربوا فاضربوا" وهذه
المماثلة في العقوبة وخيرالهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
4-قال تعالى "وإن عاقبتم
فعاقبوا بمثل ماعوقبتم به" النحل 26
5- قالتعالى "ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كانمنصورا" الإسراء 33
6-قالتعالى " وأقيموا الوزن بالقسط ولا
تخسروا الميزان" الرحمن9.
7-قال تعالى "قل أمر ربي
بالقسط" الأعراف 28
فالنصوصالسابقة تشترط في شرعية الانتصار المماثلة
وعدم تجاوز الحد الشرعي فيالانتقام من الجناية على النفوس والأموال بغير الحق فلا
يقابل القذف بقذفولا كذب بكذب، فلا بد من التفريق بين السب المشروع
والقذف الممنوع، فبعضالسفهاء من رجال الإعلام المصري وصف مليون ونصف شهيد
بالبلطجية واللقطاء،فالمنتصر يجب أن لا يخرج عن الفعل الذي أبيح له شرعا،
والكمال الأخلاقيوالاتزان النفسي هو الاعتدال فلا إفراط ولا تفريط إذ خير
الأمور الوسط كماجاء في الحديث الصحيح، فالتفريط قلة أنفة لأن احتمال
الذل يعتبر من صغرالنفس وهو أمر قبيح مذموم والإفراط مذموم شرعا لأنه يخرج
عن سياسة العقلوالدين ومكارم الأخلاق ونصوص السنة شاهدة على هذه
الحقيقة أيضا.
1-قال عليه الصلاة والسلام
"المستبان ما قالا،على البادئ ما لم يعتد المظلوم" وفي رواية
"المستبان ما قالا فعلى البادئحتى يعتدي المظلوم"، فقوله عليه الصلاة والسلام
"فعلى البادئ" أي الذي بدأفي السب لأنه السبب لتلك المخاصمة، أما إثم
ما قاله البادئ فظاهر، وأما إثمالآخر فلكونه الذي حمله على السب وظلمه وهذا بشرط عدم
الاعتداء من الثانيولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ماسبّ به ما لم يكن
كذبا أو قذفا أوسبا لأسلافه.
2- قال عليهالصلاة والسلام "أدّ
الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك"
3- قال عليه الصلاة والسلام
"لا تكونوا إمعة،تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا
أنفسكم إن أحسنالناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا"
4- قال عليه الصلاة والسلام
"أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكونبغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن
يكون حبيبك يوما ما" فقد أرشدالرسول الأكرم إلى الاعتدال والتوازن ومعنى الحديث
الاقتصاد في الحب والبغضفلا يجوز الإسراف في الحب والبغض، فعسى أن يصير الحبيب
بغيضا والبغيضحبيبا وهذا السلوك يترك أبوابا للصلح.
5-قال عليه الصلاة والسلام
"لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا".
وقد جاءتآثار السلف الصالح الأوائل في هذا الاتجاه:
1-قال عبد الكريم بن مالك
الجزري "هو الرجليشتمك فتشتمه، لكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه".
2- قال الحسن البصري رحمه الله
"من ظلم فقد رخصله أن يدعوا على ظالمه من غير أن يعتدي"
3-وقال أيضا "أحبوا هونا
وأبغضوا هونا فقد فرطقوم في حب قوم فهلكوا، وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا"
4-قال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه "ما عاقبت منعصى الله فيك بمثل أن تطع الله فيه"
5-قال السدي رحمه الله
"ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا"
6- كان عمر بن عبد العزيز رحمه
الله "إذا أرادأن يعاقب رجلا حبسه ثلاثا ثم عاقبه كراهة أن يعجل في أول
غضبه، فلا يجوزللمعاقب أن يخلط بين حظ النفس ومشروعية العقاب"
7- عن شعبة رحمه الله، قال
"سمعت من أبيالزبير، فبينما أنا عنده إذ سأله رجل عن مسألة فرد
فافترى عليه، فقلت تفترييا أبا الزبير عن رجل مسلم؟ فقال إنه أغضبني، قلت ومن
يغضبك تفتريعليه؟!!! لا رويت عنك أبدا فكان شعبة يقول، في صدري لأبي
الزبير أربعمائةحديث"
8-كان ابن عياش المنتوفيقع في عمر بن ذر رحمه الله
ويشتمه فلقيه عمر فقال، يا هذا لا تفرط فيشتمنا وأبق للصلح موضعا، فإنا لا نكافئ من
عصى الله فينا بأكثر من أن نطيعالله فيه.
9- قال الإمامالخطابي رحمه الله في شرحه
لحديث "من نصر قومه على غير حق فهو كالبعير الذيردي فهو ينزع بذنبه" الذي رواه أبو
داود، معناه أنه قد وقع في الإثم وهلككالبعير الذي تردى في بئر فصار ينزع بذنبه
ولا يقدر على الخلاص.
10- قال المناوي رحمه في شرح
حديث "خيركمالمدافع عن عشيرته مالم يأثم" رواه أبو داود، في
المهمات في حضورهم وغيبتهمويرد عنهم من ظلمهم في مال أو عرض أو بدن ويكون الدفع
بالأخف فالأخف… مالم يظلم الدافع في دفعه... إلاّ أن من المدافعين من
يدافع عن نفسه، ومنيدافع عن أصدقائه ومن يدافع عن عشيرته وخير هؤلاء
المدافع عن عشيرته، وقولهمالم يأثم زجر من المبالغة في المدافعة حتى ينتهي
المدافع إلى الإثم ونصعليه وإن كان معلوما ليكون مستحضرَا في الذهن إذ الحمية
قد تذهل عنه، وقالصاحب عون المعبود في شرح الحديث أي الذي يدفع الظلم عن
عشيرته أي أقاربهالمعاشر معهم ما لم يأثم، أي ما ما لم يظلم ويقع
بالمدافعة في الإثم والظلمعن المدفوع…، والحديث بلا شك ضعيف ولكن معناه صحيح تشهد
له نصوص الكتابوالسنة ولذلك أورده العلماء في كتبهم منهم الإمام البغوي
في شرح السنة لصحةمعناه، والحديث الضعيف عند علماء الحديث نوعان، ضعيف لا
يمتنع العمل به،وبعض الأحاديث الضعيفة يصلح للاعتبار والإعتضاد به،
والحاصل أن بعضالأحاديث الضعيفة سندا قد تكون صحيحة من ناحية المعنى
لموافقتها لنصوصالشريعة.
رابعا: أفضلية العفو على الانتصار إلا ! :
* مما لا شك فيه من الناحية
الشرعية أن المنتصر من ظالمه لم يخرجعن فعل أبيح له شرعا غير أن الشارع الحكيم
ندب إلى العفو والصفح عندالمقدرة لأن الانتصار أمر مباح والصبر والغفران فضائل
أخلاقية وأولى الناسبالعفو والصفح والتجاوز من وقعت منه جناية خطأ أو فلتة
أو زلة قدم أوتعمدها صاحبها ثم طلب المغفرة والعفو، ففي مثل هذه
الحالة العفو والصفحوالغفران أفضل وأعظم أجرا عند الله تعالى وقد مدح الله
تعالى الذين يغفرونعمن ظلمهم طلبا للثواب الجزيل من الله الواسع المغفرة
ومعظم الآياتالقرآنية التي أباح الشارع الحكيم فيها حق الانتصار من
الظلمة أعقبهابالدعوة إلى العفو والمغفرة جمعا بين الواقعية والمثالية
الإسلامية،وترغيبا في التسامي بالإنسان نحو معالي الأمور ومكارم
الأخلاق.
1.قال تعالى "والذين
يجتنبون كبار الإثموالفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون"الشورى37، أي
يتجاوزون.
2.قال تعالى "وجزاء سيئة
سيئة مثلها،فمن عفاوأصلح فأجره على الله، إنه لا يحب
الظالمين"الشورى40.
3.قال تعالى "ولمن انتصر بعد
ظلمه فأولئك ماعليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس
ويبغون في الأرض بغيرالحق أولئك لهم عذاب أليم، ولمن صبر وغفر، إن ذلك لمن
عزم الأمور" الشورى43.
4.قال تعالى "ولاتستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع
بالتي هي أحسن" فصلت34. قال ابن عباس رضي الله عنه
"ادفع بحلمك جهل منيجهل عليه" وقال عطاء رحمه الله "ادفع
بالسلامة إساءة المسيء".
5. قال تعالى "يا أيها
الذين آمنوا كتب عليكمالقصاص في القتلى، الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى
بالأنثى، فمن عفي لهمن أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، ذلك
تخفيف من ربكم ورحمة،فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"البقرة178.
6.قال تعالى "وإن عاقبتم
فعاقبوا مثل ما عوقبتمبه، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" النحل126.
7.قال تعالى "إدفع بالتي
هي أحسن، نحن أعلم بمايصفون"المؤمنون96.
8. قالتعالى "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاما" الفرقان63.
9. قال تعالى "خذ العفو
وأمر بالمعروف وأعرض عنالجاهلين" الأعراف199.
10.قالتعالى، بعد أن بين بعض أحكام الطلاق
"وأن تعفو أقرب للتقوى، ولا تنسواالفضل بينكم"البقرة237.
11.قالتعالى "والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو
كفارة له" المائدة45.
12.قال تعالى في حادثة الإفك
بحق السيدة عائشةرضي الله عنها "وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن
يغفر الله لكم"النور22.
13. قال تعالى "والكاظمين
الغيظ والعافين عنالناس" آل عمران 134.
والنصوصالقرآنية في بيان فضيلة العفو والصفح كثيرة
وجاءت السنة النبوية داعية إلىفضيلة العفو والصفح وكظم الغيظ، أذكر منها:
1. قال عليه الصلاة والسلام
"ما زاد الله عبدابعفو إلا عزا"
2. وقال عليهالصلاة والسلام "ما من
جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبدابتغاء وجه الله"
3. وقال عليهالصلاة والسلام "من كظم
غيضا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا" وفيرواية "دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم
القيامة حتى يخيره من أي الحورشاء".
4. وقد كان من خلقه عليهالصلاة والسلام أنه لا ينتقم
لنفسه وإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبهشيء حتى ينتقم لله، فيعفو عن حقه ويستوفي حق
ربه".
5. في البخاري ومسلم "ما
انتقم رسول الله لنفسهقط في شيء إلا أن تنتهك حرمات الله عز وجل فينتقم لله عز
وجل".
6. ووصفت عائشة رضي الله عنها
الرسول صلى اللهعليه وسلم "ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو
ويصفح".
7. قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "ليسالمؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء".
8. قال عليه الصلاة
والسلام:"وإن امرؤ شتمك أوعيّرك بما يعلم فيك، فلا تعيّره بشيء تعلمه فيه ودعه
يكون وباله عليه وأجرهلك"
وأماالآثار عن السلف الأوائل فأكثر من أن تحصر في
بيان فضيلة العفو والصفح نذكرما يلي:
1.قالابن عباس رضي الله عنه "أمر الله المؤمنين بالصبر
عند الغضب والحلم عندالجهل والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من
الشيطان وخضع لهمعدوهم كأنه ولي حميم"
2.قالابن مسعود رضي الله عنه "ما أعز الله
بجهل قط، ولا أذل الله بحلم قط"
3. قال سعيد بن جبير رضي الله
عنه "كان حكمالله على أهل التوراة أن يقتل قاتل العمد ولا يعفى عنه،
ولا يؤخذ منه دية،فرخص الله لأمة محمد، فإن شاء ولي المقتول عمدا قتل، وإن
شاء عفا وإن شاءأخذ الدية"
4.قال الفضيل بنعياض رضي الله عنه "إذا
أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل يا أخي أعف عنه، فإنالعفو أقرب للتقوى، فإن قال الرجل، لا يحتمل
قلبي العفو ولمن أنتصر كماأمرني الله عز وجل، فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا
فارجع إلى باب العفوفإنه باب واسع فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله وصاحب
العفو ينام علىفراشه بالليل وصاحب الانتصار يقلب الأمور".
5. قالأعرابي لابن عباس رضي
الله عنه "أتخافعلي جناحا إن ظلمني رجل فظلمته؟ فقال له، العفو أقرب
للتقوى"
وفي هذاالإطار يقول الشاعر :
وإنيأكلوا لحمي وفرت لحومهم * وإن يهدموا مجدي
بنيت لهم مجدا
وقالآخر: وجهل رددناه حلومنـــا * ولو أننا شيئــا رددناه بالجهل رجحناوقد خفت حلوم كثيرة * وعدنا على أهل السفاهة
بالفضل
وقالآخر: يعفـو عن الذنب العظيــم * وليس يعجزه انتصــاره صفحــاعن الباغي عليـه * وقد أحاط به اعتـــذاره.
والحاصل،أننصوص الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح تدل
دلالة قاطعة على جواز الانتقاموالانتصار والقصاص ومقابلة السيئة بمثلها ومعاقبة
المعتدي الظالم بمثل مااعتدى علينا ولكن الله تعالى أرشد إلى فضيلة العفو
والصفح، قال القرطبيرحمه الله "العفو ترك المؤاخذة بالذنب والصفح إزالة
أثره من النفس" فالإمامالقرطبي يفرق بين العفو والصفح والله يقول "وإن
تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنالله غفور رحيم" التغابن14، وقوله تعالى
"فاصفح الصفح الجميل" الحجر85،وقوله تعالى "فاعف عنهم واصفح إن الله
يحب المحسنين"المائدة13، "فاصفح عنهموقل سلام فسوف يعلمون"الزخرف89، من
التذكير مرة أخرى أن العفو والصفح يمدحويرغب فيه إذا كان سببا لتسكين فتنة وتهدئة النفوس
ورجوع الجاني عن جنايتهواعتذاره عما بدر منه من ظلم وحيف في حق الآخرين، أما
إذا كان العفو سببالتجرؤ الظالم وتماديه في غيه وظلمه واستضعافه لخصمه فهذا
العفو مذموم وتحملعليه آيات الحث عن الانتصار والانتقام والقصاص.
خامسا: محاذير تناقض شرعية الانتصار:
* ومنكان يرغب في ممارسة حقه المشروع في الانتصار من الباغي
الظالم، فعليه أنيجتنب جملة من الأمور غير المشروعة، نذكر منها:
1.البعد عن حمية الجاهلية
والعصبية المقيتة،قال تعالى "إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية
حمية الجاهلية"الفتح26. فقد ذم الله الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن
الغضب بالباطلالتي تمنع من الإذعان للحق وقد وردت نصوص السنة تذم
الانتصار للعصبيةالعمياء، قال عليه الصلاة والسلام "من أعان على
خصومة بظلم – أو يعين علىظلم- لم يزل في سخط الله حتى ينزع" وقال عليه
الصلاة والسلام "إن الله عزوجل قد أذهب عنكم عُبيّة الجاهلية، وفخرها بالإباء، مؤمن
تقي وفاجر شقي،أنتم بنوا آدم وآدم من تراب فليدعن رجال فخرهم بأقوام
إنما هم فحم من فحمجهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع
بأنفها النتن"، قالالإمام الخطابي رحمه الله "معناه أن الناس رجلان،
مؤمن تقي فهو الخيرالفاضل وإن لم يكن حسيبا في قومه، وفاجر شقي فهو الدّنيّ
وإن كان في أهلهشريفا رفيعا" فلا يجوز شرعا أثناء الانتصار للحق
والرد على السفهاء البغاةالظالمين الافتخار بالأجداد الكفرة الغابرين، فقد جاء في
الحديث أنه "انتسبرجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال
أحدهما أنا فلان بنفلان، فمن أنت لا أم لك؟ فقال أنا فلان بن فلان حتى عد
تسعة، فمن أنت لا أملك؟ فقال فلان بن فلان ابن الإسلام، قال فأوحى الله إلى
موسى عليه السلامأن هذين المنتسبين أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى
تسعة في النار فأنتعاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة
وأنت ثالثهما فيالجنة، وقال للأنصار والمهاجرين ذات يوم، عندما قال
أنصاري ياللأنصار، وقالالمهاجري يا للمهاجرين، فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ما بال دعوىأهل الجاهلية؟، ثم قال ما شأنهم دعوها فإنها خبيثة". وعندما قال أحد الصحابة رض الله
عنه "خذها وأناالغلام الفارسي" قال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم "وأنا الغلامالأنصاري"، قال العلامة القارئ رحمه الله "أي
إذا افتخرت عند الضرب،،فانتسب إلى الأنصار الذين هاجرت إليهم ونصروني وكان فارس
في ذلك الزمانكفارا، فكره صلى الله عليه وسلم الانتساب إليهم وأمرهم
بالانتساب إلىالأنصار، ليكون منتسبا إلى أهل الإسلام" فلا يجوز
الاعتزاز بالكفار، قالعمر بن الخطاب رضي الله عنه "إنا قوم أكرمنا الله
بالإسلام فمن يلتمس العزبغير الإسلام يذله الله" وحب الوطن لا يعني مجاراة
أهله في الباطل وهومخالف لأحكام الكتاب والسنة ومكارم الأخلاق، لأن وطن
المسلم الحق قبرهومستقره في الآخرة، "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة
فقد فاز" والكلام عنالوطن والوطنية الحقة يطول الكلام فيه: أبي الإسلام لا أب لي سواه *
إذا افتخروا بقيس أو تميم
وصدقالله العظيم إذ يقول "فإذا نفخ في الصور
فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون" المؤمنون101، "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"،
أما أن يدافع المسلم عن وطنهوقومه وعشيرته بالحق وبلا تعد، فهذا ليس من العصبية، فقد
جاء في الأثر، أنالرسول صلى الله عليه وسلم سئل :أمن العصبية أن يحب
الرجل قومه؟ قال لا،ولكن ما العصبية؟ قال "يعين الرجل قومه على
الظلم" وقال عليه الصلاةوالسلام "من أعان على خصومه بظلم فقد باء بغضب الله
عز وجل" وفي الحديثالآخر يقول عليه الصلاة والسلام "ليس منا من دعا
إلى عصبية وليس منا منقاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية".
2.أن لا يروج للإشاعات المغرضة
الكاذبة، فقديكون من ورائها أعداء الأمة في الداخل أو الخارج، فإذاعة
الأراجيفوالشائعات
دون تثبت وتمحيص قد تتسبب في كوارث داخلية أو خارجية، فقد نهىالشارع الحكيم إذاعة الأخيار
الخطيرة دون تثبت أو عرضها على أهل الاختصاصوالحصافة من أولي الأمر، فكم من شائعة قصمت
ظهر أمة أو دمرت شعبا بأكملهعبر التاريخ آخرها شائعة أسلحة الدمار الشامل التي تسببت
في احتلال العراق،قال تعالى "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف
أذاعوا به، ولو ردوه إلىالرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه
منهم، ولو لا فضل اللهعليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إلا قليلا" النساء83،
وأولى الناس بالتثبت فيالأخبار قبل إذاعتها على الناس أربعة أصناف، الحكام
والعلماء ورجال الإعلاموالصحافة وقادة الفكر والرأي لاسيما في عصر تزوير الصور
والأخبار دورالمخابرات الداخلية والخارجية في صناعة الشائعات
والترويج لها عبر أبواقالسياسة الإعلامية لغايات غامضة، وكاد رسول أن يتخذ
قرارا خطيرا بناء علىخبر كاذب لو لا نزول الوحي، قال تعالى "يا أيها
الذين آمنوا إن جاءكم فاسقبنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة، فتصبحوا على ما
فعلتمنادمين"الحجرات6،
وقال تعالى في موطن آخر "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتمفي سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى
إليكم السلام لستمؤمنا.."النساء94. وهذا سيدنا سليمان عليه السلام
عندما جاءه الهدهد بخبربلقيس، لم يأخذه على عواهنه بل قال "سننظر أصدقت أم
كنت منالكاذبين"النمل27،
وقد عاب الله تعالى على الذين صدقوا حديث الإفك من بعضالصحابة رضي الله عنهم، "إذ تلقّونه
بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكمبه علم" النور15، قال السيد قطب رحمه
الله "وهي صورة فيها الخفة والاستهتاروقلة الحرج وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا
مبالاة ولا اهتمام، "إذ تلقونهبألسنتكم" لسان يتلقى على لسان بلا تدبر ولا تروّ
ولا فحص ولا معان نظر،حتى كأن القول على الآذان ولا تتملاه الرؤوس ولا تتدبره
القلوب...وقبل لأنتتلقاها العقول"، ولا شك أن عدم التثبت في الأخبار
يؤدي إلى خلل داخليونشوب حروب بين الدول وكم من دولة عبر التاريخ خاضت
معارك على أساس شائعةلم تتحقق منها، ولذلك قال الإمام علي رضي الله عنه
"لا تكونوا عُجُلا،مذاييع، بُذرا فإن من ورائكم بلاد مبرّحا مُبلحا وأمورا
متماحلة زدحا" أيلا تستعجلوا في إذاعة الأخبار دون تمحيص وتثبت، فالواجب
على رجال الإعلاموالصحافة التبصر والاستيضاح قبل نشر الأخبار الزائفة
التي قد تسبب في كوارثلا تحمد عقباها، وهناك حروب داخلية وخارجية مصدرها خبر
كاذب مغرض، فعلىالحكام ورجال الإعلام وقادة الفكر التثبت في الأخبار
أكثر من أي وقت مضى فيتاريخ البشرية لكثرة الزيف والتلفيق لتقدم وسائل الاتصال
الحديثة والتثبتمن الله والعجلة من الشيطان، قال الإمام علي رضي الله
عنه "ولا تعجلن إلىتصديق ساع فإن الساعي غاش وإن تشبه بالصالحين"
وسيدنا يعقوب عليه السلامرغم بكاء أولاده لم يصدق خبرهم ولم يكذبه وهذا قمة
التثبت، وقال عبادة بنالصامت رضي الله عنه "إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته
فإن كان رشد فأمضه، وإنكان غيا فابتعد عنه" والأمور ثلاثة، أمر تبين لك
رشده فاتبعه وأمر تبين لكغيه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فرده إلى عالمه" وكم من
إنسان تعجل في نشر خبرندم عليه أشد الندامة ولذلك قال لقمان الحكيم لابنه
"إن المؤمن إذا أبصرالعاقبة أمن الندامة" وقديما قالوا من ورد عجلا صدر
خجلا"، وهناك بعضالسفهاء الرسميين هنا وهناك شعروا بالندم، لاسيما بعد أن
رأوا أن كل منالنظام المصري الجزائري يتبادلان رسائل الود المنافقة
وعقد الصفقات بعد أنأوعزوا إلى أبواقهم بالتحريش بين الشعبين وفي ذلك أكبر
درس وعبرة؟!!! وإنهؤلاء الحكام لا شرف لهم ولا ذمة ولا غيرة لهم على كرامة
شعوبهم!!!
3. من حق المظلوم –فردا أو
جماعة- أن يرد علىظالمه بعيدا عن التحريش بين الناس بالباطل والشيطان إذا
عجز عن إغواء قومرضي منهم مجرد التحريش، كيف والتحريش في عصرنا هذا أصبح
أخطر من أي وقت مضىمن أسلحة الحروب الباردة والساخنة بين الشعوب فضلا عن
الجرائد السارية هناوهناك لابتعاد وسائل الإعلام عن ضوابط الشريعة في نقل
الأخبار والتثبتمنها، قال المناوي رحمه الله في شرح حديث النهي عن
التحريش بين البهائم "أيالإغراء بينها وتهييج بعضها على بعض..." ودخل في
ذلك مناطحة الثيرانوالكباش ومناقرة الديكة ونحو ذلك"، فكيف بالتحريش
بين الشعوب؟!!!
4.أن يقتصر المنتصر لنفسه على
ظالمه فقط دونغيره فلا يجوز له سب عائلته أو عشيرته أو أبناء وطنه،
فليقتصر على من ظلمهفقط، والله تعالى يقول "ولا تكسب كل نفس إلا عليها،
ولا تزر وازرة وزرأخرى"الأنعام164. أي لا تؤاخذ نفس بذنب أخرى وأعظم
الناس جرما الذي يهجوأمة لأنه نيل منه شخصيا، قال عليه الصلاة والسلام
"إن أعظم الناس جرما،إنسان شاعر يهجو القبيلة من أسرها..." وفي رواية "أعظم
الناس فرية لرجلهاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها..." ومن المعلوم أن جراحات اللسان
بطيئة الاندمال وثمة أمور أخرى يجبتجنبها أثناء ممارسة حق الانتصار نضرب الآن عنها صفحا،
وفي الأخير لا نملكإلا أن نقول اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاءمنا، وجنّب الأمة والشعوبمكر الأنظمة السياسية الفاسدة
واقطع ألسنة السفهاء الرسميين الذين مردواعلى التحريش بين الشعوب الإسلامية إرضاء
للحكام الظلمة واحفظ للشعوبالإسلامية دينها ومجدها وأخلاقها وعزها وانصرهم على طغاة
الداخل والخارجووفق العلماء الربانيين لتوعية الأمة من مكائد شياطين
الجن والإنس، ممنيوحي بعضهم لبعض زخرف القول غرورا، وحطّم الحدود والسدود
والقيود، بينالدول العربية والإسلامية لتكون دار الإسلام واحدة لأمة
واحدة، قال تعالى "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"الأنبياء92، "وإن هذه
أمتكم أمةواحدة
وأنا ربكم فاتقون"المؤمنون52،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق