الجمعة، 11 مايو 2012

ياسمينة صالح من مواليد الجزائر العاصمة عام 1969...نعمان عبد الله الشطيبي

 
 
قف !
يسرقه الزحام والكلام اليومي عن الحرب والخبز.. يترجّل أحلامه المتسارعة باتجاه الشتات، هو الذي سكن حكايات المدينة ، وأوهم العشاق أن الحب سينتصر في نهاية الرواية .. هو .. الذي لم يعد شيئا منذ اكتشف أن الحب لا يعيش طويلا.. وأن العشق قد يتعرض للحوادث ككل الناس، لأن البدايات فقدت نكهتها وانهالت عليها اللعنة!!
قف !
يدفعه الحنين إلى الجنون .. يتسلق جدران المستحيلات كي يرى أمه .. كي يحتضن حبيبة فارقها منذ عشرين عاما.. أيام كان قلبه غضا .. وعواطفه تقضم تفاحة الشعر .. لكنه كبر .. شاخت عواطفه وتقاعد قلبه .. وانهار .. !
* * *
عشرون عاما ..
يجوب الشوارع متنكرا في زي شحاذ كي يراقب أهله .. يتسلّل إلى رؤاهم في السّر..
وفي السّر يسرّب إليهم ما تبقى من نبض ما زال يشتعل في دمه ..  نسيته المدينة .. لكن البوليس لم ينسه.. منذ عشرين عاما يلصقون صورته على الجدران، ليطالبوا به حيا أو ميتا ..  لم يفهم أحد أن السنوات تغيّر من شكل العشاق أيضا .. وأن الحب سرعان ما يصير عادة سيئة !
قف !
يلتفت يمينا وشمالا ..
وجهه الحزين يثير القرف والازدراء معا .. في عينيه تبرق الحقيقة الوحيدة التي جاءت به إلى هنا .. كي يرى أمه للمرّة الأخيرة !
يتسلّل رويدا رويداً .. يتسلّق جدار الحديقة .. يتفادى نباح الكلاب .. يتفادى الخطوات المقبلة ويدخل إلى الدار ..
داره التي لم تعد له .. صارت لإخوة تنكروا له، وأدانوه من أول العمر..
يلمح والدته في وسط الدار ....
كأنه الموت الذي يجرّه دوما من تلابيبه كي يلتقي بمن يحب وبمن يكره أيضا .. في البدء كان يجيء متخفيا كي يرمق أعداءه القدامى محمّلين نحو مثواهم الأخير ..
لكن الموت مختلف هذه المرة.. ها هي أمه التي لم يرها كثيرا ،على مدى عمر قضاه هاربا ومتسللا.. أمه التي لم تحتضنه كما كان يجب أن تحتضنه.. هي التي كانت تجلس القرفصاء في زمن الرّحيل إلى اللاشيء .. ترقب الباب علّه يأتي .. من آخر العمر .. أو من أوله.. آه لو يأتي.. !
هــــــــا يكتشف أنه يتيم الآن.. وأن الحكاية لن تعنيه، والسجون، والرفاق الذين تظاهروا أمس للمطالبة بالخبز والحرية وليهتفوا بحياته في زمن المجاعة والديكتاتورية.. لا شيء صار يعنيه وقد صار وجها لوجه مع أمه التي لن تسمع صوته ولا نحيبه ولا صياح الوجع فيه ..
قف !
ولا يتوقف .. يصيح الصوت ثانية .. ولا يأبه.. تدوي طلقات النار .. شيء يصيب ظهره .. يترنح ..  هل هو الموت ؟  يترنح أكثر ويسقط .. يشم رائحة الأرض المبللة بمطر الربيع ويتذّكر أمه ثانية .. يتذكر إخوته الذين نسوا شكله ،وحبيبة تزوجت من جندي طارده منذ عشرين عاما ..
تذكر أنه مطالب بالحياة كي يمشي نحو نهايته باسما .. لكن .. شيء يخزه الآن ..  أهو الموت حقا .. يقترب العساكر منه .. يشعر بحذاء ثقيل يحط على رأسه، ويهزّه .. فلا يتحرك .. يسمع أصوات تتباهى بدمه .. تتصافح محتفلة بالنهاية ، فيعرف بحاسته أن الجرائد ستكتب عنه غدا ..  هو الذي لم يكن محاربا ولا سياسيا .. كان مواطنا طالب بالخبز فطاردته الشرطة .. طالب بالحرية فطارده العسكر .. طالب بالحياة فطارده "أمن الدولة".. هو الذي لن يجد من يبكيه غير قبر يضاف إلى قبور يتكئ عليها الناس ليستريحوا من عبء الأشياء الجاهزة سلفا لأجلهم ..
فالحكاية بدأت للتو ولن تنتهي !
 
ياسمينة صالح من مواليد الجزائر العاصمة عام 1969.
من أسرة جزائرية مناضلة.
كان والدها مجاهدا شارك في الحرب التحريرية الجزائرية، وعنها شهيد من شهداء الثورة.
خريجة كلية علم النفس من جامعة الجزائر.
التحقت بالتدريس الذي انسحبت منه بعد ذلك للتوجه نحو الصحافة الثقافية، لكنها سرعا ما وجدت نفسها تكتب في السياسة في صحف جزائرية وعربية.
اشتهرت من خلال روايتها الأولى بحر الصمت الفائزة بجائزة مالك حداد الروائية (2001) التي نظمتها الروائية الجزائرية الكبيرة أحلام مستغانمي.
رواية بحر الصمت ترجمت إلى الفرنسية والاسبانية وتترجم حاليا إلى الايطالية.
حصلت على العديد من الجوائز الأدبية الأولى في القصة القصيرة من الجزائر.
المملكة العربية السعودية. تونس. العراق. المغرب. 
 
الأعمال الأدبية بالترتيب:
•بحر الصمت – رواية دار الآداب ببيروت ، الجزائر 2001
•أحزان امرأة من برج الميزان – قصة طويلة قريبة إلى الرواية منشورات جمعية المرأة في اتصال، الجزائر 2001
•وطن الكلام - مجموعة قصصية منشورات جمعية المرأة في اتصال، 2001
•ناستالجيا (ترحمة أدبية/ طبعتها على نفقتها الخاصة)2001
•ما بعد الكلام - مجموعة قصصية منشورات الكتاب العربي ، دبي 2003
وطن من زجاج رواية 2006. صادر عن الدار العربية للعلوم ببيروت


 
يمكنني إعلامك بملء الفم أنني نجحت. لم أفشل حين توقعت مني ذلك. ولم أسد ثغراتك المفتوحة للحزن والضجر والكلام. لكني نجحت. نجحت حين خسرتك. ألا يستحق ذلك احتفاء جديرا بنا يا عزيزي؟ قل أي شيء يخرجك من ركام الوقت الضائع بيني وبينك، ومن ثقوب الكلام الذي لم يعد يجدي في شيء. خسرتني حين قررت أن تفوز بي، وخسرتك حين فكرت أنني قادرة على تعويضك في نفسك، وحين فكرت أنني قابلة للفرح على حدود هذا الهباء الشاسع، والكارثة اليومية. تصور كيف ستكون حياتنا لو لم أخسرك ولو فزت بي؟ كنا سنجلس كل مساء قبالة التلفاز نعد القتلى في العراق، ونتحسس كيس الذرة أمامنا لنتسلى به ببلاهة يومية. ستسألني على مضض: هل ثمة فيلم جميل للسهرة؟ وسأرد عليك بضجر: سنشاهد "الاتجاه المعاكس" في قناة الجزيرة. وسنقضي العمر نلم أشلاء غيرنا في التلفاز وندفنها في الرؤى. ربما تظن أن الحياة ستكون مختلفة عن هذا الوصف التراجيدي الذي ذكرته الآن، كأن نعيش بعيدا عن ذاكرة المكان والتفاصيل المزمنة التي كان أجدادنا يتشبثون بها عن رغبة أو عن إجبار، وعن خسارات لم يكونوا يعترفون بها ليخلفوها لنا في تراكمات الراهن المحبط.
***
ها أنت تعود من الشغل متعبا ومتذمرا من رئيسك الذي سحب الترقية عنك وأعطاها لشخص أقل كفاءة منك. ستتذمر طوال السهرة من الكلام الذي سيبدو لك غبيا ومثيرا للأعصاب. وستغير في المحطات التي لن تهديك أكثر من جثث العراقيين ودم الفلسطينيين على نخب قنوات آر تي وروتانا، التي سترقص طوال العمر على أحزاننا الفقيرة وعلى وجهنا البائس والجاهز لتهمة الإرهاب والتشدد والتطرف. أليس هذا ما قاله لك مديرك حين غضبت من قرار منعك من الترقية؟ قال: إنه يشم فيك رائحة التطرف. قلتها لي وأنا أتلمس كيس الذرة لأتسلى بها في سهرة الكلام اليومي. قلتها لي وأنت تنتظر تعليقا، وحين لم أعلق، غضبت، وفضلت السكوت إلى أن ذهبنا للنوم خاليين من الفرح. وقد تكون هذه صورة غير متلائمة مع فكرتك أيضا، فأنت تريد أن تفوز بي من حيث خسرت فيه العالم، وأنا... ماذا أنا؟
***
فكرت في الخطاب الذي ألقاه الرئيس في نشرة الثامنة. قال مستعينا بنبرته الشعبية "التاريخية": إن أمريكا لن تنجح في استعبادنا وإن محاولة الغرب الدخول من جهة النساء مفاده أن النساء ضلع أعوج. ووجدتني أبتسم بيني وبين نفسي. لعلها الحقيقة. ليس في اعوجاج الضلع النسوي، بل في أن الرئيس متطرف أيضا، ولو كان للرئيس ابن لترك البلاد له بقانون دستوري يصوت عليه الأموات أيضا. ألم نسمع بتصويت الموتى؟ حدث ذلك. فقد سمعت مرة أن أحد المواطنين احتج مستغربا كيف يدرج اسم والده في قائمة الناخبين؟ والده الذي مات منذ عشرة أعوام. فقال له أحد موظفي البلدية بسخرية: "وين المشكلة؟ أليس للميت حق في هذا الوطن حتى بعد موته!" أنت من حكى لي هذه "النكتة" الواقعية، يومها لم أجد سببا أضحك لأجله، فقد ضحكت أنت مستغربا هذه البلاد التي ينتخب فيها الموتى لأجل سحب الحياة من الأحياء. وليكن، أليست هذه خساراتنا الجماعية؟ فأن تخسر وطنا فقد خسرت كل شيء كما يقول" جون جوكتو"، ومع ذلك، مثلك أتشبث بشيء يبدو لي أحيانا حتميا ومدهشا، وأحيانا أخرى يبدو لي كقشة مناسبة للخروج من المأزق الجماعي. تصور الحياة في هذا البورتيريه الكئيب.
***
فكرت أن أسمع منك كلمة لا أتوقعها. كأن تقول لي: هل خف صداعك قليلا؟ هل نخرج لنتمشى في طريق كنا نعرفه، ولم يعد يعرفنا؟ كنت سأرفع عيني إليك دون أن أخفي دهشتي، أو ربما كنت سأضحك لأول مرة منذ ألف عام. مدهش أننا لم نضحك منذ زمن بعيد يا عزيزي. حتى أمام النكات تنتابنا رغبة في البكاء فجأة. لم نعد نضحك على الأشياء التي كانت قبل الآن تبدو لنا مسلية، وأحيانا ممتعة، وقد أضحكت غيرنا أيضا. قبلا كنت أضحك حين أشاهد تشارلي شابلن. كنت أضحك حين أنظر إلى وجه نجيب الريحاني، وإلى ملامح عادل إمام. كنت أضحك بعفوية أصاب بالدهشة حين أتذكرها، ها نحن فقدنا الضحك. صرنا نعي جغرافيتنا الجاهزة للتغيير. كنا أمة منهارة قبل اليوم، نقتات من فتات البترول، ونجلس على أرصفة الفقر الشعبي الذي يسميه الساسة "شرف الوقوف" ليضحكوا به علينا، لنبقى واقفين وعراة وجياعا ومعزولين ومهمشين، وليظلوا جالسين مكانهم متباهين بكروشهم المنتفخة قبالة الأسئلة الساذجة في استثنائياتنا كمن يجلس على أرض زلزالية تبعث الطمأنينة إلى النفس.
***

 
نحن الذين سكتنا دهرا ً ونطقنا كفرا ..
نحن الذين عبرنا الكلمات كي لا نقول شيئا..
كي لا نقف في الصفوف الأمامية خوفا ً من موتٍ يرافق خطانا..
سامحونا ..
اليوم نستيقظ على دمكم الغزير، في غزة و بيت حانون، و الناصرة و جينين .. نستيقظ على وجهكم الذي نعرفه جيدا ً
نعرف كم خناه في مسيرتنا الطويلة نحو الوهم الذي أسميناه سلاما ً، لنغض أبصارنا عندما تقصف الصواريخ قباب أحلامنا، وعندما يصنع الحكام منا ناقة صالح على هذه الأرض التعيسة..سامحونا!
أيها الطالعون من الصمت ..
الصارخون بالشهادة ..الغاضبون.. الثائرون.. الصابرون/ الصابرون
كيف استطعتم زلزلة تاريخنا المكتظ بالغموض وبالصواعق ؟
كيف استبدلتم فراغاتنا باليقين؟
كيف استطعتم استدراجنا إلى هذا المدى المفتوح على دمكم
لنعرف حدود خياناتنا الطويلة، وما اقترفناه في حقكم من الذنوب، ومن الآثام ؟
سامحونا!
الآن بإمكاننا الإعلان للقبيلة والعشيرة أن الجبناء و القتلة يحكموننا باسم السلام المبجل، وأننا لن ننتمي إلى هذه الأرض كما ينتمون إليها
لأن الدم وصل إلى الركبتين
ولأن المدن التي لا تناهضكم هي التي وقفت ضدكم مرتين
مرة لأجل دمكم ومرة لأجل تاريخيكم
سامحونا!
لن  يكفي الدهر كله ليغسل خطايانا
لينسى الحاضر شكلنا البائس/ صمتنا البائس/ وجودنا البائس
لن تكفينا اللغة لنعتذر لكم واحدا ً واحدا ً يا أحبابنا الموتى/الأحياء
لندفنكم كما يليق دفن الشهداء
فسامحونا!
سامحونا لنموت أقل فجيعة
لتــعبركم أحلامنا البريئة التي صدقت طوق الحمامة والنجاة  واستسلمت لغيلان الحضارة والتجارة و الدعارة!
سترقص نانسي عجرم في دبي لترفع من معنويات الشعوب الصامتة و الميتة. ستغني نجوى كرم عن الأسمر الذي "أخطأته" القذيفة و ظل يحبها نكاية في الحرب السادسة التي كادت ترمي إسرائيل في البحر، و كادت تقتل الزعماء العرب بالجلطة!
.سامحونا
هـــا عجزنا عن العودة إلى النقطة الصفر عندما اكتشفنا أننا كنا الصفر المكرر في معادلة أنتم أبطالها
يا جيل الصبر الطويل و الليل الطويل.. و الحزن الطويل..
سامحونا .. سامحونا .. سامحونا  

لكم عيدكم و لي...... عيد البكاء على الحب!!!!!
فالانتاين (فلانتينو)
 
يا عيد حبهم لأجل كراهيتنا واحدا واحداً. ألم نكره أنفسنا قبلك؟ ألم نكره جذورنا التي كانت تتربص بعشاقنا البسطاء، لتصمهم بالعار، وتغتالهم في موكب الشرف الجليل؟ مع ذلك ها أنت هنا يا فالانتاين، أوفلانتينو، أو كيفما كانت الأسماء التي حملتها في ثقافة الذين كانوا يحبونك لأنك لم تحب سوى امرأة اعتقدت أنها الأحق بالحب وهي تجردك من قداسة الكنيسة لتدخلك إلى قداسة القلب. كم نشعر بـ "الفخر" بك وأنت تقبع على هامة تقاليدنا "المستحدثة" والتي دخلتها الديمقراطية من الباب المفتوح لـ"التغيير" والترحيل والتهجير. كلما اكتشفنا أنك كنت عاشقهم وليس عاشقنا، نصاب بدهشة التساؤل، وبانبهار اللحظة/الفكرة: كم نحن أغبياء، لأننا صدقنا الحب الآتي من الشمال، ولأننا نسينا أن الهدية المغلفة بالصراع الحضاري ليست نعمة، وأن "هديتك" الأجمل كانت في الطريقة الحضارية لتفرقتنا باسم الحب.
فالانتاين (فلانتينو)
 
تصوّر أنك ضحكت علينا كل تلك السنين ! كنت تطل علينا في منتصف فبراير لتسخر منا بصمتك المقدس، وبطريقتك التاريخية التي صنعتك قديسا إلى الأبد. أوهمتنا أن الرومان أخلص منا في تخليدهم للحب، من خلف كتاب أسس في مخيلتنا تفاصيل موارية صدقناها في اسمك السهل، لنكتشف اليوم أنك كنت عيدا جاهزا للخيانة. كل هدية غالية يهديها رجل إلى حبيبته من وراء ظهر زوجته خيانة. كل وردة تقتلع من جذورها على شرف يوم واحد، على مرأى بقية الأيام خيانة. كل شخص يشحذ كلمات حب لا يؤمن بها ولا يعنيها ليرسلها عبر الجوال إلى حبيبة "تكنولوجية" خيانة. فكم خنا قناعاتنا بسببك! كم خنا عاداتنا في عيد الحب لنكتشف حدة الضغينة التي بذراعيها تحيط خاصرتنا، وتجعل منا استثنائيين في قتل الأشياء قبل أن تولد، ولوكان ذلك ـأيضاـ باسم الحب !
فالانتاين (فلانتينو)
 
سخرت منا جميعا يا هذا. عندما قرأ العشاق حكايتك في كتاب طالعوا صفحاته بالمقلوب، وصدقوا أن للأسطورة صبغة الحلم في ميتافيزيقية الأشياء التي نتعمق في جذورها لنصل إلى هذا الفراغ الكائن بيننا وبينك يا فلانتينو العاشق الذي لا نعرفه ويعرفونه في جهلنا التاريخي لماهية الحب الهارب من زرقة البحر ومن رغيف الخبز اليومي، ورائحة القهوة التي لم تعد تحكي تفاصيلنا كما يجب. هــا نقف اليوم على مقربة الأشياء والمدن المتهاوية بين تاريخين: تاريخنا الدموي وتاريخ التتار الجدد الذين سرقوا أرضنا واغتصبوا أفراحنا وشنقوا يقيننا وضحكوا علينا: بعيد الحب.
فالانتاين (فلانتينو)
 
يا عاشقهم الذي أعدموه نكاية في الحب، كيف صدقناك؟ من خلالك، استدرجنا الغزاة إلى حكايتك الصغيرة والعادية والخالية من حبكة الضمير. استدرجونا بك لننسى تواريخنا المتناقضة كأشيائنا الغارقة في الحرب والقضية، لنستبدل الشرف بالبصبصة، ونغير في أشعار عشاقنا العذريين، ونرفع قليلا من تنورة ليلى الأخيلية، لتتماشى مع عشاق الديمقراطية.
فالانتاين (فلانتينو)
 
كيف نسينا أن الحب لعبتنا التقليدية المسلية/ القديمة/ القديمة، وركوبنا اليومي أبجدية العشق الذي كان يعشق الروح قبل القلب أحيانا؟ كيف نسينا أولئك الذين علموك أصول الحب يا فالانتاين؟ كيف نسينا أن نقيم
 
عيدا لقيس ابن الملوح الذي خلد ليلى في نقوش الكلام والذاكرة:
 
أحب من الأسماء ما وافق اسمها --- أو أشبهه أو كان منه مدانيا
خليلي ليلى أكبر الحاجِ والمُنى --- فمن لي بليلى أو فمن ذا لها بيا
 
وعيدا لقيس لبنى:
 
إن تك لبنى قد أتى دون قربها --- حجاب منيع ما إليه سبيل
فإن نسيم الليل يجمع بيننا --- ونبصر قرن الشمس حين تزول
 
وعيدا لجميل بثينة:
 
وأول ما قاد المودة بيننا --- بوادي بغيض، يا بثين، سباب
فقلنا لها قولا فجاءت بمثله --- لكل كلام، يا بثين، جواب
 
وعيدا لعنترة بن شداد:
 
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني --- وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها --- لمعت كبارق ثغرك المتبسم
 
تصور كم سيكون لنا من عيد الحب لو لم تحملك الكنيسة على ظهر الكرسي الرسولي قبل ألف وألف وألف من الأعوام. يا أيها العاشق الذي يتباهى البيت الأبيض بأنه وضعه في "البند السابع" من قانون التغيير في رزنامة الدول فاقدة القلب. قبلك كان الحب عربيا محاطا بهالة الضغينة الخاصة، والفرقة الخاصة، والاغتيالات الخاصة، والجنون الخاص، والبراءة والعمق والفتنة والجمال والعذرية والعفوية. وبعدك صار الحب أكثر حمرة في طقوس الجرائم التي صنعت مجد كل الذين يكرهوننا اليوم ـ كم يكرهوننا ـ باسم الحب.
قال المذيع: شارون يحتضر
هل مات أم سيموت؟
ما الفرق؟ و ما همنا نحن في الأمر؟
ألم يقتل شارون جيلا من العرب؟
ألم يدمر جيلا من القمح و الورد و الزهر
هو الذي داس على أحلام الطفولة قبل اليوم
حين كان للكلام وجهة الشرق  قبل أن تحوله الفجائع نحو الغرب
شارون يحتضر؟ ـ (إلى جهنم و بئس المصير) ـ
ستفرح جهنم هذه الليلة.. ستصنع له مباهج الحضور كيفما كانت طقوس السعير
جاهزة للاستقبال هولاكو هذه الأرض
من يحتضر منهم و من ينتظر
شاورن مات أو سيموت !
و سوف يشنق صدام كما تشنق الكائنات الصغيرة و الضارة
و كما سوف يشنق الذين يجلسون في الحكم واثقين من السلامة.. واثقين من أرصدتهم المنتفخة و بطونهم المليئة بالسحت.. واثقين من الحراس الشخصيين الذين يدفعون لهم فائضا كي لا يكونوا أول من يغتالهم... واثقين من الحراس المستوردين الذين يصنعون أعياد ميلادهم و يصنعون لهم تلك البالونات الكبيرة المدفوع ثمنها بالعملة الصعبة ليطيرونها في الهواء كي يتفرج عليها الفقراء في عيد الثورة و عيد الشجرة!
و عيد الانقلابات العائلية البيضاء !
شارون يحتضر
لنرفع أيدينا إلى الله
باسم أولئك الذين داستهم أرجله ودباباته وجنوده وأصحابه التقليديين وإخوانه في "الدين" !
باسم هؤلاء نقول:  اللهم اجهل مثواه جهنم و بئس المصير !

   


قد يكون اليوم الأخير. فالزعماء الذين اعتقدوا
وصلت بهم القناعة اليوم إلى اللاشيء
لم أكن أحبك. ليس لأنك سيئا. فلا احد يدعي أنه أفضل منك سلوكا و قدرة على إذلال العصافير الصغيرة
و الكائنات التي تستحق الفرح و لو عن بعد
و لكن..
لم أكرهك أيضا
كنت عاديا حتى و انت تمشي في الأرض مرحا. أيام كان الأمن يعني
قدرتك على ادخال الخوف إلى نفوس الناس في ثلاثين حرفا من الأعوام
لكني اليوم أتعاطف معك. لأنك ستعدم بقرار أمريكي
و لأنك ستموت تلك الميتة التي تصنع الأغنياء في الضغينة و تصنع الزعماء في الشر،
ها تصنع منهم شهداء
فجأة يصبح الحاكم شهيدا
فيبكيه كل الذين مرت هراواته على أحلامهم الصغيرة وعلى جلودهم المسلوخة قبلا و بعدا
صدام حسين
لم تكن عاديا كما انت الآن، ولا شعبيا كما أنت الآن ولا محبوبا كما أنت الآن ولا من لحم ودم كما أنت الآن
محاطا بهالة الخوف التي تصيب البسطاء
محاطا بأزمنة التساؤل
عن هذا الحاضر البائس
ستموت تلك الميتة التي كان يموت بها المناضلون في أمريكا اللاتينية أيام "زاباتا"
ستموت تلك الميتة التي أعادت الثورة إلى اذهان الفقراء أيام الثورة الفرنسية القديمة
ستموت تاركا شعبك خلفك يتيما في غياب الأمن
و الأعياد التي تحمل المشانق جرعتها الأخيرة
تذهب كما عادة الزعماء الذين يصيرون زعماء في اللحظة الأخيرة
في عيد يعايد فيه المسلمون بعضهم بالقنابل!!!!!
صدام حسين
أحبك في رحيلك بهذا البهاء
واقفا مصرا بأن الاحتلال لا وجه له. لا طعم له. لا شرعية له
و أن الدماء التي سالت ستصنع من العراق مناضلا حقيقيا
أسمه الثورة على الهمجية الأمريكية الرعناء
ومعذرة للذين رقصوا لخبر إعدام صدام
 
 

 
 
تصور أنني فكرت في الاتصال بك هذا اليوم لأقول لك: عيدا سعيدا وعاما جميلا، كما يقولها كل الناس بشهية مفتوحة على الكذب. أن يتمنى المرء عاما سعيدا أشبه بالكذبة البيضاء في عز البرد. فهل تبقى من السعادة ما يكفي لنتمنى لبعضنا منها ما لا يستحق الخجل؟
***
هل ثمة عيد للرياء؟ كل أعيادنا محاطة بالكذب، وهدايانا فقدت حرارتها منذ فقدنا الرغبة في التعبير عما يعترينا من "احتلال" أبيض نستشعر طعمه المر جليا في أوقات نكتشف فيها أننا أقل صلابة مما اعتقدنا، وأن الذين أسسوا في دواخلنا هذه الهشاشة يتهموننا اليوم بالضعف، ويدينون خوفنا من الموت الذي زرعوه في خبزنا اليومي كحارس شخصي على كل حل. كلما مرت مناسبة بالجوار نتذكر أننا نتمنى لأنفسنا سعادة خالية من الفرح، وأننا في النهاية نتسلى بالأشواق، كما يتسلى مارد في قنينة الوقت البليد الممتد ما بين عادة التخاذل ونمط "التجعيد."
***
كم هو ماطر هذا النهار من العام الجديد والعيد السعيد! لم يكن العيد ممكنا إذن، لأن الناس الذين لم يغادروا بيوتهم فعلوا ذلك عن قناعة بأنهم على حق. ولأن الذين خرجوا يشعرون بالتأفف من الشوارع الموحلة، ومن الازدحام الرهيب والوجوه التي فقدت وجهها الأول أيام فقد الوطن ملامح.
***
في العيد يخرج الأغنياء إلى الشوارع. يخرجون لأن عليهم أن يخرجوا. لأن عادة الوطن تكمن في خروجهم في وجه هذا الضجر اليومي، واليوميات المتشابهة. يخرجون ممسكين ببالونات يطيرونها في الهواء معتقدين أن ذلك يضفي على العيد طابعا قوميا. في العيد يبقى الفقراء داخل بيوتهم. يأبون على أنفسهم تلك النظرة المزمنة التي يعرفونها جيدا قبالة عيد لا يلبسون لأجله شيئا ولا يذبحون على شرفه عنقا. يبقون بعيدا في عزلة الوطن الذي لا يسأل لماذا يقل عدد الأطفال في الشوارع يوم العيد؟ ولماذا يزداد عدد الفقراء في العيد؟ لكن الحياة التي قيل إنها ستتغير هي ذاتها الحياة منذ بداية الخليقة. تماما كما يتكلم الناس في وقت الفراغ عن ذلك الطفل الذي سأل والده: "لماذا لا ألبس للعيد ثوبا جديدا ولا أخرج إلى العيد طفلا سعيدا؟" فقال له والده: "تريث. عندما نذبح البقرة سأشتري لك كل ما تشاء." واستغرب الطفل كثيرا. بقرة؟ ليس لديهم لا بقرة ولا ثور. حاول أن يستفسر فلم يقدر. فقد أغلق عليه والده باب الحوار. كل عيد يقال له الشيء نفسه، بالطريقة نفسها، غير القابلة للجدال. ويظل الطفل مصرا أن والده كذاب كبير، إلى أن كبر الطفل وصار شابا فقيرا وسعيدا لأنه فهم أخيرا أن البقرة هي الوطن الذي يتكلم الرئيس عنه بعبارة "البقرة الحلوب."
***
فتصور، نعم تصور أنني فكرت في الاتصال بك هذا اليوم. لأقول لك: عيدا سعيدا وعاما جميلا، كما يقولها كل الناس بشهية مفتوحة على الكذب. أن يتمنى المرء عاما سعيدا أشبه بالكذبة البيضاء في عز البرد. فهل تبقى من السعادة ما يكفي لنتمنى لبعضنا منها ما لا يستحق الخجل؟
Mon Jan 1, 2007 6:08 am
 
 

عندما لا يعجبك ما تقرأ، اطوي الصفحة و لا تعود إلى الكتاب!
( ألبير كامي)
 
الرسالة الأولى: إلى الأوطان
مع كل سنة تمضي نخسر مليون سنة منه. نخسر مليون سنة من الأحلام البسيطة و الممكنة. نخسر مليون سنة من الحب الجميل، قبالة الأشياء التي نكتشف قيمتها حين نبتعد، و نزداد غربة عنها حين نقترب! للوطن الجميل القوي/ القوي/ القوي!  المدجج بالسلاح و النفط و العملة الصعبة و العملة السهلة.. ليكذب على الشعب الفقير/ الفقير/ الفقير، و يصنع من الأعداء فزاعة للخطاب القادم، و للحرب الوهمية التي تصنع عادة حروب الأشقاء.  للوطن الذي يمنح جسمه للأجانب ليستثمروا فيه، و ليزرعوا ما شاءوا من الهباء، حين يضحكون علينا بالحضارة التي جاءت على ظهر حضارتنا، لتستبيحنا نكاية فينا و في الأعداء!  للوطن الذي يوزع الخيرات على الأجانب. يقيم الحفلات الفخمة في الفنادق الفخمة و يدفع من جيب الشرف العربي، و الشهامة العربية العذراء! للوطن الجميل/ الجميل/ الجميل الذي يطاردنا إن أخطأنا أو نسينا و ينزع منا حق الكلام و حق اليقين و حق البقاء! للوطن الذي لا يسكنه إلا الحاكم العظيم/ العظيم/ العظيم.. السعيد بالأعياد و بالمواسم و بالشعب حين يهلل بالحياة له و للوطن و لكل طقوس الانتهاء.. له أقول: أحبك جدا حين أفقد ضغينتي القومية! و أنسى جراحي الصغيرة حين ذاكرتي تشاء!!! .
***
الرسالة الثانية: إلى القومية العربية !
رائعة و مدهشة و حارة كخبز طازج. كم نشعر بالأمان في حضورك. نشعر أننا أقوى مما كنا عليه قبل ألف عام!  و أن الأعداء من ورق. و الخيانة من ورق. و الانهيارات من ورق. و أنك الوحيدة التي تظل حقيقة و جميلة و قائمة بيننا.. قائمة فينا. أيتها القومية العربية. أعجز عن وصف كم أنا سعيدة بك. أشعر أن لدي جدار قوي أتكئ عليه قبالة زلازل الكون. لن ترعب أمريكا أطفالي. و لن يسرق الصهاينة خبزهم اليومي. لأن الكنيست العربي حاضر "وقت العوزة!! " و لأن الكنيست العربي بيتنا الكبير من المحبط إلى الخليج و عزوتنا المطلقة الآن و العالم على حافة التساقط. الآن و الكون على مشارف النار. نتلمس قوميتنا العربية. حين يصرخ القدس تهب مصر و حين يتأوه السودان تهب قطر، و حين يبكي العراق تهب القومية العربية جمعاء. فكم هو جميل وجهك الحالي، و أنت "تصنعين" نكات العالم و تمنحين لأطفال أمريكا قصصا يسمعونها قبل النوم، ليضحكوا و تهدأ أحلامهم الصغيرة و يناموا نوما جميلا و آمنا. كم جميل و أنت تجعلين مجوس الهند يؤلفون النكت عنا ليتسلوا في يومياتهم الفارغة و الطويلة. كم نشعر بالفخر لأننا منك، جزء لا يتجزأ من انجازاتك و أنت تعدين الشعوب بالتغيير في العام القادم. قد نسكن في القمر بفضلك! ما أروعك!
***
الرسالة الثالثة: إلى صدام حسين
تصور! أكرر كلامي و أقول: أحببتك في لحظتك الأخيرة. لم يسبق أن كتبت عنك في حياتي. لا يمكن أن نكتب عن الحكام في النهاية، لأنهم حكاما فقط. لا تبلغهم راحة الضمير حين يحكمون، و لا تساورهم رعشة الحب حين يحكمون و حين تدوس نعالهم رؤوس الشعب باسم التضحية التي نعرفها عن ظهر قلب. و لكني أحببتك في اللحظة الأخيرة. أحببتك لأن إعدامك أذل الحكماء العرب جميعا.. هم الذين أيدوك حاكما، و راهنوا على لحظتك الأخيرة و على صورتك الأخيرة. و كم ندموا أنهم صمتوا حين ذهبت هادئا إلى حبل المشنقة!
صدام حسين. كأنك كنت تعرف أنهم سيفسدون على أمة كاملة عيدها الأكبر. تلك الأمة التي تعي جيدا أنك لم تكن نبيا و لا وليا من الأولياء الصالحين، و لكنك أخذت نهاية الكلام لحظة ارتعش القتلة بدلا عنك. عجيب أن تمشي نحو المشنقة هادئا كمن لا ذنب له. كمن لا ذاكرة له. كمن لا تاريخ له. عجيب أن تستطيع نطق الشهادتين وسط تلك الفوضى المقصود بها حرمانك من التفكير فيها.. لكنك نطقت بها مدركا أنها كلماتك الأخيرة و أنك لن تقول شيئا بعدها. صدام حسين. رحيلك بهذا الشكل صنع منك رجلا بالرغم من كل الاعتراضات و الاحتجاجات و بالرغم من كل ما قيل و ما يقال. استطعت أن تخرج حاملا قناعة مدهشة أنك لم تكن من ورق! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق