لا شك في أن تغيير الصورة المأسوية
الحالية في سورية هي مسؤولية المعارضة السياسية. وسيتعيّـن على المعارضة أن
تواجهها صراحة، عاجلاً أو آجلاً، وأن تقترح صيغة لمشاركة محاورين ذوي
صدقيّة، نيابة عن الجهات الفاعلة الرئيسية المؤسّسية والمجتمعيّة التي
تصطفّ حتى الآن ضدّها. ويجب أن يكون لهذه الجهات الفاعلة رأي في وضع تدابير
بناء الثقة الموقّتة، ووضع ضمانات جادّة لأمنها في الدولة السورية ما بعد
الأسد.
هذا هو التحدّي الأصعب الذي تواجهه المعارضة، وفي نهاية المطاف التحدّي الأكثر أهميّة هو أن تقاسم السلطة لا يقتصر على تسريع انهيار النظام فقط، بل يتعلّق أيضاً بالتأكد أن جهاز الدولة ونواة الجيش وكوادر الحزب السابقة ومسؤولي النقابات، وغيرهم الكثير، سيتعاونون مع السلطات الحاكمة الجديدة. ويبدو أن المعارضة لا ترى في ذلك إشكاليّة من أي نوع، على افتراض أن أجهزة الدولة ستنفّذ مخطّـطاتها الخاصة بسورية الجديدة بعدما تتولّى السلطة، لأنها واثقة من أن غالبية كبيرة من السوريين تؤيّدها. لكن هكذا استحكام سهل ومتيسّر لكنّه غير ممكن، كما أظهرت كلّ الحالات الانتقالية في «الربيع العربي». ما لم تتبنّ المعارضة هذا النوع من المقاربة السياسية لهزيمة النظام، فإن خططها لـ«اليوم التالي»، المتمثّلة في: تحقيق العدالة الانتقالية، والتعويض العاجل لضحايا العنف، وإعادة الخدمات العامة، وإعادة بناء الاقتصاد والبنية الأساسية، يمكن أن تتعطّل، ما يعيد سورية الى دوّامة العنف والانهيار المؤسّسي.
ومن هذا المنطلق، كانت المبادرة السياسية لمعاذ الخطيب التي خلّفت أصداء عدة وتردّدات كثيرة في اتجاهات عدة داخلية وخارجية، وربما الأهم أنها أحدثت ردود فعل سريعة داخل الطائفة العلويّة، التي كانت حتى الآن لا تزال متماسكة وراء آل الأسد وآل مخلوف، والتي وجدت فيها مخرجاً من حرب أهليّة زاحفة لن يخرج منها العلويون بسلام، بسبب الخلل الديمغرافي الكاسح مع الغالبية السنّية. وهكذا نسب صحافيون غربيون إلى رئيس عشيرة علويّة (ومعظم العلويين من العشائر) قوله: «لقد بتنا في حاجة إلى معطف جديد، لأن المعطف الحالي (أي آل الأسد ـ مخلوف)، لم يعد قادراً على حمايتنا».
بيد أن التأثير الأهمّ لمبادرة الخطيب، في حال لم تؤدّ إلى تقسيم المعارضة بدل قسمة الموالاة، بسبب معارضة جماعة «الإخوان المسلمين» السورية لها، كانت على الصعيد الدولي. فإلى الشرخ الأوّلي الذي أحدثته في الصف الروسي ـ الإيراني، لاقت المبادرة دعماً عملياً من العديد من الأطراف في الادارة الأميركية التي كانت تضغط لتغيير الموقف الاستنكافي الأميركي حيال الأزمة السورية، وهو ضغط كان واضحاً في شهادة وزير الدّفاع السابق ليون بانيتا أمام الكونغرس، والتي كشف النّقاب خلالها عن أن كلاً من وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ«سي.آي إيه» ووزارة الخارجية، أجمعوا كلّهم على ضرورة تسليح بعض فصائل المعارضة السورية، بهدف حسم الموقف هناك.
بيد أن الرئيس باراك أوباما، ولاعتبارات انتخابية بحتة، علاوة على رغبته في عدم إغضاب إسرائيل، التي كانت لا تزال تعتبر نظام الأسد ضمانة أمنيّة لها، ولاستمرار سيطرتها على مرتفعات الجولان الاستراتيجية، رفض كلّ هذه المطالب واكتفى بالاختباء وراء الڤيتو الروسي في مجلس الأمن لينأى بنفسه عن الأزمة السورية.
أما الآن، فقد انتهت الانتخابات الرئاسية، وسيكون على أوباما من الآن فصاعداً أن يكون واضحاً في الاختيار بين أحد أمرين: إما إدارة الظهر نهائياً لسورية، أو الدخول بقوّة على خطّ أزمتها لحسم الأمور هناك لغير مصلحة طرفين متناقضين معاً: إيران والجهاديين معاً.
صحيفة الـ«واشنطن بوست»، التي تعبّـر عادة عن آراء أو توجّهات البنتاغون الأميركي، نشرت مؤخّراً تقريراً مثيراً يعبّـر عن القلق الذي يعتري المؤسّسة العسكرية الأميركية، من احتمال تعزيز النفوذ الأمني ـ العسكري الإيراني في سورية، على رغم حالة الاستنزاف المالي ـ الاقتصادي الكبير، التي تعانيها طهران بسبب دعمها النظام السوري.
فقد تحدّث التقرير عن قيام إيران بتشكيل وتدريب وتسليح ميليشيا علويّة ـ شيعية في سورية، تضمّ خمسين ألف عنصر، كوسيلة لضمان الحفاظ على وجودها في المناطق العلويّة على ضفاف البحر المتوسط، في حال سقط نظام الأسد. والأخطـر، أن التقرير أشار إلى احتمال إقامة تواصل جغرافي بين هذا الكيان العلوي وبين الشيعة في شرقي لبنان.
هذا التطوّر، لن يكون بالطبع مقبولاً، لا لدى البنتاغون ولا لدى تل أبيب، لاعتبارات استراتيجيّة واضحة، تتعلّق بالصّراع العام مع إيران على كلّ الرّقعة الشرق أوسطية، وبالتالي، كان نشـر هذا التقرير على هذا النحو المثير، رسالةً واضحةً من فوق الماء إلى الرئيس أوباما نفسه، الذي يتعيّـن عليه الآن أن يستبدل اعتباراته الانتخابية بالاعتبارات الاستراتيجية، التي تمسّ الأمنين القوميين، الأميركي والإسرائيلي معاً. لقد أعلن أوباما، في خطابه أمام الكونغرس يوم 12 شباط (فبراير) من العام 2013 عن حالة الاتحاد، أنه «سنواصل الضّغط على النظام السوري الذي يقتل شعبه، وسندعم قادة المعارضة الذين يحترمون حقوق كلّ سوري». فهل كانت هذه إشارة إلى بدء تغيّر ما في موقفه؟
الواضح أن شيئاً ما قد تغيّر في إعلان وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري، عن تقديم مساعدات مادية وعينيّة مباشرة للمعارضة السورية. وإذا كان كيري اكتفى بالتأكيد أن هذه المساعدات ستشمل وسائل دفاعية غير قتالية، الأمر الذي خيّب آمال المعارضين الطامحين الى أسلحة نوعيّة تقيهم شرّ الطيران والدبابات، فإن المؤتمر أقرّ بتأكيد السعي الى تغيّر الميزان العسكري على الأرض. وعدم الحسم الأميركي في مدّ المعارضة بالسلاح مباشرة، ربما يعني أن المفاوضات الأميركية ـ الروسية لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، لم تفض بعد إلى أيّ اتّـفاق، وأن واشنطن ستكون مدفوعة في القادم من الأيام إلى «التفاوض بالرّصاص» مع الروس على الأرض السورية نفسها.
كيف؟ عبر الانضمام المباشر إلى الحرب بالوساطة التي تنغمس فيها الآن دول عربية وتركيا من جهة، وإيران وروسيا (وإلى حدٍّ ما الصين مالياً) من جهة أخرى. وإذا ما حدث ذلك، والأرجح أنه سيحدث، خصوصاً بعد الغارة الجوّيّة الإسرائيلية على قافلة صواريخ «سام ـ17» التي كانت متّجهة من سورية إلى لبنان والتي أشارت الى دخول تل أبيب على خط الأزمة ضد إيران وحليفها «حزب الله»، فإن الحرب السورية ستدخل مرحلة صاخبة جديدة، ستزجّ فيها الأطراف الإقليمية ـ الدولية بكلّ أسلحتها لمحاولة تغيير الجمود الرّاهن في موازين القوى لمصلحتها.
هل ثمّة مخرج ما من هذه الورطة الكارثية في سورية؟ التكتيكي البارع معاذ الخطيب قدّم للطائفة العلوية، وأيضاً للأطراف الخارجية المتوجّسة من انفجار كلّ المشرق العربي على يد الصاعق السوري، مثل هذا المخرج.
وإذا ما التقط حكماء هذه الطائفة طرف خيط هذه المبادرة، التي أشارت ضمناً إلى ضرورة رحيل الأسد، عبر دعوتها إلى الحوار مع نائب الرئيس فاروق الشرع، او أفراد النظام الذين لم تلوّث أيديهم يالدماء، ومضوا قدماً فيها، فسيكون ثمّة بصيص نور في آخر هذا النفق المظلم. ولكي يتمكّن من تفكيك النظام بشكل حاسم، يجب على الإئتلاف الوطني تقسيم صفوف هذا الأخير سياسياً. هذا يعني إقناع العلويين، وكذلك الطوائف الأخرى الصغيرة في سورية، وربما أعداد كبيرة من سكان المناطق الحضرية، بأن محاورين يحظون بثقتهم، سيمثّـلونهم في المفاوضات الرامية إلى إقامة نظام جديد. لكن ربما تسبق التطوّرات العسكرية هذا الحلّ السياسي، لكنه قد يكتسب جاذبيّة أيضاً عندما يبدأ نظام الأسد في الانهيار. ومن المرجّح أن يؤدّي ذلك إلى إحراج الإئتلاف الوطني، والذي سيجد صعوبة بمكان للتوصّل إلى توافق داخلي، في شأن أي شكل من أشكال تقاسم السلطة الموقّتة في سورية، حتى لو تمّ استبعاد الأسد. ولكن لا يمكنه تجنّب الاستجابة إلى ما لا نهاية لما يمكن أن تكون فرصة سانحة، لوضع حدّ لإراقة الدماء وضمان انتقال أكثر أمناً للسلطة. هذه الأسئلة لن تتلاشى إذا ما استولت المعارضة على دمشق، وامتدّت إلى المنطقة الساحلية حول اللاذقية وطرطوس وتحصّنت هناك، هذا بالطبع إذا ما كان لا يزال بالمستطاع بعد لمّ شمل الوطن السوري المبعثر، في إطار كيان سياسي موحّد أو حتى فيديرالي!
هذا هو التحدّي الأصعب الذي تواجهه المعارضة، وفي نهاية المطاف التحدّي الأكثر أهميّة هو أن تقاسم السلطة لا يقتصر على تسريع انهيار النظام فقط، بل يتعلّق أيضاً بالتأكد أن جهاز الدولة ونواة الجيش وكوادر الحزب السابقة ومسؤولي النقابات، وغيرهم الكثير، سيتعاونون مع السلطات الحاكمة الجديدة. ويبدو أن المعارضة لا ترى في ذلك إشكاليّة من أي نوع، على افتراض أن أجهزة الدولة ستنفّذ مخطّـطاتها الخاصة بسورية الجديدة بعدما تتولّى السلطة، لأنها واثقة من أن غالبية كبيرة من السوريين تؤيّدها. لكن هكذا استحكام سهل ومتيسّر لكنّه غير ممكن، كما أظهرت كلّ الحالات الانتقالية في «الربيع العربي». ما لم تتبنّ المعارضة هذا النوع من المقاربة السياسية لهزيمة النظام، فإن خططها لـ«اليوم التالي»، المتمثّلة في: تحقيق العدالة الانتقالية، والتعويض العاجل لضحايا العنف، وإعادة الخدمات العامة، وإعادة بناء الاقتصاد والبنية الأساسية، يمكن أن تتعطّل، ما يعيد سورية الى دوّامة العنف والانهيار المؤسّسي.
ومن هذا المنطلق، كانت المبادرة السياسية لمعاذ الخطيب التي خلّفت أصداء عدة وتردّدات كثيرة في اتجاهات عدة داخلية وخارجية، وربما الأهم أنها أحدثت ردود فعل سريعة داخل الطائفة العلويّة، التي كانت حتى الآن لا تزال متماسكة وراء آل الأسد وآل مخلوف، والتي وجدت فيها مخرجاً من حرب أهليّة زاحفة لن يخرج منها العلويون بسلام، بسبب الخلل الديمغرافي الكاسح مع الغالبية السنّية. وهكذا نسب صحافيون غربيون إلى رئيس عشيرة علويّة (ومعظم العلويين من العشائر) قوله: «لقد بتنا في حاجة إلى معطف جديد، لأن المعطف الحالي (أي آل الأسد ـ مخلوف)، لم يعد قادراً على حمايتنا».
بيد أن التأثير الأهمّ لمبادرة الخطيب، في حال لم تؤدّ إلى تقسيم المعارضة بدل قسمة الموالاة، بسبب معارضة جماعة «الإخوان المسلمين» السورية لها، كانت على الصعيد الدولي. فإلى الشرخ الأوّلي الذي أحدثته في الصف الروسي ـ الإيراني، لاقت المبادرة دعماً عملياً من العديد من الأطراف في الادارة الأميركية التي كانت تضغط لتغيير الموقف الاستنكافي الأميركي حيال الأزمة السورية، وهو ضغط كان واضحاً في شهادة وزير الدّفاع السابق ليون بانيتا أمام الكونغرس، والتي كشف النّقاب خلالها عن أن كلاً من وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ«سي.آي إيه» ووزارة الخارجية، أجمعوا كلّهم على ضرورة تسليح بعض فصائل المعارضة السورية، بهدف حسم الموقف هناك.
بيد أن الرئيس باراك أوباما، ولاعتبارات انتخابية بحتة، علاوة على رغبته في عدم إغضاب إسرائيل، التي كانت لا تزال تعتبر نظام الأسد ضمانة أمنيّة لها، ولاستمرار سيطرتها على مرتفعات الجولان الاستراتيجية، رفض كلّ هذه المطالب واكتفى بالاختباء وراء الڤيتو الروسي في مجلس الأمن لينأى بنفسه عن الأزمة السورية.
أما الآن، فقد انتهت الانتخابات الرئاسية، وسيكون على أوباما من الآن فصاعداً أن يكون واضحاً في الاختيار بين أحد أمرين: إما إدارة الظهر نهائياً لسورية، أو الدخول بقوّة على خطّ أزمتها لحسم الأمور هناك لغير مصلحة طرفين متناقضين معاً: إيران والجهاديين معاً.
صحيفة الـ«واشنطن بوست»، التي تعبّـر عادة عن آراء أو توجّهات البنتاغون الأميركي، نشرت مؤخّراً تقريراً مثيراً يعبّـر عن القلق الذي يعتري المؤسّسة العسكرية الأميركية، من احتمال تعزيز النفوذ الأمني ـ العسكري الإيراني في سورية، على رغم حالة الاستنزاف المالي ـ الاقتصادي الكبير، التي تعانيها طهران بسبب دعمها النظام السوري.
فقد تحدّث التقرير عن قيام إيران بتشكيل وتدريب وتسليح ميليشيا علويّة ـ شيعية في سورية، تضمّ خمسين ألف عنصر، كوسيلة لضمان الحفاظ على وجودها في المناطق العلويّة على ضفاف البحر المتوسط، في حال سقط نظام الأسد. والأخطـر، أن التقرير أشار إلى احتمال إقامة تواصل جغرافي بين هذا الكيان العلوي وبين الشيعة في شرقي لبنان.
هذا التطوّر، لن يكون بالطبع مقبولاً، لا لدى البنتاغون ولا لدى تل أبيب، لاعتبارات استراتيجيّة واضحة، تتعلّق بالصّراع العام مع إيران على كلّ الرّقعة الشرق أوسطية، وبالتالي، كان نشـر هذا التقرير على هذا النحو المثير، رسالةً واضحةً من فوق الماء إلى الرئيس أوباما نفسه، الذي يتعيّـن عليه الآن أن يستبدل اعتباراته الانتخابية بالاعتبارات الاستراتيجية، التي تمسّ الأمنين القوميين، الأميركي والإسرائيلي معاً. لقد أعلن أوباما، في خطابه أمام الكونغرس يوم 12 شباط (فبراير) من العام 2013 عن حالة الاتحاد، أنه «سنواصل الضّغط على النظام السوري الذي يقتل شعبه، وسندعم قادة المعارضة الذين يحترمون حقوق كلّ سوري». فهل كانت هذه إشارة إلى بدء تغيّر ما في موقفه؟
الواضح أن شيئاً ما قد تغيّر في إعلان وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري، عن تقديم مساعدات مادية وعينيّة مباشرة للمعارضة السورية. وإذا كان كيري اكتفى بالتأكيد أن هذه المساعدات ستشمل وسائل دفاعية غير قتالية، الأمر الذي خيّب آمال المعارضين الطامحين الى أسلحة نوعيّة تقيهم شرّ الطيران والدبابات، فإن المؤتمر أقرّ بتأكيد السعي الى تغيّر الميزان العسكري على الأرض. وعدم الحسم الأميركي في مدّ المعارضة بالسلاح مباشرة، ربما يعني أن المفاوضات الأميركية ـ الروسية لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، لم تفض بعد إلى أيّ اتّـفاق، وأن واشنطن ستكون مدفوعة في القادم من الأيام إلى «التفاوض بالرّصاص» مع الروس على الأرض السورية نفسها.
كيف؟ عبر الانضمام المباشر إلى الحرب بالوساطة التي تنغمس فيها الآن دول عربية وتركيا من جهة، وإيران وروسيا (وإلى حدٍّ ما الصين مالياً) من جهة أخرى. وإذا ما حدث ذلك، والأرجح أنه سيحدث، خصوصاً بعد الغارة الجوّيّة الإسرائيلية على قافلة صواريخ «سام ـ17» التي كانت متّجهة من سورية إلى لبنان والتي أشارت الى دخول تل أبيب على خط الأزمة ضد إيران وحليفها «حزب الله»، فإن الحرب السورية ستدخل مرحلة صاخبة جديدة، ستزجّ فيها الأطراف الإقليمية ـ الدولية بكلّ أسلحتها لمحاولة تغيير الجمود الرّاهن في موازين القوى لمصلحتها.
هل ثمّة مخرج ما من هذه الورطة الكارثية في سورية؟ التكتيكي البارع معاذ الخطيب قدّم للطائفة العلوية، وأيضاً للأطراف الخارجية المتوجّسة من انفجار كلّ المشرق العربي على يد الصاعق السوري، مثل هذا المخرج.
وإذا ما التقط حكماء هذه الطائفة طرف خيط هذه المبادرة، التي أشارت ضمناً إلى ضرورة رحيل الأسد، عبر دعوتها إلى الحوار مع نائب الرئيس فاروق الشرع، او أفراد النظام الذين لم تلوّث أيديهم يالدماء، ومضوا قدماً فيها، فسيكون ثمّة بصيص نور في آخر هذا النفق المظلم. ولكي يتمكّن من تفكيك النظام بشكل حاسم، يجب على الإئتلاف الوطني تقسيم صفوف هذا الأخير سياسياً. هذا يعني إقناع العلويين، وكذلك الطوائف الأخرى الصغيرة في سورية، وربما أعداد كبيرة من سكان المناطق الحضرية، بأن محاورين يحظون بثقتهم، سيمثّـلونهم في المفاوضات الرامية إلى إقامة نظام جديد. لكن ربما تسبق التطوّرات العسكرية هذا الحلّ السياسي، لكنه قد يكتسب جاذبيّة أيضاً عندما يبدأ نظام الأسد في الانهيار. ومن المرجّح أن يؤدّي ذلك إلى إحراج الإئتلاف الوطني، والذي سيجد صعوبة بمكان للتوصّل إلى توافق داخلي، في شأن أي شكل من أشكال تقاسم السلطة الموقّتة في سورية، حتى لو تمّ استبعاد الأسد. ولكن لا يمكنه تجنّب الاستجابة إلى ما لا نهاية لما يمكن أن تكون فرصة سانحة، لوضع حدّ لإراقة الدماء وضمان انتقال أكثر أمناً للسلطة. هذه الأسئلة لن تتلاشى إذا ما استولت المعارضة على دمشق، وامتدّت إلى المنطقة الساحلية حول اللاذقية وطرطوس وتحصّنت هناك، هذا بالطبع إذا ما كان لا يزال بالمستطاع بعد لمّ شمل الوطن السوري المبعثر، في إطار كيان سياسي موحّد أو حتى فيديرالي!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق