الأحد، 31 مارس 2013

الصحراء الغربية مغربية لماذا التشردم والكذب على الحقائق التاريخية


 

تتبدل مقاربة العالم لمسألة الصحراء بشكل يعيد حيوية إلى حراك المعالجات والمساعي. لم تعد أزمة الصحراء أزمة محلية تأخذ بعداً إقليمياً فقط، بل إن «الوضع في منطقة الساحل وجوارها يجعل حلّ قضية الصحراء أمرا ملحّا أكثر من أي وقت مضى». الكلام هنا لكريستوفر روس المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء.
العالم إذاً، لا يحتمل مراوحة أو تلكؤا في التعاطي مع معضلة أضحت تتداعى سلبا على أمن المنطقة منذ اندلاع الأزمة في مالي وتحولاتها المحتملة. ومع سعي روس إلى مقاربة الأمر على نحو مختلف عن مقاربات الأمس، ومع همّة الرجل في استكشاف امكانات الحلّ لدى الأطراف التقليديين، أو لدى أطراف أخرى مستجدّة، فإن «ورم» المسألة، وكما يجمع المراقبون، يتغذى من موقف الجزائر الخشبي، والمتحكم في قرار «البوليساريو»، فيما يروج موقف المغرب الذي تميل عواصم القرار الكبرى إلى اكتشافه براغماتيا وسطيا عقلانيا. والرباط في هذا السياق كررت هذه الأيام للموفد الأممي التشبث باقتراحها التاريخي لتطبيق حكم ذاتي موسع في الصحراء كحلّ للنزاع. الأمر محسوم، وما سمعه روس واضح لا يحمل تأويلاً ولا يحتمل اجتهاداً.
لكريستوفر روس مقاربة جديدة للتفاوض تختلف عن تلك التي لم تصل خواتيمها إلى نضوج طبخة الحلّ. الرجل تعمّد توسيع دائرة اتصالاته مع الصحراويين، لإدخال أطراف أخرى في المفاوضات المباشرة بين المغرب و»البوليساريو». الفكرة ليست رسمية، بل تسرّبت من أسئلة طرحها روس على صحراويين داخل أحزاب مغربية حول ما إذا كانوا يعتقدون أن توسيع دائرة التفاوض يمكن أن يكون ناجعا.
بلدان المنطقة جميعا مدعوة للتقاطع حول الحلّ المنشود. كريستوفر روس يتناقش مع الصحراويين (داخل البوليساريو ومعارضيها)، لكنه يجول في الجزائر وموريتانيا، إضافة إلى المغرب، لقراءة المزاج الإقليمي الراهن، وقياس درجات تبدله بعد التطورات الدراماتيكية في مالي، وتعرض دول المنطقة مجتمعة لنمو أخطار الإرهاب الذي تحمله «القاعدة» والجماعات الجهادية الملحقة. شيء ما دفع كريستوفر روس إلى التخلي عن أسلوب المفاوضات غير الرسمية بين المغرب و»البوليساريو». اعتُمد هذا الشكل من التفاوض سابقا في آب (أغسطس) 2009، لكن تسع جولات من هذه المفاوضات لم تحقق أي تقدم يُذكر. اليوم يختار روس أسلوبا أكثر دينامية من خلال اعتماد الدبلوماسية «المكوكية»، بين كافة الأطراف، لعلّ في ذلك سبيلا لكسر الجمود وتفعيل محركات حلّ سلمي للنزاع.
أمام روس السعي لاستئناف جولة جديدة من المفاوضات من أجل إيجاد حلّ لمشكلة الصحراء وفق القرارات المتتالية الصادرة عن مجلس الأمن. وأمام روس أسابيع ليعرض خلاصة جهوده أمام مجلس الأمن الدولي (في 22 نيسان / إبريل المقبل). تغيّر المغرب منذ الإصلاحات التي اقترحها الملك محمد السادس، ومنذ النقاش الداخلي حول الإصلاحات الدستورية، انتهاء بالاستفتاء على تلك الإصلاحات، وبالتالي على دستور جديد للبلاد. تغيّر المغرب منذ قراءته المبكرة لتسونامي الربيع العربي، فدخل في ربيعه الخاص وفق توقيته الخاص. تغيّر المغرب بانتخابات انتجت حكومة منتخبة تتحمل ديمقراطيا قسطها التنفيذي من مسؤولية إدارة الشأن العام. تغيّر المغرب في الشكل والمضمون. وفي التغيّر ثبات على مواقف قديمة أساسية في فهم البلاد، ملكا وحكومة وشعبا، لمعايير السيادة الكاملة، والأساليب الحديثة لإدارة خصوصيات ذلك.
أدرك روس ذلك. سمع من السلطة التنفيذية (بشخص رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران) ومن السلطة التشريعية (بشخص رئيس مجلس النواب كريم غلاب ورئيس مجلس المستشارين محمد الشيخ بيد الله)، كما من المشرف على تنفيذ سياسة المملكة الخارجية (سعد الدين العثماني وزير الخارجية)، والمشرف على سياسة المملكة الأمنية (محند العنصر وزير الداخلية). سمع المبعوث الأممي  إجماعا مغربيا، قديما جديدا، على ثابتتين : الأولى، إرادة قوية صادقة وجادة للمغرب لأجل إيجاد تسوية دائمة مقبولة من الأطراف ومتوافق عليها لحل هذا النزاع. والثانية، التمسك بالمقترح المغربي القائم على حكم ذاتي موسع يمثل إطارا للحلّ، ويشكل أفقا لتسوية النزاع. وما يتسرب من مداولات روس أن الرجل حمل اقتراحا لارتباط فيدرالي أو كونفدرالي بين المغرب والصحراء. وما تسرب يفيد أن الرباط تعاملت مع المقترح بإيجابية طالما أنه يحافظ على السيادة المغربية كاملة. أوساط مراقبة اعتبرت أنه، وبغض النظر عن الموقف الرسمي النهائي الذي قد تصدره الرباط حول المقترح، فإن مقاربة كريستوفر روس هذه، تنتمي إلى روح القراءة المغربية لمسألة الصحراء، لجهة اقتراح فكرة الحكم الذاتي. ذلك أن الحكم الفدرالي أو الكنفدرالي يعترفان بالسيادة للمركز، ويعترفان بالحكم الذاتي لبعض الأطراف.
في مقاربة المغرب لمسألة الصحراء قناعة تلتقي مع الهمّ الدولي الأمني العام. تعرف الرباط أن لا حلّ لمسألة الإرهاب وتداعيات استحقاق مالي دون حضور ومشاركة المغرب (وزيارة الرئيس الفرنسي للمغرب في الأيام المقبلة تأتي في هذا السياق). تعرف الرباط ماذا تملك وأية معطيات بحوزتها. تعرف الرباط أن الجانب «الصحراوي» أضحى أحد المفاتيح الأساسية للاستقرار الأمني للمنطقة والعالم. وتعرف الرباط أن مقاربتها التاريخية للحلّ أضحت مطلوبة من العالم، كونها الأكثر نضجا والأقدر مسؤولية والأنجع تصورا. والرباط في تمسكها بنموذجها للحلّ، تتحسس مدى اتجاه المنطق الدولي (والإقليمي حكماً) باتجاهه (لاحظ قرب توصل المغرب والاتحاد الأوروبي إلى «اتفاقية شاملة» للتجارة الحرة). وربما ذلك ما يفسّر صلابة الموقف المغربي ووضوح سبل التعبير عنه (إبعاد نواب أوروبيين مؤيدين للبوليساريو، محاكمة صحراويين شاركوا في أحداث مخيم «أكديم يزيك» على سبيل المثال مؤخراً). في مقاربة المغرب لمسألة الصحراء تحليق يتجاوز الصحراء نحو امتدادات أفريقية. تنطلق نظرة العاهل المغربي من استراتيجية تروم التواصل مع الدول الأفريقية عامة ودول جنوب الصحراء خاصة. وما جولة الملك محمد السادس الأفريقية إلا اتساق مع تلك الاستراتيجية وروافدها. الأمن والسياسة والاقتصاد والاستقرار، ميادين لا تتمّ معالجتها بالمفرّق بل بفلسفة كليّة شاملة. يذهب رئيس مجلس المستشارين محمد الشيخ بيد الله (وهو من الصحراء) في هذا الصدد، إلى التذكير بثابتة استراتيجية اكتشفها المؤرخون قديماً من أن «الصحراء الكبرى هي البحر الأبيض المتوسط الآخر». في ذلك ما يفسر أهمية شمال مالي وجنوب الجزائر في ترتيب البيت الأفريقي، وما للحلّ في قضية الصحراء من أهمية قصوى على توضيب أمن أفريقيا بعد الحرب في مالي. والأمر كان أشار إليه وزير الداخلية محند العنصر من أن «التطورات الخطيرة التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء أثبتت صحة الموقف المغربي ومصداقيته بخصوص وجود ترابط وثيق بين تناسل المنظمات الإرهابية ومافيات تهريب المخدرات وفوضى السلاح واختطاف الأجانب بهذه المنطقة٬ وبين إطالة أمد النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء».
في كلام العنصر غمزٌ من قناة الجزائر، فهل من تبدل في موقف الجزائر؟ لم يتردد المغرب لحظة في إدانة الاعتداء الذي تعرضت له منطقة عين أميناس جنوب شرق الجزائر. والمسألة حسب الرباط، ليست طقسا دبلوماسيا شفهيا، بل قناعة كاملة بأن أمن المغرب من أمن المنطقة عامة وأمن الجزائر خاصة. مشكلة الصحراء باختصار هي مشكلة بين المغرب والجزائر. وإذا ما عبّرت الرباط عن توق لحلّ تلك المشكلة وفتح الحدود وتطبيع العلاقات، فإن الأمر ما زال عصيا من الناحية الجزائرية. أمر الصحراء جزءٌ من البروباغندا الداخلية التي ما زالت تحكم الجزائر منذ الاستقلال. وموقف الجزائر ما زال معاندا لارتباط مسألة الصحراء بشبكة مصالح لها علاقة بمؤسسة الحكم وتفاصيل الحاكمين. لكن شيئا ما تغيّر منذ «مالي». وما تغيّر سيفرض شروطه على دول المنطقة كافة، والجزائر في مقدمتها، لإعادة مراجعة مواقف واستراتيجيات تثبت يوما بعد يوم عقمه، وتدفع العالم لرفد منطق الرباط في الأفق العام حتى لو كان ذلك يتطلب تدوير زوايا التفاصيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق