تقف الاسرة الدولية اليوم أمام عدة قرارات حاسمة
مصيرية بسبب تدهور الوضع في سوريا. فالتخوف من تفكك سوريا الى مجموعات على
أساس اثني يصبح ملموسا كل يوم. كما يتعاظم أيضا التخوف من استخدام مخزونات
السلاح الكيميائي، فقدان الرقابة عليه وتسريب الاسلحة المتطورة الى حزب
الله ومحافل ارهابية اخرى.
هذا الاسبوع عادت لتطفو الى السطح مرة اخرى مسألة الاستخدام الذي تم او لم يتم من قبل جيش الاسد للسلاح الكيميائي ضد الثوار. وخلافا للامريكيين، فان موقف اسرائيل يؤيد التقديرات البريطانية والفرنسية بانه تم بالفعل مثل هذا الاستخدام. جانب مقلق آخر هو مشكلة جموع اللاجئين من سوريا الذين يغرقون الاردن وتركيا ولبنان. نحو مليون نسمة هربوا من سوريا، الامر الذي يهدد بتشويش الاستقرار في المنطقة ولا سيما في الاردن الهش.
كنتيجة لذلك، يتعاظم الضغط للتدخل العسكري الخارجي أو على الاقل منح مساعدة عسكرية ذات مغزى للثوار الذين لا ينتمون الى الجماعات الاسلامية المتطرفة. الولايات المتحدة، التي يتواجد 200 جندي لها على الحدود الاردنية السورية، وان كانوا يدربون الثوار وينقلون لهم مساعدات مالية كبيرة، الا ان الولايات المتحدة لا تزال تصر على معارضتها تسليم الثوار أو اي تدخل عسكري أكثر أهمية. اما بريطانيا وفرنسا بالمقابل فتؤيدان عدم استئناف حظر السلاح الذي فرضه الاتحاد الاوروبي على سوريا (والذي سينتهي مفعوله في ايار)، وتسليح الثوار.
جان دافيد لويت (67 سنة) الذي عمل كمستشار سياسي كبير للرئيس الفرنسي المنصرف نيكولا ساركوزي وجاك شيراك، وكان مشاركا في عملية اتخاذ القرارات في فرنسا في المسائل السياسية والامنية على مدى نحو 20 سنة، يشرح في مقابلة اولى لصحيفة اسرائيلية بان السلاح ضروري للثوار لحسم الصراع ضد الاسد واسقاطه. ‘منذ بدء الثورة في سوريا، قتل نظام الاسد نحو 80 الف نسمة. عندما تفعل ذلك، لا تكون طريق للعودة. لا مستقبل للاسد. وهو لن يبقى في منصبه ضمن أي تسوية سياسية’، يقول لويت. ‘نحن مع حل يتحقق بالمفاوضات التي غايتها الحيوية هي الحفاظ على الحكم المركزي في الدولة، ولكن بدون الاسد. لتحقيق هذا، يجب التأكد بان لدى معارضي الاسد وسائل الانتصار من ناحية عسكرية واسقاط الاسد’.
غير أن اسرائيل تخشى من تسليح جماعات الثوار في سوريا بسلاح متطور من شأنه أن يستخدم ضدها في سيناريو مستقبلي. والتشديد الاسرائيلي هو على أنه اذا ما تقرر بالفعل نقل السلاح الى الثوار فينبغي التأكد من أنها ليست الجماعات الاسلامية المتطرفة والكفيلة بان تصبح شريكا سياسيا للغرب في اليوم التالي لسقوط الاسد.
المشكلة الروسية
وكان لويت انسحب من خدمة الدولة مع خسارة ساركوزي في الانتخابات وهو يعمل اليوم بروفيسور في جامعة Sciences Po في باريس، المؤسسة الاعتبارية التي تؤهل النخب السياسية والدبلوماسية في الدولة. وقد جاء في زيارة قصيرة الى اسرائيل للمشاركة في المؤتمر السنوي لمعهد بحوث الامن القومي الذي ينعقد هذا الاسبوع.
ويلغي لويت التخوف من وصول السلاح الى منظمات الارهاب من اوساط الثوار فيقول انه ‘من جهة ايران وروسيا تسلحان جيش الاسد. ومن جهة اخرى السعودية وقطر تزودان بالسلاح منظمات المعارضة الاكثر تطرفا من بين الاخوان المسلمين والسلفيين الذين يقاتلون ضد الاسد. الوحيدون الذين لا يحصلون على السلاح هم أعضاء المعارضة الذين لا ينتمون الى هذه الجماعات’، يقول لويت. ‘ولهذا فان مسألة وجود سلاح هي مسألة سخيفة في دولة مثل سوريا، فيها اليوم الكثير من السلاح لهذا القدر الكبير من الجهات المختلفة’.
وعلى حد قوله، فان تلك الجهات في أوساط الثوار ممن سيتلقون السلاح الغربي قريبون من الغرب في قيمهم الديمقراطية وفي حقوق الانسان. ‘نحن نأمل أن يكونوا هم الذين يكون لهم دور هام في المفاوضات على الحل السياسي في الدولة والحفاظ على وحدة سوريا’. يبدو أن لويت يقصد في حديثه الائتلاف الوطني المعارض الذي يترأسه معاذ الخطيب، ‘الاسلامي المعتدل’، الذي استقال قبل بضعة ايام على خلفية الصراعات والخلافات الداخلية وكذا النبش السياسي من جانب دول مختلفة معنية بالتأثير على هذا الاطار.
لثلاث مرات حاولت الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا اتخاذ قرار في مجلس الامن في الامم المتحدة باغلاق المجال الجوي في سوريا. والمرة تلو الاخرى كانت روسيا، والصين في اعقابها، فرضت الفيتو ومنعت اتخاذ القرار. ففي ذاكرة روسيا تحز الاهانة جراء تأييدها لقرار مشابه في حالة ليبيا. غير أنه في حينه، بدلا من منح المساعدة الانسانية للسكان، فان الطائرات البريطانية والفرنسية حامت في المجال الجوي الليبي وادت الى اسقاط القذافي. اما الان فترفض روسيا المساهمة في قرار مشابه يلغي وجود سوريا كدولة. اما الرئيس الامريكي براك اوباما من جهته فيرفض السماح بعملية عسكرية لا تكون في اطار قرار من الامم المتحدة.
ولا يتأثر لويت كثيرا بموقف روسيا الاشكالي. فهو متأكد من أن روسيا ستغير موقفها وتنتقل الى جانب الثوار حين يتغير ميزان القوى في صالحهم بعد تدهور الوضع بسرعة فتفهم بأن هذا هو السبيل الوحيد لانهاء حكم الاسد.
وماذا سيحصل اذا لم يسلح الثوار؟
الاسد سيبقى الى الابد وسيواصل قتل أبناء شعبه.
مسؤولية استعمارية
ليس هكذا كان الحال دوما. فقد كانت هناك أيام كانت فيها وزارة الخارجية الفرنسية وقصر الاليزيه متفائلين بالاسد الابن. وأنا ولويت نتذكر زيارة لبشار الاسد الى باريس مع نهاية القرن الماضي، حين كان بشار مسؤولا عن الملف اللبناني، وخلف والده حافظ بعد فترة وجيزة من ذلك. ويتذكر لويت شابا عرض نفسه بصفته ‘رجلا حديثا، مفعما بالطموح لاحداث تغييرات واسعة في سوريا’. ولم تمر اشهر كثيرة الى أن تبين، وليس للفرنسيين وحدهم، بان نمط حكم الطغيان في سوريا سيبقى على حاله. ويعترف لويت فيقول: ‘اعتقدنا أنه سيكون مختلفا عن أبيه، ولكن للاسف هذا لم يحصل’.
غير ان الآمال هي شيء والمصالح هي شيء آخر. فسوريا ولبنان كانا على مدى عشرات السنين منطقة نفوذ فرنسية صرفة. وبغض النظر عما احدثه طغيان الاسد في سوريا وتدخله العميق في لبنان من ضيق لشيراك، ما كان بوسع فرنسا أن تسمح لنفسها بالانقطاع عن نفوذها التقليدي. كل هذا حتى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط 2005. ويشير لويت الى أن ‘هذه كانت نهاية الحوار بين شيراك والاسد’.
وعندما انتخب ساركوزي في 2007 رئيسا لفرنسا، دعا لويت للعودة الى القصر ليكون مستشاره الكبير. لبنان في تلك الايام كان في شلل سياسي ولم يكن بوسعه اختيار رئيس، مع تدخل هائل لحزب الله في كل ما يجري. وحاول ساركوزي ما فشل فيه شيرا. فقد أرسل لويت ورئيس طاقمه الى لقاء مع الاسد في دمشق. وناشداه الكف عن التصفيات والسماح بانتخابات حرة للرئاسة في لبنان. وبالفعل انتخب ميشيل سليمان رئيسا للبنان في ايار 2008. في حزيران 2008 جاء ساركوزي في زيارة الى اسرائيل. وفي تلك الايام كانت تركيا تتوسط بين الاسد ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت في محاولة لحث تسوية سلمية بين الدولتين. ولاحقا أقام ساركوزي منظمة دول البحر المتوسط. ويستعيد لويت كيف أنه في المؤتمر التأسيسي جلس هو الى جانب اولمرت والاسد وعبدالله وبوتفليقة وسليمان الواحد الى جانب الاخر، في مشهد يبدو خياليا. وأعلن الاسد في حينه لاول مرة بان سوريا تعترف بلبنان كدولة مستقلة وأن الدولتين تتبادلان السفراء.
غير أن في حينه جاءت أحداث الربيع العربي الى سوريا ومرة اخرى تشوشت السياسة الفرنسية حيال سوريا. ويشرح لويت فيقول ان ‘الاسد قرر بان الطريق الوحيد لمواجهة الاحداث هي الهجوم على شعبه. في نظرنا هذا لم يكن مقبولا. عندما يهاجم الزعيم شعبه، فان من مسؤولية الاسرة الدولية وقف المذبحة’.
على مدى سنوات طويلة تمكن لويت من العمل مع ثلاثة وزراء اسرائيليين: مرتين مع نتنياهو ومرة مع باراك ومع اولمرت. ووصفه موظفون اسرائيليون كبار عملوا معه بانه مهني من الدرجة الاولى، دبلوماسي وابداعي وغير جامد. وحتى في لحظات الخلاف بين ساركوزي ونتنياهو حول المسألة الفلسطينية والبناء في المستوطنات، حافظ لويت، وهو ابن لاب يهودي على عطفه لاسرائيل وحاول تخفيض مستوى اللهيب بالتعاون مع نظيره الاسرائيلي عوزي اراد. ومن الجهة الاخرى، في المسألة الايرانية كان ساركوزي اكثر حزما من اوباما واقرب الى مواقف نتنياهو. وفي أثناء المقابلة يمتنع لويت عن الحديث عن تلك الخلافات.
وبالنسبة للخطر على اسرائيل من المنظمات الارهابية التي تقاتل ضد الاسد يحبذ لويت الرد على السؤال بطريقته الهادئة: ‘انتم تسيطرون حاليا في هضبة الجولان. واذا توفر حل سياسي وصعد نظام ديمقراطي يرغب في الشروع في مفاوضات مع اسرائيل، فسيكون من حق الجمهور الاسرائيلي أن يقرر كيف يتصرف’.
وماذا اذا لم يتوفر حل سياسي؟
‘في مثل هذه الحالة، السيناريو المتطرف في سوريا هو يحصل في الصومال. بدون حل، الدولة ستتفكك، والجماعات المختلفة ستواصل القتال الواحدة ضد الاخرى حتى الانهيار التام لكل سلطة وطنية’.
وماذا بالنسبة لحزب الله؟ هل تعتقد أنه ضعف في أعقاب الاحداث في سوريا، وهل قدرته على ضرب اسرائيل بتعليمات من ايران أقل مما كانت في الماضي؟
‘ما يحصل في سوريا اليوم هو في مفهوم معين نهاية محور ايران سوريا حزب الله. يدور الحديث عن تأثير كبير للتطلعات الايرانية. ما نراه اليوم هو منافسة على سوريا بين ايران والشيعة وبين سُنة قطر وتركيا والسعودية. تخميني هو أن الاغلبية السنية في سوريا (التي تعد 70 في المائة من السكان، أ.ب) ستسيطر على الدولة. وحزب الله سيخسر الاسد والنظام العلوي الذي هو عرابه. وسيكون لذلك تأثير على كل المنطقة. ولهذا فان أولوية حزب الله هي عدم القتال ضد اسرائيل، بل مساعدة الاسد، الى جانب ايران، على النجاة. إذ غدا، اذا ما سقط الاسد، فان حزب الله سيخسر هو الاخر. إذن لديهم أيضا بشائر طيبة’.
هذا الاسبوع عادت لتطفو الى السطح مرة اخرى مسألة الاستخدام الذي تم او لم يتم من قبل جيش الاسد للسلاح الكيميائي ضد الثوار. وخلافا للامريكيين، فان موقف اسرائيل يؤيد التقديرات البريطانية والفرنسية بانه تم بالفعل مثل هذا الاستخدام. جانب مقلق آخر هو مشكلة جموع اللاجئين من سوريا الذين يغرقون الاردن وتركيا ولبنان. نحو مليون نسمة هربوا من سوريا، الامر الذي يهدد بتشويش الاستقرار في المنطقة ولا سيما في الاردن الهش.
كنتيجة لذلك، يتعاظم الضغط للتدخل العسكري الخارجي أو على الاقل منح مساعدة عسكرية ذات مغزى للثوار الذين لا ينتمون الى الجماعات الاسلامية المتطرفة. الولايات المتحدة، التي يتواجد 200 جندي لها على الحدود الاردنية السورية، وان كانوا يدربون الثوار وينقلون لهم مساعدات مالية كبيرة، الا ان الولايات المتحدة لا تزال تصر على معارضتها تسليم الثوار أو اي تدخل عسكري أكثر أهمية. اما بريطانيا وفرنسا بالمقابل فتؤيدان عدم استئناف حظر السلاح الذي فرضه الاتحاد الاوروبي على سوريا (والذي سينتهي مفعوله في ايار)، وتسليح الثوار.
جان دافيد لويت (67 سنة) الذي عمل كمستشار سياسي كبير للرئيس الفرنسي المنصرف نيكولا ساركوزي وجاك شيراك، وكان مشاركا في عملية اتخاذ القرارات في فرنسا في المسائل السياسية والامنية على مدى نحو 20 سنة، يشرح في مقابلة اولى لصحيفة اسرائيلية بان السلاح ضروري للثوار لحسم الصراع ضد الاسد واسقاطه. ‘منذ بدء الثورة في سوريا، قتل نظام الاسد نحو 80 الف نسمة. عندما تفعل ذلك، لا تكون طريق للعودة. لا مستقبل للاسد. وهو لن يبقى في منصبه ضمن أي تسوية سياسية’، يقول لويت. ‘نحن مع حل يتحقق بالمفاوضات التي غايتها الحيوية هي الحفاظ على الحكم المركزي في الدولة، ولكن بدون الاسد. لتحقيق هذا، يجب التأكد بان لدى معارضي الاسد وسائل الانتصار من ناحية عسكرية واسقاط الاسد’.
غير أن اسرائيل تخشى من تسليح جماعات الثوار في سوريا بسلاح متطور من شأنه أن يستخدم ضدها في سيناريو مستقبلي. والتشديد الاسرائيلي هو على أنه اذا ما تقرر بالفعل نقل السلاح الى الثوار فينبغي التأكد من أنها ليست الجماعات الاسلامية المتطرفة والكفيلة بان تصبح شريكا سياسيا للغرب في اليوم التالي لسقوط الاسد.
المشكلة الروسية
وكان لويت انسحب من خدمة الدولة مع خسارة ساركوزي في الانتخابات وهو يعمل اليوم بروفيسور في جامعة Sciences Po في باريس، المؤسسة الاعتبارية التي تؤهل النخب السياسية والدبلوماسية في الدولة. وقد جاء في زيارة قصيرة الى اسرائيل للمشاركة في المؤتمر السنوي لمعهد بحوث الامن القومي الذي ينعقد هذا الاسبوع.
ويلغي لويت التخوف من وصول السلاح الى منظمات الارهاب من اوساط الثوار فيقول انه ‘من جهة ايران وروسيا تسلحان جيش الاسد. ومن جهة اخرى السعودية وقطر تزودان بالسلاح منظمات المعارضة الاكثر تطرفا من بين الاخوان المسلمين والسلفيين الذين يقاتلون ضد الاسد. الوحيدون الذين لا يحصلون على السلاح هم أعضاء المعارضة الذين لا ينتمون الى هذه الجماعات’، يقول لويت. ‘ولهذا فان مسألة وجود سلاح هي مسألة سخيفة في دولة مثل سوريا، فيها اليوم الكثير من السلاح لهذا القدر الكبير من الجهات المختلفة’.
وعلى حد قوله، فان تلك الجهات في أوساط الثوار ممن سيتلقون السلاح الغربي قريبون من الغرب في قيمهم الديمقراطية وفي حقوق الانسان. ‘نحن نأمل أن يكونوا هم الذين يكون لهم دور هام في المفاوضات على الحل السياسي في الدولة والحفاظ على وحدة سوريا’. يبدو أن لويت يقصد في حديثه الائتلاف الوطني المعارض الذي يترأسه معاذ الخطيب، ‘الاسلامي المعتدل’، الذي استقال قبل بضعة ايام على خلفية الصراعات والخلافات الداخلية وكذا النبش السياسي من جانب دول مختلفة معنية بالتأثير على هذا الاطار.
لثلاث مرات حاولت الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا اتخاذ قرار في مجلس الامن في الامم المتحدة باغلاق المجال الجوي في سوريا. والمرة تلو الاخرى كانت روسيا، والصين في اعقابها، فرضت الفيتو ومنعت اتخاذ القرار. ففي ذاكرة روسيا تحز الاهانة جراء تأييدها لقرار مشابه في حالة ليبيا. غير أنه في حينه، بدلا من منح المساعدة الانسانية للسكان، فان الطائرات البريطانية والفرنسية حامت في المجال الجوي الليبي وادت الى اسقاط القذافي. اما الان فترفض روسيا المساهمة في قرار مشابه يلغي وجود سوريا كدولة. اما الرئيس الامريكي براك اوباما من جهته فيرفض السماح بعملية عسكرية لا تكون في اطار قرار من الامم المتحدة.
ولا يتأثر لويت كثيرا بموقف روسيا الاشكالي. فهو متأكد من أن روسيا ستغير موقفها وتنتقل الى جانب الثوار حين يتغير ميزان القوى في صالحهم بعد تدهور الوضع بسرعة فتفهم بأن هذا هو السبيل الوحيد لانهاء حكم الاسد.
وماذا سيحصل اذا لم يسلح الثوار؟
الاسد سيبقى الى الابد وسيواصل قتل أبناء شعبه.
مسؤولية استعمارية
ليس هكذا كان الحال دوما. فقد كانت هناك أيام كانت فيها وزارة الخارجية الفرنسية وقصر الاليزيه متفائلين بالاسد الابن. وأنا ولويت نتذكر زيارة لبشار الاسد الى باريس مع نهاية القرن الماضي، حين كان بشار مسؤولا عن الملف اللبناني، وخلف والده حافظ بعد فترة وجيزة من ذلك. ويتذكر لويت شابا عرض نفسه بصفته ‘رجلا حديثا، مفعما بالطموح لاحداث تغييرات واسعة في سوريا’. ولم تمر اشهر كثيرة الى أن تبين، وليس للفرنسيين وحدهم، بان نمط حكم الطغيان في سوريا سيبقى على حاله. ويعترف لويت فيقول: ‘اعتقدنا أنه سيكون مختلفا عن أبيه، ولكن للاسف هذا لم يحصل’.
غير ان الآمال هي شيء والمصالح هي شيء آخر. فسوريا ولبنان كانا على مدى عشرات السنين منطقة نفوذ فرنسية صرفة. وبغض النظر عما احدثه طغيان الاسد في سوريا وتدخله العميق في لبنان من ضيق لشيراك، ما كان بوسع فرنسا أن تسمح لنفسها بالانقطاع عن نفوذها التقليدي. كل هذا حتى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط 2005. ويشير لويت الى أن ‘هذه كانت نهاية الحوار بين شيراك والاسد’.
وعندما انتخب ساركوزي في 2007 رئيسا لفرنسا، دعا لويت للعودة الى القصر ليكون مستشاره الكبير. لبنان في تلك الايام كان في شلل سياسي ولم يكن بوسعه اختيار رئيس، مع تدخل هائل لحزب الله في كل ما يجري. وحاول ساركوزي ما فشل فيه شيرا. فقد أرسل لويت ورئيس طاقمه الى لقاء مع الاسد في دمشق. وناشداه الكف عن التصفيات والسماح بانتخابات حرة للرئاسة في لبنان. وبالفعل انتخب ميشيل سليمان رئيسا للبنان في ايار 2008. في حزيران 2008 جاء ساركوزي في زيارة الى اسرائيل. وفي تلك الايام كانت تركيا تتوسط بين الاسد ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت في محاولة لحث تسوية سلمية بين الدولتين. ولاحقا أقام ساركوزي منظمة دول البحر المتوسط. ويستعيد لويت كيف أنه في المؤتمر التأسيسي جلس هو الى جانب اولمرت والاسد وعبدالله وبوتفليقة وسليمان الواحد الى جانب الاخر، في مشهد يبدو خياليا. وأعلن الاسد في حينه لاول مرة بان سوريا تعترف بلبنان كدولة مستقلة وأن الدولتين تتبادلان السفراء.
غير أن في حينه جاءت أحداث الربيع العربي الى سوريا ومرة اخرى تشوشت السياسة الفرنسية حيال سوريا. ويشرح لويت فيقول ان ‘الاسد قرر بان الطريق الوحيد لمواجهة الاحداث هي الهجوم على شعبه. في نظرنا هذا لم يكن مقبولا. عندما يهاجم الزعيم شعبه، فان من مسؤولية الاسرة الدولية وقف المذبحة’.
على مدى سنوات طويلة تمكن لويت من العمل مع ثلاثة وزراء اسرائيليين: مرتين مع نتنياهو ومرة مع باراك ومع اولمرت. ووصفه موظفون اسرائيليون كبار عملوا معه بانه مهني من الدرجة الاولى، دبلوماسي وابداعي وغير جامد. وحتى في لحظات الخلاف بين ساركوزي ونتنياهو حول المسألة الفلسطينية والبناء في المستوطنات، حافظ لويت، وهو ابن لاب يهودي على عطفه لاسرائيل وحاول تخفيض مستوى اللهيب بالتعاون مع نظيره الاسرائيلي عوزي اراد. ومن الجهة الاخرى، في المسألة الايرانية كان ساركوزي اكثر حزما من اوباما واقرب الى مواقف نتنياهو. وفي أثناء المقابلة يمتنع لويت عن الحديث عن تلك الخلافات.
وبالنسبة للخطر على اسرائيل من المنظمات الارهابية التي تقاتل ضد الاسد يحبذ لويت الرد على السؤال بطريقته الهادئة: ‘انتم تسيطرون حاليا في هضبة الجولان. واذا توفر حل سياسي وصعد نظام ديمقراطي يرغب في الشروع في مفاوضات مع اسرائيل، فسيكون من حق الجمهور الاسرائيلي أن يقرر كيف يتصرف’.
وماذا اذا لم يتوفر حل سياسي؟
‘في مثل هذه الحالة، السيناريو المتطرف في سوريا هو يحصل في الصومال. بدون حل، الدولة ستتفكك، والجماعات المختلفة ستواصل القتال الواحدة ضد الاخرى حتى الانهيار التام لكل سلطة وطنية’.
وماذا بالنسبة لحزب الله؟ هل تعتقد أنه ضعف في أعقاب الاحداث في سوريا، وهل قدرته على ضرب اسرائيل بتعليمات من ايران أقل مما كانت في الماضي؟
‘ما يحصل في سوريا اليوم هو في مفهوم معين نهاية محور ايران سوريا حزب الله. يدور الحديث عن تأثير كبير للتطلعات الايرانية. ما نراه اليوم هو منافسة على سوريا بين ايران والشيعة وبين سُنة قطر وتركيا والسعودية. تخميني هو أن الاغلبية السنية في سوريا (التي تعد 70 في المائة من السكان، أ.ب) ستسيطر على الدولة. وحزب الله سيخسر الاسد والنظام العلوي الذي هو عرابه. وسيكون لذلك تأثير على كل المنطقة. ولهذا فان أولوية حزب الله هي عدم القتال ضد اسرائيل، بل مساعدة الاسد، الى جانب ايران، على النجاة. إذ غدا، اذا ما سقط الاسد، فان حزب الله سيخسر هو الاخر. إذن لديهم أيضا بشائر طيبة’.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق