الأحد، 24 مارس 2013

"الحرب على الإرهاب"سلوكيات عدائية امريكية الحرب على الاسلام

رالف بيترز
ليس عجيبا أن تصدر من بعض الأقلام بالولايات المتحدة آراء وأفكار لا يمكن وصفها إلا بأنها درب من أفلام خيالهم العلمي. لكن لولا تصرفات الإدارة الأمريكية وسياساتها المثيرة للجدل في شتى أنحاء العالم وخاصة في العالمين العربي والإسلامي، وكلها سلوكيات عدائية تتقمص اسم "الحرب على الإرهاب"، ما خرجت علينا مثل هذه الأفكار التي باتت غير مستبعدة اليوم مع الحديث الأمريكي المتكرر عن معالم الشرق الأوسط الجديد. وليس القصد هنا مناقشة ما يطرحه الكاتب الأمريكي الكولونيل المتقاعد "رالف بيترز" على الموقع الإلكتروني للقوات الأمريكية (Armed Forces Journal)، وهو يتحدث عن إعادة تقسيم الحدود بين دول الشرق الأوسط، تقسيما يقوم -كما يقول- على مراعاة الطائفية الدينية، ولكن القصد هو رؤية المدى الذي قد يذهب إليه الأمريكيون لتحقيق مصالحهم بالشرق الأوسط؛ حيث يقول الكاتب بيترز: "نحن مستمرون في الحرب لتحقيق الأمن في مواجهة الإرهاب، ولنشر الديمقراطية، ولتأمين الدخول لموارد النفط في منطقة مكتوب عليها أن تحارب بعضها".
ورغم أن الفكرة هي درب من الخيال كما سلف، فإن الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان، وإجماع التحليلات على كونها حربا أمريكية بالوكالة، كشفت عن وجود إمكانية حقيقية لتبني الولايات لجزء من هذا المقترح الذي صيغ في شهر يونيو 2006، ويعمل على إعادة رسم الحدود في الشرق الأوسط من منطلق يبدو إنسانيا، يظهر النقمة على ما صنعه الأوروبيون بهذه الشعوب وما فرضوه عليها من أشكال مصطنعة للدول خدمة لمصالحهم، لكن ذلك ينطوي بكل وضوح على رغبة الإمبراطورية الجديدة في إعادة رسم الخريطة بما يناسب مصالحها هي، الضيقة جدا في بعض الأحيان.
ومع مرور الذكرى الخامسة لبداية الحرب الأمريكية على الإرهاب، تصبح أهداف هذه الحرب على ضوء هذا المقال وعلى ضوء ما تم حتى الآن على أرض الواقع في أفغانستان والعراق ولبنان أكثر وضوحا.
ودون كثير من القراءة والتعليق، فإنه يكفي استعراض ترجمة مقال رالف بيتر الذي حمل عنوان: "الحدود الدامية: كيف سيبدو الشرق الأوسط أفضل؟". وفيما يلي نص الترجمة.
الحدود الدولية لا تكون أبدا عادلة بشكل كامل. وتختلف درجة الظلم التي توقعها هذه الحدود على الجماعات البشرية التي يفرض عليها الانفصال أو الاندماج بموجبها، بنفس درجات الاختلاف بين الحرية والقهر، وحكم القانون والإرهاب، والحرب والسلام.
وتعد أكثر الحدود الدولية تحكمية وتشوها في العالم هي تلك القائمة في أفريقيا وفي الشرق الأوسط؛ فالحدود الأفريقية التي رسمها الأوروبيون تبعا لمصالحهم الخاصة (رغم ما كان بينهم أنفسهم من مشاكل كافية في ترسيم حدود دولهم) تعتبر من أهم أسباب وفاة الملايين من الأفارقة حتى الآن، والحدود "الظالمة" في الشرق الأوسط تسبب من الأزمات ما يفوق قدرة المنطقة على احتمالها.
فالشرق الأوسط يعاني من مشكلات عديدة تفوق مسألة الحدود الدولية، ما بين جمود ثقافي وعدم مساواة كارثية وتطرف ديني، إلا أن المفتاح لفهم الفشل الشامل الذي تعانيه هذه المنطقة ليس الإسلام، وإنما الحدود المرسومة بشكل سيئ، والمقدسة في نفس الوقت إلى أبعد حد، تلك الحدود التي يحميها دبلوماسيونا.
رغم ذلك فإن تعديل الحدود لن يحل كل مشكلات الأقليات الموجودة في المنطقة، لكن الحدود المقترحة في هذا المقال تصحح الأخطاء المرتكبة بحق جماعات عانت كثيرا مثل الأكراد والبلوش والشيعة العرب، لكنها لا تفيد كثيرا مسيحيي الشرق الأوسط أو البهائيين أو أقليات أخرى كثيرة أقل عددا. ومع هذا، فإن غياب مثل هذه المراجعات للحدود لن يمكننا أبدا من أن نرى شرق أوسط ينعم بالسلام.
نحو تغيير حدود دول الشرق الأوسط
غلاف كتاب أبدا لا تتركوا المعركة للكاتب رالف بيترز
لم يطور فن العلاقات الدولية أبدا وسائل فعالة لتصحيح الحدود الخاطئة سوى الحرب، إلا أن إعمال العقل في اقتراح حدود متناسقة في الشرق الأوسط يساعدنا على التوصل لفهم أكبر للصعوبات التي نواجهها هناك. إننا نتعامل في هذه المنطقة مع حجم هائل من التشوهات التي صنعها الإنسان، والتي لن تتوقف عن توليد الكراهية حتى يتم تصحيحها. البعض يرفضون التفكير "فيما لا يمكن التفكير فيه"، فهذه الحدود وضعت وانتهى الأمر، لكن هذا القول مردود عليه بأن الحدود لم تكن أبدا جامدة، فهي لم تتوقف عن التغيير على مر القرون، وكثير من الحدود يتغير فعلا من الكونجو وحتى القوقاز، مرورا بكوسوفو. وسر آخر صغير: التطهير العرقي يستخدم منذ 5 آلاف سنة.
نبدأ بتعديل الحدود الأكثر حساسية للقارئ الأمريكي، فلكي يكون هناك أمل لدى إسرائيل في أن تحيا بسلام مع جيرانها عليها أن تعود لحدودها قبل عام 1967، مع تغييرات داخلية أساسية لأسباب أمنية مشروعة. أما قضية الأراضي المحيطة بالقدس، مدينة ملطخة بآلاف السنين من الدماء، فقد يستعصي حلها فيما هو أبعد من مدة حياتنا. في القدس جعلت كل الأطراف من ربها "تاجرا للعقارات"، ونزلت في حلبة للصراع تفوق صراعات الطامعين في المال أو الثروات النفطية. لذلك سنترك هذه القضية جانبا مع كل ما تلاقيه من بحث واهتمام ونتطرق لقضايا أخرى مهملة تماما.
تعد أكثر حالات الظلم وضوحا في المنطقة الواقعة بين جبال البلقان والهيمالايا، غياب دولة كردية مستقلة. هناك ما بين 27 و36 مليون كردي يعيشون في مناطق متجاورة في الشرق الأوسط (والرقم هنا غير دقيق؛ لأن أيا من الدول لم تتح أبدا التعداد الحقيقي لهم)، وحتى أقل التقديرات لعدد الأكراد تجعل منهم أكبر جماعة إثنية في العالم ليست لها دولة خاصة بها، فعدد جماعات الأكراد يفوق عدد سكان العراق حاليا. وتعرضت هذه الجماعة للقهر من كل حكومة سيطرت على مناطق الجبال التي يعيشون فيها.
تقسيم العراق
فرصة عظيمة لتصحيح هذا الظلم، ضيعتها الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف بعد سقوط بغداد؛ فالعراق الدولة التي تشبه شبح فرانكنشتاين دولة مكونة من أجزاء يصعب دمجها، كان يجب تقسيمها مباشرة إلى ثلاث دول بعد سقوط بغداد، إلا أننا فشلنا في ذلك بدافع الخوف وغياب الرؤية، وأجبرنا الأكراد على تأييد الحكومة العراقية الجديدة. والحقيقة أنه إذا أجري استفتاء عام في ذلك الوقت، فإن 100% من الأكراد كانوا بلا شك سيصوتون لصالح الاستقلال.
كذلك سيؤيد هذه الدولة أكراد تركيا الذين عانوا منذ زمن طويل من التمييز والقمع العسكري العنيف ومحاولات القضاء على الهوية الكردية. ورغم أن أنقرة قد خففت قبضتها عن الأكراد في العقد الماضي، فإن القمع قد تصاعد مجددا حتى أصبح الخمس الشرقي من تركيا وكأنه أرض محتلة. أما أكراد سوريا وإيران فسوف يركضون أيضا للحاق بهذه الدولة إن استطاعوا.
إن رفض ديمقراطيات العالم مناصرة استقلال الأكراد يعد خطيئة ضد حقوق الإنسان أكبر بكثير من تلك الأخطاء الصغيرة التي تثير وسائل الإعلام لدينا بشكل متكرر. وللعلم، فإن كردستان حرة، تمتد من ديار بكر حتى تبريز، ستكون أكثر الدول المؤيدة للغرب في المنطقة الواقعة بين بلغاريا واليابان.
فينيقيا تبعث من جديد
سيترك ترسيم الحدود بشكل أكثر عدالة في العراق ثلاث مناطق ذات أغلبية سنية في شكل دولة مقطعة الأوصال، قد تقرر في النهاية الاتحاد مع سوريا التي ستفقد سواحلها، طبقا للخريطة المقترحة لصالح لبنان الكبرى ذات التوجه المتوسطي (فينيقيا التي بعثت من جديد).
أما الجنوب الشيعي للعراق القديم فسيكون أساسا لدولة عربية شيعية تطوق معظم الخليج الفارسي. وستحتفظ الأردن بأراضيها الحالية، مع بعض التوسعات باتجاه الجنوب على حساب السعودية، التي ستعاني مثلها مثل باكستان من التفكيك باعتبارهما دولا اصطناعية.
فأحد أسباب الجمود الكبير في العالم الإسلامي هو تعامل أسرة آل سعود الملكية في السعودية مع كل من مكة والمدينة باعتبارهما خاضعتين لسلطانها؛ حيث تقع أهم الأماكن الإسلامية المقدسة تحت سيطرة دولة بوليسية تعتبر من أشد نظم العالم قمعا، وحكما يحوز قدرا هائلا من الثروة النفطية غير المكتسبة، التي استطاع عبرها السعوديون أن ينشروا خارج حدود دولتهم ذات الرؤية الوهابية المتشددة للإسلام.
إن زيادة ثروة السعوديين ومن ثم تأثيرهم كان أسوأ شيء حدث للعالم الإسلامي كله منذ زمن النبي محمد، وللعرب منذ تعرضهم للغزو العثماني.
فاتيكان "إسلامي"!
ورغم أن غير المسلمين لا يستطيعون تحديد شكل إدارة الأماكن الإسلامية المقدسة، فلنتخيل كم سيصبح العالم الإسلامي أكثر صحية إذا صارت مكة والمدينة محكومتين بمجلس يضم ممثلين للمدارس والحركات الإسلامية الكبرى، وتكون رئاسته بالتناوب، في دولة إسلامية مقدسة تشبه فاتيكانا إسلاميا، حيث تتم مناقشة مستقبل أحد أكبر الأديان في العالم، بدلا من الخضوع لنظام يصدر الأوامر.
العدالة الحقيقية، والتي قد لا نحبها، تقتضي كذلك منح حقول البترول الساحلية في السعودية للشيعة العرب الذين يسكنون هذه المناطق، بينما الربع الجنوبي الشرقي يتم ضمه إلى اليمن. سيصبح بيت آل سعود أقل قدرة بكثير على إيذاء الإسلام أو العالم ككل عندما تقتصر دولة السعودية المستقلة على تلك الأراضي المتبقية حول الرياض.
أفغانستان وإيران وباكستان
أما إيران فستخسر جزءا كبيرا من أراضيها لصالح أذربيجان الموحدة، وكردستان الحرة، والدولة العربية الشيعية، وبلوشيستان الحرة، لكنها من جهة أخرى ستضم إليها الأقاليم المحيطة بـ"حيرات" في أفغانستان الحالية، وهي منطقة ذات ارتباط تاريخي ولغوي ببلاد فارس. إيران في الحقيقة ستصير دولة إثنية فارسية مرة أخرى، وسيكون السؤال الأصعب هو ما إذا كانت ستحتفظ حينئذ بميناء بندر عباس أم ستسلمه للدولة الشيعية العربية.
ستخسر أفغانستان لصالح إيران في الغرب، بينما ستكسب أراضي في الشرق، حيث سينضم أعضاء القبائل الموجودة على الحدود الباكستانية الشمالية الغربية إلى إخوانهم الأفغان. والفكرة هنا ليست رسم الخرائط كما نريدها نحن، ولكن كما يفضلها سكان هذه المناطق. باكستان، وهي دولة اصطناعية أخرى، ستفقد أيضا أراضي البلوش لصالح بلوشيستان الحرة، أما باكستان "الطبيعية" المتبقية فستكون بالكامل شرق الهند باستثناء جيب في الغرب قرب كاراتشي.
في حين سيكون مصير دول المدينة في الإمارات العربية المتحدة مختلطا؛ فبعضها سيدخل في الدولة العربية الشيعية التي ستطوق معظم منطقة الخليج الفارسي (وهي دولة من المتوقع أن تصبح موازنة لقوة إيران الفارسية عن أن تكون حليفة لها). ولأن كل الثقافات المتزمتة تعتمد على الرياء، فستكون دبي ضرورة، وسيسمح لها بأن تظل في مكانتها كملعب للأغنياء وملذاتهم. أما الكويت وعُمان فستظل كل منهما في حدودها الحالية.
في كل حالة، تعكس الحدود الافتراضية المطروحة هنا نوعا من علاقات النسب الإثنية أو نوعا من الطائفية الدينية أو كلاهما معا في بعض الحالات. وربما يكون تعديل الحدود بشكل يعكس رغبات الناس مستحيلا الآن، لكن مع الوقت، وبحار الدماء المتأهبة التي لا يمكن منعها، ستظهر حدود جديدة وطبيعية.
أمريكا تعالج التشوهات
وفي نفس الوقت، فإن نساءنا ورجالنا في زيهم العسكري سيستمرون في الحرب لتحقيق الأمن في مواجهة الإرهاب، ولنشر الديمقراطية، ولتأمين الدخول لموارد النفط في منطقة مكتوب عليها أن تحارب بعضها.
إن خطوط التقسيم الحالية التي تفصل قسرا بين جماعات بشرية، وتجبر جماعات أخرى على التوحد، مضافا إليها كوارث المنطقة ومشاكلها، تخلق تربة خصبة للتطرف الديني، ولثقافة اللوم ولتوظيف الإرهابيين تبعا لرغبة أي طرف. فعندما ينظر الرجال والنساء بحسرة إلى حدودهم، يصبحون مستعدين بحماس للبحث عن أعداء.
ما بين زيادة المعروض في العالم من إرهابيين، وقلة الإمدادات النفطية، فإن التشوهات القائمة في الشرق الأوسط تعد بالمزيد من تدهور الأوضاع. وعلى الولايات المتحدة وحلفائها، وقواتنا المسلحة من قبلهم، أن تدرك أنها ستواجه أزمات بلا نهاية، في منطقة لم تبد فيها سوى أسوأ مظاهر القومية، وتتجه فيها أكثر المعاني المغشوشة للدين نحو السيادة في ظل الإحباط الذي يعانيه هذا الدين. ورغم أن العراق يقدم نموذجا للأمل، بشرط ألا نترك أرضه قبل أن تنضج، فإن بقية المنطقة تطرح مشاكل متفاقمة على كل الجبهات تقريبا.
وأخيرا، إذا لم يتم تعديل الحدود في الشرق الأوسط الكبير لتعكس روابط الدم والروابط الدينية الطبيعية، فإن بحار الدماء في المنطقة ستستمر، بما فيها دماؤنا نحن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق